مقالات مختارة
فايننشال تايمز البريطانية
بعد هجوم حماس المدمر فجراً على جنوب إسرائيل، كان رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يستعد للعمل.
قام بتشكيل فريق عمل ومجموعة للتنسيق مع واشنطن حيث كانت حكومته واحدة من الحكومات القليلة التي لها خطوط اتصال مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل وحماس وداعمتها إيران. تحدث الشيخ محمد، الذي يشغل أيضًا منصب وزير الخارجية، هاتفيا وفي غضون 48 ساعة، مع رئيس الموساد ديفيد بارنيا، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ونظيره الإيراني، والزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
كان الهدف الأولي هو قياس مستوى حرارة الأزمة المتفجرة، ولم تكن إسرائيل، الغاضبة والمصدومة بعد الهجوم الأكثر دموية على أراضيها منذ تأسيس الدولة في عام 1948، في مزاج يسمح بالمفاوضات، بل طالبت حماس بإطلاق سراح الرهائن الذين احتجزهم مسلحوها خلال الغارة الوحشية التي شنتها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حسبما يقول مسؤول مطلع على المحادثات. عندما تحدث الشيخ محمد إلى القادة السياسيين لحركة حماس – في المنفى في الدوحة وبعيداً عن الجناح العسكري للجماعة في غزة – أصروا على أن المسلحين لا يقصدون أسر هذا العدد الكبير من الرهائن، بما في ذلك المدنيين، ورد المسؤولون القطريون قائلين: “حسناً، أرونا ذلك بإطلاق سراح جميع المدنيين الآن”، وكان الرد عليهم “الأمر أكثر تعقيدا”. لقد أصبح الأمر معقدًا بالنسبة للشيخ محمد منذ ذلك الحي.
قام الرجل البالغ من العمر 43 عامًا والذي يتحدث بهدوء بتنسيق الجهود الدبلوماسية من خلال العمل بشكل وثيق مع بارنيا ورئيس وكالة المخابرات المركزية بيل بيرنز لتأمين إطلاق سراح الرهائن.
وبعد أسابيع من المفاوضات الشاقة، اتفقت إسرائيل وحماس أخيرا على اتفاق ستطلق بموجبه الحركة المسلحة سراح خمسين امرأة وطفلا من حوالي 240 أسيرا في مقابل إيقاف إسرائيل هجومها على غزة التي تسيطر عليها حماس لمدة أربعة أيام، ابتداء من أمس، وسمحت بدخول المزيد من المساعدات والوقود إلى القطاع المحاصر وحررت 150 امرأة وطفلا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية. كان دور قطر حاسما، باعتبارها أحد المحاورين الرئيسيين بين إسرائيل وحماس على مدى عقد من الزمن.
كانت الدوحة ترسل في السابق مساعدات بقيمة ملايين الدولارات إلى غزة كل شهر بالتنسيق مع إسرائيل والأمم المتحدة، وقبل أسبوعين فقط من هجوم حماس، استضاف الشيخ محمد برنيع في الدوحة لمناقشة تحسين الظروف الاقتصادية في غزة. قطر – مثل غيرها من الدول – أصيبت بالذهول من الهجوم، لكن الشيخ محمد، وهو عضو يحافظ على ظهور محدود في الأسرة الحاكمة، ليس غريباً على الأزمات.
تم تعيين خريج الاقتصاد في العام 2016 وزيرا للخارجية قبل ثمانية عشر شهرا فقط من قيام أربع دول عربية، بقيادة السعودية والإمارات، بقطع روابط السفر والتجارة والدبلوماسية مع دولته الخليجية الصغيرة التي تعتمد على الاستيراد، وبدا أن المجموعة الرباعية حظيت بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب آنذاك، مع اتهام قطر بدعم الحركات الإسلامية والتقرب من إيران. ومع شعور القطريين المضطربين بالخوف على مصير أمتهم، تساءل “العديد من المشككين” عن مدى قدرة الدبلوماسي الشاب على التعامل مع الأزمة، كما يقول طارق يوسف، مدير مجلس الشرق الأوسط للشؤون العالمية ومقره الدوحة.
