مقالات مختارة
ذي إيكونومسيت
في أول مقابلة له منذ توليه رئاسة سوريا، جلس أحمد الشرع مع مجلة الإيكونوميست واستعرض رؤيته لإعادة بناء الدولة السورية المحطمة والممزقة والمفلسة.
الزعيم السابق لتنظيم القاعدة في سوريا والمعروف سابقًا باسمه الحركي (أبو محمد الجولاني) كشف بعد ثمان وأربعين ساعة فقط من توليه المنصب عن جدول زمني يأخذ سوريا في “اتجاه” الديمقراطية، متعهدًا بإجراء انتخابات رئاسية.
توقع كثيرون أن يشكل صعوده تحولًا استراتيجيًا لسوريا، يخرجها من قبضة إيران وروسيا ويقربها من المعسكر الغربي، لكنه تحدث بلهجة حادة عن الوجود العسكري الأمريكي “غير القانوني” في سوريا، ورحب بالمفاوضات مع روسيا بشأن قواعدها العسكرية، وحذر إسرائيل من أن تقدمها في سوريا بعد سقوط نظام الأسد “سيسبب الكثير من المتاعب في المستقبل”.
لم يكن هناك ما يشير إلى التعددية في ادارته وهي التعددية التي تحدث عنها بحماس في مقابلاته، وكان محاطًا بمجموعة صغيرة من المستشارين، معظمهم من إمارته في إدلب، وكان بقية القصر الجمهوري الشاسع، الذي يفوق حجمه حجم البيت الأبيض فارغًا.
يملك الشرع قدرة على إرضاء جميع الأطراف وإظهار نفسه متوفقًا مع الجمهور الذي يستمع له، فعندما أعلن رئاسته قبل ليلتين، كان يرتدي زيًا عسكريًا أثناء وقوفه أمام قادة الفصائل، وفي الليلة التالية، خاطب السوريين بصفة مدنية مرتديًا بدلة سوداء وربطة عنق خضراء، أما في مقابلته مع الإيكونوميست، فاختار مظهرًا عصريًا، مرتديًا سترة كريمية اللون فوق قميص أسود مغلق حتى العنق وسروالًا ضيقًا، وكأنه في طريقه إلى سهرة ليلية في المدينة.
يبدو أنه مهتم جدًا بصورته، حيث ذكر ملابسه ثلاث مرات، ربما لأنه يدرك أن المراقبين سيقرأون الكثير في مظهره.
تم إيصال رسائله بنبرة هادئة، لكنها كانت موجهة لكل جمهور على حدة، ومع ذلك، فإن التغييرات المستمرة تجعل من الصعب الحكم على شخص كان العقل المدبر للتفجيرات الانتحارية لصالح تنظيم الدولة (داعش) وقاد القاعدة في سوريا.
رؤيته طويلة الأمد، بالرغم من انه تولى منصب رئيس انتقالي، وتم تأجيل العديد من وعوده مثل صياغة الدستور وإجراء الانتخابات، “لثلاث أو أربع سنوات” في المستقبل، بينما يسعى حاليًا إلى ترسيخ سلطته.
استعادة السلطة المركزية على الدولة السورية الممزقة في صدارة أولوياته، وهو يدعي انه حصل على موافقة “جميع” المليشيات السورية للانضمام الى جيش سوري جديد باستثناء الاكراد.
كما يزعم أن جميع الميليشيات، بما في ذلك المليشيا الخاصة به السابقة هيئة تحرير الشام، قد تم حلها، ويؤكد أن “أي شخص يحتفظ بسلاح خارج سيطرة الدولة” سيكون عرضة “لإجراءات غير محددة”، كما استبعد أي نظام فيدرالي لمعالجة المعارضة الكردية، لكن صورة الرجل القوي التي يسعى إلى رسمها تتناقض مع غياب طاقم القصر، حيث لم يكن هناك أحد يقدم القهوة، وكان هناك شخص واحد فقط حديث العهد بالبلاد يتولى مهام الاتصال، وجلس الى جانبه وزير خارجيته والجهادي السابق اسعد الشيباني الذي تولى إدارة اللقاء.
على الأرض، فإن قواته البالغ عددها ثلاثين الف مقاتل تعاني من نقص كبير في الانتشار، وكما يشير بنفسه، “لا تزال مناطق شاسعة خارج سيطرة الدولة السورية”.
لم يظهر أي من قادة الفصائل المتمردة الذين حضروا مراسم تنصيبه المصطنعة وهم يصفقون، ويقول أحد القادة الجنوبيين الغاضبين: “لقد ضحينا أيضًا لعقد من الزمن”، مشيرًا إلى أن الشرع استحوذ على ما كان جهدًا جماعيًا للإطاحة بالأسد.
