“مصدر دبلوماسي”
كتبت سلوى فاضل
الأقليّات عموما في العالم تكون متراصّة وقوية ومجتهدة كونها تترصد عدوّها التي يتربص بها، لذا نجد أن الأكراد، القومية الكبرى في العالم، تتصدى دوما لتحقيق هدف واحد وهو الوصول إلى وطن له حدوده السياسية والوطنية ضمن هويّة قوميّة واحدة.
يعتبر الأكراد “روجافا” شمال سورية (كردستان الغربية) أحد الأقاليم الأربعة المكوِّنة لـكردستان الكبرى، بحسب رؤيتهم، والتي تضم أيضاً أجزاء من شرق وجنوب شرق تركيا (كردستان الشمالية)، وشمال العراق (كردستان الجنوبية)، وشمال غرب إيران (كردستان الشرقية)، خطوتهم الأولى نحو كردستان الكبرى.
ويتميّز الأكراد بالزيّ الخاص بهم، سواء للنساء أم للرجال، ويتمسكون بقوميتهم التي كانت سبب تفرّقهم بين أربع دول إقليمية كبرى، هي: سورية، وإيران، والعراق، وتركيا.
في بيروت اليوم إجتمعت كرديّات وعربيات وفارسيات معاً، كنساء فقط، لعرض تجاربهن في الغبن الواقع عليهن مرتين، مرة لكونهن نساء في مجتمع متخلّف، ومرة كونهن كرديات، تلك القومية “المنبوذة” دوليّا.
أتين أنيقات بهذا الزيّ الملوّن، كدليل على حب الحياة والألوان والزخرفة والتنوع. وأتت مشاركتهن بدعوة نسوية ظاهريا، لكنها قومية فعليا، لشعب يبحث عن حدود سياسية، عن وطن له حدود وهوية سياسية واحدة رغم التنوّع العرقي والديني والسياسي المتوّقع فيه (الوطن)، إذ كل دولةمن الدول المذكورة آنفا تدفع باتجاه السيطرة الوطنية والسياسية وتكريس هذه الأنظمة لحدودها.
ما يُؤخذ على المؤتمر البارز هذا هو الخلط ما بين “القومية الكردية” و”النسوية” مع أنه لا جامع بينهما سوى المظلومية، فالنساء مُظلومات، والكُرد مظلومين أيضا!
فهل جمعت المُنظِمَات وخلطن بين الظلم الاجتماعي والسياسي، بين الظلم الواقع على النساء الكرديات في بلاد العالم مع الظلم الواقع على الأكراد ككل؟
ما هو السر في هذا الخلط؟ وكيف تحدثت نساء لبنان ومصر وسورية والسودان واليمن عن ظلم النساء، لكن من باب “الكُردانيّة”؟
فبمشاركة 100 مناضلة نسوية في مؤتمر(تجارب الحركات النسائية في الخروج من الأزمات) أتين من 11 دولة، وبغياب تام للرجل، أعلنت النساء شكواهن وتضررهن من السياسات السلطوية كافة منها الاجتماعية والسياسية والدينية تجاه المرأة. وهنا الإرباك الذي حصل لدى المُتابعات، فمشكلة غبن المرأة هي مشكلة عالمية ومحلية في آن واحد، إسلامية ومسيحية أيضا، طبقية واقتصادية، إجتماعية كلها في آن واحد، فكيف عرضت المُشاركات لصور الغبن هذه من باب كونهن (كُرديات)؟ فهذا العرض ليس بصحيح. والدليل مشاركة الأستاذة الجامعية اليسارية ماري الدبس رئيسة “مؤسسة وردة بطرس” بكلمة عن نساء لبنان والمنطقة، مع الاضاءة على مظلوميّة نساء فلسطين.
وحسب ما تبيّن من العرض للمُشارِكات أن ما يجمع المؤتَمِرات ليست المظلوميّة، بل الخط اليساري العام، فالرؤية اليسارية للمجتمعات والسياسة والمرأة في ظلّ توزيع كُتيبات ومنشورات خاصة بالأسير الكردي اليساري عبدالله أوجلان، في السجون التركية منذ حوالي ربع قرن والتي تمت بعملية قرصنة دوليّة.
فكيف لمؤتمر نسويّ، غير مرتبط بعنوانه بالكرد، أن يُسيطر عليه الزيّ الكردي مع الترجمة إلى الكردية حصرا، وبتوزيع كُتيبات خاصّة بالحزب العمال الكردستاني أن يُناقش عنوانا مختلفا؟.
