مارلين خليفة
“البوصلة”
@marlenekhalife
تتعرض وزارة الخارجية والمغتربين في الآونة الأخيرة الى جملة مشكلات اسقطت عنها تلك الهالة التقليدية التي تتمتع بها، وكأن دمار “قصر بسترس” التاريخي في انفجار مرفأ بيروت في آب 2020 افقد الوزارة السيادية حصانتها وفتح “صندوق باندورا” لقصص وصلت حدّ الفضائحية.
بكبسة زر صرنا نسمع يوميا “خبرية” عن الخارجية: من اختلاس اموال من صندوق السفارة اللبنانية في اوكرانيا، الى اموال الطلبة المغتربين، الى العلكة في “قمة جدة”، الى طرد موظفين في بعثة لبنان في نيويورك الى بيان مخجل في حق الموقوفين في الامارات العربية المتحدة وصولا الى ما نسبه موقع “ميديابار” الفرنسي أمس الاول الى سفير لبنان في باريس رامي عدوان من اتهامات خطرة وجهتها اليه موظفة ومتدرجة في سفارة لبنان في فرنسا بدءا من الاغتصاب وصولا الى العنف الجسدي. وبما أن للقصة جانب “فضائحي” نظرا للروايات التي تم سردها من “ميديابار” ولأن أحد الصحافيين المحسوبين على ما يسمى “الثورة” – اشتهر بملاحقة عدوان والرئيس إيمانويل ماكرون- قصد نشر الرواية في كل المنصات الاعلامية الفرنسية والمحلية وحتى العالمية، سرت الاخبار كالنار في الهشيم.
هذه السرعة الفائقة في انتشار الروايات المسيلة للعاب نبّهت المراقبين الى أن للقصة جانب آخر مخفي. وفيما منعت وزارة الخارجية والمغتربين كتدبير اعتيادي عدوان من التصريح للاعلام والدفاع عن نفسه، كثرت الفبركات المضللة التي تشي بنية أذى سياسية الظاهر منها هي لعرّاب عدوان ومظلته السياسية النائب جبران باسيل.
ولمن لا يعرف، فباسيل حين كان وزيرا للخارجية هو من عيّن عدوان مديرا لمكتبه ورفّعه -بحسب رواية متداولة بكثرة- خلافا للمعايير الادارية من الفئة الثالثة الى الاولى كسفير بعد أن استقال عدوان من السلك، هكذا عيّن سفيرا في فرنسا من خارج الملاك ثم عاد اليه بعد أن ضمن منصبه في فرنسا في العام 2017، في اسلوب يحاكي العاب الخفّة البهلوانية في “سيرك” لا في وزارة سيادية.
إلا أن مصادر دبلوماسية أخرى في الوزارة تنفي ذلك، معتبرة بأن ترقية عدوان جائت بحسب الاصول، فهو استقال من الوظيفة في الفئة الثانية لأنه كان قد فقد الدرجات ليعّين برتبة سفير. وقرر الاستقالة ولم يستفد من تعويضه (15 سنة خدمة فيما التعويض يستحق بعد 20 سنة) وتم تعيينه من خارج الملاك وهو لم يعد الى الملاك لغاية اليوم.
ولعل الصداقة التي تربط باسيل بعدوان الذي عمل الى جانبه بكل أمانة ووفاء له وشارك بالاجتماعات والمؤتمرات والاسفار دون أي تذمر هي عبء اليوم على كتفي عدوان وهو خريج الكلية الوطنية للادارة في فرنسا في دورة الرئيس الحالي ايمانويل ماكرون الذي تربطه فيه ايضا صداقة. في هذا السياق، لا يمكن اغفال بأن هذه القصة الفضائحية للموقع الفرنسي والتغطية الاعلامية الواسعة والممنهجة لها بعد أسبوع تقريبا على زيارة جبران باسيل الى باريس واطلاعه على المناخ الفرنسي الذي يثبت على تأييده لمعادلة سليمان فرنجية نواف سلام، وعودته خائبا الى بيروت كما حصل أيضا للبطريرك بشارة الراعي الذي سمع كلاما مشابها بأن فرنجية هو ضمن اللائحة التي اخترتموها ومسيحي ماروني وابن بيت سياسي عريق فما هي مشكلتكم معه؟ هي احدى النقاط التي يجب التوقف عندها في التوقيت والاستهداف.
في هذه العجالة، ينبغي التوقف عند نقطة تطرق اليها احد المراسلين اللبنانيين في باريس في صحيفة رئيسية في لبنان إذ قال أن الفرنسيين رفضوا دخول السفير عدوان الى اجتماعات الراعي مع المسؤولين الفرنسيين، والحقيقة بحسب ما استقيناها من مصادر واسعة الاطلاع أن الفرنسيين رفضوا ادخال أي شخص مع الراعي باستثناء مستشاره وليد غياض.
ثانيا، نشر موقع لبناني خبرا تناقلته وسائل الاعلام بعد ظهر اليوم الأحد ملخصه ان عدوان هدد باسيل بأنه “سيفضحه” بأخبار وطلبات كان باسيل طلبها منه في السياسة إذا لم يقم باسيل بالدفاع عنه.
