“مصدر دبلوماسي”
أثناء القاء مندوب سلطنة عمان في الامم المتحدة الدكتور محمد بن عوض الحسان كلمة نيابة عن دول مجلس التعاون الخليجي قبل يومين في اجتماع طارئ لمجلس الامن الدولي تم قطع البث فجأة. في ما يلي نص الخطاب كاملا:
السيدات والسادة المحترمين،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أدلي بهذا البيان نيابةً عن الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهي: الامارات العربية المتحدة، مملكة البحرين، المملكة العربية السعودية، دولة قطر، دولة الكويت، وبلادي سلطنة عُمان.
وأود، بداية، أن أهنئكم وأهنئ بلدكم الصديق، البرازيل، على رئاسة مجلس الأمن خلال هذا الشهر، داعيا لكم التوفيق والسداد لتيسير أعمال المجلس، بما يحفظ الأمن والسلم الدوليين، ويعزز من مكانة القانون الدولي، ومصداقية هذا المجلس، وذلك إتساقا مع المقاصد النبيلة والأهداف السامية الواردة في ميثاق الأمم المتحدة.
سعادة الرئيس،
السيدات والسادة المحترمين،
اجتمع مجلس الأمن منذ أيام للنظر في تطورات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا في الأراضي الفلسطينية المحتلة في قطاع غزة، ولإتخاذ خطوات وتدابير عملية ملموسة تحفظ الأمن والسلام وتحقن دماء الأبرياء، لكن للأسف لم يتسن لهذا المجلس أن يتخذ أي موقف، والنتيجة هو المزيد من القتل والتدمير والعقاب الجماعي وأرواح بريئة تزهق، وهو وضع ليس بجديد خصوصا حينما يتعلق الأمر بإسرائيل، حيث أنه على مدى 75 عاما، وهذا المجلس المفوض من قبل المجتمع الدولي، لم يتمكن من إيجاد حل دائم وشامل وعادل للقضية الفلسطينية، حل يقوم على أساس قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي بما في ذلك القرارات الصادرة عن هذا المجلسوفي مقدمتها القراران 242 و 338.
ما يحدث اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليس بجديد، والنتيجة ضحايا من الجانبين، وحالة من عدم الإستقرار وغياب للأمن، والسبب إزدواجية المعايير، وهو ما دفع إسرائيل نحو مزيد من التمادي بإرتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني، هذا الشعب الذي وضع ثقته في المجتمع الدولي وفي هذا المجلس لتوفير الحماية اللازمة له، ومجزرة مستشفى المعمداني في غزة والتي راح ضحيتها، حتى الآن، ما يقرب من 600 شهيد أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ، ومئات الجرحى والمصابين الأبرياء، ليس سوى دليل واضح على الصلف الإسرائيلي، وهو تصعيد خطير هز مشاعر العالم، أو ليس هذا إنتهاكا وخرقا للقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي لاسيما لإتفاقيات جنيف لعام 1949م، أو ليست إسرائيل دولة محتلة للأراضي الفلسطينية، وهي ملزمة بحماية المدنيين وقت الحرب؟ أو ليس قتل هذا العدد المهول من الأبرياء وتمزيقهم أشلاء أمام أعيننا عملا إجراميا وإرهابا وخرقاً لمبادئ القانون الدولي الإنساني؟
اسمحوا لي أن أشير هنا إلى ما ذكره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حول أن ما أسقطه الجيش الإسرائيلي من ذخيره على قطاع غزة في الأيام القليلة الماضية توازي شدتها ربع قنبلة نووية، وأن إسرائيل تقتل 14 فلسطينيا كل ساعة بالمتوسط في هجومها المتواصل على قطاع غزة، وأن الغارات تسببت بتدمير أكثر من 17 ألف مبنى سكني، ونحو 87 ألف وحدة سكنية، ناهيك عن الأضرار الذي ألحقته بما لايقل عن 73 مدرسة، و 61 مقرا إعلاميا، و 18 مسجدا، و 165 منشأة صناعية، إذا لم يك هذا إنتهاكا ومجازر بحق شعب وضع ثقته في يد المجتمع الدولي فإننا نسألكم ما الذي يُعَدّ انتهاكاً؟ ومتى يتحرك المجتمع الدولي لحماية المدنيين الفلسطينيين أمام هذا النوع من التطهير الممنهج والمبرمج … العالم أجمع … والعالم العربي .. والشعوب الإسلامية … والشعب الفلسطيني لن ينسى هذه المجازر … وسيتم محاسبة المتسببين فيها والمسؤولين عنها وإحضارهم أمام العدالة … العقاب الجماعي والتجويع هي أفعال إجرامية مرفوضة مارستها النازية المقيته أثناء الحرب العالمية الثانية … لقد وضع المجتمع الدولي ثقته في هذه المنظمة وفي هذا المجلس الموقر لعدم تكرار ما حدث وحمايةالاجيال اللاحقة من ويلات الحروب.
