“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
تصوير عباس سلمان
شكلت الجولة التي قام بها المدير العام السابق للامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم لبنة رئيسية في مساره السياسي الذي ابتدأ رسميا عقب انتهاء مهامه في المديرية العامة للامن العام اللبناني، حيث أجمعت الفاعليات الجبيلية التي التقاها من روحية وزمنية بأنه “سلّم مؤسسة متينة البنيان راسخة وزاهية بصورتها وبسمعتها الوطنية على نقيض ما قام به آخرون في مؤسسات مختلفة”.
وفي يوم جبيلي طويل شكّلت صور ثلاثة ردّا قاسيا على بعض الاقلام التي حاولت النيل من رمزيتها الوطنية ومن صورة اللواء ابراهيم “العابرة للطوائف” كما وصفها النائب في كتلة الجمهورية القوية زياد حواط. تتمثل الصورة الاولى في الجولة التي قام بها اللواء ابراهيم مع الشيخ غسان اللقيس ونجله الشيخ أحمد اللقيس وفاعليات جبيلية بدءا من الوقف السني مرورا بالمسجد التاريخي والسوق القديمة والجولة في مركبة سياحية طافت في شوارع المدينة الفينيقية القديمة. الصورة الثانية، تلك التي جمعت اللواء ابراهيم ورئيس دير ما شربل في عنايا الأب طنوس نعمة تحت شخص القديس شربل، والاستقبال الحار في صالون الدير للواء ابراهيم من قبل طنوس والتعابير المفعمة بالفرح التي لاقى بها طنوس الضيف الاستثنائي. وقبل زيارة الدير كانت زيارة لمقام النبي الخضر في راس إسطا وهو مقام ديني محوط بالاشجار ويعتبر جار القديس شربل.
أما الصورة الثالثة، فتمثلت في اللقاء مع المطران ميشال عون في دارة مطرانية عمشيت حيث تكرر الحديث عن العيش المشترك والتعددية ودور اللواء ابراهيم الرائد في التبشير بها سواء في عمله الامني أو السياسي.
وتبقى الصورة الرابعة وهي “عند أهل البيت” كما وصفها اللواء ابراهيم أي في دار الافتاء الجعفري حيث التقى المفتي عبد الامير شمس الدين، ونال تكريما ووساما وتقديرا لإسهاماته الوطنية وروحية البذل والعطاء التي لم يفرٌّق فيها بين لبناني وآخر.
وبين هذه الزيارات، عرّج اللواء ابراهيم على بلدة لحفد حيث زار السيد ايلي باسيل في دارته مستذكرا بعض الذكريات بين لحفد وعمشيت، الى زيارة مستوصف السلام الاهلي للرعاية الصحية الاولى، وقائمقام جبيل السيدة نتالي مرعي.
قيل كلام كثير في المعالم الرمزية للجولة الجبيلية، سنتوقف عند بعض محطاتها لكن الزيارة تحمل أيضا معاني في السياسة قد يبدو من المبكر الاضاءة عليها وسط انسداد أفق رئاسي توقع اللواء عباس ابراهيم في تصريح له في مطرانية عمشيت أن يتجاوز مواعيد أيلول الحالي، مع أنه أضاء شمعة في دير مار شريل هو الأباتي طنوس نعمة بناء على طلب الاخير على نية انتخاب سريع لرئيس للجمهورية.
في وقف السنة
بدأت الجولة بلقاء صباحي مع المفتي غسان اللقيس الذي قدّم للواء ابراهيم عرضا عن تاريخ جبيل وآثارها والغزوات التي تعاقبت عليها وتاريخ السنّة الجبيليين. وتطرق الى تكوين المدينة وسورها ومحالها التجارية، وكيف شهد العام 1860 بداية انشاء اسواق خارج السور. ثم قام اللواء ابراهيم والمفتي بجولة بدأت من كنيسة القديس ما يوحنا مرقس “الأنطش” في جبيل وصولا الى الميناء والاسواق والسراي. وسار المفتي اللقيس واللواء ابراهيم في الميناء بين الصيادين الذين راحوا يرحبون بالضيف في مدينتهم.
