صحيفة Inews
بقلم تاز علي، كبيرة مراسلي الشؤون الدولية
ترجمة موقع “مصدر دبلوماسي”
في ولايته الأولى، أثار دونالد ترامب حفيظة حلفائه وأعدائه على حد سواء بقراراته السياسية الخارجية وتهديداته وعدم استقراره. ويبدو أن ولايته الثانية ستعني المزيد من النهج ذاته .
وعد ترامب بوقف “الحروب” وذكّر الناخبين مرارًا بأنه خلال ولايته من 2016 إلى 2020 لم ينخرط في أية صراعات جديدة.
ما إذا كانت هذه رسالة مرحب بها لدى القادة العالميين يعتمد على من تسأل. ففي حين قد تستقبل أوكرانيا التي تخوض قتالاً ضد الغزو الروسي منذ ما يقارب ثلاث سنوات هذه الرسالةبمزيج من القلق واليأس، من المرجح أن تحظى إسرائيل، التي لا تظهر أي علامة على التوقف عن هجومها على غزة لهزيمة حماس بوصول غير محدود إلى الأسلحة الأمريكية دون أي شروط تتعلق بالاعتبارات الإنسانية.
تمتلك الولايات المتحدة الاميركية تأثيرًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا على الساحة العالمية، وعودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تحمل تأثيرًا مباشرًا على الديناميكيات العالمية من حيث الأمن والدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية.
إليكم كيف يمكن لولاية ثانية لترامب أن تعيد تشكيل العالم:
أوكرانيا
ادعى ترامب مرارًا أنه سيوقف الحرب في أوكرانيا “في غضون 24 ساعة” دون توضيح خططه، وانتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بوصفه “أعظم بائع في العالم” بسبب كمية المساعدات العسكرية الأمريكية التي تلقاها وهي مساعدات تعهد ترامب بوقفها.
أصدر زيلينسكي بيانًا يوم الأربعاء يهنئ فيه ترامب على “فوزه الانتخابي الكبير”. وتذكر “اجتماعه الرائع” مع الجمهوري في سبتمبر الفائت وأشاد بـ”التزامه بمبدأ السلام من خلال القوة” في الشؤون العالمية. لكنه ذكّر ترامب قائلاً: “نحن نعتمد على استمرار الدعم القوي من الحزبين لأوكرانيا في الولايات المتحدة”.
ترك الرئيس المنتخب برسائله المتناقضة حول الحرب الأوكرانيين يتساءلون عما سيحدث لاحقًا. وقال تيموفي ميلوفانوف، رئيس مدرسة كييف للاقتصاد: “سنعيش في عالم ترامب”. وأضاف: “أنا متشكك جدًا في أن الحرب ستنتهي بسرعة، خلال 24 ساعة كما وعد ترامب. بالتأكيد لن يكون الأمر مملاً”.
روسيا
يضاف إلى قلق الغرب الجماعي بشأن أوكرانيا علاقة ترامب الغامضة مع فلاديمير بوتين، الذي طالما تودد إليه وأثنى عليه واصفًا إياه بـ”العبقري”.
أخيرا، تفاخر ترامب بعلاقته “الجيدة جدًا” مع بوتين، وهي العلاقة التي ستمكنه كما يزعم من التوصل إلى صفقة لإنهاء الحرب، لكنه التزم الصمت حول عدد مرات تواصله مع بوتين منذ خروجه من المنصب. وبحسب الصحفي الأمريكي المخضرم بوب وودوارد، الذي ساهم في الكشف عن فضيحة ووترغيت التي أسقطت الرئيس ريتشارد نيكسون، قد يكون الثنائي قد تحدثا سبع مرات خلال السنوات الأربع الماضية.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف يوم الأربعاء إن العلاقات مع الولايات المتحدة وصلت إلى أدنى مستوياتها التاريخية، لكنه أضاف: “من شبه المستحيل أن تتدهور أكثر”.
