مارلين خليفة:
إحدى نقاط قوّة مُدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم هي علاقاته المُتشّعبة مع الأطراف الدولية المُتناقضة، ويعود ذلك إلى تغليبه للمصلحة الوطنية، وبراعته في إدارة العلاقات الأكثر تعقيداً.
تُعتبر علاقته مع السوريين نموذجاً جعلت لبنان مرجعاً للدول الكبرى لمُكافحة الإرهاب المُتطرّف، والأهم أنّه لطالما كان مُبتكراً للحلول الحدودية برّاً وبحراً في النزاع مع «إسرائيل».
خرج السوريون من لبنان بجيشهم واللواء إبراهيم على خلاف كبير معهم، إذ تعرّض لاضطهاد من قِبلهم.
وقع الشجار، وضغط السوريون لإبعاده من مُخابرات الجيش اللبناني، حيثُ كان قائداً للمُكافحة في الجنوب، ومكثَ في المنزل قرابة الـ3 أشهر، ثم نُقِلَ إلى مركز ثانوي.
كانت هنالك أحقية بالترقية للعقيد عباس إبراهيم ورفاق دورته، وقد ضغط السوريون لمنع هذه الترقية لصالح آخرين، وحرموا دورة إبراهيم كلها من الترقية، فلم يرضَ إبراهيم مُفضّلاً اتخاذ موقف «عزّ» على أنْ ينصاع لمطالب السوريين، بأنْ تتم ترقية الدورة بعد 6 أشهر.
تمَّ إبعاد العقيد إبراهيم عن أي مهام، وخدم 3 أشهر في بيروت لم يشتغل فيها شيئاً، أُعطِيَ مكتباَ صغيراَ في مقر عام بيروت، يجلس لا يفعل شيئاً، بل يقرأ الصحف.
قال له رئيسه يومها: أنتَ عباس إبراهيم أنا لا أستوعب كيف ستكون مرؤوساً عندي! وكان إبراهيم عقيداً له اسم لامع بالجيش.
تمّت الاستعانة بقائد المنطقة لحلّ هذا الإحراج، فأرسل وراءه، وطلب منه عدم التوجّه إلى العمل، وأنْ يذهب أينما يُريد. رفض إبراهيم فوراً تنفيذ الأوامر، وقال بأنّه سيأتي إلى العمل في الساعة 8 إلا عشر دقائق، ويُغادر في الساعة 2 و10 دقائق، وأردف: «مع احترامي لمَنْ يُعطي الأمر، فأنا لا أُريد التنفيذ، وسأتقيّد بقانون العمل».
بعد 3 أشهر أرسل وراءه قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وقال له: «لا يمكنك أن تبقى قاعداً من دون وظيفة أساسية في الجيش، وطلب منه الاختيار بين أنْ يكون قائداً لفوج مغاوير البحر أو قائداً لفوج مغاوير البر»، فاختار الثاني. وبقي 3 أعوام في هذا المنصب.
عاد إبراهيم إلى مُخابرات الجنوب في العام 2005، فور خروج الجيش السوري من لبنان، وصار رئيساً لفرع مُخابرات الجنوب، وحضر حرب تموز 2006.
في حرب 2006، برع في تجميع المعلومات عن الإسرائيليين ومراكزهم وأسلحتهم يرسلها إلى قيادة الجيش، وفي تلك الحرب العدوانية ضُد لبنان، التي استمرت 33 يوماً كان يُعدُّ تقريراً سياسياً وأمنياً يرسله يومياً إلى قائد الجيش ومُدير المُخابرات، اللذين كانا يحضران جلسة مجلس الوزراء.
في حرب 2006، كانت بصمات اللواء إبراهيم الأكثر حضوراً في صوغ القرار 1701.
مَنْ هو آصف شوكت؟
عادت العلاقة مع السوريين إلى مجاريها في العام 2008. في ذلك العام، عُيِّنَ العميد إبراهيم مساعداً لمُدير المُخابرات، وتمَّ تعيين العماد جان قهوجي قائداً للجيش اللبناني، ووُجِّهَتْ دعوة له من سوريا، وكانت الزيارة الأولى إلى دمشق بعد الإشكال حول الترقية مع السوريين، وصودف أنّ مُدير المُخابرات – آنذاك – العميد إدمون فاضل كان غائباً، فطلب العماد قهوجي من العميد إبراهيم الحضور. رفض. فأصرَّ قهوجي، كونه مُساعد مُدير المُخابرات، وعليه أنْ يحضر. ذهب إلى الشام وكانت المرّة الأولى التي يزور فيها العاصمة السورية.
