“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة:
لم يقع الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان في فخ طلب انتخاب أي شخصية لبنانية مرشحة لانتخابات 9 يناير الحالي، لأن الموضوع شأن لبناني خالص. هذه هي خلاصة زيارة الوفد السعودي إلى لبنان ولقاءاته، بحسب أوساط مطلعة على المناخ السعودي.
أما الأوساط اللبنانية فقد رشح عنها أن السعوديين أرادوا تسويق قائد الجيش جوزيف عون، ما اصطدم برفض رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري الذي اعتبر أن ذلك لا يجوز بلا تعديل دستوري يحتاجه قائد الجيش.
إلا أن عدم التسمية لا يعني أن المملكة العربية السعودية تقف متفرجة على ما يحدث في المشهد السياسي اللبناني بعد حرب مدمرة، فالدينامية السعودية بدأت تعود تدريجيًا إلى لبنان من خلال خطوات بطيئة تشبه إلى حدّ كبير سياسة “الخطوة خطوة” التي اعتمدتها في سوريا، والتي سقط بشار الأسد في امتحانها، فتمت تنحيته.
فقد عادت عجلات الدبلوماسية السعودية تدور بعد الحرب التي حولت حزب الله إلى لاعب سياسي يشبه إلى حدّ بعيد بقية الأحزاب اللبنانية، مع فارق أنه لا يزال يتمتع بقوة عسكرية هي قيد جدل ونقاش محلي ودولي. ولكنه، في كل الأحوال، لن يعمد إلى التشدد في تعطيل الانتخابات من أجل مرشحه، وهو لا يزال سليمان فرنجية، في انتظار التسوية التي يطهوها رئيس المجلس النيابي نبيه بري على نار خفيفة، والتي سيظهر مذاقها اليوم بعد زيارة الموفد الأميركي آموس هوكستين.
في هذا السياق، التقى أمس الاحد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله في مقر الوزارة بالرياض المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكستين وجرى خلال اللقاء مناقشة القضايا الإقليمية الراهنة، بما فيها التطورات على الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة بشأنها.
حضر اللقاء الأمير يزيد بن محمد بن فهد الفرحان، مستشار وزير الخارجية للشأن اللبناني الذي زار لبنان أخيرا ما يعني أن التنسيق السعودي الاميركي وثيق بشأن لبنان.
لا يمكن في لبنان توقع على من رست قرعة الدول؛ لعل قائد الجيش جوزيف عون هو في المقدمة، إلا أن لبنان بلد العجائب، وبالتالي فإن كل الأسماء المرشحة قابلة للرئاسة.
بالنسبة إلى المستقبل الذي تريده المملكة العربية السعودية للبنان، فهو لا يقتصر على انتخاب رئيس للجمهورية، بل إن المملكة العربية السعودية تنظر إلى المشهد اللبناني بتفاصيله، لأن لبنان بنظرها يجب أن ينتقل كليًا من محور إيران والحروب المدمرة إلى رؤية 2030، كجزء من الدول العربية التي تنشد الاستقرار والرخاء والتطور التكنولوجي.
مأسسة العلاقة
في هذا السياق، تنظر المملكة العربية السعودية إلى الاقتصاد كعامل رئيسي في لبنان.
سبق وحذرت المملكة المسؤولين اللبنانيين من أن الاقتصاد اللبناني في خطر، ويؤكد ذلك النظر إلى التدفقات المالية والناتج المحلي. ولكن، لم يجب أحد على هذا الموضوع. وبالتالي، برأي السعوديين، فإن تصحيح العلاقة الثنائية بشكل مستدام يحتّم البدء بمأسسة هذه العلاقة.
تعددت الخطوات السعودية في هذا المضمار، حيث صدر عن المملكة العربية السعودية قرار بإنشاء لجنة عليا مشتركة سعودية-لبنانية تُعنى بتوقيع أضخم مشاريع مشتركة في تاريخ العلاقات الثنائية الممتدة منذ أعوام. وكانت المملكة قد أوفدت بعثة من أهل الاختصاص إلى لبنان تحضيراً لاجتماع اللجنة اللبنانية-السعودية المشتركة في الرياض، وعلى جدول أعمالها التوقيع على 22 اتفاقية لوضع لبنان على سكة الدول المتطوّرة. وكان ذلك العام 2016، ولكن المماطلة والتسويف حالا دون التحضير كما يجب لهذه الاتفاقيات للتوقيع عليها بين البلدين لتصبح نافذة.