وذكر بيسكوف أنه ليس على علم بأي خطط من بوتين لتهنئة ترامب، قائلاً: “لا ننسى أننا نتحدث عن بلد غير صديق مشارك بشكل مباشر وغير مباشر في حرب ضد دولتنا”.
وأضاف: “ما سيحدث لاحقًا سيعتمد على القيادة الأمريكية القادمة. لقد قال الرئيس بوتين مرارًا إنه منفتح على حوار بناء قائم على العدالة والمساواة، واستعداد لأخذ مخاوف كل طرف بعين الاعتبار. في الوقت الحالي، الإدارة الأمريكية تتبنى موقفًا مناقضًا تمامًا، وسنرى ما سيحدث في يناير”.
إسرائيل وغزة
بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم، قد يكون اقتراب عودة ترامب إلى البيت الأبيض موضع ترحيب.
فقد اصطدم الزعيم الإسرائيلي بإدارة بايدن بشأن الحروب في غزة ولبنان، التي أشعلت احتجاجات حول العالم ووضعت إسرائيل في عزلة دولية متزايدة.
حقق ترامب انتصارات كبيرة لنتنياهو خلال ولايته الأولى، عندما خالف معظم دول العالم باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وقبوله بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان.
وقال نتنياهو عن فوز ترامب الانتخابي يوم الأربعاء: “أعظم عودة في التاريخ”. وأضاف: “عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض تفتح بداية جديدة لأمريكا وتعيد الالتزام القوي بالتحالف العظيم بين إسرائيل وأمريكا.”
وأبدت مجموعات المستوطنين الإسرائيليين ارتياحها للخبر، وخصوصا بعد تعرضها لعقوبات من إدارة بايدن بسبب الهجمات العنيفة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. وقال إسرائيل غانتز، الذي يمثل المستوطنات في الضفة الغربية، لوكالة رويترز: “نتوقع أن يكون هناك حليف يقف إلى جانبنا بدون شروط ونحن نخوض المعارك التي هي حرب على الغرب بأسره.”
أما حركة حماس الفلسطينية، التي تقاتل القوات الإسرائيلية في غزة منذ أكتوبر من العام الماضي، فقد صرحت بأن الانتخابات الأمريكية شأن يخص الشعب الأمريكي، لكنها دعت إلى إنهاء “الدعم الأعمى” من الولايات المتحدة لإسرائيل. وقال مسؤول حماس سامي أبو زهري لوكالة رويترز: “نحث ترامب على التعلم من أخطاء بايدن.”
إيران
قد عززت العلاقات المتوترة مع إيران التقارب بين ترامب ونتنياهو، إذ يُعتقد أن نتنياهو تباهى بإقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، الذي رفع العقوبات الاقتصادية القاسية عن إيران مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
جادل نتنياهو بأن الاتفاق المبرم في عهد أوباما لن يمنع طموحات إيران النووية بعد انتهاء القيود المعروفة بـ”بنود الغروب” خلال العقد المقبل.
ويعتقد المسؤولون العرب والغربيون أن ترامب قد يعيد سياسة “الضغط الأقصى” من خلال تشديد العقوبات على قطاع النفط الإيراني، ويمنح إسرائيل الصلاحية لضرب المواقع النووية الإيرانية وتنفيذ عمليات اغتيال، حسبما أفادت رويترز.
بدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني غير متأثرة بالخبر، وقالت بحسب وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية: “الانتخابات الأمريكية ليست من شأننا حقًا. سياساتنا ثابتة ولا تتغير بناءً على الأفراد. لقد قمنا بالتوقعات اللازمة مسبقًا ولن يكون هناك تغيير في معيشة الناس.”
ولم يعلق الحرس الثوري الإسلامي على فوز ترامب، لكنه أكد أن طهران والمجموعات المسلحة المتحالفة معها في الشرق الأوسط جاهزة لمواجهة إسرائيل. وقال نائب قائد الحرس الثوري علي فدوي يوم الأربعاء: “الصهاينة لا يملكون القوة لمواجهتنا، وعليهم أن ينتظروا ردنا… مستودعاتنا تحتوي على أسلحة كافية لذلك.” ومن المتوقع أن ترد طهران على الهجمات الإسرائيلية على إيران الشهر الماضي التي أسفرت عن مقتل أربعة جنود.