نعم، نطالبكم ويطالبكم المجتمع الدولي والشعب الفلسطيني بأداء المسؤوليات الملقاة على عاتقكم على أكمل وجه، وبات لزاما على هذا المجلس أن يتصرف بمسؤولية لحفظ الأمن والسلم الدوليين وحماية المدنيين، يجب وضع حد فوري لأعمال العنف والقصف العشوائي غير القانوني للأحياء السكنية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ونحن في مجلس التعاون نرفض رفضا قاطعا أي نوع من أنواع التهجير القسري للمدنيين الفلسطينيين، ونحمل إسرائيل، بوصفها سلطة الإحتلال، المسؤولية كاملة، ونطالب هذا المجلس التنبه إلى ذلك وتبعات ذلكعلى المنطقة والعالم.
سعادة الرئيس،
السيدات والسادة المحترمين،
تؤكد دول مجلس التعاون على ضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار، والسماح لفرق الإغاثة والفرق الإنسانية التي تحمل مواد غوثية بالدخول الآمن غير المشروط إلى قطاع غزة، لابد من موقف واضح من قبل هذا المجلس ضد إستخدام التجويع وقطع المياه والكهرباء كوسيلة من وسائل الحرب، نطالبكم بالوقوف إلى جانب القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، برفع الحصار عن قطاع غزة، وفتح المعابر، وحماية العاملين في منظمات الأغاثة والأطقم الطبية، وعلى وجه الخصوص أولئك العاملين في وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئينالفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).
ما الذي ننتظره كمجتمع دولي للتحرّك، بعيدا عن ازداوجية المعايير والانتقائية في تطبيق القانون الدولي الإنساني؟ هل ننتظر وقوع مجازر أخرى وعمليات إبادة؟ إن المواقف التي ستتخذونها ستبقى خالدة في هذه القاعة، وفي تاريخ هذه المنظمة، ونلفت عنايتكم إلى أن التغاضي عن صوت الحق والعدل لا يحقق المصداقية لهذا المجلس ولا يؤسس لمرحلة من الإستقرار والتعايش في منطقة الشرق الأوسط، بل على العكس، ندعوكم إلى التخلي عن ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيق القانون، أثبتوا لنا أنه لا يوجد هناك طرف أو دولة فوق القانون الدولي، حتى لو كانت هذه الدولة إسرائيل، نطالبكم بأن ترسلوا رسالة واضحة بصوت عال وموحد توكد على حتمية وضرورة السلام، رسالة تدعو جميع الأطراف نحو السلام، سلام عادل وشامل في هذه المنطقة الحيوية من العالم، من هنا أختتم بالإشارة إلى الإجتماع الطارئ لدول مجلس التعاون الذي عقد يوم أمس في العاصمة العمانية مسقط على المستوى الوزاري لمناقشة التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث أصدر وزراءنا بيانا هاما طالبوا من خلاله الوقف الفوري للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والتصعيد في القطاع ومحيطه، وحماية المدنيين، والإلتزام بالقانون الدولي الإنساني، مع تأكيدهم على ضرورة إنهاء الإحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأراضي الفلسطينية، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وعلى ضرورة العمل مع المجتمع الدولي لإطلاق تحرك عاجل وفاعل لتحقيق ذلك، تنفيذا للقانون الدولي، كما ناشد البيان المجتمع الدولي بضرورة دعم ثبات الشعب الفلسطيني على أرضه والتحذير من أي محاولات لتهجيره خارجها ومفاقمة قضية اللاجئين الذي يجب تلبية حقوقهم كاملة، وذلك في إطار حل شامل للصراع يعالج قضايا الوضع النهائي، وفق للقانون الدولي ومبادرة السلام العربية وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة، كما ندعو إلى التصدي الجماعي لأي محاولات لترحيل الأزمة التي يفاقمها إستمرار الإحتلال إلى دول الجوار.
وشكراً،