“مصدر دبلوماسي”
كتبت مارلين خليفة:
ما إن تنقلب صفحة الحرب في غزّة حتى تتهيّأ الاجواء المناسبة لإعادة الروح الى المؤسسات الدستورية اللبنانية ضمن روحيّة اتفاق الطائف وفي مقدّمتها ملء الشغور في الرئاسة الاولى وتفعيل السلطة التنفيذية عبر اختيار رئيس للحكومة يمكنه بالتعاون مع رئيس الجمهورية من استعادة الثقة العربية بلبنان وارساء قواعد الاصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي ومواجهة التحديات والاستحقاقات الداهمة لبنانيا واقليميا.
سيكون لاختيار رأس هرم السلطة التنفيذية أي رئيس الحكومة أهمية قد تتجاوز تلك التي لرأس الدولة بسبب تمتعه وحكومته بصلاحيات واسعة منحه اياها الدستور.
لذا تنكبّ النقاشات الراهنة في الكواليس الدبلوماسية على البحث في مواصفات رئيس الحكومة المقبل، وهي باتت ناجزة في ذهن القوة الاقليمية الاولى المؤثرة في الساحة السنية في لبنان أي المملكة العربية السعودية. إلا أن القاعدة التي يجب الانطلاق منها هي أن اية تسوية ستكون ذات اضلاع دولية ثلاثية: الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية وإيران. وقد تكون المرّة الأولى التي يجهر بها السفير الايراني في لبنان مجتبى أماني أمام ثلّة من الصحافيين اللبنانيين المعروفين بخصومتهم مع ايران وفي جلسة خاصة في مقر السفارة اخيرا بمدى التفاهم الايراني والسعودي حول هذا الملف، ربطا باتفاقية بكين بين الطرفين. ستحكم التوازنات أية خيارات لبنانية داخلية، فلا رئيس جمهورية بلا موافقة إيران التي تسعى بموازاة تفاوضها مع الولايات المتحدة الأميركية الى ارضاء الجانب السعودي في المشرق العربي (سوريا والعراق ولبنان فلسطين) حيث تتواجد بنفوذ “أذرعها”.
إلا أن انتخاب رئيس للجمهورية لن يكون كافيا ولن يغير شيئا بلا رئيس حكومة يرسم خارطة الطريق السياسية والاقتصادية والمالية مع حكومته المقبلة ويتمتع بغطاء إقليمي ودولي له.
ولعلّ هاتين الخطوتين هما الأشد ارتباطا بمآل الحرب في غزّة وتحديدا بوقف اطلاق النار في غزّة ولبنان بشكل دائم، والبدء بتطبيق بعض مندرجات القرار 1701 القابلة للتطبيق من الجهتين كما طرح أخيرا كبير مستشاري الرئيس الأميركي آموس هوكستين في زيارته الثالثة الى بيروت، كذلك ترتبط الاستحقاقات بالاتفاق على رئيس للجمهورية يطمئن “حزب الله” وتقبل به المعارضة البرلمانية، وبالاسراع في تكليف رئيس للحكومة يتمتع بالمواصفات التالية الموضوعة عمليا من قبل المملكة العربية السعودية بشكل غير رسمي، ولكنه بات معلوما للقاصي والداني من زوّار السفارة السعودية.
لعل أولى المواصفات هي أن يكون رئيس الحكومة المقبل سياسيا غير فاسد بما يتوافق مع رؤية المملكة وتوجهاتها التي وضعها في الداخل السعودي ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز والتي لن تشذ المملكة عنها في مقاربة أي تعاون مستقبلي مع لبنان وسواه انطلاقا من احترامها لمبادئها، أن يكون رئيس حكومة قريبا من المملكة وأن يقبل به الثنائي الشيعي في الوقت عينه، أن يقدّم نموذجا مختلفا للحكم يختلف عن التجارب السابقة بمعنى ألا يكون لديه طموح سياسي واسع فيضحي زعيما يبني زعامته على الزبائنية والمصالح الضيقة وألا يأتي من خلفية مالية كبيرة وثروة تجعله مهتما بالتفتيش عن تحصينها او زيادتها.
في الواقع، وليس الأمر مستجدا بدأ البحث في الكواليس عن اسماء تحمل تلك المواصفات بحسب جولات النقاش التي تحصل في الاروقة الدبلوماسية، من عربية وغربية، وقد بدأت “فلترة” المرشحين بشكل جدّي والبارز في اللائحة المتداولة 6 اسماء: السياسي خلدون الشريف من طرابلس، وزير البيئة ناصر ياسين من البقاع الغربي، النائب عبد الرحمن البزري من صيدا ، الرئيس تمام سلام والوزير السابق محمد شقير إضافة إلى النائب فؤاد مخزومي من بيروت. المطلوب من أي إسم يقع عليه الخيار كرئيس للحكومة اللبنانية العتيدة تأليف حكومة جدية تمتلك الرؤية السياسية والاقتصادية للبنان ولعلّ أهم أدوارها يكمن في استعادة الثقة المحلية للمواطنين اللبنانيين كافة ثم استعادة ثقة العرب كي يفكروا بالاستثمار في لبنان واستعادة ثقة دول الغرب ايضًا كي ينطلق الاقتصاد الوطني محصنًا بدعم داخلي وخارجي في آن.
تجربة العراق من حيث خلق توازن بين ايران من جهة والعرب واميركا من جهة اخرى تستحق التوقف عندها، لوكن يبقى لبنان بلدًا دون موارد إلى اللحظة، ويحتاج لحكم رشيد ومن هنا مدخل الحلول للأزمة.