عملت السفارة السعودية في لبنان، بقيادة السفير وليد البخاري، لعام وثمانية أشهر على مواضيع حساسة تبدأ بالاستثمار والتجارة والاقتصاد والنفط والأمن والطبابة والسياحة والتعليم والنقل البري والبحري والجوي، لكن كل وزير كان يغلب أهواءه الحزبية ويخفيها في الدرج. ولما حصل التعطيل، طلب السعودية التسريع أكثر وأرسلت وفداً من مجلس الشورى السعودي لزيارة لبنان في حزيران 2019، حيث التقى الوفد بالرؤساء الثلاثة وبالمجلس النيابي، وشرح كل المخاطر والتهديدات ورؤية المملكة وكيف يمكن تحقيق الالتزامات التي يمكن للبنان القيام بها. أيضاً، لم نصل إلى نتيجة.
العمق العربي
“إن المملكة لا تريد معالجة التفاصيل الصغيرة. الحل ليس بمعالجة التفاصيل؛ فلبنان لا يتحمل معالجة التفاصيل. هنا، وفق رؤية المملكة، يجب أن يدرك صناع القرار في السياسة الخارجية اللبنانية والرأي العام أن لديهم عمقاً واحداً، وهو العمق العربي، وهو منصوص عليه في رؤية المملكة 2030.” هذه هي المقاربة السعودية لهوية لبنان كما يعبر عنها العارفون بمناخ المملكة.
القيمة المضافة المنصوص عليها في الرؤية المذكورة صادرة عن مجلس الوزراء السعودي وتشدد على أن المملكة العربية السعودية تمثل العمق العربي. عندما بُنيت الرؤية واطلع رئيس مجلس الوزراء وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عيد العزيز على الإيديولوجيات كافة، لم يقتنع بها. ففي عام 2007، كان هناك إعلان الرياض الذي نص على العروبة الثقافية التي تتسع للجميع. وبالتالي، هذه هي الرؤية: المملكة ومشروعها وفلسفتها تقوم على إيجاد قيم مشتركة جديدة للانطلاق نحو الإقليم والعالم.
تبحث المملكة عن شركاء استراتيجيين في لبنان، وشبكات استراتيجية في كل مسار وكل قطاع. وإن وُجد الشركاء، فأهلاً وسهلاً لتحقيق الشراكة في أطر قانونية مستدامة. المملكة لا تنكفئ، ولا يمكن أن تخاطب المجتمع الدولي برؤيتها ثم تُغلّب مشروع الدويلة. القوى السياسية اللبنانية هي التي تحدد خياراتها السياسية، وهذا ما أبلغته المملكة منذ عام 2015: “اجلسوا وحددوا خياراتكم بمعزل عن أي أجندة خارجية وأعلنوا تحملكم لنتائج تلك الخيارات، فتكونوا شركاء في رؤية 2030.”
بالنسبة إلى الرئاسة الأولى
الخلاصة التي أبلغها السعوديون لشركائهم الدوليين المعنيين بالشأن اللبناني وللكتل السياسية المحلية هي الآتية: المملكة العربية السعودية لن تشارك في دعم أية قيادات سياسية لبنانية انخرطت في فساد سياسي أو مالي.
إذا كانت لدى اللبنانيين رغبة بذلك فالامور ستسير بشكل جيد وإلا سيتحملون النتائج.
الحل؟
تتطلع المملكة لأن تكون رئاسة للجمهورية اللبنانية بهوية محددة تعتمد على الاعتدال السيادي التوافقي، على أن يتماهى ذلك مع خصائص شخصية لرئيس حكومة موثوق محلياً ودولياً، ويعملان معاً وفق مخرجات البنك الدولي ومجموعة الدول المانحة لاستعادة ثقة المجتمع الدولي.
إن قاعدة الاعتدال السيادي الوطني هي ضمن مطالبات كل القوى السيادية، سواء من البطريرك الماروني أو حتى حزب الله. كلهم ينادون بذلك. إذاً، هوية رئيس الجمهورية حددت بشعار، وتوجد سياسات محددة تبدأ بسياسات النأي بالنفس، مروراً بالاستراتيجية الدفاعية ووصولاً إلى قرارات مجلس الأمن الدولي. وبالتالي، ما تقوم به المملكة به هو توصيف سياسات تضمن هوية معينة.