
الطائرة الايرانية ماهان إير
البوصلة
كتبت مارلين خليفة:
لطالما شكّلت العقوبات أداةً رئيسية في السياسة الخارجية الأوروبية تجاه إيران، لكن تأثيرها لا يقتصر على طهران وحدها بل يمتد إلى دول أخرى تجد نفسها عالقة بين الالتزامات الاقتصادية والضغوط السياسية. لبنان، على سبيل المثال، ليس ملزمًا قانونيًا بالامتثال للعقوبات الأوروبية التي تحدث عنها رئيس الحكومة نواف سلام ولكنه يتأثر بها بطرق غير مباشرة تجعل التهرّب منها شبه مستحيل.
العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي ليست ملزمة إلا إذا صدرت بقرار من مجلس الأمن الدولي، وهذا لم يحدث في حالة العقوبات الأخيرة على إيران. لكن ذلك لا يعني أن الدول غير الأوروبية قادرة على تجاهلها بالكامل. فالاتحاد الأوروبي كقوة اقتصادية وسياسية يمتلك وسائل ضغط كافية لحثّ الدول على الامتثال. المساعدات المالية، الاتفاقيات التجارية، وحتى الشراكات الدبلوماسية كلها أدوات تُستخدم لتطويع الدول غير الأوروبية لتتماشى مع سياسته وليس لبنان الذي يعاني أزمات اقتصادية خانقة، ليس في وضع يسمح له بتحدّي الاتحاد الأوروبي أو التصرف وكأن هذه العقوبات لا تعنيه.
إحدى أكثر الوسائل فعالية في فرض العقوبات هي العقوبات الثانوية، والتي تعني أن أية جهة تتعامل مع كيان معاقَب قد تجد نفسها معاقَبة بدورها. هذا يعني أن شركة لبنانية، على سبيل المثال، قد تواجه قيودًا من شركات أوروبية أو أميركية لمجرد تعاملها مع شركة إيرانية مدرجة على قائمة العقوبات. وهذا ينطبق أيضًا على شركات الطيران، حيث قد تجد الخطوط الجوية اللبنانية نفسها في مأزق إذا واصلت استقبال طائرات إيرانية تخضع لعقوبات أوروبية.
الأمر لا يتوقف عند أوروبا. الولايات المتحدة، التي لطالما كانت أكثر تشددًا من الأوروبيين تجاه إيران، قد تمارس ضغوطًا إضافية على لبنان، سواء عبر تهديده بعقوبات مباشرة أو من خلال التنسيق مع إسرائيل لفرض مزيد من القيود عليه. واشنطن وتل أبيب تعتبران أي تعاون لبناني مع إيران ولو كان اقتصاديًا أو تجاريًا هو جزء من صراع أوسع يهدف إلى محاصرة النفوذ الإيراني في المنطقة.
قرار منع هبوط طائرة تابعة لشركة “ماهان إير” الإيرانية في مطار بيروت الدولي ليس سوى أحدث تجليات هذا الواقع. السلطات اللبنانية بررت القرار بوجود مخاوف أمنية وضغوط دولية لكن الحقيقة أن هذا القرار يعكس حجم التعقيد الذي تواجهه بيروت في علاقتها مع طهران. “ماهان إير” ليست شركة طيران عادية، بل سبق أن وُضعت على قوائم العقوبات الأميركية والأوروبية بسبب صلاتها بالحرس الثوري الإيراني ونقلها أسلحة إلى مناطق النزاع. لكن منع طائرة من الهبوط لا يمكن أن يكون مجرد إجراء إداري، بل هو قرار سياسي بامتياز يظهر كيف أن لبنان سواء أراد ذلك أم لا، يخضع لحسابات أكبر منه.
في الأشهر الأخيرة، شدد الاتحاد الأوروبي عقوباته على إيران وخصوصا بعد اتهام طهران بتزويد روسيا بصواريخ باليستية ومسيرات حربية. في أكتوبر 2024 فُرضت عقوبات على 14 كيانًا وفردًا إيرانيًا شملت “إيران إير”، وفي نوفمبر، وُسّعت العقوبات لتشمل حظر التعامل مع الموانئ المستخدمة في نقل المسيرات والصواريخ الإيرانية إلى روسيا. هذه العقوبات، التي تبدو في ظاهرها موجهة إلى إيران تلقي بظلالها على دول أخرى مثل لبنان، الذي يُجبر على اتخاذ قرارات تفرضها عليه مصالح الآخرين أكثر من مصالحه الخاصة.
في المحصلة، ليس مطلوبًا من لبنان قانونيًا أن يلتزم بهذه العقوبات، لكن في الواقع، لا يملك ترف تجاهلها. العقوبات ليست مجرد قوائم تُنشر في بروكسل، بل أدوات ضغط تجعل الالتفاف عليها مستحيلًا إلا بثمن باهظ. القرار بمنع الطائرة الايرانية “ماهان إير” والطائرات الايرانية لشركات اخرى من الهبوط قد يكون خطوة استباقية لتجنب تداعيات أكثر خطورة لكنه في الوقت نفسه يعكس حجم التضييق الذي يتعرض له لبنان نتيجة صراعات المنطقة والدول.