مارلين خليفة
يمرّ لبنان بقطوع خطر يتمثل بالحرب المندلعة بين الاسرائيليين من جهة والمقاومة الفلسطينية في غزّة وعلى جبهات مختلفة بينها الحدود الجنوبية للبنان حيث ينشط تبادل الرسائل الصاروخية يوميا وبوتيرة متفاوتة وإن بقي مضبوطا في قواعد الاشتباك المألوفة وضمن الاراضي اللبنانية المحتلة.
في هذا السياق، فإن قنوات أممية تنقل بشكل غير رسمي بأن الاسرائيليين بعثوا برسالة الى حزب الله مفادها بأن اسرائيل لن تقصف لبنان إذا لم يعمد الحزب الى قصف المستوطنات. لكنّ في حرب تدور رحاها وسط رأي عام غربي مؤيد تماما لإسرائيل التي تزمع رد الصاع صاعين بعد الصفعة المدوية التي تلقتها السبت في 7 الجاري ومناخ عربي يفتقر للآن لأي حراك دبلوماسي جدي باستثناء بيان المجلس الوزاري العربي أمس، وجنون اسرائيلي متصاعد نظرا الى الصدمة التي وقعت على راس الحكومة والمسؤولين والاجهزة تجعل كل الاحتمالات واردة، مع أن الاطراف المعنيين وخصوصا من الجهة اللبنانية لا تزال تتسم بالحكمة والهدوء وتقيم الحسابات الدقيقة.
في هذا السياق، تشير اوساط مطلعة على المناخ الفرنسي الى أن فرنسا التي خسرت 8 من مواطنيها في الحرب الدائرة منذ السبت الفائت بالاضافة الى اختفاء 20 مواطنا فرنسيا لا يزالون مجهولي المصير، بعثت برسائل واضحة وصريحة الى الاطراف اللبنانية المعنية ومنها حزب الله بضرورة عدم الانجرار الى الدوامة المسننة للعنف لأن في ذلك خطر لانزلاق لبنان الى حرب اقليمية واسعة. ومع ان الاوساط تستبعد الوصول الى حرب اقليمية نظرا الى وجود لاعبين عقلانيين في المنطقة، فإنها تعترف أنه من المستحيل اليوم القيام بمبادرات دبلوماسية لتبريد العقول وتهدئة الاوضاع. وتعلق الاوساط الواسعة الاطلاع على المناخ الفرنسي قائلة: “إن الكواكب مصطفة لتشي بأن الامور تسير نحو الاسوأ ونأمل ألا يطال أي تدهور لبنان، لأن الاسرائيليين لن يمرروا ما حدث بشكل سلس”.
بحسب الحسابات القائمة فكل الاحتمالات واردة، وأي اقحام للبنان يعود الى نوعية الرد الاسرائيلي. ولعل الفارق بين الحوادث التي حصلت في العام 2014 في غزة واليوم يتمثل بضخامة الصدمة التي شكلها طوفان الاقصى، فالحدث اليوم مختلف وليس ضمن السياق الاعتيادي والرد الاسرائيلي يخاطر بان يكون قويا وبإتساع ايضا.
ليس من مبادرات تفاوضية لغاية الآن فرنسا تعترف بذلك وكذلك القطريين، ساعة التفاوض لم تأت بعد وليس واضحا اليوم من سيمثل خط التهدئة وبدء مفاوضات مثمرة بين الدول الاقليمية، وإذا قررت اسرائيل الدخول الى غزة فستكون عملية مكلفة جدا وصعبة. وتشير الاوساط الواسعة الاطلاع على المناخ الفرنسي: “نحن هنا في وسط اعصار شديد ونحاول أن نحوله الى زوبعة، لكن حتى الزوبعة هي خطرة احيانا، الامر خطر بسبب ضخامة الحدث”. وتنصح الاوساط انه لا يجب ان نقوم بسياسة الخيال لأنه حينها يمكن الحديث عن سوريا، وايران وهنالك الكثير يتخوفون من حرب اقليمية لكن ليس من اعتقاد لغاية الآن ان الامور ستصل الى هذا الحد لأن هنالك العديد من اللاعبين الذين ليسوا بعيدين من المنطق .
