![في الذكرى العشرين لرفيق الحريري حشود غفيرة أمت وسط بيروت لتجديد البيعة لسعد الحريري](https://i0.wp.com/masdardiplomacy.com/wp-content/uploads/2025/02/Hariri-People-.jpg?fit=1024%2C538&ssl=1)
في الذكرى العشرين لرفيق الحريري حشود غفيرة أمت وسط بيروت لتجديد البيعة لسعد الحريري
“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة
في الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس رفيق الحريري ألقى سعد الحريري خطابًا سياسيًا وشعبيًا في وسط بيروت اليوم الجمعة أمام حشود غفيرة أمّت بيروت من مختلف المناطق اللبنانية. حمل الخطاب المنتظر العديد من الرسائل السياسية سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي وجاء بعد فترة من الانكفاء السياسي الذي خاضه الحريري عقب تعليق عمله السياسي في 24 يناير العام 2022.
أكد سعد الحريري الذي ظهر واثقا في خطابه أن مشروع رفيق الحريري لا يزال مستمرًا مشددًا على أن جمهور رفيق الحريري ليس محصورًا بتيار المستقبل بل يشمل كل من يؤمن بالاعتدال وإعادة الإعمار ودولة المؤسسات. هذا التأكيد يأتي في سياق محاولته إعادة ترسيخ دوره السياسي كزعيم للخط المعتدل في لبنان.
وفي خطوة غير مألوفة على الساحة اللبنانية ولكنها تستوحي كلاما سابقا للشهيد رفيق الحريري عن ضرورة اعتراف السياسي بالخطأ، أقر سعد الحريري أمام جمهوريه المتعطش للقياه هو الذي يعيش في الامارات العربية المتحدة بأن جزءًا من المسؤولية عن الأزمات المتلاحقة يقع عليه، مشيرًا إلى أنه استقال وعلّق العمل السياسي ليتيح الفرصة لحلول جديدة ولكن الأزمات تفاقمت. هذه الإشارة يمكن قراءتها على أنها تهيئة للعودة السياسية مع محاولة تمييز نفسه عن القوى الأخرى التي لم تتحمل مسؤولياتها. وجدد الحريري تأكيده على أن مشروعه السياسي يستند الى اتفاق الطائف وسيادة الدولة، وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني. هذا الموقف يأتي في ظل واقع سياسي لبناني معروف بالاستقطاب مما يجعله بمثابة رسالة للداخل والخارج بأن تيار المستقبل لا يزال متمسكًا برؤيته التقليدية للدولة.
لفتة وطنية مميزة حين عبّر الحريري عن تضامنه مع الجنوبيين واللبنانيين الذين تضرروا من الحرب الإسرائيلية الأخيرة مؤكدًا أن مسؤولية إعادة الإعمار يجب أن تكون جامعة. كما دعا الى تعزيز وحدة اللبنانيين في مواجهة التحديات، لكنه لم يطرح موقفًا واضحًا من سلاح حزب الله مكتفيًا بالدعوة إلى دور الدولة في حماية اللبنانيين.
وأبدى الحريري في خطابه دعمًا لرئيس الجمهورية الجديد جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، معتبرًا أن لبنان أمام “فرصة ذهبية”، محذرًا من الالتفاف عليها. هذه الدعوة تعكس رغبته في إعادة الانخراط في المشهد السياسي، ولكن من موقع الداعم للسلطة وليس المنافس المباشر عليها أقله حاليا.
في تحول لافت، تحدث الحريري عن دعم إرادة السوريين وإعادة إعمار سوريا موجها اتهاما مباشر لبشار الاسد الرئيس السوري المخلوع في اغتيال والده في العام 2005، مشيرًا إلى أنه يؤيد إقامة علاقات طبيعية مع “القيادة السورية الجديدة”، ما قد يوحي بانفتاح على التغيرات في دمشق أو محاولة لإعادة التموضع في ظل التحولات الإقليمية.
فلسطينيا، اعاد الحريري التأكيد على موقفه الداعم لحل الدولتين محملًا رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو مسؤولية استمرار الحرب عبر الهروب من السلام. كما شدد على أهمية العلاقات مع الدول العربية، في موقف يتماهى مع الخط السياسي التقليدي لتيار المستقبل الداعم للعروبة.
يبدو أن سعد الحريري يسعى إلى إعادة ترتيب موقعه السياسي متجنبًا العودة المباشرة إلى المواجهة السياسية، ولكنه يترك الباب مفتوحًا للعب أدوار داعمة للعهد الجديد، مما يمنحه هامشًا للمناورة في المستقبل.
رسائل الخطاب تؤكد أن الحريري لم يغادر المشهد السياسي نهائيًا، بل يراقب التطورات ويدرس خياراته، مما يشير إلى احتمال عودته التدريجية، ربما عبر دعم شخصيات محسوبة عليه في الانتخابات المقبلة سواء الانتخابات البلدية والاختيارية ثم النيابية في العام 2026.
