وكالة رويترز
بقلم أندرو ميلز
ترجمة مارلين خليفة
بينما احتفل زعماء العالم في الاسبوع الماضي بدولة قطر لقيامها بالتوسط في هدنة بين إسرائيل وحركة “حماس”، بذل مفاوضوها جهودا مضاعفة سرا خشية من انهيار وقف إطلاق النار حتى قبل سريانه.
ساعد المسؤولون القطريون أثناء العمل طيلة الليل في وضع اللمسات النهائية على التفاصيل الحيوية للهدنة التي استمرت في النهاية لمدة سبعة أيام قبل استئناف الأعمال العدائية يوم الجمعة [في الأول من كانون الاول\ديسمبر الجاري] مما سمح بالإفراج عن عشرات الرهائن المحتجزين في غزة فيمقابل مئات الأسرى الفلسطينيين وأدت الهدنة لى تدفق المساعدات الإنسانية الى القطاع الساحلي المدمر.
وقالت قطر يوم الجمعة [امس] بأنه تعمل مع الجانبين لاعادة احياء الاتفاق. جمعت [وكالة] رويترز الرواية الأكثر تفصيلاً لغاية اليوم عن كيفية قيام وسطاء قطر في الدوحة بسد الفجوة بين إسرائيل وحماس في 22 تشرين الثاني\نوفمبر الفائت، وهي تقدم لمحة عن النهج المحكم الذي تتبعه قطر في المحادثات بين ما وصفه أحد المسؤولين المشاركين في المفاوضات بـ “الطرفين” اللذين لديهما مستوى صفر من الثقة في بعضهما البعض.”
في هذا السياق، قال قال الدبلوماسي القطري عبد الله السليطي بأنه عندما تم الكشف عن اتفاق الهدنة الأصلي الأسبوع الماضي، نشأت مخاوف حقيقية من عدم تنفيذه البتّة.
وقال في مقابلة: “اعتقدت أننا سنخسرها [الهدنة] وأن الاتفاق لن ينجح”. وكانت صياغة الاتفاق الذي يشمل الهدنة وما يواكبها من تبادل للأسرى والرهائن فضفاضة.
كان مفاوضو الدولة الخليجية الصغيرة يعلمون أن إسرائيل و”حماس” لم يتفقا بعد على توقيت وكيفية وقف إطلاق النار وتنظيم عملية التبادل، وفقا لمصادر موزعة بين قطر والأراضي الفلسطينية ومصر اطلعت على المحادثات الدقيقة والخطرة.
وقال مصدر مطلع على المفاوضات بأنه من الضروري توضيح جميع النقاط الواردة في الاتفاق والتأكد من بن الطرفين اسرائيل و”حماس” يحمّلانها المعنى ذاته.
على سبيل المثال، تعهد الجانب الإسرائيلي بـ “وضع” الدبابات التي يستخدمها داخل قطاع غزة، لكن لم يتفق أحد على ما يعنيه ذلك ميدانيا حسبما قال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه بسبب الطبيعة الحساسة للمحادثات.
وقال المصدر المطلع على المفاوضات بأنه من أجل مواصلة التركيز، بدّل رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في جدول أعماله وألغى الرحلات المقررة إلى موسكو ولندن.
وقال المصدر بأن الشيخ محمد بدأ جولة جديدة من المفاوضات داخل أحد مكاتبه في الدوحة بعد ظهر يوم الأربعاء 22 تشرين الثاني\نوفمبر الفائت بعد ساعات فقط من الكشف عن الهدنة.
وحضر الاجتماع الرئيسي لرئيس الوزراء رئيس الموساد ديفيد بارنيا الذي جاء من إسرائيل للمرة الثالثة على الأقل منذ بداية الحرب بالاضافة الى وفد من ضباط المخابرات المصرية. وقال المصدر بأن القطريين استخدموا غرفة منفصلة للاتصال بمندوبي “حماس” الذين بقوا في مكاتبهم في الفيلا الخاصة بهم والواقعة في الجانب الآخر من المدينة.
وبدلاً من مجرد نقل الرسائل من جانب إلى آخر، كان نهج القطريين في الوساطة هو أن يكونوا استباقيين وأن يلقوا بثقلهم في المفاوضات، وفقًا لمسؤول أميركي مطلع ومصادر أمنية مصرية.