بعدها زار اللواء ابراهيم قائمقام جبيل نتالي مرعي التي استعرضت تفاصيل العمل وصعوباته في زمن الانهيارات في المؤسسات الرسمية.
دار الافتاء الجعفري
وفي دار الافتاء الجعفري، استقبل اللواء ابراهيم حشد من فاعليات المنطقة ورئيس دير مار يوحنا مرقس الاب سيمون عبود وفاعليات المنطقة والشيخ عبد الامير شمس الدين. ورحّب أحد المشايخ باللواء ابراهيم “بين اهله وقومه واحبائه في هذه المدينة”. والقى الشيخ عبد الامير شمس الدين كلمة مما جاء فيها: ” نرحب بهذا المركز الذي هو بيت جميع اللبنانيين، ولا يختص بطائفة او مذهب ويتشرف باستقبال كل لبناني من اي طائفة او مذهب او حزب، نرحب بسيادة اللواء عباس ابراهيم الذي ما رأيناه في كل جولاته واسفاره ومقابلاته الى جانب ما كان يقوم به من خلال مركزه في الامن العام إلا انسانا مصلحا ويعمل بوطنية صادقة لمصلحة كل لبنان دون النظر الى مذهب او طائفة او حزب، وانما كان يتفانى من اجل مصالح وطنه ولذلك اعتبره على رأس المواطنين اللبنانيين الصالحين”(…).
وتحدث اللواء عباس ابراهيم قائلا:”شكرا لكم، الحقيقة أن سبب زيارتي لمدينة جبيل هي دعوة من الشيخ غسان اللقيس ولا يمكن زيارة جبيل دون أن أمرّ الى بيتي في دار الافتاء الجعفري والى بيتي في كنائس جبيل. نحن مدرسة قال قائدها بأن التعايش الاسلامي المسيحي ثروة يجب التمسك بها، نحن من مدرسة قال قائدها من يطلق النار على دير الاحمر والقاع وشليفا انما يطلق النار على قلبي وعلى اولادي وعلى بيتي. من هذه المدرسة تخرجنا جميعا، وبهذه المدرسة آمنّا وبهذه المدرسة وبهديها وتعاليمها سنكمل الطريق مصرين على وحدة لبنان وعلى التعايش والتكاتف والتضامن، مصرين على انقاذ لبنان بوجه معاول الهدامين، لن نسمح لأحد بأن يهدم اي ركن من اركان لبنان، لبنان واحد وسيبقى واحدا، ما تنفسنا وما عشنا وما نبضت خلجات قلوبنا. من دافع عن لبنان الى حد الاستشهاد سيدافع عن لبنان بالكلمة، والكلمة اقوى من الرصاصة، سنصر على الكلمة والحوار، إنما وجودي اليوم في مدينة جبيل مدينة الحوار، مدينة الحضارات والمدينة الضاربة في التاريخ التي ربما كما قيل لي هي المدينة الاولى او الثانية في تاريخ البشرية، هذه المدينة التي تختزل ابناء الوطن بكل تلاوينه وطوائفه ومذاهبه، ستبقى مدينة التعايش والنور والكلمة، لن نسمح لأحد ما حيينا أن يطرق معاوله في ركن هذا الوطن. انا اقول أنه في قلب كل لبنان مسلما كان ام مسيحيا جزءا من الآخر، لدى المسلم جزء من المسيحية والعكس صحيح، هذه الحضارة الفريدة في العلم التي لا يفهمها البعض والتي ذهبنا شرقا وغربا ولم نجد من يفهم هذه الحضارة، انما هذه الحضارة الفريدة يجب ان تكون عنوانا لما هو قادم على هذا العالم، وعنوانا لتحدي ومواجهة ومقاومة صراع الحضارات، نحن نمثل حوار الحضارات في هذا العالم ويجب ان يستمر هذا التمثيل ويجب ان نتمسك به لأنه هو العروة الوثقى لانقاذ البشرية. اشكركم من كل قلبي، فعلا سماحة الشيخ اشكركم لهذه الدعوة، ان وجود هذا التنوع في هذه الدار اثلج قلبي، وكما سبق وقلت لكم الامور ليست بالمكان بل بالمكين، وانتم اهل هذه الدار وكونكم اهل هذه الدار بما تحملون من فكر واسع يجعل هذه الدار مفتوحة على المدى.وشكرا لكم.
