
تامارا الزين والسفير البريطاني هاميش كاول
البوصلة
كتبت مارلين خليفة
في صورةٍ حديثة، ظهرت وزيرة البيئة السيدة تامارا الزين تستقبل السفير البريطاني هاميش كاول، مرتدية عباءة ملوّنة وصندلا صيفيا. قد تبدو هذه الإطلالة عادية في لقاء خاص مع الأصدقاء ولكن وقعها بدا مختلفا في لقاء رسمي جمع بين ممثّلة الدولة اللبنانية وأحد أبرز دبلوماسيّي الدول الكبرى.
لا شكّ في أن الوزيرة المثقفة وخريجة الجامعات الفرنسية تركز على المضمون أكثر من الشكل، وهو ما يحسب لها في عالمٍ بات مهووسا بالمظاهر. الا أن اللباس يبقى رسالة صامتة تعبّر عن مدى احترامنا للمنصب ولمن نقابل ولمقام الدولة نفسها.
الجدل الذي أثارته هذه الصورة على وسائل التواصل الاجتماعي يعيد فتح الباب أمام نقاش ضروري: ما هي آداب الهندام لدى الرسميين؟ وهل يمكن للفرد أن يفصل بين شخصيّته “الخاصّة” وموقعه “العام” حين يرتدي ثيابه؟
في الحياة العامة يفترض أن يشكّل المظهر الخارجي جزءا من لغة الجسد السياسية. حين يرتدي نائب قميصا مفتوح الأزرار في جلسة تشريعية أو يظهر سفير بربطة عنق مزركشة لا تليق بسياق المناسبة فإن الرسالة تصل مشوّشة وربما مهينة.
وقد شهدنا على مرّ السنوات مشاهد متكرّرة من سوء اختيار اللباس لدى بعض المسؤولين: نائبٌ حضر جلسة رسمية ببنطال جينز “كاجوال”، ووزيرة ظهرت في محفل دبلوماسي مرتدية ثوب سهرة مبالغا فيه وسفير ارتدى قميصا صيفيا مكشوفا في مناسبة تذكارية مؤثّرة. كلّ هذه الصور لا تمحى بسهولة من ذاكرة الناس وتضع علامات استفهام حول تقدير أصحابها لمواقعهم.
ومن النماذج اللبنانية المشرّفة اليوم السيدة نعمت عون اللبنانية الاولى وعقيلة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون التي تلفت الأنظار بأناقتها الراقية والمعتدلة وتعكس من خلال إطلالاتها صورة لبنان المتزنة والجديرة بالاحترام.
فلباسها ليس مجرد اختيار شخصي، بل هو تعبير دقيق عن موقعها التمثيلي واحترامها للدولة ومكانتها. وبالرغم من أن المظهر ليس كل شيء، إلا أنه يترك أثراً بالغاً في تكوين الانطباع الأول ويسهم في تعزيز صورة الدولة في الداخل والخارج لأن الثياب وإن كانت صامتة تحسن أو تُضعف الرسالة التي يحملها صاحب الموقع العام.
في المقابل، تضرب الأمثلة كثيرًا بمدى أناقة وإتقان بعض الشخصيات العالمية لرسائل لباسهم. الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك كان رمزًا للرزانة، والأميركية ميشيل أوباما شكّلت نموذجًا في الأناقة غير المتكلّفة، في حين يُذكر الملك عبد الله الثاني من الأردن بدقّته في اختيار لباسه العسكري والمدني.
ولا يستثنى الدبلوماسيون من هذه القاعدة، بل ربما يطلب منهم أكثر من غيرهم أن يتقنوا لغة اللباس. فالسفير ليس مجرّد ناقل لرسائل الدولة التي يمثلها بل هو وجهها ومرآتها. وقد يفهم من لباسه الكثير عن ثقافة بلده ومدى احترامه لبلد الاعتماد. في عالم الدبلوماسية، لا مجال للعشوائية في المظهر. فحين يظهر سفير في مناسبة وطنية لدولة مضيفة مرتديا زيا غير رسمي او ألوانا لا تليق بطابع الحدث فإن ذلك قد يفسَّر على أنه استخفاف أو قلّة دراية حتى لو لم يكن القصد كذلك. ولطالما اعتبرت أناقة الدبلوماسيين جزءا من فنّ البروتوكول تماما كما هو الحال مع انتقاء الكلمات في البيانات الرسمية.
ولا يقتصر الأمر على الرسميين، بل يشمل الإعلاميين أيضا الذين يظهرون بشكل دائم أمام الرأي العام. حين تطلّ مذيعة بأزياء صاخبة، أو مذيع بثياب رياضية في نشرة إخبارية فذلك لا يليق بجمهورٍ ينتظر منهم الوقار والرصانة. حسن الهندام لا يعني التكلّف أو البذخ، بل هو ببساطة احترام للعين التي تشاهد وللعقل الذي يُنصت وللموقع الذي نحتلّه ولو مؤقتا.
وتجدر الإشارة أخيرًا إلى أن هذا العمود لا يستهدف الوزيرة السيدة تامارا الزين التي نكنّ لها كل التقدير، بل إن الإشارة إلى لقائها الأخير بالسفير البريطاني أتت كمثالٍ واقعي على ما يمكن أن يُثيره اللباس من نقاشٍ عام. فالإشكالية ليست في شخص الوزيرة، بل في المفارقة بين رمزية اللقاء الرسمي وعفوية الإطلالة التي بدت ملائمة أكثر لسياق خاص. إنها مناسبة لإعادة فتح نقاش أوسع حول أصول الهندام في الحياة العامة ومعايير التمثيل اللائق للدولة ومؤسّساتها أيا يكن من يشغل الموقع.