“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة:
لم تعط الصحافة السعودية ذلك الحيّز المتقدم لزيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان الى لبنان، صحيح بأن الخبر تمّت تغطيته بشكل شامل في الزيارات الرسمية التي قام بها الى الرؤساء الثلاثة والى رئيس الحكومة المكلف نواف سلام، لكن غابت هذه الزيارة عن الصفحات الاولى للصحف السعودية الرئيسية، وغابت عنها ايضا مقالات كبار كتّاب الرأي السعوديين.
ليس في الأمر انتقاصا من أهمية الزيارة لرأس الدبلوماسية السعودية وهي الأولى منذ 15 عاما، بل لأن السعوديين عكفوا طيلة هذه الاعوام على قول ما يريدون قوله وخصوصا إبان الأعوام الخمسة الماضية التي شهدت زيارات لمسؤولين رسميين كبارا ولعل أبرزها زيارة أعضاء في مجلس الشورى السعودي.
لا يزال لبنان وبالرغم من انجلاء الخطر المتنامي لحزب الله من وجهة النظر السعودية تحت المجهر، صحيح أنه لم يعد لدى السعوديين ترف القول أنهم غير مهتمين بلبنان وخصوصا بعد سقوط سياسة الخطوة خطوة مع الرئيس السوري بشار الأسد ووقوع دمشق في قبضة الاخوان المسلمين، والخوف المتنامي من أن تنتقل العدوى السورية الى بلدان عربية مجاورة أو أن تهزّ عروشا وأنظمة، ولكن الوضع المزري الذي وصل اليه لبنان اقتصاديا وماليا يعطي السعودية الغلبة لأن لبنان وبعد حرب مدمّرة مع اسرائيل صار بحاجة الى الدّعم الكبير لإعادة الاعمار وإعادة تعويم الكثير من المؤسسات.
ثمة 22 اتفاقية كانت المملكة العربية السعودية قد أعدتها وتطال كافة المرافق الحيوية في الدولة وهي تحتاج الى قوانين اصلاحية والى توقيع لبنان عليها يريد السعوديون أن يدخلوا عبرها شركاء للدولة اللبنانية، وهذا ما ظهر جليا من زيارات الأمير فيصل بن فرحان التي شملت أركان الدولة وتميزت بقصر الجلسات كي لا تعطي السعودية انطباعا بأنها تتدخل في الشأن الحكومي، مع العلم بأنه كانت للسعودية وهي جزء من اللجنة الخماسية اليد الطولى في انتخاب الرئيس جوزيف عون وكان لأناملها السحرية الدور في تغيير مزاج النواب السنة لاختيار القاضي نواف سلام في شبه انقلاب على الثنائي شيعي لا يشبه اللبنانيين بقدر ما يشي بدبلوماسية هادئة وهادفة تقودها السعودية التي ترى في مجلس الوزراء الأداة التنفيذية لأية مشاريع مستقبلية مع لبنان.
لا ينبغي على اللبنانيين أن يتسرعوا في القول أن اليد السعودية باتت مفتوحة، فكل دعم سعودي مستقبلي سيكون مرهونا بالسلوك اللبناني الدبلوماسي خصوصا لناحية إعادة لبنان الى العمق العربي، ولناحية تماشيه مع رؤية 2030 من حيث المشاريع المستقبلية التي ستتظهر فور توقيع الاتفاقيات الـ22.
إن إعادة إعمار لبنان والاقتصاد سيمر بمعمودية نار الاصلاحات التي تطلبها السعودية وتصر عليها،ولكن السؤال المطروح: هل ستتمكن السعودية من فرض أجندتها في لبنان؟ وخصوصا وأن ثمة دول خليجية أبرزها قطر وأيضا الكويت مستعدة لمساعدة لبنان بمشاريع حيوية ودعمه بشتى الطرق من دون أن تكون شروطها كاسرة الى هذا الحدّ.
لا شك بأن العلاقات السعودية الأميركية هي الأهم لدى الأمير محمد بن سلمان الذي كان أول المتصلين بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وعبر في اتصاله عن رغبة المملكة بتوسيع استثماراتها وعلاقتها التجارية مع الولايات المتحدة خلال الأربع سنوات المقبلة بمبلغ 600 مليار دولار، مرشحة للارتفاع حال أتيحت فرص إضافية، تلك الاستثمارات نوعية تشمل الصناعات العسكرية، استكشاف الفضاء، تطوير استخدامات الذكاء الاصطناعي وتطوير الطاقة النووية. فهل ستتمكن السعودية من تطبيق سياسة الخطوة خطوة بنجاح مع لبنان أم أنه سيقع في قبضة الدول المنافسة لها؟