لا تزال الميليشيات المنافسة تسيطر على معظم حدود البلاد، ويقاوم العديد من قادتها، الذين كانوا في السابق ضباطًا في الجيش السوري، تسليم أسلحتهم وسلطتهم، ولم يحدد وزير الدفاع حتى الآن موعدًا نهائيًا لهم للقيام بذلك، أما الأكراد، الذين يسيطرون على حقول النفط الرئيسية والأراضي الزراعية وسد الفرات الذي يوفر الكهرباء للبلاد، فيرفضون الاعتراف بحكمه، وردًا على سؤال حول المفاوضات مع الأكراد، قال الشرع: “لست متفائلًا كثيرًا”.
كما يكافح الشرع للسيطرة على المتشددين الجهاديين الذين كانوا يشكلون قاعدته. لقد تم تجنب حمام دم في سوريا حتى الان، لكن وزارة الإعلام حظرت دخول الصحفيين الأجانب إلى السواحل وحمص، حيث ترتفع أعمال الانتقام ضد العلويين.
ينفي الشرع تقارير عن عودة ظهور تنظيم الدولة، لكنه يعترف بأن قواته “أحبطت العديد من الهجمات” منذ توليه السلطة، وتشير المعلومات إلى أن خلايا التنظيم تعود إلى دمشق ومدن أخرى، مستفيدة من تصاعد الاستياء الشعبي.
الموضوع الثاني في مقابلتنا كان مسألة ما إذا كان ينوي فعلاً الوفاء بوعوده — أو على الأقل المحاولة.
في مقابلتنا، استخدم السيد الشرع كلمة “الديمقراطية” علناً لأول مرة منذ توليه السلطة، وقال، ببعض التردد: “إذا كانت الديمقراطية تعني أن الشعب هو من يقرر من سيحكمه ومن يمثله في البرلمان، إذن نعم، سوريا تسير في هذا الاتجاه”، وأصر على أنه سيستبدل حكومته المكونة من الموالين له من إدلب، ووعد باستبدالهم خلال شهر بـ”حكومة أوسع وأكثر تنوعاً بمشاركة من جميع فئات المجتمع”.
وقال إن الوزراء وأعضاء البرلمان المعين حديثاً سيتم اختيارهم بناءً على “الكفاءة، وليس العرق أو الدين”، مما يفتح احتمال تعيينه لأول مرة بعض غير السنة، كما وعد بإجراء انتخابات “حرة ونزيهة” وإكمال صياغة دستور بالتعاون مع الأمم المتحدة بعد “ثلاث إلى أربع سنوات على الأقل”، ووعد بأجراء انتخابات رئاسية لأول مرة.
لكن الشرع يحاول التوفيق بين العديد من الفئات، بما في ذلك قاعدته الجهادية والأغلبية السنية العربية المحافظة إلى حد كبير. فإذا حرمهم من غنائم الحرب والدولة الإسلامية التي وعد بها عندما كان يدير إدلب، فإنه يخاطر برد فعل عنيف.
لقد حول غرفة جانبية في القصر الرئاسي إلى قاعة صلاة وأزال منفضات السجائر من طاولات القهوة، تماشيًا مع توجهه الإسلامي المتشدد. (لكنه في المقابل، أطلق شاربه وهو ما يتناقض مع هذا التوجه).
في مقابلتنا، تهرب الشرع من مسألة الشريعة الإسلامية وأحالها إلى إحدى الهيئات التي عينها، وقال إنه إذا وافقت الحكومة الانتقالية على الشريعة، فإن “دوري هو تطبيقها؛ وإذا لم توافق عليها، فإن دوري أيضًا هو تطبيقها”.
وفي غضون ذلك، ستواصل المحاكم الفصل في العدد الهائل من القضايا القانونية المتراكمة وفق القانون المدني القديم، أما تشكيل الأحزاب السياسية، فقد اعتبره مسألة تقررها اللجنة الدستورية.
كما تجنب الالتزام بموقف واضح بشأن حقوق المرأة وإمكانية وصولها إلى السلطة، وعندما سُئل عن ذلك، أجاب فقط بأن هناك “سوق عمل واسعة” للنساء.
ومن غير المرجح أن يُرضي ذلك الأقليات الدينية في سوريا، وخصوصًا العلويين الذين كانوا القوة المهيمنة في عهد آل الأسد.
عندما يتحدث عن الديمقراطية، يعتقد كثيرون أنه يقصد حكم الأغلبية السنية العربية حيث يقول: “في منطقتنا، هناك تعريفات مختلفة للديمقراطية”، وقد تبدو الانتخابات الرئاسية مجرد استفتاء شكلي على غرار ما يحدث في الأنظمة الأمنية العربية الأخرى.
