“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة:
مع انتهاء الحرب بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر الماضي، تجاوزت الخروق الإسرائيلية أكثر من 800 خرق شملت قصف قرى والبلدات واعتداءات على المدنيين ما أسفر عن سقوط ضحايا. ورغم توقيع اتفاق تسوية برعاية أميركية ووجود لجنة خماسية تضم أميركا وفرنسا واليونيفيل، تستمر الانتهاكات الإسرائيلية، بما فيها التحليق الجوي فوق الأراضي اللبنانية.
في الأيام المقبلة، تنتظر عودة الموفد الأميركي آموس هوكستين الضامن لهذا الاتفاق وسط ما يثار من تساؤلات حول موقف حزب الله وإمكانية تصعيد جديد.
أكد مصدر بارز على اطلاع على مناخ حزب الله لموقع “مصدر دبلوماسي” أن “الحزب ملتزم بالقرار 1701، لكنه حذر من استغلال إسرائيل لفترة الستين يومًا لتحقيق مكاسب ميدانية، مشيرًا إلى أن “الإسرائيلي يريد أن يفعل ما لم يستطع فعله خلال المواجهة“.
وأضاف المصدر: ” إن الإجراءات الإسرائيلية مثل البحث عن أنفاق أو التقدم في بعض القرى تعتبر تفاصيل صغيرة في المشهد الواسع، لكنها مستفزة. تطبيق القرار 1701 يعني قبول حزب الله بإخلاء بعض المناطق وفق اتفاق سياسي“.
طرح المصدر تساؤلاً حول الرد المتوقع في حال عدم انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة بعد انقضاء المدة المحددة. وأوضح أن عدم الانسحاب يعني “أن الإسرائيلي لا يريد القرار 1701 ولا وقف الأعمال العدائية، مما يدفع المنطقة إلى مرحلة جديدة”. وأكد أن هذا السيناريو سيمنح المقاومة “مشروعية كبرى عندما يكون هناك احتلال، ولا خلاف على أن كل احتلال سيواجه بالمقاومة“.
وأشار إلى أن إسرائيل قد تفشل أيضًا في تحقيق أهداف حملتها بإعادة المستوطنين إلى الشمال إذا استمرت في خروقاتها. وقال: “من دون إطلاق صاروخ واحد، إذا لم نعد إلى المنطقة، فلن يعود مستوطنو الشمال“.
لفت المصدر إلى أن تفسير القرار 1701 يثير جدلاً قانونيًا وسياسيًا، حيث تسعى إسرائيل والولايات المتحدة إلى تطبيقه على كامل الأراضي اللبنانية، بينما يصر حزب الله على أن يشمل جنوب نهر الليطاني فقط. وأضاف: “تحديد هذه المسائل يعتمد على توازنات القوى، ونحن جاهزون تمامًا عسكريًا وميدانيًا“.
وشدد على أن حزب الله يحتفظ بجاهزية عسكرية كاملة، قائلاً: “نحن اليوم وكأننا في اليوم الأول من المعركة. لدينا توازن في الذخيرة والقوى البشرية والقادة الذين استشهدوا تركوا وراءهم مجاهدين لا يقلّون خبرة وكفاءة“.
تناول المصدر الحملات الإعلامية التي تستهدف الحزب، معتبرًا أنها “محاولة لزرع فكرة أن حزب الله قد انتهى أو أصبح ضعيفًا”. وأكد أن الحزب اتخذ قرارًا استراتيجيًا بتعزيز حضوره الداخلي قائلاً: “لن نسمح بأن يُؤخذ هذا الوطن رهينة لا بيد الأميركي ولا الإسرائيلي“.
فيما يتعلق بورقة الضمانات الأميركية لإسرائيل، أكد المصدر أن الحزب غير معني بها، وصرح: “الإسرائيلي يقوم بضرب ما يريد، والأميركي يوافق على بياض. إذا كانت لديهم ورقة فيما بينهم، فلا شأن لنا بها“.
وأشار إلى أن حزب الله يتعامل مع الوضع بضبط النفس ويعتمد على الدولة والجيش في المرحلة الحالية. لكنه أضاف: “إذا أخذت الأمور منحى مختلفًا، فلكل حادث حديث“.