في دير مار شربل عنايا
في دير مار شربل في عنايا، استقبل الاباتي طنوس نعمة اللواء عباس ابراهيم وجال واياه في حنايا الدير وكانت وقفة تأملية عند ضريح القديس شربل، وجولة على حياته المخلدة بثيابه الرثة وادوات معيشته المتواضعة المعروضة في اركان الدير، كذلك آلاف الرسائل من العالم اجمع التي تشهد على عظمة هذا القديس وعجائبه العابرة للقارات.
وقال الاباتي طنوس نعمة اثناء استقباله اللواء ابراهيم :” إنها زيارة ملؤها الفرح، وهي فرح وفخر لنا، وهي ترمز وكأن مار شربل يدعونا جميعنا حتى نجتمع حول شخصه وهو يمثل ربنا”. وعن رمزية الزيارة قال: أنه “بحسب الرواية التاريخية، فإن أول شخص رأى النور على شخص مار شربل كان ضابطا شيعيا من حجولا، وهذا ليس بالأمر الجديد، ونحن لدينا عقد بين الاكليروس والمشايخ في هذه المنطقة بأنه مهما صار فإننا نبقى عائلة واحدة”.
وتحدث اللواء عباس ابراهيم ردا على اسئلة صحافيين وقال ان ما رآه في دير عنايا غير مسبوق ” ليس على صعيد القداسة فحسب، بل على صعيد هذه الروح الرحبة وروح المحبة الموجودة الموجودة لدى الآباء ما يعكس لبنانيتنا كلنا، وروح الوحدة والمحبة والتآلف وروح استكمال الحضارات واستكمال الاديان لأنه في النهاية الرب واحد والله يحمي لبنان ولا يحمي طائفة ويعاقب اخرى”.
وعن تزامن الزيارة مع ذكرى تغييب الامام موسى الصدر الذي كان يزور الكنائس والمساجد على حد سواء وهل هذا فأل خير أم نذير شؤم قال اللواء ابراهيم:” نتمنى ألا يختفي أحد بعد الآن، إن هذا الامر قد يكون سبب تغييب سماحة الامام وقد يكون هو احد اهم اسباب اختفائه واخفائه، ولكن نحن مصرون على هذا الخط وعلى هذا النهج، مهما بلغت التضحيات لأننا مؤمنون، بأن لبنان لن يكون إلا على هذه الشاكلة التي نراها اليوم”.
مطرانية عمشيت
ورحب المطران ميشال عون في دارة المطرانية مع لفيف من الفاعليات والكهنة باللواء ابراهيم فقال: “إن الزيارة عزيزة، نحن دوما كنا نقدر الجهود التي كان يقوم بها اللواء ابراهيم في كل المشاكل الشائكة ، ونقدر المواهب التي اعطاه اياها الله، وعرف كيف يصقلها بإدارة الازمات والحوار. تحمل زيارة اللواء الى جبيل معان عدة أولا لأن جبيل هي مدينة الحوار، ونحن كمطرانية منفتحون على هذا الحوار، واسسنا في قضاء جبيل وبمعية اصحاب الفضيلة، لجان وطنية للحوار الاسلامي المسيحي، ولا احد يخفى عليه اعلان عنايا في بداية الحرب في ايلول العام 1975 عندما وقّع المسلمون والمسيحيون وثيقة للعيش المشترك وليحموا بعضهم وليؤكدوا بأن الحرب لا يمكن ان تهزمنا او تدخل الينا. ونحن نؤكد على أن لبنان لا ينهض إلا بالتعاون والعيش معا مسلمين ومسيحيين بالحوار وحوار الحياة لكي يبقى لبنان بلد الرسالة كما قال عنه البابا يوحنا بولس الثاني.