والمُلفت أن العناوين واسعة جدا والكلمات المُلقاة في الجلسات أيضا مفتوحة وعامة وهي على غير ما تُوحي به العناوين الموّزعة في البرنامج.
هل يمكن تبرير هذه العناوين العامة بأن هذه السيدات غير مسيّسات؟ لا أظن فالكرديات مسيّسات كالفلسطينيات، وحتى العظم، فهن صاحبات قضية كبرى تتوارثها الأجيال. أم هل هن بعيدات عن موازين القوى الإقليمية والتجاذبات وعمليات الكر والفر الكردي – التركي، أو الكردي – السوري، أم الكردي – الإيراني؟ إضافة لغياب الإشارة إلى الأكراد في كردستان العراق حيث لهم دولة فيدرالية قائمة بذاتها مع كل ما يترتب عليها.
والجميل أنه خلال إحدى الجلسات عرضت الناشطة الفارسية شهرزاد أرشدي لقضية الشابة مهسا أميني عبر “الزووم” من باب كونها إمرأة كردية ظُلمت، فهل هذا التحويل يصح؟ أم أن قضية مهسا أميني هي قضية نسوية إيرانية عامة؟
أما الناشطة المصرية الدكتورة كريمة حفناوي فلم تُوفق بعرضها كونها توسعت فاشتملت كلمتها القضايا العربية العامة دون تحديد رغم أن عنوان كلمتها هو (أوضاع الإفريقيات).
لكن ما يشفع للجهة المُنظمة أنها عرّفت عن نفسها وبقضيتها القومية بترتيب وأناقة وتنظيم وشمولية، رغم أخذهن المؤتمر إلى جهة مغايرة تماما عن العنوان العام، إلى جهة يُقام في بيروت على غرارها الكثير من المؤتمر يوميا وسنويا، والذي يقع تحت لافتة (Jin – jiyan – azadî) أي (المرأة- الحياة- الحرية).
فالمشاركات الـ16 مناضلات وفاعلات في مجتمعهن ومثابرات، يلتقين على قضية محاربة الظلم تجاه المرأة أولا، وتجاه الأكراد ثانيا، وبوجه كل طغيان سياسي سواء من الأنظمة أو من الكيان الصهيوني الغاصب ولا أحد يزايد عليهن.
وأجمل ما فيهن أنهن رفعن الصوت بتأييد المرأة الفلسطينية المناضلة بوجه الصهاينة علنا، وبصوت عال مع مشاركة فلسطينيات ناشطات من لبنان وفلسطين. فالمظلوم يدعم المظلوم في كل مكان، من هنا الدعوة لنساء لبنان، وبالأخصّ الجنوبيات، لدعم القضية الكردية للوصول إلى إحقاق الحق.
ولابد من الإلفات إلى أن مؤتمر(تجارب الحركات النسائية في الخروج من الأزمات) الذي نُظّم على مدى يومي 18 و19 آب، تحت عنوان “على هدى: المرأة – الحياة- الحرية”، ببيروت، تضمّن ثلاث جلسات رئيسة، ناقشن في الجلستين الأولى والثانية من اليوم الأول “تداعيات تدخلات النظام العالمي المهيمن على النساء في المنطقة في الألفية الثالثة”، و”تجارب النساء الكرديات حول كيفية الخروج من أزمات المنطقة”. أما الجلسة الثالثة فقد تناولت “رؤية رفيق درب المرأة، المفكر عبدالله أوجلان، ودوره في تصعيد نضال حرية المرأة”.
فالمؤتمر طرح الأزمات التي تواجه المرأة في العالم”، في ظل تشابه معاناة المرأة الكردية في كافة أنحاء العالم.
وتضمنت التوصيات التي جاءت في البيان الختامي التالي “ضرورة خلق جبهة نسوية موحدة لصد هذه الهجمات السلطوية الموحدة ضد النساء”، و”ضرورة القيام بحملات استراتيجية للضغط على الدول المعنية والمنظمات الحقوقية، خاصة لجنة مناهضة التعذيب الأوروبية (CPT)، ومنظمة العفو الدولية للإفراج عن معتقل الفكر والرأي، القائد الأممي أوجلان، وجميع المعتقلين السياسيين”.