تنعكس الحرب في غزة على الملف الرئاسي اللبناني، وبالرغم من أن الموفد الرئاسي الفرنسي جان-ايف لودريان مستمر بمساعيه الحميدة لفكفكة عقد هذا الملف إلا أن لا موعد محددا بعد لجولته الرابعة العتيدة في انتظار جلاء الصورة الاقليمية. وتشير الاوساط الواسعة الاطلاع على المناخ الفرنسي الى أن فرنسا طالما حذرت عبر دبلوماسييها المسؤولين اللبنانيين مرارا بألا يراهنوا على المزيد من التطورات الاقليمية التي قد تنقلب فجأة رأسا على عقب، وتلقوا نصحا بالاستفادة من الاستقرار الاقليمي والهدوء الذي تولد بعد الاتفاق السعودي الايراني وتمرير الاستحقاق الرئاسي. وتعلق الاوساط المذكورة: إن الحسابات التي قام بها البعض في لبنان بتأجيل الاستحقاقات أثبتت انها خاطئة.
ما تلا الجولة الثالثة للموفد الفرنسي جان-ايف لودريان ليس بهذا السوء بحسب الاوساط المطلعة على المناخ الفرنسي. في الواقع ما تم تناقله بأن اجتماع نيويورك لم يكن مثمرا، ليس دقيقا، فقد حدث تقدم في نقاط عدة وابرزها شق طريق ثالثة فضلا عن فهم الرأي العام السياسي والشعبي لموقف فرنسا بشكل أفضل. في السياق اللبناني الداخلي،
تحدث كثر باستفاضة عن تبني فرنسا لترشيح رئيس تيا ر المردة سليمان فرنجية
إلا أن العقل الدبلوماسي والسياسي كان يريد العثور على بطاقة تحدث توازنا بين الطرفين في لبنان لاعطاء كل فريق ما يجعله راضيا، دعمت فرنسا انتخاب ورئيس حكومة واصلاحات، وقد استخدم البعض هذا المنطق للقول بأن فرنسا تدعم فريقا ضد آخر. حاولت فرنسا دعم حل وايجاد معادلة متوازنة بين الاطراف، وقد جاء لودريان لقول ذلك وفي النهاية على اللبنانيين الموافقة على أية معادلة، فليست فرنسا من ستنتخب الرئيس وانما النواب اللبنانيون،لذا كانت الغاية من تحرك لودريان هي التفتيش عن الآلية والدينامية التي يمكن فيها مساعدة اللبنانيين لاتخاذ هذه الخطوة، من اجل التوجه الى الانتخابات الرئاسية، ولم تعمد عمليا الى طرح اي اسم بحسب الاوساط المذكورة.
لاحقا، بدأت الوساطة القطرية، عبر تحرك موفد قطري زار الاطراف اللبنانيين وكذلك تعيين سفير قطري جديد هو الشيخ سعود بن عبد الرحمن آل ثاني بدأ جولاته على المسؤولين اللبنانيين، وتشير الاوساط المطلعة على المناخ الفرنسي بأن القطريين يزورون لبنان بشكل منتظم وهم تحدثوا ببعض الامور كونهم أيضا جزء من الخماسية.
تتضمن الخماسية 5 آلات مختلفة، الفكرة أنه لا يعود لهذه الدول الخمسة العزف على الآلة ذاتها، فلكل منها اوراقه الرابحة المختلفة عن الدولة الاخرى، إن الاوراق التي تحملها المملكة العربية السعودية ليست ذاتها تلك التي تحملها قطر أو الأميركيين أو المصريين . وبالتالي، فإن الهدف هو ان تلعب الخماسية التجزئة ذاتها، لكن لكل طرف آلته، ولكلّ دولة الحق في ان تلعب يوما ما بشكل منفرد اي “صولو”.
يبقى الهدف الفرنسي ذاته، هو انتخاب رئيس في اسرع وقت ممكن، وقد نشأ لديها شعور بالخطر الداهم بسبب الوضع القائم. سيعود جان ايف لودريان الى لبنان حتما لكن لم يتم تحديد موعد بعد في انتظار ما يمكن حدوثه وخصوصا وأن لبنان والمنطقة بأسرها وسط مرحلة لايقين كبرى وتحديدا في ما يخص الرد الاسرائيلي على غزة الذي تعتقد الاوساط الواسعة الاطلاع على المناخ الفرنسي أنه سيكون قويا جدا.
*نشر هذا التقرير بالتعاون مع صحيفة اللواء اللبنانية