مارلين خليفة
البوصلة
يعتبر مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم صاحب أطول مسيرة على رأس هذا الجهاز الامني منذ تأسيسه حيث أمضى فيه 12 عاما، وكان مرشحا لأن يبقى من لقّب بـ”محدّث” هذا الجهاز فترة اطول أقله لغاية انتخاب رئيس للجمهورية لولا اتفاق ضمني بين الاضداد السياسيين من المنظومة الحاكمة على قطع الطريق عليه بشكل كامل، متذرعين تارة بالقانون وتارة برمي الكرة على بعضهم البعض.
إلا أن الواقع مغاير تماما، إذ أن المخارج القانونية لبقاء اللواء ابراهيم موجودة ومتينة وصلبة بحسب أكثر من مصدر قانوني تحدثنا اليه، وهي باتت منشورة في الصحف والمواقع الالكترونية. إلا أن من يمسكون زمام القرار السياسي يتلطون خلف اسباب واهية لا تنطلي على الرأي العام وهدفهم الاول والاخير وضع اللواء ابراهيم جانبا.
ليست شخصية اللواء ابراهيم هي التي تخيفهم، فالرجل اثبت طيلة اعوام حكمة وبصيرة ورؤيا عميقة في التعاطي مع الواقع الداخلي اللبناني، وتمكن من بناء علاقات مع الاقربين والخصوم وإن كانت درجاتها متفاوتة،ـ لكنه في وظيفته لم يفرّق بين لبناني وآخر، ولعلّ ازمة جوازات السفر التي شهدها عهده في العامين الاخيرين كانت اثباتا على مهنيته وتعاطيه المتساوي مع جميع اللبنانيين سواسية.
إنها الادوار التي لعبها اللواء عباس ابراهيم من اخافت خصومه في السياسة: لعب دور جسر التواصل مرارا سواء في الفراغ الرئاسي قبيل انتخاب ميشال عون رئيسا، او ابان الازمات الحكومية المتعاقبة في هذا العهد، او في ترميم جسور انقطعت بين حلفاء من جميع الطوائف، سواء مسوؤلين او حتى عشائر صعبة المراس وثقت به واعطته سلطة اصلاح ذات البين مع اطراف حزبية. تمكن اللواء ابراهيم من تفعيل صلاحيات الامن العام اللبناني في الامن والسياسة والاقتصاد والعلاقات الخارجية ففرض نفسه مرجعية وطنية خارج عباءة الاحزاب الطائفية، يردد دوما “أنا ابن دولة” وتصرف على هذا الاساس، ويبدو أن هذه الفلسفة هي التي أخافت أحزاب المحاور التي “نقزت” من شخصية عابرة للطوائف ولو كانت على علاقة وطيدة معها.
في السياسة ايضا، رشّح اللبنانيون لوحدهم اللواء ابراهيم لأن يكون رئيسا مقبلا للمجلس النيابي، وبينما هو يرفض قطعا أي حديث في الموضوع محافظا على علاقة صداقة وطيدة مع الرئيس الحالي نبيه بري، إلا أن الاصداء الشعبية يبدو أنها قضّت مضاجع عين التينة، فتحول بالرغم من وفائه لخط المقاومة وعلاقته مع بري الى خصم مستتر.
لا يحتاج الامر الى دليل، فإن نظرة سريعة على تعليقات الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي- بحيث تحول اسمه الى “تراند”- على إزاحة اللواء عباس ابراهيم تبرهن أن الناس تفهم ما حصل معه، وتدرك أن ازاحته جاءت بقرار من الثنائي الشيعي، وبغطاء من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي حاول المساومة للتمديد له عبر طرح التمديد للمدراء العامين التابعين له ومنها اسماء مثيرة للجدل في طليعتها بدري ضاهر واورور فغالي، ففخخ الجلسة التشريعية. في هذا السياق، يعتبر المعنيون أن الرئيس بري قام بواجباته ولم يلق قبولا، وفي سردية حزب الله أنه لا يمكنه الضغط على أحد بالقوة. فجأة أسقط بيد الحزب الذي تمكن من فرض ميشال عون رئيسا للجمهورية وفرض جبران باسيل حليفا قويا بالرغم من كل التراكمات والخصومات، فقط أسقط بيده في وجه عباس ابراهيم.
لعلّ هذا الواقع المزري، يقودنا الى الدور الاقليمي والدولي الذي لعبه اللواء في ملفات حساسة من سوريا الى العراق الى مفاوضات شاقة لتحرير رهائن بين دول صعبة من تركيا الى ايران وعلاقاته القوية والمتشعبة من واشنطن الى قطر وسواهما. لكن من يعرف اللواء ابراهيم يدرك انه لم يسع يوما لاستثمار هذه العلاقات إلا لمصالح لبنانية داخلية وليس لمنفعة شخصية او للاستقواء بالخارج.
لعل اللواء ابراهيم، هو الشخصية الثانية من حيث الترتيب بعد الرئيس الشهيد رفيق الحريري -الذي كان اللواء ابراهيم يوما مسؤولا عن أمنه- الذي نال هذه الثقة الداخلية والخارجية، ولعلّ الطوائف والثنائيات لا تحتمل أن تنتج مرجعيات وطنية ولو جاءت من رحمها، فخافت منه وقررت إزاحته بحجة القانون حينا وبحجة عدم تجاوب السياسيين حينا آخر.
هذا هو المناخ السائد لدى الرأي العام، وهذه هي الحقيقة المرة لبلد منهار وأحد أسباب انهياره هو ازاحة القامات الوطنية مثل اللواء عباس ابراهيم بفعل الانانية الشخصية التي تطحن أمثاله دون رأفة.