بالرغم غياب التيار عن الساحة بشكل رسمي فإن الحريري أكد أنه ما زال موجودًا كتيار الاعتدال مما يوحي بأن إعادة تفعيله تبقى خيارًا مطروحًا وفقًا للظروف السياسية.
يواجه الحريري تحديات كبيرة في إعادة بناء تياره السياسي، خاصة في ظل غياب التأييد والتمويل السعودي الواضح، وصعود قوى سنية جديدة قد تنافسه على تمثيل الشارع السني في لبنان. حمل خطاب سعد الحريري رسائل متعددة تعكس رغبته في البقاء ضمن المشهد السياسي اللبناني، مع ترك الأبواب مفتوحة أمام احتمالات العودة، وهو أشاد بالعلاقات مع السعودية وأكد على التمسك بالعروبة والاعتدال ودعم الدولة والانفتاح العربي في محاولة للحفاظ على إرث والده السياسي وإعادة تموضعه في المستقبل السياسي للبنان.
![سعد الحريري](https://i0.wp.com/masdardiplomacy.com/wp-content/uploads/2025/02/Hariri-Walking.jpg?resize=640%2C646&ssl=1)
نص خطاب الحريري
منذ عشرين سنة نزلتم إلى هذه الساحة وقلتم للرئيس الشهيد رفيق الحريري: رح نشتقلك.
واليوم بعد عشرين سنة عدنا إلى هذه الساحة لنقول لرفيق الحريري: اشتقنالك!
منذ عشرين سنة في هذه الساحة طالبتم بالعدالة، وبإرادتكم طردتم نظام المجرم بشار الأسد من لبنان.
وبعد عشرين سنة، وقبلها ثلاثين من الحكم الطائفي، من المعاناة، من الظلم، والقتل والاعتقال والتعـذيب والوحشية، قام الشعب السوري البطل، وطرد المجرم من سوريا. ربما هذه هي بداية العدالة، وربما هذه نهايتها.
… في الحالتين، رأيتم كيف أنه إن لم تنصفنا عدالة الارض فعدالة رب العالمين لا يهرب منها أحد.
وهذه مناسبة لنعلن دعمنا لإرادة السوريين ولاستقرار سوريا وإعادة إعمارها وإرادتنا بأفضل العلاقات الندية من دولة لدولة باحترام كامل للسيادة والاستقلال، كما أعلنت مرارا وتكرارا القيادة السورية الجديدة.
في هذه العشرين سنة، مر بلدنا بأزمات كبيرة، أزمات كثيرة أنهكت اللبنانيين، ونحن لم ننكر يوما أن جزء من المسؤولية يقع علينا. وتحملنا مسؤوليتنا بكل شجاعة وقدمت استقالتي، وعلّقنا العمل السياسي، وأفسحنا المجال لمدة 3 سنوات وأكثر، وبقيت الأزمات وازدادت.
ستقولون أنا الوحيد؟ لا يهم أنا أقبل. غيري مسؤول عن خياراته، نحن مسؤولون عن أنفسنا أمام الناس وأمام رب العالمين.
كثرت الأزمات، وآخرها وأخطرها، حرب إسرائيلية مجنونة، مجرمة، استهدفت بلدنا وقتلت أهلنا، ودمرت بيوتهم ومؤسساتهم ومزروعاتهم ومجتمعهم. وكما أنحني أمام كل الشهداء من أهلنا في الجنوب والبقاع وبيروت والضاحية وكل المناطق، أرفع رأسي بالتضامن الذي عبرتم عنه خلال الحرب، عندما فتحتم بيوتكم للمنكوبين واستقبلتم النازحين وقلتم بالفعل وليس بالكلام: “لبنان واحد واللبنانيون جسم واحد”.
وكما كانت مسؤوليتنا جميعا أن نواجه العدوان، مسؤوليتنا جميعا أن نرمم الجسم اللبناني الواحد ونعيد إعمار المناطق المدمرة، لتعود الزراعة والصناعة والسياحة والمؤسسات قادرة على توفر العمل والحياة الكريمة لأهلنا اللبنانيين.
هذه مسؤولية الجميع، تماما كما هي مسؤولية الجميع حل الأزمة الاقتصادية، وإعادة التنمية في كل المناطق، من عكار إلى طرابلس وصيدا وحتى آخر قرية في الجنوب، ومن بيروت إلى الجبل والبقاع، وصولا حتى آخر جرود عرسال.
واليوم لدينا فرصة. لبنان لديه فرصة ذهبية: بات لدينا رئيس جمهورية، وحكومة جديدة، وأمل جديد عبّر عنه خطاب القسم لفخامة الرئيس جوزيف عون، وبيان دولة الرئيس نواف سلام. هذا أملنا أن يتحقق.