رئاسة الجمهورية
وأكد المصدر ذو العلاقة الوطيدة بمناخ حزب الله أن الحرب لم تؤثر على نفوذ الحزب في السياسة الداخلية اللبنانية، موضحًا أن الحزب لا يزال متمسكًا بترشيح سليمان فرنجية [رئيس تيار المردة] لرئاسة الجمهورية، معربًا عن شكوكه بشأن انعقاد جلسة 9 كانون الثاني أو نجاحها في انتخاب رئيس للجمهورية.
وقال المصدر: “حتى الآن، جلسة 9 كانون الثاني غير نهائية، ومشكوك في أن تُنتج رئيسًا للجمهورية. هناك أكثر من معطى مؤثر، أبرزها الحراك القطري المكثف، حيث يفضل القطريون ترشيح المدير العام للأمن العام بالوكالة الياس البيسري. في المقابل، هناك حراك سعودي يشمل تغيير السفير الموجود حاليا [السفير وليد البخاري] وتعزيز الاهتمام بالشأن اللبناني، وقد كلفت الرياض بعض الشخصيات الداخلية بالتواصل مع حلفائها لتأمين أصوات تدعم ترشيح قائد الجيش جوزيف عون.”
وأضاف: “يتردد حديث عن انتخاب قائد الجيش وفقًا لرغبة الأميركيين وإلا فسيتم قلب البلد، ولكن هذا تهويل غير صحيح. بحسب تواصلنا مع اكثر من مصدر وبعض الدوائر المعنية لا مؤشرات على أن واشنطن تسعى لتخريب لبنان إذا لم يتم الانتخاب في الجلسة المقبلة.”
وأشار المصدر إلى ضعف حظوظ سمير عساف، المرشح القريب من الرئيس الفرنسي، قائلًا: “الفرنسيون في النهاية سيسيرون مع ما يقرره الأميركيون والسعوديون بسبب مصالحهم المشتركة وصفقاتهم مع السعودية ولأن فرنسا لم تعد دولة عظمى كما كانت سابقًا.” ولفت إلى أن أسماء مثل زياد بارود وجورج خوري تطرح أيضًا، ولكنه اعتبر أن هذه الترشيحات تعكس وصول الأزمة الى مرحلة يصبح فيها “أي شخص مرشحًا للرئاسة كما حدث مع فارس بويز.”
وأكد المصدر أن حزب الله مستمر في دعم سليمان فرنجية طالما أنه مرشح، مضيفًا: “إذا قرر فرنجية التنحي لعدم حصوله على 64 صوتًا وجرى التوافق على مرشح آخر، سنكون أمام واقع جديد. ولكن حتى الآن، القوات اللبنانية غير موافقة، وهناك احتمالية للتأجيل. برأيي، لن يحدث أي تغيير كبير إذا لم يتم انتخاب رئيس، بعيدًا عن التهويل.”
مقايضة الرئاسة بالإعمار غير واردة
وحول الحديث عن مقايضة الإعمار بانتخاب رئيس، قال المصدر: “هذا غير وارد. من يرغب في إعادة الإعمار بخلاف حزب الله وإيران، يمكنه الاعتماد على قطر التي لدينا علاقة جيدة معها. أما السعودية، فهي ليست في الحسبان، وقطر رغم قربها من الأميركيين تلعب دورًا مختلفًا وتتيح تقاطعات مصالح متبدلة.” وأضاف: “حتى الأميركيين لديهم علاقات مع قطر، مثل احتضان حركة حماس المصنفة كإرهابية في الولايات المتحدة.”
وأوضح المصدر أن الإعمار ليس مصلحة لحزب الله فحسب، بل للجميع، مشيرًا إلى أن “إطلاق مشاريع الإعمار يساهم في تحريك عجلة الاقتصاد في لبنان. فعندما نضخ 100 أو 200 مليون دولار، يتحرك السوق ليصل إلى 500 أو 600 مليون دولار ضمن الدورة الاقتصادية، ما يعزز النهضة الاقتصادية.”
وختم بقوله: “حتى لو لم يساهم أحد في الإعمار، سنستمر مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه وأجمل. نحن نتحدث عن مسح 175 ألف شقة سكنية، وإذا كانت هناك أخطاء بسيطة في التقييم من قبل المهندسين، فهذا أمر طبيعي يتم معالجته.”
