
وزير الدفاع السعةدي الامير خالد بن سلمان يتوسط وزيري دفاع سوريا مرهق ابو قصرة ولبنان ميشال منسى في جدة حيث وقع الجانبات اتفاقا اكدا فيه على الاهمية الاستراتيجية لترسيم الحدود بين البلدين، وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة بينهما في عدد من المجالات وتفعيل آليات التنسيق بين الجانبين للتعامل مع التحديات الامنية والعسكرية
“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة:
استضافت المملكة العربية السعودية أمس الخميس اجتماعًا في جدة بحضور وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان ووزيرَي الدفاع اللبناني ميشال منسى والسوري مرهف أبو قصرة الى جانب الوفدين الأمنيين المرافقين لهما. تخلّل الاجتماع بحسب ما نقلت وكالات الانباء توقيع اتفاق يبرز الأهمية الاستراتيجية لترسيم الحدود بين البلدين وتشكيل لجان قانونية ومتخصصة إضافة إلى تفعيل آليات التنسيق لمعالجة التحديات الأمنية والعسكرية وخصوصًا على الحدود المشتركة.
كما جرى الاتفاق على عقد اجتماع متابعة في المملكة خلال الفترة المقبلة. وقد أعرب الوزيران اللبناني والسوري عن تقديرهما لقيادة السعودية على رعاية هذا الاجتماع، فيما أكدت الرياض دعمها الكامل لكل ما يسهم في تحقيق أمن واستقرار البلدين والمنطقة.
السعودية تدخل على خط الترسيم وتأثيرها المتصاعد
برزت الدينامية السعودية الجديدة في ملف ترسيم الحدود من خلال نقل الاجتماع المفاجئ من لبنان إلى جدة. وفي هذا السياق، يشير مصدر سياسي متابع إلى أن الاتفاق الذي تم التوصل اليه في السعودية يحتاج إلى اجتماعات متكررة للوصول إلى صيغة نهائية، ولا يمكن حسمه في لقاء واحد. أما بشأن المخاوف من امتداد الاشتباكات الأخيرة على الحدود إلى الداخل اللبناني، واحتمال تسلل مسلحين متطرفين من سوريا فيستبعد المصدر هذا السيناريو، لافتًا إلى أن الولايات المتحدة التي باتت تعتبر لبنان تحت مظلتها لن تسمح بزعزعة استقراره.
تحولات في المشهد الإقليمي: النفوذ الأميركي والسعودي في لبنان
تشير قراءات متعددة الى أن لبنان لم يعد خاضعا لنفوذ حلفاء إيران كما كان سابقا، بل أصبح في دائرة التأثير الأميركي والسعودي. ويأتي التحرك السعودي في اطار جهود المملكة لضبط الجماعات السنية المتطرفة في سوريا، والتي تتبع لمدرسة الإخوان المسلمين المدعومة من تركيا. ومن مؤشرات هذه الليونة السعودية، سماحها لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري بإحياء الذكرى العشرين لاغتيال والده بسلاسة ما يمهّد لخوض تياره الانتخابات البلدية والنيابية وإن كان ذلك بقيادة بهية الحريري.
لكن لماذا قررت الرياض، بعد سنوات من الانكفاء، العودة إلى الانخراط في الشأن اللبناني؟ وفقًا لمتابعين للشأن السعودي، فإن العام 2025 يختلف عن الفترات السابقة، إذ تعيش المملكة هاجس تكرار السيناريو السوري في لبنان وخصوصًا مع تصاعد المخاوف من امتداد الفكر السني المتطرف إلى البيئة اللبنانية. وقد دفع هذا القلق السعودية إلى إعادة احتضان الطائفة السنية في لبنان ومنع انجرافها نحو النفوذ التركي. في هذا السياق، بات مسؤول الملف اللبناني في الرياض، الأمير يزيد بن فرحان يضطلع بدور رئيسي في إعادة ترتيب البيت السني اللبناني.
التقاطع الإقليمي: السعودية والإمارات وإسرائيل
يمتد القلق السعودي إلى الإمارات، التي كانت سباقة في التحذير من المد الإخواني في سوريا. وتلتقي مصالح البلدين مع إسرائيل، التي كثّفت استهدافها للقدرات العسكرية السورية خوفًا من تحوّل الجماعات المسلحة ضدها. ويضيف المصدر المتابع: “السعودية لا ترغب في أن يكون للإدارة الجديدة في سوريا أي تأثير على سنة لبنان، كما أنها تسعى إلى قطع الطريق أمام انتشار الفكر المتطرف في الساحة اللبنانية”. لذا، فإن عودة تيار الحريري إلى المشهد السياسي تمثل جزءًا من استراتيجية احتواء هذا التمدد، ومنع الفكر الإسلامي الراديكالي من تهديد الأنظمة الخليجية، كما حدث خلال موجة الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا.
