
مهى الخطيب مديرة كارنيجي والدكتور مروان المعشر
“مصدر دبلوماسي”-خاص
في جلسة حوارية هامة نظمتها مؤسسة كارنيجي للشرق الأوسط، استضاف المركز مروان المعشر، نائب رئيس الدراسات في كارنيجي ونائب رئيس الوزراء الأسبق في الأردن، في لقاء مفتوح يوم الجمعة 7 مارس 2025 في مكاتب المركز في بيروت. تمحورت الجلسة حول الخطة العربية الجديدة لغزة التي تم الاتفاق عليها خلال القمة العربية الطارئة في مارس 2025، وكذلك تفاصيل هذه الخطة السياسية والاقتصادية وما تحمله من أبعاد إقليمية ودولية.
أدارت الجلسة مهى يحيى، مديرة مركز كارنيجي التي افتتحت الجلسة بتسليط الضوء على خلفية الحوادث الأخيرة التي شكلت سياقًا حاسمًا لهذه الخطة. حيث أكدت على الدور العربي والضغط الدولي الناتج عن الهجوم الأخير على غزة في أكتوبر 2024، الذي أسفر عن مقتل أكثر من 46,000 شخص، أغلبهم من المدنيين. وتطرقت إلى الانتقادات الحادة التي طالت خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والتي اقترحت التغيير الجغرافي في غزة ونقل الفلسطينيين إلى دول مجاورة وهو ما قوبل بمعارضة شديدة من العديد من الدول العربية والدول المعنية بالملف الفلسطيني.
لم تقتصر أسئلة مديرة مركز كارنيجي مهى يحي على التفاصيل الاقتصادية للخطة، بل تعمقت في الجانبين السياسي والأمني حيث أشارت إلى أهمية دعم القمة العربية لهذه الخطة على الرغم من الغياب الواضح لبعض الدول مثل السعودية والإمارات. وفي ذات السياق، تساءلت عن الاستراتيجية التي وضعتها الدول العربية لمواجهة الردود الإسرائيلية والأميركية على هذه الخطة التي تتضمن إعادة إعمار غزة مع الحفاظ على الحقوق الفلسطينية.
مروان المعشر بدأ حديثه بتفاصيل الخطة التي تم الاتفاق عليها والتي تركز على جمع 33 مليار دولار على مدى خمس سنوات من أجل إعادة إعمار غزة. وأوضح أن هذه الخطة تتسم بالخصوصية، لأنها تمثل أول مرة يتم فيها طرح خطة شاملة لإعادة الإعمار في غزة تأخذ في الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والسياسية. وأضاف: “هذه ليست خطة إعادة إعمار تقليدية، بل هي محاولة لتحريك الملف الفلسطيني نحو تحقيق تسوية سياسية حقيقية، وهي التي تعتبر المدخل لتحسين الوضع المعيشي للفلسطينيين.”
وأشار المعشر إلى أن الخطة تشمل أيضًا إصلاحات داخلية في السلطة الفلسطينية، وتدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون عام، وهو ما يُعد خطوة غير مسبوقة في الملف الفلسطيني والذي يشهد الانقسام بين حركة حماس و السلطة الفلسطينية. وأضاف: “هناك دعوة لإعادة بناء المؤسسات الفلسطينية بطريقة شفافة وتضمن توزيعًا عادلًا للموارد.”
إلا أن مهى يحي استفسرت عن تفاصيل النقاط العالقة في الخطة مثل نزع سلاح حماس، وأكدت على أن هذا الأمر يثير جدلا حادا في الساحتين السياسية الفلسطينية والدولية. فهل ستتمكن الدول العربية من فرض هذه الشروط على غزة؟ وألا يُعد هذا تحديا صعبا في ظل موقف حماس الرافض للتنازل عن سلاحها؟ وكانت أسئلتها تستهدف فهم ردود الفعل المتوقعة من الجهات الدولية وخاصة إسرائيل و الولايات المتحدة.
مروان المعشر أجاب بأن نزع سلاح حماس يشكل أكبر التحديات التي تواجه الخطة، قائلًا: “لا يمكن تصور نجاح أي خطة في غزة دون أن يكون هناك اتفاق سياسي شامل يشمل نزع سلاح الجماعات المسلحة بشكل عام، وخصوصًا حماس. وهذا يظل قضية معقدة للغاية.” وأضاف المعشر: “إسرائيل تتبنى سياسة نقل الفلسطينيين من غزة إلى الدول المجاورة، وهي سياسة تعارضها الدول العربية بشكل حاسم.”
من ناحية أخرى، تحدثت مهى يحي عن موقف الدول العربية تجاه هذه الخطة وخصوصا بعد انسحاب بعض الدول مثل السعودية و الإمارات من المشاركة المباشرة في القمة. واستفسرت عن مدى قدرة الدول العربية على التأثير في مجريات الأمور في غزة وسط التوترات المتزايدة في المنطقة وخصوصا في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تعيشها العديد من الدول العربية. وكان هناك تساؤل حول قدرة هذه الدول على تمويل الخطة وخصوصا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المنطقة.
مروان المعشر شرح أن أحد العناصر الأساسية التي ستحدد نجاح الخطة هو التعاون الدولي، حيث سيتم استقطاب الدول الغربية و الأمم المتحدة للمشاركة في تمويل العملية وإعادة الإعمار، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. وأضاف: “من غير الممكن أن تنجح الخطة من دون دعم خارجي قوي، سواء كان من الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية.”
عندما تطرق الحديث إلى المواقف الإسرائيلية من الخطة، أشار المعشر إلى أن إسرائيل لا ترى في هذه الخطة أي خطوة في اتجاه السلام، بل ترفضها بشكل قاطع طالما أنها تركز على بقاء الفلسطينيين في غزة. وأضاف: “الرفض الإسرائيلي لهذه الخطة كان متوقعًا، فهم لا يريدون أي حل سياسي لا يتضمن ترحيل الفلسطينيين من غزة.”
وفيما يتعلق بـ الولايات المتحدة، فقد كانت الخطة موضوعًا حيويًا في البيت الأبيض، حيث كانت هناك إشارات أولية على عدم تأييد إدارة ترامب للخطة، لكن هناك مؤشرات على أن الإدارة الأميركية الجديدة قد تكون أكثر انفتاحا على بعض جوانب الخطة. وأشار المعشر إلى أنه لا بد من إيجاد مخرج دبلوماسي مقبول لجميع الأطراف.
مهى يحي اختتمت الجلسة بسؤال عن إمكانية تحقيق السلام الدائم في المنطقة وهل يمكن أن تفضي هذه الخطة إلى خلق أرضية سياسية جديدة لتحقيق ذلك. وبدوره، أكد المعشر أن التسوية السلمية هي الأمل الوحيد في المنطقة، مشيرا إلى أنه لا يوجد بديل حقيقي للوصول إلى حل عادل وشامل للفلسطينيين. وأضاف: “بالنسبة للسياسة الإسرائيلية، إذا لم نتمكن من إيجاد حل عادل لفلسطين، فسيظل الوضع في المنطقة هشًا وغير مستقر.”
في النهاية، شكر مروان المعشر الحضور وأكد على ضرورة استمرار الحوار بين الدول العربية والمجتمع الدولي لتجاوز الأزمات السياسية والإنسانية في المنطقة وأن تكون هذه الخطة خطوة أولى نحو إنهاء المعاناة في غزة وفتح الأفق أمام السلام الشامل.