“مصدر دبلوماسي”-
تقرير معدّ عن مركز الديموقراطية الآن
هالة هاريت هي أول دبلوماسية أميركية تستقيل من وزارة الخارجية الاميركية بسبب سياسة إدارة الرئيس جو بايدن تجاه غزة والتي اعتبرتها مسيئة للولايات المتحدة الاميركية وقيمها قبل أن تكون مسيئة للفلسطينيين وللعالم العربي وحتى لاسرائيل. هاريت دبلوماسية ذات خبرة تمتد لمدة 18 عامًا، أمضت “حياتها المهنية بأكملها في وزارة الخارجية بعد أن انضمت الى السلك الدبلوماسي في العام 2006، وعملت في واحدة من أصعب المناطق – اليمن – في مهمتها الأولى واستمرت في أداء عملها في أماكن مثل هونغ كونغ وقطر وباكستان وجنوب إفريقيا، ومنذ حوالي العام ونصف وبعد أن قامت بأدوار خلف الكواليس غالبا أصبحت هاريت المتحدثة الناطقة بالعربية باسم وزارة الخارجية الأميركية.
ينشر موقع “مصدر دبلوماسي” مقاطع مهمة من اول مقابلة تلفزيونية اجرتها هاريت مع مركز “الديموقراطية الآن” الأميركي وكشفت فيها وقائع صادمة عن كيفية التعاطي الدبلوماسية الاميركية مع العاملين في وزارة الخارجية الذين يدعون الى سياسة تتوافق مع قيم أميركا.
تقول هاريت:” لم أكن أعتزم الاستقالة علنًا، آخر تكليف في مسيرتي المهنية كان في مركز دبي للإعلام وهو ذات شهرة واسعة. كانت مهمتي التحدث مع وسائل الإعلام العربية عن السياسة الأميركية، لذا كان من الطبيعي أن تكون الأخبار عن استقالتي لأول مرة هنا في المنطقة وفي الولايات المتحدة. ولكن سبب استقالتي هو لأنني لم أعد أستطيع أن أكون جزءًا من وزارة الخارجية وسياستها غير الانسانية، إنها سياسة فاشلة لا تساعد كلا الفلسطينيين ولا الإسرائيليين. وأريد أن أشدد على هذا النقطة، إنها لا تتعلق فقط بالقتل الجماعي المروع الذي شاهدناه جميعًا على مدار أكثر من 200 يوم، والاستهداف للصحفيين والعاملين في مجال الرعاية الصحية، وبأن أكثر من 14،000 طفل تم قتلهم.
ولكنها أيضًا لا تجعل الإسرائيليين أكثر أمانًا. لا يزال الرهائن موجودين في غزّة. يعلم الإسرائيليون أنه ستكون هناك دورة عنيفة من العنف بعد مقتل الكثير في غزة. هذا لا يساعد أحدًا. والسياسة العسكرية ليست الحل. انا كشخص يؤمن بالدبلوماسية، قمت بكل ما في وسعي من الداخل لمحاولة شرح ذلك يوميًا، من خلال التقارير و أخيرًا اتخذت القرار بأنني لا أستطيع أن أكون جزءًا من هذا النظام “السيستم”.
وسئلت هاريت عما تعتقد أنه الصواب الذي يجب ان يقوم به الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلنكن فقالت:”يجب عليهما الالتزام بالقانون الوطني والقانون الدولي. لدينا نظم موجودة داخل وزارة الخارجية لضمان عدم حدوث مواقف مشابهو، ليس لدينا الإذن بإرسال معدات عسكريةاو أسلحة إلى الدول التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان. قضت المحكمة الدولية بوجود إبادة جماعية محتملة ومع ذلك ما زلنا نرسل المليارات وليس فقط تسليح دفاعي بل تسليح هجومي”. أضافت هاريت:” هذا ما يعادل انتهاك القانون الداخلي يعرف العديد من الدبلوماسيين ذلك ولكنهم يخافون من الافصاح، إن ما نشاهده يعتبر انتهاكاً للقانون الدولي في غزة. ولا يمكننا أن نقدم استثناءات لحلفائنا. لأن كل ما يحدث هو خلق دورة مستمرة من العنف الوحشي. وهذا النهج فشل بوضوح”. تتابع هاريت:” لا يزال الرهائن بعيدن من عائلاتهم، وتظل الحالة في غزة غير مستقرة بشكل مكثف. الناس ما زالوا يعانون يومياً. حان الوقت لكل من الرئيس بايدن ووزير الخارجية بلينكين أن يدركوا أن هذا النهج العسكري قد فشل، ويجب عليهما التوقف. يجب عليهما الامتثال للقانون الأميركي”.
