“مصدر دبلوماسي”- خاص
اختزنت فعالية “نور من نور” التي نظمتها العلاقات الإعلامية في حزب الله اليوم السبت عند الساعة السادسة مساء رمزية غامرة ومشاعر عميقة من الحزن والألم. أُقيمت الفعالية في المكان الذي استُشهد فيه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، بتاريخ 27 أيلول الماضي، إثر غارات جوية إسرائيلية استهدفت مقر القيادة في حارة حريك بصواريخ خارقة للتحصينات.
جاءت هذه المناسبة كأول حدث يُنظم بعد وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر الحالي وأول فعالية تُقام في غياب مسؤول العلاقات الإعلامية الحاج محمد عفيف، الذي استُشهد مع كامل أعضاء المكتب الإعلامي في 17 الجاري في منطقة رأس النبع، هو وجميع أعضاء المكتب الإعلامي. اكتسبت هذه الفعالية معاني كثيرة، سواء للصحافيين الأجانب الذين حضروا بالمئات أو للصحافيين والإعلاميين اللبنانيين الذين نظّمت دخولهم وأرشدتهم نائبة الحاج محمد عفيف مسؤولة العلاقات في الحزب رنا الساحلي.
في “طلعة العاملية” بعمق حارة حريك، تدفق الناس زرافات زرافات، أطفالا ونساء وشيوخا، حاملين الشموع وأعلام حزب الله والأعلام اللبنانية، فيما حمل العديد منهم صوراً للسيد حسن، ترتسم عليها ابتسامته الذكية، وهم يذرفون الدموع. كان الجرحى حاضرين، بعضهم على كراسي متحركة، وآخرون من ضحايا تفجيرات البايجر يحملون ندوبهم وأصابعهم المبتورة، في مشهد سوريالي حول الحفرة المضيئة بالشموع والمزينة بأعلام حزب الله، وكأن من صمموا هذه المشهدية أرادوا التأكيد أن حزب الله متجذر في لبنان ولن يتخلى عنه.
في الساحة الواسعة، أحاطت بالحفرة مبانٍ مهدمة، شاهدة على المأساة. وسط الحضور، تناقلت الألسن قصصاً وروايات عن السيد حسن، بعضها لا يمكن التحقق من صحته، لكنها جميعاً عكست التأثير العميق الذي تركه في النفوس. يروي أحدهم أن السيد، حين بدأت الغارات، كان يتحدث عبر الهاتف وقال: “لقد أغاروا علينا”، قبل أن ينقطع الاتصال. بينما أضاف آخر أن جثمان السيد كان سليماً، وأن وفاته نتجت عن انقطاع الاوكسجين إثر استهداف الإسرائيليين لمنافذ التهوئة. وتحدثت نساء قائلات: “كان يعيش بيننا ونحن لم ندرك ذلك”. ويروي شاب آخر: “فوق هذه الحفرة كان هنالك مقهى شعبيا نجلس فيه يوميا لنحتسي الشاي وندخن النرجيلة، ولم يخطر ببالنا يوماً أن السيد كان هنا”.
كان المشهد الأكثر تأثيراً هو لحظة السماح للجمهور بالدخول إلى الموقع، هرع الناس غير مصدقين يدفع بعضهم بعضاً، وكأنهم يترقبون رؤية السيد شخصياً. الجميع كانوا يبكون بحرقة يحملون صور السيد وأعلام حزب الله، ويرددون من أعماق قلوبهم المجروحة الشعار الذي لطالما صدح به السيد بصوته الجهوري: “هيهات منا الذلة!”، بينما تعالت أصوات أخرى تهتف: “لبيك يا نصر الله!”
غادرنا مشهدية “نور من نور” ونحن نودع المباني المهدمة، شاهدة على الألم والصمود، ونشاهد دموعاً لم تقتصر على الأهالي فحسب بل شملت حتى الصحافيين الأجانب، في لحظة إنسانية غارقة بالمشاعر.