مارلين خليفة
البوصلة
@marlenekhalife
عقب اعلان بكين عن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وايران واعادة فتح السفارتين والبعثات الدبلوماسية في مدة اقصاها شهران، وصدور بيان ثلاثي سعودي وايراني وصيني في هذا الشأن، أدلى وزير الخارجية السعودي الامير فيصل بن فرحان بتصريح لافت لقناة “العربية” خصّ به لبنان ومما جاء فيه بأن: “لبنان يحتاج لأن يعمل تقاربا لبنانيا وليس لبنانيا إيرانيا سعوديا”.
وتابع قائلا: “في النهاية والبداية على لبنان أن ينظر لمصلحته وعلى الساسة وهذه أقولها دائما أن يقدموا المصلحة اللبنانية على كل مصلحة ومتى ما حدث هذا واتخذ قرار بلبنان لتقديم المصلحة اللبنانية والعمل على بناء الدولة اللبنانية فسيزدهر لبنان بالتأكيد والمملكة ستكون معه”.
في السياق عينه، كان أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله متريثا جدا في التعبير عن “الغبطة” بهذا الخبر العاجل” وقال أثناء خطاب له أمس:”: بالتأكيد إذا سار في مساره الطبيعي من أجل أن لا نبالغ ولا نستعجل الأمور، لا زال خبرا أوليا، خبرا عاجلا، هذا طبعا ممكن أن يفتح آفاقاً بكل المنطقة ومن جملتها في لبنان”.
بالرغم من التريث، فإن الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط قامت “بفتح دبلوماسي” إذا صحّ التعبير، أعقب ذلك زيارة الرئيس الصنيي شي جين بينغ الى المملكة العربية السعودية في كانون الاول الفائت عقب قمة عربية صينية ولقائه المطول مع الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس مجلس الوزارء وولي العهد الامير محمد بن سلمان، وتوقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية بين البلدين في مشهد اهتزّت له واشنطن التي تشهد علاقاتها مع المملكة العربية السعودية فتورا متزايدا منذ تسلم جو بايدن للسلطة، وإثر تقاعس واشنطن عن التنديد ولو كلاميا بالهجمات الحوثية على أراضي المملكة العربية السعودية ومنشآتها النفطية، وكذلك عقب فشل زيارة الرئيس جو بايدن الى المملكة وعدم تلبية طلباته في ما يخص انتاج النفط، وايضا عدم التعاون الكافي مع السعودية من حيث الضغط على ايران لعدم التدخل في شؤون المنطقة.
إثر الزيارة الناجحة للرئيس الصيني، قام وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بزيارة الى الصين تم الاتفاق خلالها على أن ترعى الصين وساطة بين الرياض وطهران، وتوّج الامر بزيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى بكين الشهر الماضي، افضت هذه الحركة المكوكية بالامس الى الاعلان الثلاثي من بكين الذي قضّ مضاجع: الولايات المتحدة الاميركية، واسرائيل، والدول الحليفة لها في المنطقة وفي مقدمتها الامارات العربية المتحدة التي سعت بكل قوتها ومنذ مدة الى افشال أي اتفاق سعودي مع انصار الله في اليمن منعا لأي تقارب سعودي إيراني سيأتي على حساب نفوذها في اليمن وفي مناطق اخرى في الشرق الاوسط.
لا شك أن الصين، وجهت ضربة قوية للدبلوماسية الاميركية في الشرق الاوسط التي ترتكز الى العقوبات أكثر منها الى الدبلوماسية الايجابية. ولا شك بأن الصين تحقق مصالحها بالدرجة الاولى والتي ترتكز على التنمية والتصدير انطلاقا من طريق الحرير وخططها في اسواق الشرق الاوسط. تمثل الصين لودحها قرابة الـ30 في المئة من اجمالي التجارة الدولية لايران وقد أبرمت معها اتفاقا استراتيجيا مدته 25 عاما، كذلك فإن المملكة العربية السعودية هي أكبر مصدّر للنفط الى الصين وبالتالي فإن هذا الاتفاق إن استكمل سيحقق الشعار الصيني المعروف في السياسة الخارجية: الكسب للجميع.
كانت الولايات المتحدة الاميركية شريكا رئيسيا حاولت رعاية اتفاق إيراني سعودي، وذلك في زمن رئيس الحكومة العراقية السابق مصطفى الكاظمي. وبعد مغادرة الكاظمي لمنصبه، استبعدت السعودية اي دور للعراق وكذلك لعمان، واختار ولي العهد السعودي المعروف باستراتيجيته المرتكزة الى مصالح السعودية فحسب الى توجيه رسالة قوية للولايات المتحدة الاميركية بأن المملكة قادرة على تنويع تحالفاتها وقادرة على تقويض الاستراتيجيات الاميركية في المنطقة إذا لزم الامر، فأبعد بن سلمان الولايات المتحدة الاميركية عن تفاصيل الصفقة مع ايران، تماما كما ابعدت واشنطن الرياض عن تفاصيل المحادثات النووية مع طهران. تتخذ المملكة العربية السعودية تدابيرها الخاصة في ادارة شؤونها الخارجية والاقتصادية ايضا، وهي تثير هواجس قوية لدى الامارات العربية المتحدة التي نالت في الماضي تألقا دبلوماسيا يفوق حجمها، أعاد الأمير محمد بن سلمان البوصلة الى الرياض حين أعاد وصل العلاقات مع قطر، ورفض الدخول في عملية تطبيع عشوائية مع اسرائيل، وهو يحاول التوصل الى اتفاق يحمي الامن القومي للسعودية مع انصار الله، أما “اللكمة” الكبرى فكانت بالأمس بقرار استئناف العلاقات الدبلوماسية مع ايران.
في هذا السياق، تشير اوساط سياسية لبنانية واسعة الاطلاع على الملفات الاقليمية بأن “هذا الاتفاق السعودي الايراني سينعكس أولا تهدئة على الاشتباك السني الشيعي في المنطقة، وهدوءا على الساحة السياسية اللبنانية وإذا استكمل سينعكس حتما على الاستحقاق الرئاسي”. وتحذر الاوساط الى أن “الامير محمد بن سلمان متشدد في شرطه بمنع ايران من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وبالتالي من المفيد الانتظار لمعرفة إن كانت طهران ستلتزم فعليا بهذا الشرط، وكذلك يجب رصد الساحة اليمنية وكيفية تصرف الامارات العربية المتحدة هناك وسط اشتباك سعودي اماراتي واضح في اليمن”.
شهدت العلاقة السياسية بين الرياض وطهران انقطاعا تاما منذ العام 2016 جراء توسع النفوذ الايراني في المنطقة من اليمن الى سوريا ولبنان والعراق وفلسطين المحتلة، وكان من آثار ذلك قطع العلاقة الدبلوماسية كليا في العام 2016 على أثر اعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر، واحراق المحتجين الايرانيين لسفارة الرياض في طهران وقنصليتها في مشهد. وبعد فترة من القطيعة التامة، والحرب بالوكالة في ساحات متعددة، بدأت المفاوضات بين الرياض وطهران في نيسان 2021 برعاية عراقية ولقاء غير معلن بين وفدي البلدين في المنطقة الخضراء في بغداد بمعية رئيس وزاء العراق السابق مصطفى الكاظمي. اجرت السعودية وايران خمس جولات من المفاوضات كان آخرها في نيسان 2022 وهي افضت الى الآتي: عودة ايران الى منظمة التعاون الاسلامي، الاتفاق على ترتيب اعادة فتح القنصليات، توقف الهجمات الحوثية على الرياض وتأييد الجانبين لوقف النار في اليمن ودخول السعودية في مفاوضات مع الحوثيين بوساطة عمانية.