حسان القطب
مؤتمر: “معا من اجل شرق اوسط ديموقراطي، الطريق الى السلام”
لا شك في اننا نعيش مرحلة صعبة في منطقة الشرق الاوسط..فالصراعات الداخلية كما الاقليمية، الى جانب التدخل الدولي المتواصل، في دول الشرق الاوسط.. عسكرياً واقتصادياً وبالتالي سياسياً.. تترك اثرها السلبي على واقعنا، وبعض هذا الصراعات بل معظمها:
- إما صراعات سياسة، لبست ثوب الدين او القومية، لحماية سلطتها وتسلطها على الاخرين..او للقضاء على خصومها..
- أو صراعات دينية، التحفت غطاءً سياسياً، لحماية مشروعها الديني الفئوي والاقصائي.. كما ان هذا الغطاء يعطيها القدرة على تكميم الافواه ومنع الاعتراض تحت مبررات دينية، تبدأ بالتهديد وتنتهي بالتخوين او التكفير والخروج على ارادة المراجع الدينية.. التي لا تخطيء ابداً..
لذلك فقد حان الوقت لدراسة واقعنا وما نعانيه من معاناة وازمات وصراعات..
لقد حان الوقت، للسعي الحثيث للنهوض من تحت ركام الدمار الذي تراكمه الحروب
لقد حان الوقت لرفض مشاريع التقسيم والتجزئة والتفتيت
لقد حان الوقت لوقف استخدام مفردات الكراهية والتحريض الدينية والسياسية والعرقية والقومية..
كما آن الوقت ان يعم السلام والاستقرار والتفاهم في ربوع بلادنا وبين ابناء شعبنا بمختلف ثقافاته ودياناته وانتماءاته..
نعم لقد آن الاوان وحان الوقت للوقوف بصلابة وتحمل المسؤولية في مقاربة الحلول المطلوبة والمناسبة، حتى لا يتكرر ما نشهده اليوم من معاناة وازمات..
لذلك نعقد مؤتمرنا هذا لنتشاور ونتحاور ونتوقف عند واقعنا بموضوعية، ونقارب ازمتنا بهدوء وصدق دون مواربة او تورية..
كما ان التشخيص الدقيق لازماتنا والاقرب للمنطق والعقل، يساعدنا على اجتراح الحلول المناسبة.. وعندما نتكلم ان ازمتنا ازمة صراع ووجود، وانقسام وشرذمة، فإننا نتكلم عن ازمتنا نحن اللبنانيون، كما باقي الازمات التي تحيط بنا في مختلف دول الاقليم الاوسطي..
التشخيص:
لقد عانت مجتعاتنا..من تسلط الديكتاتوريات طوال عقود، وفشلت هذه الانظمة في حل الازمات المتراكمة، بل كانت سبباً في تراكمها وتفاقمها..
ومارس بعض الحكام ان لم يكن معظمهم سياسة العبودية والاستعباد، بحق المواطنين، واختصر بعضهم تاريخ الوطن وحضارته، ومقدراته وثرواته، بشخص الرئيس الملهم، والقائد الفذ، والزعيم الخالد.. وانسحب هذا الواقع حتى على بعض الاحزاب السياسية..
احزاب عائلية تتوارث الزعامة والامانه العامة والادارة والقيادة، لانها تحمل اسم العائلة، فاختصروا تاريخ نضال الاعضاء وتضحياتهم، بتأكيد سلطتهم وسطوتهم واستمرارهم,..!!
وبعض الاحزاب العقائدية التي كان من المفترض ان تكون احزاب تحمل فكراً سياسياً ورؤية سياسية واجتماعية واقتصادية، تتحول بين ليلة وضحاها الى احزاب عائلية ايضاً، تحت مسمى احزاب علمانية واشتراكية وقومية وغيرها..
لقد تمت محاربة الانظمة الملكية في دول عدة تحت مسمى الخروج على سياسة التوريث والتحول الى النظام الجمهوري، فتحولت الجمهوريات المستحدثة، الى جمهوريات ملكية.. يتم توارث قيادتها ورئاستها من قبل الابناء بعد الاباء..ويتم تعديل الدستور بما يتناسب مع مصلحة العائلة الحاكمة.. وضمان استمرارية امساكها بالسلطة ومفاصلها..
تحت هذه السلطة استشعر اهلنا ومواطنونا، من معاناة الظلم والقهر والدونية، والحرمان من الحريات السياسية والاعلامية والفكرية.. والتمييز بين فئات المواطنين..
