
مقدمة “مصدر دبلوماسي”
عدنان ناصر صحافي لبناني مقيم في فلوريدا، اتخذ قبل أربعة أعوام قرارًا مصيريًا بالعودة إلى وطنه لبنان، مدفوعًا بالحنين والرغبة في الإسهام بتغيير طال انتظاره. لكن الواقع فاجأه بسلسلة من الصدمات، إذ لم تكن العودة كما تخيّلها. في هذا النص الشخصي الصريح، يروي عدنان إحدى التجارب القاسية التي واجهها اخيرا في بيروت والتي تختصر ببساطة عبثية الحياة اليومية في بلد يزداد انزلاقًا نحو الفوضى.
ذا ليبيروم
عدنان ناصر
أسوأ يوم في حياتي
لبنان، لقد فعلتها مجددًا. استطعت أن تزجّ بي في موقف لم أتوقعه ولم أكن أستحقه. كنت قد عدت للتو من أسبوع رائع قضيته في سلطنة عُمان، حيث تمكّنت أخيرًا من التخلّص من التوتر الذي راكمته جرّاء العمل المفرط في شركة لم تكن تهتم سوى باستنزافي دون أن تُقدّر قيمتي.
بقلم عدنان ناصر
عدت إلى بيروت، أقود سيارتي قرب منطقة البسطة، على بُعد خطوات من وسط المدينة التاريخي. إنها منطقة أزورها كثيرًا برفقة صديقتي ماري لنتبادل الأحاديث أو لنسترخي. لكن هذا اليوم كان كل شيء موجود الا الهدوء: فقد انقلبت الأمور فجأة.
فجأة، اقترب مني رجل بسيارته مدّعيًا أنني اصطدمت بعجلة دراجته النارية. لم أرَ هذا الرجل في حياتي من قبل، ولم ألمس دراجته. حدسي قال لي: “عدنان، تجاهله فقط وانطلق.” لكن قبل أن أتمكن من اتخاذ قرار والمغادرة، حصل ما لم يكن في الحسبان: سحب مسدسًا ووجّهه نحوي.
هكذا ببساطة.
لاحقًا، أعاد سلاحه إلى مكانه وبدأ بملاحقتي. قدت بسرعة محاولًا التخلص منه، عبرت جسرًا وتجاوزت السيارات، وإذ به يرمي حجرا ضخما وبشكل مباشر نحو الزجاج الخلفي لسيارتي.
كان شعورًا بالصدمة. ليس الخوف، بل إحساسًا خامًا وسورياليًا: “ما الذي يحدث الآن؟” كنت محظوظًا. الصخرة لم تصبني. قدت سيارتي مباشرة نحو أقرب نقطة تفتيش أمنية. ولحسن الحظ، كان بعض العناصر من معارفي. في لبنان، معرفة أشخاص في أجهزة الاستخبارات قد يكون مفيدًا.
اختفى الرجل. أما المارّة، فكانوا لطفاء للغاية، اقتربوا ليسألوا إن كنت بخير. هل كنت بخير؟
جسديًا، نعم. لكن نفسيًا، كنت أغلي من الداخل، غاضبًا بشدة. وكأن هذا لم يكن كافيًا، فقد خضت في وقت سابق من اليوم ذاته جدالًا مرهقًا في العمل حول مسألة كان يمكن حلّها في دقائق.
ثم حدث ما هو أغرب.
توجهت إلى مركز الشرطة، وقدّمت بلاغًا رسميًا، وسلّمتهم الحجر كدليل. كل ما كان يدور في ذهني آنذاك: لماذا لا أجري مقابلة مع وزير الذكاء الاصطناعي اللبناني الجديد بدلًا من أن أعيش هذه المسرحية العبثية؟
لقد دمّر هذا الرجل مستقبله وعرّض حياة الآخرين للخطر لمجرد أنني رفضت أن أعطيه مالًا لقاء كذبة. لكنه، في المقابل، منحني نوعًا غريبًا من الوضوح. آمل أن يتم القبض عليه قريبًا.
دعوني أكون واضحًا: لا أشارك هذه القصة طلبًا للشفقة؛ أرجوكم لا تفعلوا. لست ممن يطلبون ذلك. أشاركها لأن الناس بحاجة إلى أن يدركوا أن يومًا عاديًا في لبنان قد ينقلب رأسًا على عقب في ثوانٍ.
هذه هي المعضلة اليومية في لبنان. كل لبناني قد تلتقيه لديه على الأرجح قصة مشابهة. يمكنك أن تقوم بكل شيء على نحو صحيح، أن تساعد الآخرين، وأن تلتزم جانب الحق، ومع ذلك تجد نفسك في قلب الفوضى.
لقد غطّيت الحروب، وسرت إلى جانب اللبنانيين وسط النيران والمِحن، وسعيت بصدق لبناء روابط مع الآخرين. ولكن، كثيرًا ما جاءت الاستجابة دون التوقعات.
وفي لحظات كهذه، أتساءل: هل عليّ أن أبقى؟ بالطبع سأبقى. إن كان للانتماء إلى لبنان أي معنى، فهو في القدرة على تحمّل هذه الفوضى الغريبة والبقاء مخلصًا لوطنك رغم كل ما يجري. أحيانًا، يكون هذا الكلام أسهل من الفعل، وقد أدركت ذلك جيدًا بعد هذا الحادث.
في وقت لاحق من تلك الليلة، تناولت العشاء في الحمرا — إحدى المناطق النابضة بالحياة في غرب بيروت — برفقة ماري، أختي بكل ما تعنيه الكلمة ما عدا الدم. كنت عالقًا في صراع داخلي، بين جانبين متناقضين من رأسي يتحاوران حول الخطوة التالية.
الجانب العقلاني كان يردّد باستمرار: “اهدأ، يحصل ذلك، يا رجل.”
فيما الجانب العاطفي يهمس: “تتبّعه… تتبّعه واجعله يندم.”
لكنني حي. ولم أتعرّض للأذى. والتحقيق جارٍ. وعندما يتم العثور عليه، سأدلي بشهادتي. علنًا. وإن كان هذا الجبان يتمتّع بالحد الأدنى من الفهم وقادر على قراءة كلماتي، فإليك رسالتي: حاول مجددًا — لكن بشكل أفضل.
شكرًا لكل من تواصل معي ذلك اليوم وساعدني. دعمكم كان يعني لي الكثير. وبعد مرور أيام قليلة، أدركت أن ما حدث عزّز قراري بالبقاء في لبنان، لا العكس.
أحب لبنان، رغم كل تحدياته.