
استخدمت اسرائيل تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير في حربها ضد حزب الله وخرقت الضاحية الجنوبية بالكاميرات الصينية
مقالات مختارة
فيما يتخبّط حزب الله تحت وطأة موجة من الاغتيالات في عمق معاقله، تدور حرب خفية لا تُخاض بالرصاص بل عبر إشارات مخترقة وشبكات مُتسلَّل إليها وساحة معركة رقمية يُرسم فيها كل تحرّك قبل أن يحدث.
أنيس رئيس
ذي كرادل
لم يُقتلوا في ساحات المعارك. واحدًا تلو الآخر، في غرف العمليات، والمباني المحصّنة، والمنازل التي كان يُفترض أن تكون آمنة في الضاحية الجنوبية لبيروت، جرى اغتيال قادة ومقاتلي وعناصر حزب الله.
فؤاد شكر، إبراهيم عقيل، علي كركي، نبيل قاووق، محمد سرور، أحمد محمود وهبة. ثم جاءت الضربة التي لا تُصدَّق: الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، نفسه. وبعد أيام قليلة، تم اغتيال خليفته هاشم صفي الدين أيضًا. وتباهت إسرائيل بنجاحها في “إزالة” أبرز زعيم مقاوم في غرب آسيا وخليفته خلال أسبوع واحد فقط.
لم تكن هذه وفيات فوضوية زمن الحرب، بل اغتيالات مدروسة نُفِّذت بدقة عالية – لا عبر اختراقات ميدانية، بل من خلال المراقبة، واعتراض الإشارات، واختراق الأنظمة الأمنية.
كان حزب الله في ما مضى منظمة منضبطة ومنغلقة وشبه منيعة، لكن سنوات الحرب في سوريا أجبرته على توسيع صفوفه بشكل كبير لمواكبة تدخله العسكري في الدولة المجاورة. ويشير يزيد صايغ، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط، إلى أن حزب الله “انتقل من كونه منظمة منضبطة ونخبوية إلى جماعة فتحت الباب أمام عدد أكبر بكثير من الأشخاص مما ينبغي”. وهكذا، تآكل الهيكل الذي كان يضمن له الأمن، مما جعل التنظيم أكثر عرضة للاختراق.
توضح ميري إيسين، ضابطة الاستخبارات الإسرائيلية السابقة والباحثة حالياً في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب، أنه بعد حرب 2006 على لبنان، لم تعد إسرائيل تنظر إلى حزب الله كقوة حرب عصابات فقط، بل كـ”جيش إرهابي” معقّد. هذا التقييم الجديد دفع الاستخبارات الإسرائيلية إلى التوغّل أكثر فأكثر، فبدأت تدقق في شبكات حزب الله الداخلية، وبُناه القيادية، ونقاط ضعفه، بتركيز غير مسبوق.
وشمل هذا الجهد تحليلًا معزَّزًا بالذكاء الاصطناعي لأنماط التواصل داخل الحزب، مما مكّن إسرائيل من رسم خريطة مفصلة تدريجيًا لأبرز قياديي التنظيم وتحركاتهم.
مخبرون صامتون في الضاحية
عند التجوّل في حيّي حارة حريك، والغبيري، وفي مناطق أخرى من الضاحية، تبرز كاميرات المراقبة، ومعظمها من صنع صيني، في كل زاوية تقريبًا. خلف طاولات الجزارين والخبازين، وفي محال تصليح الإلكترونيات ومكاتب تحويل الأموال، تلتقط هذه الكاميرات يوميات الضاحية بهدوء. وتقوم شركة بشير هنبلي للتجارة في بيروت بتوزيع عدد هائل من هذه الأنظمة، معظمها من شركة “داهوا تكنولوجي”.
ويصل انتشار “داهوا” في لبنان إلى حدّ أن كاميراتها تُستخدم ليس فقط في المتاجر، بل أيضًا ضمن شبكات أمنية بلدية وخاصة.
وبموازاة براعة إسرائيل في اعتراض الإشارات والتنصّت على الترددات، يُرجّح أن هذه الأجهزة لعبت دورًا حاسمًا في تصفية الصف الأول من قادة حزب الله.
في كل متجر أو مؤسسة تقريبًا، تجد شاشة صغيرة خلف الطاولة تعرض بثًّا حيًّا من كاميرا المراقبة: عدسة موجّهة إلى الداخل ترصد الممرات والرفوف وصندوق المحاسبة، وأخرى نحو الخارج تتابع حركة المارّة والدراجات النارية. هذه الأجهزة تُنتَج بكميات ضخمة، وتُباع بالجملة، وتُركّب بلا كثير تفكير – إنها من النوع المنتشر عالميًا: رخيصة، وظيفية، وسرعان ما تُنسى.
لكن كاميرات “داهوا” طالما عانت من ثغرات أمنية خطيرة. فقد جرى اختراق أنظمتها مرارًا، وظهرت فيها عيوب سمحت للمهاجمين بالتحكّم الكامل عن بُعد. من أبرز تلك الحوادث ما كشفه الباحثون عام 2017، حين وُجد حساب إداري مخفي – باسم مستخدم “888888” – ضمن آلاف من أجهزة التسجيل والكاميرات التابعة للشركة، ما مكّن المهاجمين من الدخول الكامل إلى النظام. وبحلول عام 2021، ظهرت ثغرات جديدة……
هذا التقرير مخصص للمشتركين في موقع “مصدر دبلوماسي”
يمكنك الاشتراك للحصول على الاخبار والتقارير الخاصة ببدل سنوي
راسلنا عبر العنوان البريدي الآتي: