“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
بعد 23 عاما على تحرير جنوب لبنان ومرور 40 عاما على تأسيسه، دشن “حزب الله” بالأمس” عصرا جديدا للمقاومة بسلاح تكتي، والهدف المعلن: ازالة اسرائيل.
جدد حزب الله أمس الاحد نذوره من اجل تحرير بقية الاراضي اللبنانية وطرد الاسرائيليين من فلسطين المحتلة، وتجديد النذور كان بالصلوات والسلاح معا، الذي ظهر بأبهى المقاومين من الشباب الذين تحدوهم “روح الله” كما كرر المعرّف بالمناورة العسكرية التي تمّت بالذخيرة الحية.
المناورة العسكرية كانت ذات طابع هجومي، وبالتالي فإن رسائلها هجومية بحتة وقد توجّت نتائجها باختراق المقاومين للجدار الحديدي الذي نصب في ساحة العرض، حيث شنّ المقاومون هذا الهجوم من الاراضي اللبنانية في اتجاه الاراضي الفلسطينية المحتلة في الجليل واقتحموا احدى المستوطنات. الرسالة التي سطرتها “قوات الرضوان” وهي قوة النخبة في الحزب ومرادف قوة المغاوير في الجيش اللبناني التي تلقت بالأمس هدية هي السلاح الشخصي لمؤسسها عماد مغنية من رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين، هذه الرسالة شديدة القوة في الصراع القائم حول الاراضي الفلسطينية المحتلة والاراضي اللبنانية المحتلة ايضا مع اسرائيل، بحيث إن الحزب وبالرغم من كل الاتفاقيات المعقودة سواء في اوسلو او المصالحات الاخيرة مع الدول العربية يقول لاسرائيل بأنه متمسك بخيار المقاومة وأن لبنان جزء أساسي من المحور الذي يضع نصب عينيه تحرير القدس وهي “عاصمة السماء” كما أطلق عليها أمينه العام السيد حسن نصر الله، وأن لا مساومة على هذا الخيار الاستراتيجي. هذا النموذج العسكري القتالي برّا وجوّا الذي قدّمه قرابة الألف مقاتل من حزب الله يوم الأحد أمام مئات عدسات الكاميرات لما يفوق الـ600 اعلامي لبناني وعربي وأجنبي، هو نموذج مصغّر للمعركة الكبرى التي يهيئ لها حزب الله لاستعادة فلسطين المحتلة قرية قرية واعادة اهلها الى ديارهم بفخر واعتزاز ودون توسّل للمجتمع الدولي.
الاستقبال
انطلق الوفد الاعلامي بـ11 باصا من بيروت، ولدى الوصول الى عرمتى رحب مسؤول العلاقات الاعلامية في حزب الله الحاج محمد عفيف بالاعلاميين المتجمهرين عند مدخل موقع “كسارة العروش”، وخاطب الاعلاميين بقوله بأن “حزب الله بأكمله في خدمتكم” .وكشف بأن:” التحضير لهذه المناورة تطلب جهودا جبارة بدأت قبل 25 يوما”. وقال عفيف:” على كل حبة تراب ستمرون فوقها الآن توجد تحتها نقطة دمّ لشهيد، خففوا دعسات أرجلكم على التراب لأن تحته توجد دماء واجساد شهداء فالرجاء مراعاة حرمة هذا الموقع”.
على وقع الموسيقى العسكرية التي قدمتها فرقة عسكرية قال عريف الاحتفال متوجها الى الاعلاميين:” هنا حيث الارواح تسكن بين مفاصل الصخر وشروخ الشجر، أهلا بكم وانتم تحملون المشهد الى العالم، كنتم ولا زلتم الصورة والكلمة من لبنان الى فلسطين الى حيث تكون المقاومة، هنا تسطع الصورة على صفحة التراب، هنا المشهد يحاكي المشهد هنا الكرامات والعزة تشرح على صخور المجد”.
وشرح عن المعسكر قائلا:” هنا، كسارة العروش هنا وليس ابعد من هنا، ومن منا ينسى هذا الموقع؟ هنا هزم المحتل، هنا سقط الموقع واندحر الغزاة، هنا تطهرت الارض بالدماء الزكية، هنا بالقرب من بئر كلاب الى موقع المثلث،وموقع سجد وموقع عرمتى وثكنة الريحان، هنا هزمنا الفوج العشرين، هنا كسارة العروش، وانتم هنا تدخلون بسلام آمنين”.
في الكلمات التي كان يرددها عرّيف الاحتفال طيلة وقت المناورة التي استمرت قرابة الساعتين كان يردد بأن اسرائيل هي أوهن من بيت العنكبوت. أمام السواتر التشبيهية شاهدنا العرض المتفوق باحترافيته والقدرات القتالية والعسكرية العالية الجودة، وقبل كل عرض كان صوت العريف يصدح على خلفية الموسيقى العسكرية وأزيز القنص الكثيف قائلا: “يا صاحب الزمان، بقناصاتنا وبنادقنا ومدافعنا، بكل ما أويتنا من قدرة وقوة، سنحطم عروشكم، سندكّ حصونكم، نعم أيها الكيان المؤقت، لقد بدأ العد التنازلي لكيانكم”.
رسالة قاسية لاسرائيل
كانت رسالة الامس ساطعة وقاسية، تشير الى أن حزب الله وبالرغم من مرور 40 عاما على تأسيسه لا يزال لديه رجال شديدو البأس، عقيدتهم هي سلاحهم الرئيسي وبعدها تأتي القدرات البدنية واللوجستية والعسكرية وأن الرهان على تراخي الارادة من اجل تحرير القدس هي وهم لأن هؤلاء وامثالهم الآلاف مستعدون للتضحية والثبات في القضية بإخلاص وايمان.
هذه هي الرسالة لاسرائيل إذن وقد سطرت المناورة عرضا مهما قدمت خلاله جانبا من قدراتها البشرية والعسكرية في معسكر “كسارة العروش” قرب عرمتى الذي تم تحريره قبل 23 عاما إثر تحرير جنوب لبنان في 25 أيار من العام 2000، وكانت اسرائيل قد أنشأت فيه موقعا بمسمى “بئر كلاب” بإدارة أنطوان لحد.
في بقعة طبيعية خلابة، ترامت على ترابها آليات بلون الطبيعة الخضراء لزوم التمويه في القتال. وبعد استقبال مئات الضيوف بالموسيقى العسكرية التي قدمتها فرقة موسيقية للحزب، والى جانبها آليات للدفاع المدني والاغاثة مع مسعفيها، بدأت العدسات المتشوقة لتخليد هذه اللحظات الفريدة في تصوير أصناف الاسلحة المتنوعة والآليات العسكرية وراجمات الصواريخ المتعددة الاحجام، ومدفع 130 ميدان الضخم، وجنود فرقة “الرضوان” يحرسونها ويمنعون الاقتراب منها علما بأننا شاهدنا الكثير من السيارات العسكرية الاسرائيلية التي تم الاستيلاء عليهافي السابق. التنظيم كان محكما من قبل عناصر الحزب، الذين منعوا الصحافيين من النزول الى ساحة المناورة حفاظا على سلامتهم، لأن المنصة لا تبعد أكثر من مئات الامتار عن ساحة المناورة الحية، وهذه المسافة القريبة تم شرحها من قبل العارفين بأنها دليل ثقة وتفوق عسكريين، وخصوصا وأنه في المناورات غالبا ما تقع خسائر بشرية وجرحى.
التسليم بالثقة
لكن ما يجب التوقف عنده لدى حشود الصحافيين المختلفين بآرائهم السياسية ومن بينهم من يناصبون حزب الله العداء، هو الثقة العارمة التي شاهدوا فيها العروض العسكرية الحية برا وجوا من دون أن يرفّ لهم جفن، ومن دون شعور بالخوف، وفي ذلك تسليم غير مقصود بأن لهذا الحزب قدرات هائلة وأنهم لن يمسّون بأذى مهما تم تفجير عبوات أو أطلق القناصون رصاصا.
في جبل مقابل، وفي منطقة خضراء، وضع المنظمون اعلاما اسرائيلية تحولت الى اهداف للقناصة المحترفين الذين لم يخطئوا هدفا واحدا، عملية اقتحام مستوطنة سبقها استعراض للدراجات النارية ومهاراتها في القيادة والقتال والعمليات السريعة ومنها الاستيلاء على آلية عسكرية اسرائيلية، بعدها قدمت قوة من المشاة حلقات من الاشتباك الفردي والتسلق والعروض التي تحتاج قدرات بدنية وتدريبات، هؤلاء سوف يعبرون الى الجليل بعد أن يحطموا الحائط الحديدي الذي نصبه الاسرائيليون لحماية مستوطناتهم في مشهد أيقوني” كما وصفه أحد الصحافيين الغربيين الذين حضروا العرض.
كان هدير العبوات الناسبة متفجرا ومخيفا، وأزيز الرصاص مرعبا ورائحة البارود والغبار المنبعث من الجبل المقابل ورمايات الاسلحة الثقيلة من القذائف التي يمطر بها المقاومون المستعمرة تجسد ساحة حرب حقيقية. وتخلل العرض اسر جنود واقتحام حاجز اسرائيلي وتحرير اسرى ولم تغب اسلحة الدفاع الجوي حيث ظهرت بين ايدي المقاتلين صواريخ سام 16 المحمولة على الكتف، والطائرات المسيرة ومنها واحدة عنكبوتية الشكل قصفت المستوطنة، ما سمح للمقاتلين بالاقتحام ورمي العلم الاسرائيلي تحت الأعين الشاخصة الى معركة وهمية لكنها ستتحول عاجلا أم آجلا الى حرب حقيقية بفعل عقيدة حزب الله، حيث حضرت شعارات كربلاء وعاشوراء في العرض الأخير بعد الانتصار، وكانت عبارة: الله محمد علي، ولبيك يا زهراء هي السلاح الامضى الذي لا يعرف اليه العدو سبيلا.
ينبغي التنويه بتحليق المسيرات الصغيرة كل الوقت فوق الاجواء حاملة معها العلم اللبناني وعلم حزب الله في رسالة ترمز ايضا الى تحالف المقاومة والدولة.
صفي الدين: سنمطر اسرائيل بالصواريخ الدقيقة اذا تجاوزت قواعد اللعبة
العرض الذي حضره رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين، ومسؤول الامن والارتباط وفيق صفا ومسؤول العلاقات الاعلامية محمد عفيف وحشد من اللقاء الوطني الاعلامي بادارة سمير الحسن تخللته كلمة للسيد صفي الدين وجه فيها رسالة قاسية لاسرائيل واخرى للداخل مفادها: أن لا اعداء لحزب الله في الداخل.
أكد السيد هاشم صفي الدين، في كلمته له في ختام المناورة العسكرية ان “الجهوزية كاملة دوماً لمواجهة أي عدوان ولتثبيت معادلات الردع التي حمت لبنان، هذه الجهوزية شاهدتم اليوم جزءاً رمزياً منها، وهي استعداد على مدى الأيام والساعات وكلّ المستويات”.
وتوجه صفي الدين الى رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو وحكومته بالقول :”إذا فكّرتم في توسيع عدوانكم للنيل من المعادلات التي صنعناها بدمائنا وقدرتنا، فإننا سنكون جاهزين لنمطركم وستشهدون أياماً سوداء لم تروا لها مثيلاً، وعلى “الإسرائيلي” أن يعلم جيداً أننا نقصد ما نقول”.
وتابع صفي الدين :”لا ضرورة لعرض الصواريخ الدقيقة اليوم وهي موجودة لدينا بكثرة، لان العدو سيرى فعلها في قلب كيانه اذا ارتكب اي حماقة يتجاوز فيها قواعد اللعبة”، مضيفا :”اذا تجاوز العدو قواعد اللعبة سوف نمطر هذا الكيان بصواريخنا الدقيقة وكل اسحلتنا”.
من جهة اخرى، شدد صفي الدين على ان “المقاومة هي قدرة لكلّ اللبنانيين في مواجهة العدو، لذا لا ينبغي لأحد أن يخاف”، مذكرا بأن “المقاومة على عهدها في إعادة مزارع شبعا إلى حضن الوطن”.
وراى ان “مقاومة اليوم هي قوة ممتدّة ومحورٌ كامل، ومحورُ المحور هو القدس وفلسطين، والتفكيك بين الجبهات خيالي”، معتبرا ان “المناخات الإيجابية في المنطقة فرصة ثمينة لا يجوز لأحد أن يضيّعها، وليس أفضل من أن يكون العدو الواحد لجميع العرب هو الكيان.