سوريا
أخيراً، فيما يتعلق بسوريا، أكد المصدر ذو الاطلاع الوثيق على مناخ حزب الله انه لا توجد ملامح رواية كاملة بعد حول المرحلة الماضية وما جرى بعد خروج الرئيس بشار الأسد، بل هنالك ملامح رواية تتضمن تناقضات.
وأضاف: “بالنسبة لنا، نحن نتمنى أن تكون سوريا موحدة، لأنه إذا كانت سوريا غير موحدة، سيكون ذلك بمثابة تدمير للأمة العربية بأسرها. قاتل حزب الله الجولاني وغيره عندما كان يحمل مع جماعته قلوب الناس، وعندما كانوا يقولون إنهم يودون قتل المسيحيين والعلويين والشيعة، وكانوا يهددون بالقدوم إلى بيروت. نحن كنا نقاتل هؤلاء التكفيريين، ولم نكن نقاتل الشعب السوري. نحن ذهبنا للدفاع عن أنفسنا قبل أن يأتوا إلى لبنان، ولم نكن نحارب السوريين أو السنة. كنا نحارب هذه المجموعات التكفيرية التي قتلت السنة والشيعة في العراق وسوريا وحتى في مناطق أخرى. كانت التفجيرات تأتي من أشخاص مثل أبو أنس. هل أصبحوا الآن أشخاصاً محترمين؟!”
وأضاف أن هؤلاء قد فتحوا صفحة جديدة، مؤكداً أن حزب الله لا مشكلة له مع هذه الجماعات من حيث المبدأ. وشرح قائلاً: “لا عداء لدينا مع هذه الجماعات لمجرد أنهم جماعات إسلامية، وليس لأنهم في سوريا. العداء الأساسي كان بسبب أن هناك من يشكل خطراً مباشراً على أمننا واستقرارنا ويريد قتل أهلنا، ولذلك كان يجب علينا أن نذهب للدفاع عن أنفسنا قبل أن يأتوا إلينا. غير ذلك، لا مشكلة لنا مع أحد إذا كانوا يريدون فتح صفحة جديدة بشرط أن يكون ذلك على أساس عدم تحول هذه الجماعات إلى علاقة سلبية مع لبنان.”
وحول الأوضاع في سوريا، أضاف القيادي: “كنا نتمنى أن تنتهي الأمور بنهاية سعيدة، وأن تساهم الوحدة بين جميع أطياف الشعب السوري في إعادة بناء الدولة. كنا وما زلنا على استعداد لإقامة علاقة إيجابية مع من يحكم سوريا بكل ما للكلمة من معنى، ولكننا نأمل أن نصل إلى هذا الحد.”
وأوضح أن المعطيات المتاحة تشير إلى أن أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، عندما جاء إلى دمشق كان لديه قوات تحاصر العاصمة، مشيراً إلى أن هذه القوات تتألف من 37 فصيلاً، وأن المشكلة تكمن في التفلت الأمني الذي يظهر تدريجياً عبر انتقام الناس من بعضهم البعض، وهو ما قد يؤدي إلى تقسيم سوريا وتفاقم الوضع الطائفي والمذهبي.
وأشار إلى أن هناك قوتين في سوريا: الدفع التركي الذي يدعمه أحمد الشرع لإيجاد دولة مركزية، والدفع الآخر الذي يخشى من الإخوان المسلمين، الذين يشكلون النواة الأساسية لهذه الفصائل المسلحة، وهذا يثير قلق قادة دول الخليج.
في نهاية حديثه، أعرب القيادي عن مخاوفه الكبيرة على سوريا، وقال: “قد يؤدي ذلك إلى تناحر واسع وإعادة رسم خريطة سوريا وفقاً لمصالح قد تكون مرتبطة بمصالح إسرائيلية، وهذا ما سنحاربه وسنتعاون مع الجميع من أجل منع حدوثه.”
وفيما يتعلق بطرق الإمداد لحزب الله، أكد القيادي أنه رغم الحديث عن إغلاق بعض هذه الطرق، هناك فرق بين أن تكون طرق الإمداد سهلة ومريحة وبين أن تصبح أكثر صعوبة. وقال: “هناك من يريد إنهاء الموضوع، ولكن سأخبركم عن غزة وكيف كانت محاصرة ووصل إليها السلاح. هناك خطوط لا يمكن قطعها، قد تصبح أصعب وأكثر تكلفة، لكن لا يوجد شيء اسمه قطع خطوط إمداد بشكل كامل في أي مكان في العالم.”