وتحدث اللواء ابراهيم قائلا ردا على سؤال إن كان لبنان سيبقى على صليب الفراغ الرئاسي فقال:” أعود واشكر سيدنا على الاستقبال، واشعر انني في منزلي، وهذه الزيارة عنوانها المحبة والحوار، وكما قال سيدنا لا خيار لنا إلا الحوار، ولن نسمح لأحد بكل ما أوتينا من قوة أن يعلو صوت الرصاص على صوت الكلمة، لأن الكلمة هي الاساس، والكلمة هي التي تشق الطريق للحلول بينما الرصاص هو الذي يشق الطريق للحرب. إنها زيارة محبة ورجاء، وقيامة لبنان، اعرف أنه بعد ايام يكون العيد، ونحن اعيادنا مشتركة ونأمل ان يكون هذا النهار عنوانا لقيامة لبنان وليس لصلب لبنان وعذابه، بالرغم من ان الامور صعبة وتبدو مقفلو للاسف، لكن كما قال سيدنا إن الرجاء بالكلمة والحوار ونحن نعلق آمالا كبيرة عليه”.
وهل يمكن ان يكون ايلول شهر انتخابات؟ قال اللواء ابراهيم أنا لا اضرب في الغيب، لكن يمكنني القول أنني لا أرى هذا الموضوع، وكلي رجاء بأن يحصل”.
ختام الجولة ودعوة للحوار
وبعد جولة شملت السيد الياس باسيل في لحفد، اختتمت اللواء ابراهيم يومه في مدينة الحرف بمأدبة غداء اقامها المفتي غسان اللقيس في دارته في جبيل وحضرتها فاعليات المنطقة وفي مقدمتها النائب زياد الحواط، ورئيس اتحاد بلديات جبيل فادي مارتينوس، والوزير السابق مروان شربل. وتحدث الشيخ اللقيس ومما قاله: “أديت كمدير للامن العام الرسالة والامانة، حافظت عليها كما يحفظ الرجل ابنه بل وسّعت فيها وانشأت مراكز في كل لبنان ومنها مركز قرطبا، وانا حضرت افتتاحه بدعوة من الاستاذ فادي مارتينوس، ووسّعت على الموظفين واعطيتهم من المعنويات ما يكفي، وعدلت في ما بينهم، ولم تفرق بين قريب وبعيد، سلمت المؤسسة كأحسن ما يكون، فهي في طليعة المؤسسات اللبنانية (…). وردا على كلمة اللقيس أعاد اللواء التأكيد على أن جبيل هي مدينة الحوار، وجبيل مدينة الحرف لا الحرب، من هنا من جبيل ندعو الى الحوار، لا مكان يمكن أن يدعى منه للحوار أكثر من جبيل، انها مدينة الحوار والتعايش واتلاقي والعائلات الروحية بأجمعها. لبنان هو نموذج لحوار الحضارات فكيف لا نكون نموذجا للحوار مع بعضنا البعض؟ (…).
وتحدث النائب زياد الحواط ومما قاله:”: “نشكر سماحة الشيخ اللقيس بأنه اتاح لنا الفرصة أن نعود ونلتقي بسيادة اللواء، هذه الشخصية الوطنية الجامعة العابرة للطوائف، انا بإسم اهالي جبيل وفاعليات جبيل كلها، نقول أهلا وسهلا بكم، نحن يجمعنا بكم كل الاحترام، انت لم تسلم مركزا في قرطبا فحسب، وجهّزته بل تسلمّت مؤسسة وسلّ/تها على افضل ما يرام، بعكس الكثير من القيادات والمسؤولين الذين تسلموا مراكز وسلّموها بحالة انهيار تام. نعيش اليوم فراغا رئاسيا كبيرا جدا، كل البلد يتحلل ولدينا واجب وطني كنواب للأمة أن نتوجه الى المجلس النيابي وننتخب رئيسا للجمهورية، لأن الخيار الآخر هو الانهيار التام وهو ليس لمصلحة أحد، نحن من مدينة جبيل متمسكون بالعيش المشترك، ومتمسكون بهذا النموذج الجميل جدا، والذي نعيشه يوميا بين اخواننا السنة والشيعة ونحن نعيش بحالة ألفة كل واحد يصلي على طريقته، إنما صلاتنا الحقيقية هي الاخلاق والقيم والممارسة والواجبات بين بعضنا ورثناها من آبائنا وجدودنا وهذه رسالة وأمانة أن نورثها لأبنائنا”. (…).