جلس العميد عباس إبراهيم مُقابل أحد ضبّاط الأمن السوريين، وهو اللواء سمّور، وقدّم الجزء المتعلّق بالمُخابرات اللبنانية، وبعد انتهائه، طلب الرئيس الدكتور بشار الأسد الاجتماع بالعماد جان قهوجي، وقصد الوفد المطعم، حيثُ يُنظّم غداءً رسمياً.
أثناء التوجّه إلى المكان، قصد اللواء سمّور، العميد إبراهيم، وقال له بأنّ اللواء آصف شوكت يريد مُقابلتك، فسأله اللواء إبراهيم مَنْ هو آصف شوكت؟ فأجابه: إنّه مُدير الأمن العسكري.
لم يكن العميد إبراهيم يعرف أحداً من السوريين، ثم سأل عمّا يريده منه شوكت فارتبك سمّور، وقال: لا أعرف هذه أوامر سيادة اللواء.
صعد بـ«الرانج روفر»، واجتمع بآصف شوكت في مكتبه، فراح الأخير يتحدّث عن سوريا والعرب والعروبة، حتى وصل إلى سؤال: لِمَ أنت زعلان منّا؟ صارحه العميد عباس إبراهيم بأنّه لا يقبل أنْ تتدخّل الأجهزة السورية بعملنا كأجهزة لبنانية، كما أنّكم لا تقبلون أنْ نتدخّل نحن بعملكم، وأشار إلى أنّ مؤسّسة الجيش اللبناني مُستقلة.
يبدو أنّ اللواء آصف شوكت اقتنع، وكان باباً للمُصالحة بين إبراهيم والسوريين. بعدها كَثُرَتْ المهام التي احتاجت إلى اتصالات وتنسيق بين لبنان وسوريا، وصار يتم تكليف العميد إبراهيم بعد أنْ تعرّف إلى اللواء شوكت، ثُم حدّد لإبراهيم موعداً مع الرئيس الدكتور بشار الأسد، فطلب منه إبراهيم تحديد قناة اتصال له تجنّبه أنْ يعمل «برمة العروس» في كل مرّة يحتاج فيها إلى حلّ مسألة بين البلدين.
لبنان محور الدول للمعلومات حول الإرهاب
حدّد الرئيس الأسد، اللواء علي مملوك، في المرة الأولى التي تعرّف فيها إبراهيم إلى مملوك كان في مكتبه ميشال سماحة وبثينة شعبان، فاستأذن منهما للجلوس مع العميد. وعرف إبراهيم، مملوك عن نهجه في العمل، وبدأ تبادل المعلومات على مستوى مكافحة الإرهاب.
عندما بدأ توافد السوريين إلى لبنان بعد اندلاع الأحداث في سوريا في العام 2011، كان بينهم إرهابيون بغطاء نازحين، وكان اللواء إبراهيم قد تسلّم مهامه في الأمن العام اللبناني، وفي فترة ما صار لبنان مرجعية للعالم كنقطة تواصل بينهم وبين السوريين في موضوع الإرهاب. مرّد ذلك إلى انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين سوريا ومعظم دول العالم التي أغلقت سفاراتها وغادرت، ولم يعد يوجد أي اتصال مع السوريين.
كان الغرب بدوله يحتاج إلى سوريا المُطلّة بعمق على موضوع الإرهاب كونه يضرب أراضيها، لكن لم يكن يريد أن يتواصل مع المسؤولين السوريين. لعب اللواء إبراهيم دور جسر التواصل، إلى حين اتخذ الرئيس الأسد قراراً بأنّه لا يوجد أمن بلا سياسة أو دبلوماسية وذلك في العام 2013.
