“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري في 14 الجاري البرلمان اللبناني الى جلسة انتخاب لرئيس الجمهورية بعد اكتمال عقد المرشحين واتفاق الاطراف المسيحيين مع بعض المعارضين على ترشيح رئيس برنامج الشرق الاوسط في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور في مواجهة مرشح حزب الله وحركة أمل الوزير السابق ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
تبددت أية امكانية للحوار بين الاطراف اللبنانيين للتوافق على رئيس يكون نتيجة تسوية بين الاطراف، وهذا ما يجعل كل الاحتمالات واردة. وتراقب الاوساط الدبلوماسية ما يحصل على صعيد الاصطفافات القائمة بالكثير من الحذر وخصوصا وأن تاريخ لبنان الحديث حافل بالتوترات على خلفية التحديات السياسية. والمفارقة، أنها المرة الاولى ربما في تاريخ لبنان يتم اصطفاف بين المسيحيين ممثلين بزعاماتهم المارونية وبين الطائفة الشيعية على خلفية خيار سياسي، ولسخرية القدر أن من هندس هذه المبارزة هو الحليف السابق لحزب الله ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يطمح أن يكون صانعا للرؤساء بعد ان حالت الظروف لمجيئه رئيسا.
في هذا السياق، تشير اوساط دبلوماسية متابعة للملف اللبناني الى أن باسيل يحاول أن يبقي ذاته لغاية اليوم في “المنطقة الرمادية”: من تحت الطاولة لا يكسر الجرّة كليا مع حزب الله ويتحدّاه بشكل مدروس في خطاباته، وهو بحسب رؤية الاوساط ذاتها “يلعب على الحبلين في رهان غير معروف المصير”.
بكل الاحوال فإن الدوائر الدبلوماسية العاملة في لبنان تراقب باهتمام المسار الرئاسي مع حرص مفرط على عدم التدخّل المطلق لا في المسار القائم ولا في اختيار الاسماء وهو سلوك دولي غير مرشح للتبدل لغاية اليوم.
في هذا السياق، يبدو بأن المرشح جهاد أزعور سيكون مرشح مواجهة حادة وأن الجلسة النيابية المقبلة ستكون نوعا من الاحصاء لما سيناله من اصوات.
الحزب يريد رئيسا معنيا بالسياسة لا وزيرا!
منذ قرابة الشهرين قصد المرشح الرئاسي جهاد ازعور حزب الله والتقى النائب محمد رعد في 3 اجتماعات. في هذه الاجتماعات كلها ركز ازعور انه سيتولى الشأن الاقتصادي وتعهد بأن لا تكون له مواقف معادية ضد المقاومة وسلاحها. خلّف ازعور هذا الانطباع لدى “حزب الله”: لا يمكن الوثوق به، ولا يمكن تصديق ضماناته، فالناس بتواريخها وليس لأزعور أي تاريخ داعم للمقاومة ولتضحياتها في وجه الاحتلال الاسرائيلي. جلّ ما يعرفه عنه “الحزب” هو أن لأزعور دور رئيسي في المنظومة السابقة والحالية، صديق مقرب لوزير المالية فؤاد سنيورة، وهو رئيس برنامج في صندوق النقد الدولي. أعطى أزعور الحزب انطباعا بأنه مرشح لتولي حقيبة وزارية وليس منصب الرئاسة الاولى في الجمهورية اللبنانية. قال ما ملخصه: اعطوني الاشراف على البنك المركزي ووزارة المالية والمدعي العام المالي والتفتيش المركزي ووزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتجارة حتى أتمكن من إخراج البلد من دوّامة الازمة.
ليس هذا ما يريده حزب الله، ما يريده هو رئيس معني بالشأن السياسي والاقتصادي والأمني وليس وزيرا. قال له الحزب: لا، مرشحنا هو سليمان فرنجية.
بهذه الصراحة أبلغ حزب الله أزعور رفضه التام له، وقال له النائب محمد رعد علانية: انت مرشح صندوق النقد الدولي، وبالتالي أنت مرفوض و لدى حزب الله مرشح وحيد هو سليمان فرنجية.
لم تصل النقاشات مع أزعور الى أية نتيجة، وهذه الرواية يسردها من هم على اطلاع واسع بمناخ “حزب الله”.