ترامب والصين
مثل بايدن، يعتقد ترامب أن على الولايات المتحدة أن “تفك ارتباطها” بالصين وتقلل من اعتمادها على المنتجات وسلاسل التوريد الصينية لأسباب تتعلق بالأمن الاقتصادي والقومي.
وهدد ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية – ربما بنسبة تصل إلى 60٪ – وهو ما قد يؤدي، وفقاً للمحللين، إلى إشعال حرب تجارية عالمية كبيرة.
لكن مناصري الحزب الجمهوري الذين لديهم مصالح تجارية في الصين، مثل الملياردير التقني إيلون ماسك، قد يدفعون إدارة ترامب المقبلة إلى تخفيف حدة مواقفها تجاه بكين.
وقد توفر سياسة ترامب الخارجية الانعزالية، التي تضع “أمريكا أولاً”، لبكين فرصة لتعزيز نفوذها العالمي.
وقال تونغ تشاو، الزميل البارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: “رغم أن فوز ترامب ليس النتيجة المفضلة لدى الصين ويثير مخاوف، إلا أنه لم يكن مفاجئاً بالكامل”. وأضاف: “القيادة الصينية ستحرص على الحفاظ على مظهر من العلاقات الشخصية الودية مع ترامب، مع تكثيف الجهود لتعزيز قوة الصين ونفوذها.”
ولم يعلق الرئيس الصيني شي جين بينغ علنًا على فوز ترامب الانتخابي، لكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية، ماو نينغ، صرحت: “سنواصل مقاربة وإدارة العلاقات الصينية-الأمريكية بناءً على مبادئ الاحترام المتبادل والتعايش السلمي والتعاون الذي يحقق الربح للطرفين.”
وعندما سُئلت عن استعداد الصين لاحتمال زيادة التعريفات الأمريكية في عهد ترامب الجديد، أجابت: “لا نرد على أسئلة افتراضية.”
تايوان
يمكن للصين على الأقل أن تستمد بعض الارتياح من التصريحات السلبية التي أدلى بها ترامب عن تايوان، الجزيرة ذات الحكم الذاتي التي تعتبرها بكين جزءًا من أراضيها، والتي لا تمتلك علاقات دبلوماسية رسمية مع الولايات المتحدة.
وقال ترامب لمجلة بلومبيرغ بيزنس ويك في يوليو: “تايوان لا تقدم لنا شيئاً”، حيث اقترح أن تدفع الجزيرة مقابل الحماية الأمريكية من الصين. كما اتهم تايوان بسرقة صناعة الرقائق الأمريكية دون تقديم أدلة.
وتبيع واشنطن مليارات الدولارات من الأسلحة إلى تايوان بموجب التزامات قانونية توفر لها وسائل الدفاع عن نفسها، إلا أن تصريحات ترامب تشير إلى أن الدعم الأمريكي للجزيرة ليس مضمونًا.
وقال شن دينغلي، عالم العلاقات الدولية في شنغهاي، لوكالة رويترز: “إدارة بايدن استخدمت تكتيكات ضغط عالية على الصين بشأن تايوان، حيث يوجد قوات أمريكية متمركزة هناك وتقدم أسلحة لتايوان.” وأضاف: “من غير المرجح أن يقدم ترامب الدعم نفسه لتايوان مستقبلاً.”
من جانبه، أعرب رئيس تايوان لاي تشينغ-تي عن ثقته في أن العلاقات الأمريكية-التايوانية ستستمر في “خدمة الاستقرار الإقليمي”، وذلك في رسالة تهنئة للرئيس المنتخب نشرها على منصة X.