وقال المسؤول الأميركي بأن الدوحة استخدمت بالفعل مثل هذه التكتيكات للدفع نحو حلول لسدّ الفجوات في المطالب بين إسرائيل و”حماس”، ولا سيما عندما تناول المفاوضون قضية الرهائن الحساسة قبل إعلان الهدنة الأول.
لم تجب وزارة الخارجية الأميركية والمكتب السياسي لحركة “حماس” في الدوحة على الأسئلة التفصيلية لهذا التقرير. ورفض مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يشرف على الموساد التعليق.
وقالت وزارة الخارجية القطرية للصحفيين بأن “حماس” وإسرائيل تفاوضتا في الدوحة حتى “الصباح الباكر” من يوم 23 تشرين الثاني\نوفمبر، واتفقتا على خطة لتنفيذ اتفاق التهدئة في اليوم التالي. ولكن الوزارة لم تستجب لطلب التعليق على هذه القصة.
لسنا “سعاة بريد”
في مستهلّ المفاوضات قالت إدارة نتنياهو بأنها لن تقوم بمبادلة السجناء الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل بالرهائن المحتجزين في غزة. وقال أشخاص مطلعون على المفاوضات بأن “حماس” التي حصلت في العام 2011 على إطلاق سراح أكثر من 1000 سجين فلسطيني محتجزين في إسرائيل مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي واحد تقدّمت بمطالب عالية.
واتفق الجانبان في نهاية المطاف على نسبة ثلاثة سجناء فلسطينيين مقابل كل رهينة مدني.
وقال المسؤول القطري المشارك في المفاوضات بأن المفتاح تمثل في تعديل ما يقترحه أحد الطرفين حتى يصبح مقبولا لدى الطرف الآخر.
وقال متحدثا بشرط عدم الكشف عن هويته: ” كنا نقول: اسمعوا، دعونا نجري جولة ثانية من المناقشات معكم قبل أن نرسل الاقتراح”. واضاف:”لو قررنا أن نكون مثل سعاة البريد ونسلم الرسائل فحسب، فإنني أشك في أننا كنا قد انتهينا من هذا الاتفاق”.
وقال المصدر المطلع على المفاوضات إنه في 22 تشرين الثاني\نوفمبر الفائت أجرى المبعوثون القطريون اتصالات هاتفية وتنقلوا ذهابًا وإيابًا بين الغرف المختلفة.
وساعد المفاوضون القطريون إسرائيل و”حماس” على الاتفاق على المكان المحدد الذي ستتمركز فيه الدبابات الإسرائيلية في غزة خلال الهدنة. وتوسطوا على غرار ذلك في شأن اتفاق حول كيفية تلبية الجنود الإسرائيليين لطلب “حماس” بإخلاء مستشفيات غزة، بما في ذلك مستشفى “الشفاء” حيث كانوا يتخذون مواقعهم، حسبما قال المصدر.
وقال إن المفاوضين، الذين شارك بعضهم في الوساطات بين إسرائيل و”حماس” منذ العام 2014، بحاجة أيضا إلى التوصل إلى عنصر حاسم: آلية حماية يتم هندستها لضمان أن أي انتهاك بسيط لوقف إطلاق النار لن يؤدي الى انهياره.
وأضاف أنهم تمكنوا من إقناع الجانبين على التوقيع على إجراءات محددة يتعين عليهم اتباعها في حالة وقوع حادث ومراجعة السيناريوهات التفصيلية مثل إطلاق النار أو تحركات الدبابات.
وقال المصدر بأنه تمّ تفعيل الآلية بعد وقت قصير من دخول الهدنة حيز التنفيذ عندما فتح الجنود الإسرائيليون النار على الفلسطينيين الذين كانوا يحاولون الانتقال إلى شمال غزة.
وبعد حوالي خمس ساعات من الاجتماع، تحدث أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني هاتفيا مع الرئيس الأميركي جو بايدن وناقشا تنفيذ الصفقة، وفقا لإحاطة البيت الأبيض للمكالمة.
وبعد انتهاء الجلسة الماراثونية بعد بضع ساعات، أعلنت وزارة الخارجية القطرية أن الهدنة ستدخل حيز التنفيذ يوم الجمعة 24 تشرين الثاني\نوفمبر الساعة 7 صباحًا في غزة.
اذهب إلى الوسيط
باعتبارها واحدة من الدول القليلة جدًا التي لديها خط اتصال مفتوح مع كل من إسرائيل و”حماس”، برزت قطر الغنية بالغاز على اعتبارها المفاوض الرئيسي في الحرب التي استمرت أسابيع والتي بدأت بهجوم حماس في 7 تشرين الاول\اكتوبر الفائت، وبالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية أشادت روسيا أيضًا بدور “أصدقائها القطريين”.