في المشهد الدولي، منذ شغور المقعد الرئاسي حدث أن السعوديين انتقلوا من القبول بقائد الجيش العماد جوزيف عون –دائما بحسب الأوساط المطلعة على مناخ الحزب- الى وضع فيتو على سليمان فرنجية ثم عادوا وغيّروا رأيهم رافعين “الفيتو” عن سليمان فرنجية، وأبلغ السعوديون المعارضة والمسيحيين تحديدا ما يلي: اتفقوا فيما بينكم، أنتم تلوموننا لأننا سحبنا “الفيتو” عن سليمان فرنجية لكن ليس لديكم مرشح. فشل هؤلاء بالاتفاق بسبب خلافات القوى المسيحية ببعضها البعض نظرا الى الثقة المعدومة بين جعجع وباسيل، وبعد أن توجّه جبران باسيل الى باريس حيث سمع كلاما مشابها لما سمعه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، بأن ثمة شخصية متمثلة بسلمان فرنجية يحظى بثقة وتأييد “حزب الله” وهو مسيحي ماروني، إبن عائلة مسحية وهو من ضمن اللائحة (الاساسية الاولى وليس المصغرة) التي وضعها البطريرك الماروني، فما هو موجب هذه الحملة الاعتراضية عليه؟ كل ما تريده فرنسا هي الاسراع بانتخاب رئيس للجمهورية وهو حلقة في سلسلة من الخطوات الاصلاحية التي تطلبها، وليس لديها فيتو على أحد.
لمّا عاد جبران باسيل من باريس من دون ان يتمكن من تغيير رأي فرنسا، تقول معلومات أنه لم يكن راضيا عن النتائج التي حصل عليها، فجمع تكتل لبنان القوي وصدر عنه البيان الاخير الذي قال اتفقنا على مرشح مع المعارضة من دون تسميته، تاركا هوامش، لأنه توجد مشكلة في داخل التيار الوطني الحر بعد اعتراض أكثر من نائب من نواب التكتّل، فتمت الاستعانة بـ”العصا الغليظة” للرئيس السابق العماد ميشال عون الذي لم يتوان عن تحذير اعضاء التكتل بأن من يخرج من عباءة “التيار الوطني الحرّ” يخسر ومن “لم يتغط بلحافي يبرد” و”رأيتم أن من خرج من التيار انتهى”. بطبيعة الحال قدم النواب ردّا قاسيا تساؤل: لماذا نمشي بجهاد أزعور الذي يمثل فؤاد السنيورة والابراء المستحيل، ولدينا ابراهيم كنعان، ونحن حين نطرح اسما من داخل “التيار الوطني الحر” نحرج “حزب الله” أكثر، المعارضون الأكثر حدة كانوا النواب آلان عون وسليم عون وسيمون ابي رميا، وكان سليم عون الاكثر حدّة فهو يعرف أنه في زحلة يحظى باصوات 15 ألف صوت شيعي ينتخبونه. نتيجة الاجتماع لم تكن مرضية للطرفين، وملخصها –غير الرسمي طبعا- انه على النواب أن يؤيدوا خيارات جبران “غصبا عنهم”.
يظهر هذا السياق وجود 4 مشاكل رئيسية أمام جبران باسيل الذي أعلن مواربة في عشاء تمويلي للتيار الوطني الحر في جبيل أنه اتفق على مرشح موحد مع المعارضة، الأولى ان المعارضة لا تثق به وخصوصا “القوات اللبنانية” التي لن تنسى الفخ الذي نصبه لها في “اتفاق معراب الشهير” المشكلة الثانية “حزب الله” فهو لن يقبل البتّة بترئيس أزعور ضد سليمان فرنجية ويعتبر ازعور مرشح مواجهة و يشكّل تحديا له، والثالثة هي داخل تكتل باسيل النيابي المعرض لإنفراط عقده.
وهنا تتساءل الاوساط الواسعة الاطلاع على مناخ “حزب الله”:
ماذا سيستفيد باسيل في حال سقط خيار جهاد أزعور؟ لم يسقط سليمان فرنجية ويخرّب علاقته مع “حزب الله”؟ لا يحظى باسيل بثقة جعجع بحسب الاوساط ولن يحصل عليها، وجل هذا “التحالف” هو اسقاط سليمان فرنجية، ولو نجحوا في ذلك فإن خلافاتهما مستمرة. لغاية الساعة، لا يحظى أزعور بحسب اكثر من طرف بـ65 صوتا مضمونين،وليس من جهة تشكل بيضة القبان في الانتخابات الرئاسية القادمة. قرر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الاستقالة من رئاسة الحزب في لحظة مفصلية، فضّل الانزواء على الدخول في خلاف مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري أو مواجهة حزب الله، أو أن يغضب ابنه تيمور المعارض قطعا لفرنجية.