كذلك عاش مجتمعنا بمختلف مكوناته، الاكثرية كما الاقلية، من التمييز الديني والسياسي والعرقي، كما من ممارسة الضغط الفكري والنفسي والتهويل بمخاطر الانهيار والاندثار والفوضى في حال الانتفاض والمطالبة بالتغيير مهما كان محدوداً..
الانظمة القومية مارست سياسة الظلم بحق اتباع القوميات الاخرى فقط لانها تنحدر من حضارة مختلفة وتعتنق ثقافة اخرى..
هذه السلطات الحاكمة لم تنتج سوى الفساد والهدر والمحسوبية والهزائم، والظلم القهر، وفتح السجون والتهجير والتلاعب بالهوية والديموغرافيا..لانها لا تملك رؤية سياسية او مشروع حكم وادارة..
لذا هل نستطيع الاستمرار في التعايش مع هذا الواقع ونحن نصم آذاننا ونكمم افواهنا فلا نسمع اصوات الاعتراض، ولا نطلق صرخة الغضب والرفض لكل اشكال الظلم ومواجهة الظالمين..
ما هو المطلوب..
المطلوب هو بناء دولة الحق والعدالة، والتي تتمثل بالدولة الديموقراطية التي يتساوى فيها الجميع.. دون استثناء، فلا موانع دينية ولا عوائق عرقية، ولا عقبات ثقافية وحضارية.. تمنع الانخراط في العمل السياسي والاجتماعي..
الدولة الديموقراطية هي التي ترعى مواطنيها دون تمييز، وتؤمن حاجاتهم بمسؤولية، وتفتح ابواب الحرية لاصحاب الراي والفكر، وتسمح بالعمل السياسي، والتي تعتبر ان الخلافات السياسية هي منافسة بين قوى تسعى لخدمة الوطن والمواطن، ولا تكون هذه الخلافات منصة للتخوين والاتهام بالعمالة والانخراط في مشاريع معادية..
لذلك فإن الديموقراطية هي بديل انظمة الشخص والحزب والعلاج المناسب لكافة اشكال الظلم والفساد والفوضى السياسية
كيف نبني الديموقراطية؟
- الديموقراطية، هي ثقافة وتربية ونهج وسلوك ومسار، وحتى يكون مجتمعنا قادر على هضمها والتمرس على تطبيقها، لا بد من قانون واضح وصريح، يرسم تطبيقها ويفرض احترام الالتزام بها.. لان البعض من حكام السوء والفساد واحزاب التسلط الديني والسياسي يروجون ان مجتمعاتنا لا تستسيغ النظم الديموقراطية ولا ترغب بتطبيقها، كما انها لا زالت غير مقتنعة بتداول السلطة، وما برحت مقتنعة، بالقيادة الملهمة والزعامة المطلقة..
- لا بد من تعزيز الهوية الوطنية، التي تشكل القاسم المشترك بين المواطنين مهما اختلفت قناعاتهم وثقافتهم وانتماءهم الحزبي، والديني والعرقي واللغوي..
- الانتماء الوطني، ليس شعاراً بل هو ممارسة، تؤكدها سيادة القانون، وعدالة القضاء، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتنافس على تقديم رؤى سياسية واقتصادية واجتماعية تخدم ابناء الوطن وتنهض بالمصالح الوطنية..
- الديموقراطية تتعزز، مع احترام النصوص الدستورية، والتأكيد على الفصل بين السلطات، فالسلطة التشريعية حاضرة وجاهزة لمحاسبة السلطة التنفيذية..
- القضاء مستقل تماماً، فلا هيمنة سياسية، تمنع محاسبة او معاقبة الفاسدين ومن يتسبب بهدر المال العام او تقويض السلطة..والقضاء هو السلاح الامضى لترسيخ الحياة السياسية باستقامة ودون تدخلات سياسية..
- الديموقراطية هي سلطة الاكثرية، المنتخبة، التي تسعى لانجاح مشروعها، والتي قد تخسر سلطتها في صندوق الاقتراع حال فشل سياساتها، وليس بانقلاب عسكري.. او باتهامات الخيانة من قبل مراجع دينية او حزبية.. لها صلاحيات مطلقة..
- الديموقراطية هي حرية ممارسة الاقتراع للفريق السياسي الذي ينجح في اقناع الناخبين..
