مارلين خليفة
البوصلة
كنت صباح أمس الاربعاء أنتظر في صالون مدير مكتب الامن العام اللبناني المقدم علي ترمس موعدي لالقاء التحية على مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم في اليوم الاخير له على رأس المديرية التي شغلها طيلة 12 عاما. كان المقدم ترمس يتلقى الكثير من الاتصالات من مواطنين عاديين، يطلبون الرقم العادي للمديرية يريدون توديع “سعادة اللواء” وكذلك من شخصيات لبنانية متضاربة في مشاربها السياسية والطائفية.
لكن ما لفتني، هي اتصالات عدة تناهت الى مسمعي يجيب عليها المقدّم قائلا:” ما تعتلوا همّ، سعادة اللواء ما بيترككم ولا بيترك اولادكم”. كان اهالي العديد من الموقوفين في دولة الامارات العربية المتحدة يتصلون ويسألون ما هو مصير اولادهم بعد رحيل اللواء ابراهيم من المديرية العامة للامن العام؟ من سيتابع ملفاتهم مع السلطات الاماراتية؟
جسّد اللواء عباس ابراهيم طيلة 12 عاما شعار الامن العام اللبناني: “تضحية خدمة”. ضحّى بوقته ومجهوده وراحته التي لم يعرفها حتى حين كان يتعرض لوعكة صحية، فيتابع شؤون الناس ومطالبهم من فراش المستشفى وهو بالكاد يسمع صوته كما يروي بعض اركانه.
بالامس، خاطب اللواء ابراهيم كبار الضباط في المديرية وفي مقدمتهم المدير العام الجديد العميد الياس البيسري الذي كان خيار اللواء ابراهيم نظرا الى مناقبيته وخلقيته، وطلب منهم أن يكونوا دوما مسؤولين وليس موظفين واعدا اياهم بأنه سيبقى الى جانبهم هم وأسرهم.
لم يعد بالامكان قول المزيد بعد موجة التعاطف الكبيرة التي نالتها هذه القامة الوطنية التي عبرت حدود الطوائف فعلا لا قولا، فأحدث الظلم الكبير الذي كان سببه الاول والاخير رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الذي تعنّت حتى النهاية بعدوم القبول بأي مخرج قانوني للتمديد الحيوي للواء ابراهيم في مرحلة فراغ ستكون قاسية على اللبنانيين، مستفيدا حتى النهاية من حرص “حزب الله” على وحدة الطائفة الشيعية، وعدم تعريضها لانشقاقات هو بغنى عنها، ولسان حال حزب الله أنه كان يريد بشدة بقاء اللواء ابراهيم في منصبه نظرا الى الملفات الحساسة التي يمسك بها ولأنه شخصية عابرة للطوائف ومحاور رئيسي في اعقد الملفات الدولية لكنّ كما في كل مرة يبدّي الحزب مصلحة الجماعة على الشخصيات فيه ولو كانت بمنزله اللواء ابراهيم خوفا من حرب داخلية لن يرعوي عنها من يبتزّه بالملفات الداخلية.
بكلّ الاحوال، قدّمت الفرقة الخاصة التي أسسها اللواء ابراهيم في الامن العام اللبناني أمس سلاحها لـ”القائد”، وسط عيون كبار الضباط والعسكر والموظفين المدنيين التي اغرورقت بالدموع لوداع قائد وانسان لم يتعرفوا على مثيله قبلا.
وأخيرا، يروي العارفون بأن اللواء عباس ابراهيم ألغى في أحد الايام كلّ مواعيده، طالبا تحديد مواعيد فردية لجميع عوائل الموقوفين في البلدان الخليجية، وكان عددهم كبيرا جدا، فأمضى يوما كاملا من الصباح ولغاية المساء مستمعا الى كلّ عائلة على حدة، ومدونا مع افرادها لوحده ما يحدث للشخص المعتقل منها.
في غياب اللواء عباس ابراهيم، سيفقد الامن العام اللبناني بعده السياسي المتوهج، وسيعود الى المهام التقليدية الروتينية، وسيخسر لبنان مفاوضا ووسيطا لامعا وستخسر آلاف العائلات من الطائفة الشيعية وسواها سندا قويا وداعما وأبا.
لا يبدو ذلك مهما لدى بعض من يتقنون “التثبيط” وهو منع أي شخص من الوصول الى موقع مسؤولية للبقاء راسخين في مواقعهم التي اهترأت وعجزت عن أي انجاز.