الهند
وجه رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، “أحر التهاني” لترامب، معبراً عن تطلعه لتجديد التعاون مع “صديقه” لتعزيز “الشراكة العالمية الاستراتيجية والشاملة” بين البلدين.
وقال مودي في منشور على منصة X: “لنعمل من أجل رفاهية شعوبنا ولتعزيز السلام والاستقرار والازدهار العالمي.”
وكان الزعيمان قد التقيا لأول مرة في واشنطن العاصمة في يونيو 2017، حيث تبادلا التحيات والمصافحات، بل حتى عناقاً محرجاً. ومنذ ذلك الحين، تنامت العلاقة الودية بينهما، وكذلك الدعم الأمريكي للهند في مواجهة نفوذ الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وقبيل الانتخابات الأمريكية، عبر الوزراء الهنود عن ثقتهم بأن مجموعة “الرباعية” (الولايات المتحدة، الهند، أستراليا، واليابان)، التي تدعو إلى منطقة هندية-هادئة حرة ومنفتحة وشاملة، ستستمر بغض النظر عن الفائز بالرئاسة.
لكن خلال حملته الانتخابية، وصف ترامب الهند بأنها “مسيئة [تجارياً] بشكل كبير”، مما أثار مخاوف في نيودلهي من أن حرب التعريفات الجمركية التي قد يخوضها ضد الصين قد لا تستثني الهند.
كما وعد ترامب بتطبيق نسخة أكثر حدة من رؤيته لـ”أمريكا أولاً”، مما أثار القلق في الهند، التي تعتمد على الشراكة الأمريكية-الهندية في تبادل المعلومات الاستخباراتية وجهود مكافحة الإرهاب لمواجهة التهديدات القادمة من باكستان.
وقال الدكتور فيليب شتلر جونز، الزميل البارز لأمن المحيطين الهندي والهادئ في مركز أبحاث “روسي”: “يتوقع أن تواجه الحلفاء الأمريكيين في المنطقة ضغوطًا متجددة للمساهمة أكثر في أمنهم. وسيحاول القادة إقامة علاقات شخصية جيدة مع الرئيس المنتخب لتعزيز الاستقرار في العلاقات والسيطرة على مخاطر التغيرات المفاجئة في التوجهات.”
كوريا الشمالية
ربما تكون علاقته بكيم جونغ أون هي الأكثر تفرداً بين علاقاته، حيث وضعت ترامب على خلاف مع قادة أمريكيين آخرين كانوا تاريخيًا معادين لكوريا الشمالية.
عندما التقى بكيم في سنغافورة عام 2018، أصبح أول رئيس أمريكي يجري محادثات مع زعيم كوري شمالي، وتلا ذلك لقاء آخر في كوريا الشمالية، في سابقة أخرى لرئيس أمريكي.
وفي المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في يوليو، صرّح ترامب بأنه “كان على وفاق كبير” مع كيم، وهي عبارة كررها في الشهر الماضي، وأظهر استعداده لفتح حوار مع الزعيم الكوري الشمالي.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت بيونغ يانغ سترغب في المشاركة، حيث ضاعف كيم من تطوير ترسانة بلاده النووية وأعلن أن كوريا الشمالية لن تتخلى عن أسلحتها النووية أبدًا.
تزداد الأمور تعقيدًا بسبب التقارير التي تفيد بأن جنودًا كوريين شماليين يقاتلون إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا، وهي تقارير لم تؤكدها أو تنفها بيونغ يانغ أو موسكو.
وقال بنيامين إنجل، أستاذ زائر في جامعة دانكوك، لموقع NK News: “ما زال [ترامب] يدعي أن لديه علاقات إيجابية مع كيم جونغ أون، لكن كيم قد تقرب من بوتين”. وأضاف: “من هذا المنظور، يبدو أن ترامب قد يضطر إلى إعادة ضبط العلاقات مع روسيا لإجبار كوريا الشمالية على إعادة النظر في الحوار”.
From China to Gaza, the winners and losers from a Trump presidency