كما أثارت الوساطة القطرية انتقادات في الغرب، حيث اتهم بعض السياسيين الأميركيين والأوروبيين الدولة الخليجية بدعم حركة “حماس”، التي يعتبرونها منظمة إرهابية.
وكان التناقض واضحا تماما عندما وصل الشيخ تميم إلى برلين الشهر الماضي: حيث ورد
في عنوان رئيسي في صحيفة “بيلد” الألمانية في 12 تشرين الأول/أكتوبر الفائت العوان الآتي:
“زيارة دولة لأمير الدم”، ويقول المسؤولون القطريون إنهم بدأوا استضافة ممثلي حماس في الدوحة عام 2012 بناء على طلب واشنطن، عندما تم طرد المكتب السياسي للمسلحين الفلسطينيين من سوريا. قالت مصادر قطرية بأن إسرائيل تدقق في جميع التحويلات المالية التي تجريها قطر للفلسطينيين في غزة.
وقال مهران كامرافا، أستاذ الدراسات الحكومية في جامعة جورج تاون في قطر، بأن العلاقة الشخصية بين قطر والشخصيات الرئيسية في الجماعة المسلحة ربما تكون العامل الأكثر أهمية وراء قدرة قطر على التفاوض بفاعلية في هذا الصراع.
“يقولون: انظروا. لقد قدمنا مكتبًا ودعمًا لوجستيًا بتكلفة هائلة تتعلق بالسمعة… كنا الوحيدين الذين كانوا هناك من أجلكم عندما كنتم في حاجة إلينا، والآن هو الوقت الذي تحتاجون فيه إلى رد الجميل”.
بالرغم من من قربهم من مسؤولي “حماس”، لم يتحدث المفاوضون القطريون مباشرة مع قادتها في غزة بل عبر ممثليها المقيمين في الدوحة. وقال المصدر المطلع على المحادثات بأن سلسلة الاتصالات انقطعت مرات عدة وأحيانا لمدة يومين متتاليين، خلال شهر ونصف من القتال العنيف الذي سبق هدنة 24 تشرين الثاني\نوفمبر الفائت بسبب انقطاع التيار الكهربائي أو الإغلاق الإسرائيلي.
غالبا ما يلعب “الموساد” دوراً دبلوماسياً في تعاملات إسرائيل مع قطر، لأن البلدين لا تربطهما علاقات دبلوماسية رسمية، وهو الوضع الذي قال مصدر غربي في الخليج بأنه أدى أيضاً إلى إبطاء العملية.
وتعهد نتنياهو بإبادة “حماس التي تحكم قطاع غزة ردا على الهجوم الذي نفذته الحركة في السابع من أكتوبر تشرين الأول عندما تقول إسرائيل إن مسلحين قتلوا 1200 شخص واحتجزوا 240 رهينة.
وردا على ذلك، قصفت إسرائيل القطاع لمدة سبعة أسابيع وقتلت أكثر من 15 ألف فلسطيني، وفقا للسلطات الصحية في القطاع الساحلي.
ومنذ بدء وقف القتال، تم إطلاق سراح حوالي 100 رهينة من غزة، بما في ذلك غير الإسرائيليين. وأطلقت إسرائيل سراح ما لا يقل عن 210 فلسطينيين من سجونها وسمحت لمنظمات الإغاثة بزيادة شحنات المساعدات الإنسانية والوقود إلى غزة.
وفي حديثه لرويترز بعد أيام من بدء وقف إطلاق النار، قال الوسيط القطري عبد الله السليطي بأن عمله لم ينته بعد.
وأشار الموظف الحكومي الذي شارك في الوساطات بين إسرائيل و”حماس” منذ العام 2014: “في البداية اعتقدت أن التوصل إلى اتفاق سيكون الخطوة الأكثر صعوبة. لقد اكتشفت بأن الحفاظ على الاتفاق نفسه يمثل تحديًا بالقدر عينه”.
استمرت الهدنة لمدة أسبوع تقريبًا. استؤنفت الأعمال القتالية يوم الجمعة [في الاول من كانون الاول\ديسمبر الجاري] بعد أن اتهمت إسرائيل “حماس” بإطلاق الصواريخ والتراجع عن اتفاق لإطلاق سراح جميع النساء المحتجزات كرهائن.