بعد كل شيء، كانت سوريا دولة ديكتاتورية طوال تاريخها تقريبًا، باستثناء ثلاث سنوات فقط منذ استقلالها عام 1946 ويبدو أن الشراء عازم على تفكيك ما تبقى من الدولة السورية التي ورثها، رغم أنها لا تزال تعمل جزئيًا رغم التدمير الذي لحق بها.
لقد قام بحل حزب البعث، وألغى العديد من الأجهزة الأمنية وأجزاء كبيرة من الأجهزة المدنية التي كانت قائمة خلال حكم الأسد، مما أثار مخاوف بين 1.3 مليون موظف حكومي سابق وعائلاتهم، ويهدد هذا النهج بإثارة توترات طائفية، تمامًا كما أدت عملية اجتثاث البعث في العراق إلى تعميق الانقسامات الطائفية.
أكبر تحدٍّ يواجهه الشرع هو الاقتصاد، فتزويد الكهرباء لا يتجاوز ساعة واحدة في اليوم، وحجم إعادة الإعمار هائل ولا يمكن تصوره، والبلاد تعاني من أزمة سيولة ضخمة ناتجة، وفقًا للمصرفيين، عن تأخير في شحنات العملة من روسيا) ولا تمتلك الأموال الكافية لدفع الرواتب حتى بمعدلات منخفضة للغاية. ويحذّر قائلًا: “بدون تنمية اقتصادية، سنعود إلى الفوضى”.
ولا يمكن تحقيق التعافي إلا بمساعدة الدول الأجنبية.
في الثلاثين من يناير استقبل امير قطر، ليكون أول رئيس دولة يزور سوريا منذ سقوط الأسد، وفي الثاني من فبراير، قام بأول رحلة خارجية له كرئيس إلى السعودية، حيث وُلد، وقبل زيارته، وصف قطر والسعودية بأنهما مستثمران محتملان في “مشاريع ضخمة”، لكنه أيضًا بحاجة إلى الولايات المتحدة، حيث قال إن عقوباتها تشكل “أكبر تهديد” لخططه، مضيفًا: “الشعبالسوري عانى بما فيه الكفاية”، كما أشاد بـدونالد ترامب لكونه “يسعى لتحقيق السلام في المنطقة”، وتحدث عن استعادة العلاقات الدبلوماسية “في الأيام المقبلة”، كما حاول تحسين مكانة سوريا الإقليمية من خلال التعهد بوقف تصدير الكبتاغون، وهو المخدر الذي كان يُنتج بكميات ضخمة في سوريا في عهد الأسد، والسيطرة على المقاتلين الأجانب داخل البلاد.
كما قال إنه “تعهد” لتركيا بعدم جعل سوريا قاعدة لحزب العمال الكردستاني، الحزب الذي يدعم الإدارة الكردية في الشمال الشرقي، لكن الشرع يحمل عبء تصنيفه وتصنيف حركته كإرهابيين ويعترض قائلًا: “موقعي هو رئيس سوريا، وليس قائد هيئة تحرير الشام”، لكن الكثيرين في المنطقة مستاؤون من تعيينه كوادر من هيئة تحرير الشام في مناصب عليا، وكذلك من إسناد مناصب عسكرية لمقاتلين جهاديين أجانب، وهناك مؤشرات على أن هذا الاستياء قد يؤثر على محاولاته للتقرب من الغرب، وقد قارن بين استعداد روسيا للتفاوض بشأن قواعدها العسكرية، مقابل تردد الولايات المتحدة، ووصف الوجود العسكري الأمريكي في سوريا بأنه “غير قانوني”.
كما قال إن إسرائيل “بحاجة إلى التراجع” عن الأراضي التي احتلتها خارج خطوط الهدنة لعام 1974 بعد سقوط الأسد، ووصف تهجير الفلسطينيين بأنه “جريمة كبيرة”، وعندما سُئل عما إذا كان مستعدًا لأن يحذو حذو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، أجاب: “في الواقع، نحن نريد السلام مع جميع الأطراف”، لكنه أشار إلى أنه طالما أن إسرائيل تحتل الجولان، الهضبة التي احتلتها عام 1967، فإن أي اتفاق سيكون سابقًا لأوانه، مؤكدًا أن أي خطوة في هذا الاتجاه ستتطلب “رأيًا عامًا واسعًا”.
في الوقت الحالي، تعيش سوريا تحت حكم الشرع أهدأ فترة منذ اندلاع الربيع العربي عام 2011 والبلاد تتنفس بحرية أكبر بعد نصف قرن من الحكم الشمولي، لكن ما يزال هناك طريق طويل امام الرئيس الجديد لإثبات أنه زعيم يمثل الجميع، وأن ماضيه الجهادي أصبح وراءه، وأنه يمثل الأمل الأفضل لسوريا في بداية جديدة.