- الديموقراطية تستوعب الاقليات مهما كانت تسميتها دينية او عرقية او حضارية، لانها تعتبر جزء من المجتمع الوطني، وذلك بانخراطها في احزاب سياسية وجمعيات اجتماعية، ولا تشعر بالغبن مطلقاً لانها تمارس عقائدها بحرية، وتحافظ على ثقافتها وحضارتها بكل احترام وموضوعية..
- الحريات السياسية والاعلامية، تشكل المدخل الموضوعي لتطوير العلاقات بين مختلف المكونات الوطنية مهما كانت صفتها.. والتزامها بخدمة الوطن والدفاع عن سيادته والحفاظ على استقلاله يعتبر مسؤولة وطنية ومجتمعية وليست فئوية..
- الديموقراطية، ثقافة اساسها احترام المواقف السياسية للآخر، فكيف باحترام ثقافات ولغات وعقائد المكونات الاخرى.. التي يتشكل منها الوطن..
- لا ازمة قيادة وقيادات في الحياة الديموقراطية، لان العمل الحزبي والتنافس على خدمة الوطن ومواطنيه، يفسح المجال امام اكتشاف الروح القيادية والقدرات العملانية والمؤهلات الادارية لبعض الوجوه الناشطة التي قد تشكل قيادات المستقبل.. وما يراهن عليه المتسلطون على حياتنا هو منع العمل الحزبي والسياسي والاجتماعي حتى نبقى اسرى قيادات راهنة.. ترهن الوطن لمصالحها.. وتتساءل معنا عمن هو مؤهل لقيادة المرحلة المقبل ان هي غابت عن الساحة السياسية والمسؤولية..؟؟؟ وهذا ما تم ترويجه مع انطلاقة انتفاضة الربيع العربي..؟؟؟ وحتى قبلها ايضاً..؟؟؟
- الديموقراطية، تعطي الاعلام الحرية لكشف الفاسدين وملاحقة المرتكبين..
ماهية الاستراتيجية المشتركة لاجل شرق اوسط ديموقراطي..
بناءً على كل هذا، نتوقف لمراجعة ماهية الاستراتيجية المشتركة لاجل شرق اوسط ديموقراطي، هنا لا بد لنا من التاكيد على ان الاستقرار السياسي والامني والنهوض الاقتصادي، واستثمار الثروات وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، يتطلب:
- استقرار سياسي يقوم على حرية العمل السياسي والاعلامي
- احترام التنوع الديني والثقافي والحضاري والعرقي
- احترام المفهوم الديموقراطي كنهج سياسي يعكس تاثيره الايجابي على مختلف المكونات الوطنية
- تداول السلطة بين الاحزاب الوطنية التي يقترع لها المواطنون بحرية ودون ضغوطات امنية او دينية.. اي بدون تكليف شرعي والتهويل بالثبور وعظائم الامور..
- العدالة تحت سقف القانون بحيث لا يشعر اي مواطن بانتقاص في حقوقه او عدم احترام ثوابته وعقائده وحضارته
- الاخذ بعين الاعتبار مخاوف الاقليات الدينية والعرقية، بحيث يتم منع اي ممارسة او نهج ممكن ان يفهم منها ان تنتقص او تستهدف مكون ما ..
- الدولة بمؤسساتها هي دولة المواطنة وليست دولة مكون او فريق..
- إن الديموقراطية السياسية لها اشكال متعددة، التي قد تتناسب مع طبيعة الكيان السياسي وتنوعه الديموغرافي، والديني، والعرقي، وجغرافيته الطبيعية.. واي طرح للانفصال او الفيدرالية او الحكم الذاتي، او الادارة اللامركزية، يجب ان يراعي هذه الخصوصيات وامكانية التنفيذ، من حيث رفضه بالمطلق، اوحدود ومحدودية تنفيذه.. واحتمال نجاحه او فشله..
- إن طرح اشكال متعددة من النظم السياسية تحت عنوان الحفاظ على الهوية او التنوع فيه مخاطر كثيرة، قد يزيد من منسوب التشدد والكراهية والصراع..
الديموقراطية، ليست شعاراً للاستهلاك، ولا مخرجاً سحرياً.. للازمات.. هي مشروع حل وطني واقليمي.. واهم ما يمكن قوله هو ان تطبيق المفاهيم الديموقراطية في مختلف دولنا وشعوبنا قد يكون خشبة الخلاص لنا جميعاً.
*حسّان قطب: مدير المركز اللبناني للابحاث والاستشارات. تليت الكلمة في خلال فعاليات المؤتمر الدام للفيديرالية الذي انعقد ليومين اثنين في فندق الميتروبوليتان.