أمامنا فرصة وقرارنا أن ندعم ههذه الفرصة، ونرفض ثم نرفض أي محاولة للالتفاف عليها. ولأهلنا في الجنوب والبقاع والضاحية أقول: أنتم شركاء في هذه الفرصة ومن دونكم لا يمكن أن تتحقق. لكن يجب أن تكسروا أي انطباع من السابق بأنكم قوة تعطيل واستقواء وسلاح. أنتم شركاء في فتح جسور العلاقة مع الأخوة العرب وشركاء في إعادة الإعمار، والأهم: أنتم شركاء بقوة في إعادة الاعتبار للدولة، التي وحدها بجيشها وقواها الأمنية ومؤسساتها، تحمي اللبنانيين، كل اللبنانيين.
في الأصل، ماذا كان مشروع رفيق الحريري، ما هو مشروعنا، غير دستور الطائف وبناء الدولة وإعادة الإعمار وتطوير المؤسسات وإطلاق الطاقات والتحرير والحفاظ على سيادة الدولة غير المنقوصة على كامل أراضيها؟ ونحن بماذا كنا نطالب غير بدولة طبيعية؟ هل تعرفون ماذا يعني ذلك؟ يعني دولة، السلاح فيها احتكار للجيش الوطني، والقوى الأمنية الشرعية، والاقتصاد فيها حر ومنتج ويوفر العمل والحياة الكريمة لكل اللبنانيين، والقضاء فيها مستقل ويطبق القوانين، ويحمي الحريات الخاصة والعامة، وينصف الجميع، وعلى رأسهم، الشهداء والجرحى والمنكوبين في انفجار المرفأ، وضحية الانفجار، حبيبة رفيق الحريري، عاصمتكم بيروت.
نحن داعمون للعهد وللحكومة ولكل مجهود لنبني دولة طبيعية وعلاقات طبيعية مع عائلتنا العربية والمجتمع الدولي ولنستعيد دور لبنان في المنطقة والعالم. نحن مع الدولة وجيشنا الوطني، ومع كل مجهود يقومون به لفرض تطبيق وقف اطلاق النار والقرار 1701 كاملا، أي خروج الاحتلال الإسرائيلي من كل القرى التي لا يزال موجودا فيها.
نعم يا أحبائي،
بعد عشرين سنة، مشروع رفيق الحريري مستمر، من خلالكم مستمر، بصيغة جديدة، مستمر، ومن حاولوا قتل مشروعه، أنظروا أين أصبحوا. “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.” صدق الله العظيم… صدق الله العظيم… صدق الله العظيم!!!
نعم، بعد عشرين سنة، رفيق الحريري حاضر، وجمهور رفيق الحريري حاضر، في هذه الساحة وفي كل ساحاتنا.
جمهور رفيق الحريري ليس فقط تيار المستقبل، الذي كان وسيبقى تيار الاعتدال، تيار إعادة الإعمار، تيار الدولة، تيار المؤسسات، تيار الحريات، تيار العروبة والحداثة والانفتاح والعيش الواحد بين كل اللبنانيين.
جمهور رفيق الحريري هو كل لبناني يرى اليوم ما هو المطلوب لحماية لبنان وحماية الفرصة والأمل لنعود دولة قوية في بلد طبيعي.
اسمعوني جيدا، هذا التيار، تيار المستقبل، وهذا الجمهور، جمهور رفيق الحريري، باق هنا، وباق معكم، وسيكون صوتكم في كل الاستحقاقات الوطنية، وكل المحطات المقبلة.
كيف؟ سبق وقلت لكم: “كل شي بوقتو حلو”…
اليوم وقت لنفهم التغييرات الكبيرة التي حصلت عندنا وفي المنطقة، لنعلن تضامننا مع شعب فلسطين الجبار وقضيته العادلة وحقوقه، وتمسكنا بحل الدولتين، الذي تبناه كل العرب هنا في بيروت وأيضا تبناه المجتمع الدولي. المشكلة مع نتنياهو هي الهروب من المسؤولية، الهروب من السلام إلى الحرب، مشكلة احتلال وقتل وتشريد شعب، ولا يمكن أن تحل لا على حساب مصر ولا على حساب الأردن ولا من حساب المملكة العربية السعودية.
اليوم وقت شهيدنا الكبير، وقت الذكرى العشرين للرئيس الشهيد رفيق الحريري وكل رفاقه الشهداء، وقت لأقول لكم أنه كما على مدى 20 عاما كنتم إلى جانبي ووقفتم إلى جانبي ولم تتركونني، انا بدوري باق إلى جانبكم وأقف معكم ولن أترككم. باق إلى جانبكم وسأكمل معكم لنكمل سوية بوصية رفيق الحريري، ومسيرة الاعتدال، والعيش المشترك، ولبنان اولا! ثم أولا ثم أولا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.