كما اجريت مقارنات غير سارة بينه وبين الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الشخصية اللامعة المعروفة باسم HBJ الذي شغل منصب رئيس الوزراء ووزير الخارجية لأكثر من عقد من الزمن. يقول يوسف: “مع توالي فصول الأزمة، كانت هناك دعوات إلى الاستعانة بأساليب شخصية حمد بن جاسم الراسخة، وهو ما يمثل تناقضًا حادًا مع أسلوب الشيخ محمد البسيط، ولكن في غضون أشهر، بدأ يحظى بإعجاب الجمهور الذي رأى قيادة ثابتة، وشعر بقدراته وهذا بالضبط ما احتاجته قطر في تلك اللحظات”. كان الشيخ حمد قد أشرف على انتقال قطر من منطقة صحراوية منعزلة إلى مركز ثري للغاية لتوليد الطاقة من الغاز، لكنه قاد أيضًا سياسة خارجية حازمة أثارت غضب جيران الدوحة وأكسبت الدولة الخليجية سمعة باعتبارها دولة منشقة تتدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، حتى تم استبداله عندما اعتلى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني العرش عام 2013 اثر تنازل والده بشكل مفاجئ.
كان ذلك هو العام الذي دخل فيه الشيخ محمد وزارة الخارجية كمساعد وزير، وتزامن صعوده في المناصب مع جهود الشيخ تميم لإعادة ضبط سياسة قطر الخارجية، وبنائها لتكون قائمة على الشراكة مع واشنط.
تقدم الدولة نفسها بنشاط اليوم على أنها “حلال المشاكل الدولية”، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الاعتقاد بأن الحصول على مكانة كوسيط سيضمن بقاء الدوحة ذات أهمية، وكان الشيخ محمد محورياً في هذا التحول، حيث جمع بين الدبلوماسية ورئاسة جهاز قطر للاستثمار وهو صندوق ثروة سيادي بقيمة 450 مليار دولار.
يقول دبلوماسي غربي “إنه يستكشف الأخطاء ويصلحها.. هذا هو نوع الرجل الذي يفهم الفرص والمخاطر” مضيفًا “لقد كان موجوداً لفترة كافية لفهم [مخاطر] في حال تجاوزت قطر قدراتها”. منذ رفع الحظر الإقليمي المفروض على الدوحة في أوائل عام 2021، دافع الشيخ محمد عن بلاده من الانتقادات قبل كأس العالم لكرة القدم العام الماضي؛ وعمل كوسيط بين طالبان والغرب بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان؛ وساعد في تسهيل تبادل الأسرى بين الولايات المتحدة وإيران؛ وتوسط في محادثات سرية بين الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وواشنطن، وأبرم هو وفريقه اتفاقاً لجمع شمل أربعة أطفال أوكرانيين مع عائلاتهم بعد أن انفصلوا خلال الغزو الروسي في الوقت الذي كانت فيه أزمة غزة مشتعلة.
يقول محللون إنه بعد تعيين الشيخ محمد رئيسا للوزراء في مارس/آذار، تساءل البعض عن مدى قدرته على التركيز على واجباته الداخلية، وخاصة خطط الدوحة الاقتصادية، خصوصًا في ظل توالي التحديات الدبلوماسية على المسرح العالمي. لقد تمت الإشادة بقطر لدورها في الوساطة حتى الآن، ولكن عندما يهدأ الغبار أخيرًا، قد تصبح علاقات الدوحة مع حماس، بما في ذلك استضافة مكتبها السياسي، إشكالية. يقول يوسف: “دور الوسيط يعزز مكانة قطر كلاعب محوري لكنه يثير أيضًا تدقيقًا متزايدًا ويترك البلاد مكشوفة سياسيًا” مضيفًا “إنها لحظة ذات عواقب هائلة – ولا يمكن المبالغة في تقدير المخاطر”.