
القصير على الحدود اللبنانية السورية
“مصدر دبلوماسي”- خاص بالمشتركين
تشهد المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا تصعيدًا غير مسبوق في التوترات والاشتباكات المسلحة خلال الأشهر الأخيرة، في ظل واقع حدودي واجتماعي هش ومعقد يتداخل فيه التاريخ العشائري مع السياسة الإقليمية وظاهرة التهريب، ما يهدد بمزيد من الانفلات الأمني في منطقة تمتد فيها خطوط التماس على مساحات واسعة يصعب ضبطها.
اشتباكات دامية ونزوح سكاني
فيفبراير 2025، اندلعت اشتباكات عنيفة في منطقة مطربا الحدودية بين مقاتلين من العشائر اللبنانية ومسلحين سوريين أدت إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.
وفيمارس 2025، اتهمت السلطات السورية “حزب الله” بخطف وقتل ثلاثة جنود سوريين قرب الحدود ما أدى إلى تصعيد خطر تمثّل في قصف مدفعي وصاروخي طال قرى لبنانية حدودية وخصوصا بلدة القصر وأوقع قتيلين وعدداً من الجرحى، ودفع السكان المحليين إلى النزوح نحو مدينة الهرمل وسط حالة من الذعر.
تعود جذور التوتر إلى العام 1920، حين رُسمت الحدود بين لبنان وسوريا في ظل الانتداب الفرنسي لكنها بقيت حدوداً نظرية وغير واضحة المعالم. أدى هذا الواقع إلى تداخل كبير في الأراضي ما سمح لعشائر لبنانية، أبرزها آل جعفر وآل زعيتر، بالاحتفاظ بأراضٍ زراعية داخل سوريا تُعتبر من وجهة نظرهم “ممتلكات تاريخية”.
هذا التداخل لا يقتصر على الأراضي فحسب بل يشمل السكان أيضاً. فتعيش قرى سورية يقطنها لبنانيون منذ عقود مثل حاويك وزيتا وربلة بينما توجد قرى لبنانية يسكنها سوريون. وتُقدَّر أعداد اللبنانيين المقيمين في هذه القرى السورية بحوالي 40 ألف نسمة.
بحسب أرشيف موثّق، كانت عشيرة آل جعفر تمتلك أراضي زراعية في سوريا قبل تولي أديب الشيشكلي رئاسة الجمهورية السورية في العام 1953 ما يعكس عمق الروابط التاريخية لهذه العشائر مع الأرض والحدود. وتمتد مساكنها ونفوذها بين قرى الهرمل وبعلبك داخل لبنان وصولاً إلى زيتا والسماقيات وبلوزة وسقرجا داخل سوريا.
التهريب والنزاعات المسلحة
تُعدّ المنطقة معبراً أساسيا للتهريب بين البلدين وتشير مصادر ميدانية إلى أن فشل اجتماع عُقد في بلدة السماقيات بين عشائر العليوي السورية وممثلين عن العشائر اللبنانية لبحث تنظيم المعابر غير الشرعية أدى إلى تصاعد الاشتباكات حيث استخدمت خلالها الأسلحة الثقيلة والطائرات المسيّرة ما تسبب في دمار واسع النطاق وسقوط قذائف داخل لبنان.
وفي تطور لافت، شنّت قوات الأمن السورية عمليات عسكرية مكثفة على قرى يقطنها لبنانيون وسيطرت على 17 قرية ومزرعة، من بينها حاويك، السماقيات، زيتا، بلوزة، وسقرجا، بعد معارك كرّ وفرّ رافقها إعلان العشائر اللبنانية احتجاز جنود سوريين وبثّ صور لهم على مواقع التواصل الاجتماعي فضلا عن سيطرتهم على آلية عسكرية.
تدور هذه الاشتباكات على طول شريط حدودي يمتد من شمال الهرمل حتى مناطق القصر والمنطقة الجردية في بعلبك، ويُقدَّر نطاق التداخل الجغرافي الذي تشهده هذه المواجهات بأكثر من 200 كيلومتر مربع وتتموضع الاشتباكات بشكل خاص في المناطق التالية: حاويك، بلوزة، الفاضلية، العقربية، جرماش، وهيت، وهي مناطق سورية يقطنها لبنانيون، وتشكّل امتداداً عائلياً واجتماعياً لقرى لبنانية في الهرمل والقصر ومشاريع القاع.
للمتابعة اشترك الآن في موقع مصدر دبلوماسي
للحصول على التقارير الخاصة
والمقالات المترجمة
راسلنا عبر البريد الالكرتوني الآتي لمعرفة تفاصيل الاشتراكات