الاشتباكات الحدودية: صراع مصالح وتداخلات إقليمية
بالنظر إلى الأحداث الأخيرة على الحدود الشرقية للبنان، يشير المراقبون إلى أن هذه المناطق ظلت بعيدة عن نفوذ الدولة اللبنانية لسنوات طويلة، ما أتاح لها بناء اقتصاد مستقل عبر شبكات التهريب. وقد اندلعت الاشتباكات الأخيرة نتيجة تضارب مصالح المهربين بين الفصائل المسلحة السورية والعشائر اللبنانية. وتحت ذريعة وجود فلول للنظام السوري، قامت “هيئة تحرير الشام” بطرد اللبنانيين من الأراضي السورية، مما فاقم التوتر على جانبي الحدود.
ويروي أحد العارفين أن الاشتباكات بين المسلحين والعشائر على طرفي الحدود لم تمنع استمرار عمليات التهريب، حيث كانت شاحنات التهريب تمر بسلاسة وسط القتال، وكأن المعارك الدائرة لا تعنيها، في مشهد يعكس عمق المصالح الاقتصادية المشتركة بين الأطراف المتنازعة.
الطبيعة الجغرافية المتداخلة للحدود، التي تعود جذورها إلى اتفاقية سايكس بيكو، فاقمت هذه الإشكالية. ففي مناطق مثل “حوش السيد”، يكاد الحد الفاصل بين الجانبين اللبناني والسوري يقتصر على قناة مياه، “عبّارة مياه”. وقد أسفرت المواجهات الأخيرة عن طرد معظم اللبنانيين الشيعة من الأراضي السورية ما أدى إلى اشتباكات بين العشائر اللبنانية والفصائل المسلحة مدفوعة بالمصالح الاقتصادية لمافيات التهريب.
أبعاد سياسية ودوافع انتقامية
إلى جانب العامل الاقتصادي، هناك أبعاد سياسية ونزاعات متراكمة ساهمت في تفجير الأوضاع. فقد سعت الإدارة السورية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، إلى بسط سيطرتها على أراضٍ يملكها لبنانيون داخل سوريا، ما أثار حساسيات عشائرية ومناطقية. كما أن بعض الفصائل المسلحة تسعى للانتقام من تدخل “حزب الله” في الحرب السورية، معتبرة أن دوره أدى إلى انتهاكات ضد المدنيين. وقد تلاقت هذه النزعة الانتقامية مع الحوادث الطائفية في الساحل السوري، حيث مارست “هيئة تحرير الشام” ضغوطًا لإجبار الأقليات على مغادرة المنطقة.
التدخل الدولي: حسابات واشنطن والرياض
بحسب مصادر متعددة، فإن الإدارة السياسية الجديدة في دمشق، التي سعت إلى تحسين صورتها منذ تسلّمها الحكم بعد بشار الأسد، تحاول تقديم أوراق اعتمادها للقوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والسعودية. ومن هذا المنطلق، تحاول دمشق إثبات جديتها في مواجهة العشائر التي يُقال إنها على صلة بـ”حزب الله”، في حين تنفي مصادر مقربة من الحزب أي ارتباط بهذه الجماعات. وتسعى الإدارة السورية الجديدة من خلال هذه المواجهات إلى كسب نقاط لدى واشنطن، التي لا تزال متمسكة بقانون قيصر كأداة للضغط على دمشق.
في هذا السياق، كان اللقاء السوري-الأميركي في جنيف محطة أساسية، حيث وضعت الولايات المتحدة شروطًا قبل إعادة النظر في سياستها تجاه النظام الجديد. وتعتبر الحدود اللبنانية-السورية إحدى الأوراق التي تستخدمها دمشق في هذا الإطار، خصوصًا أنها تنصلت من مسؤولية المجازر التي وقعت في الساحل السوري، ما يثير المخاوف من أن تعمد إلى افتعال أحداث جديدة على الحدود اللبنانية.
شمال لبنان: قلق من عودة التنظيمات المتطرفة
لا تقتصر التحديات على الحدود الشرقية، بل تمتد إلى الشمال اللبناني، حيث يُخشى أن تشكل بعض البيئات الحاضنة أرضية ملائمة لعودة المشاريع المتطرفة، التي كان لها وجود سابق في المنطقة (مثل “فتح الإسلام” و”داعش”). وقد كشف الجيش اللبناني، قبل ثلاثة أشهر فقط، عن خلية داعشية كانت تخطط لإنشاء إمارة إسلامية في شمال البلاد. ويشير مراقبون إلى أن أي تفاعل بين هذه الجماعات والمستجدات على الحدود الشرقية قد يشكل تهديدًا جديًا للأمن اللبناني.
مرحلة جديدة من الصراع الجيوسياسي
تشهد المنطقة إعادة تموضع للقوى الإقليمية والدولية، حيث تسعى السعودية إلى لعب دور رئيسي في ضبط المشهد اللبناني في مواجهة النفوذ التركي والقطري. في المقابل تحاول الإدارة السورية الجديدة تعزيز موقعها عبر تقديم نفسها كشريك يمكن التعاطي معه دوليًا. أما الولايات المتحدة، فتراقب التطورات بحذر مستخدمة نفوذها للحد من أي تصعيد قد يهدد استقرار لبنان. وفي ظل هذه المعادلات المتشابكة تبقى الحدود اللبنانية-السورية إحدى أكثر الساحات حساسية في التوازنات الإقليمية المقبلة.