حياة الاسرائيلي أثمن من حياة الفلسطيني
تشرح:” إذا تمكنا من ربط المساعدات العسكرية بشروط، فسنتمكن من الضغط على إسرائيل. وسنكون أيضا قادرين على العمل مع حلفائنا العرب للضغط على حركة “حماس” لإحداث تغيير حقيقي وجوهري ميدانيا”. وأشارت هاريت:” إن النقطة الأساسية بالنسبة لي وما بدا لي من داخل النظام وأيضًا كمتحدثة تتلقى نقاط المحادثة والنقاش هو أن حياة الفلسطيني ليست بنفس القيمة مثل حياة الاسرائيلي ومن المؤلم بالنسبة لي أن أقول ذلك وقد خدمت بلدي بفخر لمدة 18 عامًا. لقد قرأت نقاط المحادثة التي كان من المفترض علينا الترويج لها في وسائل الإعلام العربية. الكثير منها كان يقلل من قيمة الفلسطينيين. هنالك اكثر من 34 الف شخص قتلوا في غزة الآن، ونحن ما زلنا نصر على أن هذا هو الخيار الوحيد، والامر ليس صحيحا.
مصالح مع صناع الاسلحة
كدبلوماسية لم أستطع إلا ان لا أشعر بالقلق بشأن تأثير المصالح الخاصة لصناع الأسلحة، ومصالح خاصة أخرى تخدم حكومات أجنبية. إنه لأمر محبط للغاية عندما تعمل يوميًا على السياسة الخارجية الأميركية، ولكنك تعلم أنه بغض النظر عما تفعله وعما يفعله كبار المسؤولين في الوزارة، وعلى الرغم من جميع التوصيات التي ترسل إلى واشنطن من الميادين فإن السياسة لا تتغير. لم أستطع إلا أن لا أشعر بالقلق بشأن تأثير مجموعات المصالح الخاصة ومجموعات الضغط على سياستنا الخارجية، وكذلك على الكونغرس، على الأشخاص الذين يقررون ما إذا كان يتم إرسال بعض تلك الشحنات من الأسلحة أم لا. النقطة الأساسية هي أن سياسيينا لا ينبغي أن يستفيدوا ماديًا من الحرب. وللأسف، لدينا بعض الفساد المؤسسي الذي يمكّن من ذلك. وكدبلوماسية أميركية، كان قلقي هو مصلحة الأمن القومي الأميركي. وقد احتججت ضد هذا، ولكن للأسف لم أتمكن من تحقيق التغيير بما يكفي حتى اضطررت إلى تقديم استقالتي”.
ولفتت الدبلوماسية الاميركية الى أنه يوجد “انفصال تام بين السياسة الاميركية والجمهور وليس مجديا مواصلة التظاهر كأن ما يحدث في غزة ليس موجودًا. ونحن نواصل الترويج لأمور تثير الفتنة. صحيح كان دوري أن أكون المتحدثة، لكنني أعتقد أيضًا أن دوري هو خدمة الولايات المتحدة، وتقديم المصالح الأميركية”. ولفتت الى الانعكاسات السلبية والقاتلة لسياسة بلدها مشيرة:” قتل ثلاثة من جنودنا في الأردن. كان ذلك رد فعل مباشر على سياستنا تجاه اسرائيل وعندما حدث ذلك، قلت مرة أخرى، لن أكون جزءًا من هذا. وبعد ذلك، إذا حدث هجوم على المصالح الأميركية في المنطقة، لن أستطيع النوم ليلاً، لأن ظهور وجهي على تلك الشاشة او القناة العربية قد يكون دافعا لشخص ما على التوجه لارتكاب عمل ارهابي”.
تجاهل قتل الصحافيين
وأشارت هاريت الى تجال السيستم الاميركي لحرية الصحافة ولسلامة الصحافيين فقالت:”كيف يمكننا التحدث عن حرية الصحافة عندما نظل صامتين عن قتل العديد من الصحفيين بوحشية؟ أنا شخصياً عملت على محاولة إصدار بيان بشأن قتل الصحفيين في غزة، وكنت أواجه الكثير من المعارضة. وكنت مندهشة جداً من زملائي الذين كانوا يعارضون ذلك. إنها قيمة أميركية أساسية أن نعزز حرية الصحافة. لا يمكننا أن نحظى بالاستثناءات. لا يمكننا أن نعتمد معايير مزدوجة. كدبلوماسيين أميركيين نحن بحاجة إلى تطبيق قيمنا ومعاييرنا على الوضع”.