البوصلة
كتبت مارلين خليفة
شهدت زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد جوزاف عون الى المملكة العربية السعودية اهتماما واسعا على المستويين السياسي والإعلامي حيث حملت دلالات مهمة على صعيد العلاقات الثنائية اللبنانية-السعودية التي شهدت مراحل من التوتر والتقارب وفقا للمعطيات الإقليمية والسياسية اللبنانية. بالرغم من الأجواء الإيجابية التي سادت الزيارة فان البيان المشترك كشف عن تعقيدات ما زالت تحول دون عودة العلاقات الى سابق عهدها بشكل كامل وخصوصا فيما يتعلق بالمسائل الأمنية والسياسية والاقتصادية.
مسار متقلب
لطالما كانت السعودية لاعبا رئيسيا في دعم لبنان سياسيا واقتصاديا وخصوصا بعد اتفاق الطائف [العام 1989] الذي أسهمت فيه الرياض بشكل محوري لوضع حد للحرب الأهلية اللبنانية. ولكن العلاقات شهدت توترا متزايدا خلال السنوات الأخيرة بسبب تصاعد نفوذ حزب الله، الذي تعتبره المملكة تهديدا مباشرا لأمنها ولمصالحها في المنطقة.
ومنذ العام 2016 بدأت السعودية في اتخاذ خطوات تصعيدية تجاه لبنان شملت وقف المساعدات العسكرية والمالية وفرض قيود على الاستيراد اللبناني وصولا إلى منع مواطنيها من السفر إلى لبنان.
بلغ التوتر ذروته مع الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت في عام 2021، بعد تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي بشأن الحرب في اليمن والتي اعتبرتها السعودية موقفا عدائيا ما أدى إلى سحب السفراء وفرض مزيد من القيود الاقتصادية. إلا أن الجهود الدبلوماسية وخصوصًا عبر فرنسا أسهمت لاحقا في تهدئة الأجواء واعادة السفراء ولكن العلاقات بقيت مشروطة بإصلاحات لبنانية واضحة.
شروط السعودية لإعادة العلاقات إلى طبيعتها
من خلال البيان المشترك الصادر بعد لقاء الرئيس جوزاف عون والقيادة السعودية متمثلة برئيس مجلس الوزراء وولي العهد الامير محمد بن سلمان بن عب العزيز يمكن استخلاص مجموعة من الشروط التي تراها المملكة ضرورية لتطبيع العلاقات بشكل كامل:
التطبيق الكامل لاتفاق الطائف تعتبر السعودية أن تنفيذ اتفاق الطائف هو المدخل الأساسي لاستقرار لبنان وخصوصا لجهة تعزيز دور الدولة وبسط سيادتها على كامل أراضيها.
حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، هذه النقطة تمثل أحد أبرز المطالب السعودية إذ ترى الرياض أن وجود السلاح خارج إطار الدولة وخصوصا بيد حزب الله يعوق استقرار لبنان ويؤثر على علاقاته الخارجية، ويعتبر بعض المراقبين في لبنان أن هذا الشرط هو تعجيزي، وأن القيادة السعودية تعلم ذلك ولكنها تضعه نظرا لعدم اتخاذها القرار الحاسم بمساعدة لبنان وخصوصا في مسألتي رفع حظر السفر والمساهمة في اعادة الاعمار كما فعلت بعد حرب العام 2006.
ضمان الأمن الداخلي، تشدد المملكة على ضرورة اتخاذ تدابير أمنية فاعلة وخصوصا على المرافق الحيوية كالمطار والحدود لضمان سلامة المسافرين والمنتجات المصدّرة وهو ما يعكس المخاوف السعودية من عمليات التهريب والاضطرابات الأمنية، وقد بدأ لبنان فعليا باجراءات متشددة وصخوصا في مطار رفيق الحريري الدولي، وليس منع هبوط الطيران الايراني في لبنان إلا أحد مظاهر هذا التشدد المطلوب.
الإصلاحات الاقتصادية وفق المعايير الدولية، وهو شرط دولي و ترى السعودية أن أي دعم اقتصادي للبنان يجب أن يكون مشروطا بإصلاحات فعلية في مجال مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية وضمان استقلالية القضاء تنفيذا لمتطلبات المجتمع الدولي.
التزام لبنان بالقرارات الدولية يشدد البيان على ضرورة تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بلبنان، مثل القرارين 1559 و1701، اللذين يدعوان إلى نزع سلاح الميليشيات غير الشرعية وضبط الحدود مع إسرائيل وسوريا.
سياسة “خطوة مقابل خطوة“
يبدو أن السعودية تعتمد نهجًا حذرا في التعامل مع لبنان حيث تقوم سياستها على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، أي أن أي تحسن في العلاقات سيقابله تنفيذ لبناني عملي للاصلاحات المطلوبة. البيان المشترك عكس هذه الاستراتيجية من خلال الإشارة إلى أن استئناف التصدير ورفع حظر السفر للسعوديين مرتبطان بإجراءات لبنانية تضمن تحقيق تقدم ملموس على المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
زيارة الرئيس عون إلى السعودية لم تكن مجرد لقاء بروتوكولي بل حملت رسائل سياسية متعددة:تأكيد السعودية أنها ما زالت معنية بالشأن اللبناني ولكنها لن تقدم دعمًا غير مشروط، وتوجيه رسالة إلى القوى اللبنانية وخصوصًا حزب الله بأن أي عودة قوية للعلاقات مرهونة بتغيير في التوازنات الداخلية اللبنانية واخيرا الثبات على دعم المؤسسة العسكرية اللبنانية في إشارة إلى أن السعودية ترى في الجيش اللبناني عنصر استقرار لكنها في المقابل تشدد على ضرورة حصر السلاح بيده فحسب.
بالرغم من الأجواء الإيجابية التي رافقت الزيارة والحفاوة التي تم فيها استقبال الرئيس جوزاف عون والوفد اللبناني إلا أن البيان المشترك أظهر أن المسار طويل أمام استعادة العلاقات إلى سابق عهدها. فرفع الحظر عن سفر السعوديين واستئناف التصدير لم يتحققا بعد، بل ظلا مشروطين بخطوات لبنانية مستقبلية. وهذا يؤكد أن السعودية لن تتخذ قرارات متسرعة بل ستراقب مدى التزام لبنان بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة قبل المضي في أي خطوات انفتاحية إضافية.