من يعرف علاقة باسيل بعدوان يدرك أن هذا الأمر مستحيل نظرا للعلاقة شبه الاخوية بين الرجلين، لكن تسريب خبر مفبرك للاعلام وبموقع مشكوك بمصداقيته الصحافية يشي باستهداف سياسي وتهديد يوجّه الى باسيل. والسؤال الذي يطرح: هل وصلت معركة رئاسة الجمهورية الى مرحلة اللاحوار واللكمات المباشرة والمؤلمة؟ وهل استهداف شخصيات محسوبة على التيار الوطني الحر ومنها القاضية غادة عون واليوم السفير رامي عدوان هو جزء من عملية بدء اجتثاث العونيين من مراكزهم في لبنان والخارج التي يرعاها خصومهم الكثر؟
سؤال ينبغي التوقف عنده مليا وخصوصا وان قضية عدوان مع الموظفتين لم تتعدّ لغاية اليوم الشكوى العادية في مركز للشرطة بحيث لا توجد أية دعاوى ضده كما زعمت بعض وسائل الاعلام.
إن التفاصيل المثيرة التي نشرها موقع” ميديابار” والتي تدغدغ فضول كل الناس المتعطشين الى أخبار غير مألوفة تتغذى من سمعة الناس وحياتهم الخاصة دون التدقيق بصحتها هدفها الانتشار السريع والتدمير الفوري لأهداف متعددة يبدو عدوان أحدها ولكن ليس لوحده.
ما يثير التساؤل هو غياب تدقيق الاعلام اللبناني في تفاصيل مهمة، وعدم القراءة المتأنية في ثغر كثيرة احتواها تقرير ميديابار، وعدم تسليط هذا الاعلام الضوء على عدم وجود دعوى في حق عدوان. وما يثير التساؤل ايضا: توقيت تسريب الشكويين واستباق التسريب بحملة بدأت بفبركة كذبة توقيف عدوان لحقتها كذبة ثانية بأنه هرب الى هولندا في اليومين الماضيين والحملة الشنيعة التي رافقت التسريبات المضللة في لبنان والخارج.
بالعودة الى ملف حكي عنه لعدوان في هولندا، فإن المعلومات تشير الى استدعائه في العام 2012 الى وزارة الخارجية كإجراء تأديبي اتخذه بحقه وزير الخارجية السابق عدنان منصور بسبب مشاكسات والفاظ غير سوية كان يتفوه بها بحسب الشكاوى، لكن المعلومات متضاربة في هذه النقطة. إذ أن مصادر متابعة تشير الى انه تم استعجال نقل عدوان من هولندا كان لتأمين المنصب لدبلوماسية شيعية والسماح لأخرى سنّية باستلام البعثة بصفة قائم بالاعمال. وتشير هذه المعلومات الى أن نقله له خلفية طائفية لكن يتم استخدام الامر “كقميص عثمان”.
قضية السفير رامي عدوان التي اثارها موقع فرنسي، تفاعلت عند الرأي العام اللبناني والفرنسي بشكل كبير، لكنها لم تحظ لغاية الآن بتغطية جدية ورصينة، وحدها وزارة الخارجية والمغتربين قررت ايفاد لجنة تحقيق لتقصي الحقائق في سفارة لبنان في باريس تم تشكيلها من الأمين العام للوزارة السفير هاني شميطلي ومدير التفتيش في الوزارة. ليس سهلا على الادارة المركزية “هضم” تهم من هذا النوع على دبلوماسي مشهود له بكفاءته وعلاقاته الوطيدة مع السلطات الفرنسية وهذا ما يجمع عليه مسؤولون فرنسيون وسفراء اجانب، وليس سهلا على السلك الدبلوماسي أن يقبل تلطيخ سمعته وسمعة دبلوماسي أمضى 20 عاما في السلك، يعترف الكثير من رفاقه بأنه مختلف عن الصورة النمطية للدبلوماسي التقليدي بحكم حركته وديناميته وصراحته الفجة احيانا. وليس سهلا على الرأي العام اللبناني والفرنسي وخصوصا الجالية اللبنانية التي نسج عدوان علاقات صداقة وتعاون متينة مع افرادها ان تتقبل أن شخصية بهذه الثقافة والعلم تقع في فخ الاعتداءات على نساء. فرامي عدوان هو خريج جامعة “نيومي” في ادارة الاعمال (تابع جانبا من دراسته في الولايات المتحدة الاميركية) ومعهد العلوم السياسية في باريس، وهو حائز على ماجستير في العلوم السياسية والكلية الوطنية للادارة في فرنسا، خدم لبنان في رومانيا وهولندا وبحسب اصدقاء له أن ليس من شيء ضده في هذين البلدين، وما يتم تداوله لا يتعدى عبارة تم اسقاطها في احدى الصحف اللبنانية حين تسلم ادارة مكتب الوزير جبران باسيل على خلفية تصفية حسابات بين باسيل والصحيفة.
يبقى أن المطلوب التريث قبل اصدار حكم على اتهامات ساقتها شكوى في مركز للشرطة، ولها جانب سياسي مخفي وغير واضح المعالم بعد، والمطلوب احترام قرينة البراءة الى حين اثبات العكس. التحقيق المعمق وحده سيثبت ان كان عدوان مرتكبا أو انه ضحية حملات مفبركة وتصفية حسابات مع “صديقه” جبران باسيل.