لذا يؤثر جنبلاط البقاء جانبا، وينتظر موقف المملكة العربية السعودية، فإذا كان لدى السعودية موقفا صريحا الى جانب فرنجية سيمشي به.
جنبلاط لا يريد المواجهة، وقال لنبيه بري لا استطيع ان اكون في خيارك لأن تيمور لا يقبل. إذا لم تعط السعودية جنبلاط ضوءا اخضر واضحا تطلب منه صراحة ان يذهب لانتخاب فرنجية فلن يقدم على ذلك. انتقلت القوة اذن من وليد جنبلاط الذي كان بيضة القبان زمن 8 و14 آذار الى القوى المسيحية القادرة على تغيير المعادلة ولو في اشتباك كبير ستدخل البلد به. المصادر الدبلوماسية الغربية متوجسة من هذا الاصطفاف الحاد. في حين يراهن حزب الله على الوقت، سينتظر كما انتظر قبل انتخاب ميشال عون، “مش مستعجلين الشباب” يقول احد العارفين. ” كانت السعودية بمربّع جوزيف عون فتراجعت عنه وراحت الى معادلة لا امكانية لانتخاب عون وفريق الثنائي لا يمكنه انجاح فرنجية، فوضعت عليه فيتو، وهي انتقلت الى اللافيتو على سليمان فرنجية، وقد تنتقل الى اماكن اخرى”.
هل صحيح أن الحزب “نفسه طويل” من اجل أن ينظم مؤتمرا تاسيسيا بحسب ما كتبت صحيفة لبنانية رئيسية؟ يقول المصدر: “هذا غير وارد اطلاقا وردت هذه الكلمة مرّة واحدة، على لسان السيد حسن وقال أدعو الى النقاش، وإذا رغبتم نقوم بمؤتمر تأسيسي، ولما لاقى اعتراضا حول هذا الطرح سحبه “حزب الله” فورا، ليس واردا لدى “حزب الله” تنظيم أي مؤتمر تأسيسي ولا اي تعديل على اتفاق الطائف. وليس صحيجا أن “حزب الله” يروم الفراغ لكي يحصل ما يريد ويذهب الى مؤتمر تأسيسي، هذا أمر غير مطروح لدى الحزب”.
في بداية الشغور، كان الحزب مستعجلا على الانتخاب، كان واثقا ان حليفه جبران باسيل سيؤازره في تلك المرحلة، سقط الرهان على باسيل وكانت الصدمة الكبرى بعد اجتماعه مع أمين عام حزب الله في 26 تشرين الثاني 2022، حين رفض باسيل وضع يده بيد الحزب. وفي حين لا يجد حزب الله أي تبرير لتصرفات باسيل لا يعثر ايضا على أي مكسب له من وراء هذه المناورات التي يقوم بها، :” ماذا سيكسب إن جاء أزعور رئيسا؟ وما هي الاستراتيجية التي يرسمها لمستقبله السياسي؟ يعزو البعض مواقفه الى وعود قطرية له برفع العقوبات الاميركية عنه، ويبرر آخرون أنه على خلاف شخصي مع سليمان فرنجية لكن “حزب الله” ليس لديه أي تفسير لتصرفاته.
بعد اتفاق بين الكتل المسيحية وبعض وجوه المعارضة على جهاد أزعور دعا الرئيس بري الى جلسة الاربعاء حيث ستقع المبارزة واحصاء الاصوات وستكون محط انتظار كثر من دون اغفال ما قد يخبئه كل طرف للآخر من مفاجآت.
هل هذا سيناريو لتعويم خيار قائد الجيش العماد جوزيف عون؟ لا قطعية يقولها “الحزب” لخيار عون، “هو لم يعد مطروحا” بحسب عارفين بمناخه. يعترف هؤلاء بأن “حرق اسم أزعور كما حصل مع ميشال معوض هو مقدمة لطرح اسم قائد الجيش، لكن الاخير لا يحظى بقبول 4 قوى رئيسية في البلد هي: وليد جنبلاط وجبران باسيل، وحزب الله وحركة أمل. ثانيا، يحتاج الى تعديل دستوري قوامه 86 صوتا في المرة الاولى قبل انتخابه، فمن أين يأتي بهم”؟.