هكذا مرّت سنتان قدّم فيها السوريون للبنان عبر اللواء إبراهيم كل ما يحتاجه الأجانب لبلادهم، واستفاد لبنان من هذه العلاقة بشكل واسع في تفكيك شبكات إرهابية عدة كانت تستهدف الأراضي اللبنانية، كذلك في ملف تحرير راهبات معلولا.
توأمة الأمن والدبلوماسية
يُعتبر اللواء إبراهيم حالة نادرة كونه نجح بأنْ يكون موثوقاً في المجال الأمني والمُخابراتي، ومرجعاً ووسيطاً بارعاً في السياسة والدبلوماسية الدولية، وجسر تواصل بين مُختلف الأطراف اللبنانيين، فما هو السر في تخطّيه الحواجز بين الأمن والسياسة والدبلوماسية، علماً بأنّ رجل المُخابرات غالباً ما يُخيف السياسيين، خصوصاً حين يكون كاللواء إبراهيم مستودعاً لأسرار الدولة العُليا ونقطة تلاق بين المحاور الدولية المُتصارعة؟
حدّد القانون الذي أنشأ المُديرية العامة للأمن العام اللبناني صلاحياتها، وأبرزها الحفاظ على الأمن السياسي، وقد طبّق اللواء إبراهيم هذا البند بنجاح باهر، إذ تمكّن من اختراق حواجز التوجّس من الأمنيين من خلال الثقة التي زرعها في كل المهام التي عالجها. ثقة انسحبت على المُديرية العامة للأمن العام بشخص مُديرها العام، ما مكّنه من الوصول إلى الهدف الأبعد، وهو الحِفاظ على الأمن السياسي. استلزم بناء هذه الثقة صفات أبرزها الشفافية والمصداقية والصراحة والتكتم المُطبق. واجه اللواء إبراهيم في بداية الوساطات السياسية صعوبة في التعاطي مع هذا الموضوع، وتحديداً «نقزة» تولّدت من سؤال السياسيين اللبنانيين: لِمَا نسمح لمسؤول أمني أن يكون وسيطاً بينما الحل والربط بأيدينا؟
لم يستوقف هذا التوجّس السياسي اللواء إبراهيم، برأيه أنّ الأمنيين والسياسيين والاقتصاديين وجميع مَنْ يعملون في مجالات بناء الدولة عليهم أن يكونوا فريق عمل واحد. تمكّن من تثبيت هذه النظرية وكسب ثقة الجميع. المصداقية هي الأساس، هكذا تبيّن، لكن الصمت والامتناع عن الاستفاضة بشرح أو تفسير أو تحليل، هي أيضاً مزايا عُرِفَ بها كوسيط سياسي أو كأمني يخوض في أعقد المسائل الإقليمية والدولية.
في الوساطة السياسية برز نجمه إبّان الفراغ الرئاسي الذي امتد لعامين ونصف العام قبل انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في العام 2016، وتمكّن من لعب دور الجامع وعزّز الاتصالات بين الجميع في ظلّ هذا الفراغ. في عهد الرئيس ميشال سليمان بدأت مسيرة اللواء إبراهيم التفاوضية، فلمع اسمه كمفاوض إقليمي في قضية مخطوفي أعزاز، وقد ترك الرئيس سليمان للواء إبراهيم هامشاً كبيراً جداً للعمل الجامع بين الأمن والسياسة. ولولا ملكته السياسية لما تمكّن من قيادة تفاوض أمني سياسي على نطاق جغرافي يجمع بين لبنان وسوريا وتركيا وقطر ومع أعلى المُنظّمات الإرهابية الناشطة في الحرب السورية.
كان الأمن والسياسة صنوان، فلم يكن يُمكنه النجاح في تبادل أسرى من السجون السورية لولا تدخّل الرئيس بشار الأسد، والأمر سيّان في التعاون مع تركيا وقطر، حيث كان أميرها تميم يتدخّل شخصياً لحلّ بعض العقد.
دور محوري في ترسيم الحدود البحرية
عالج اللواء إبراهيم ملفات شديدة التعقيد مثل ملف ترسيم الحدود البحرية، وكان مُبتكراً لحلول عدّة على صعيد الحدود البرية والبحرية، ولغاية اليوم تبقى صفحات التفاوض وشد الحبال والضغوط التي مورست عليه غير معروفة للرأي العام.
كان للواء إبراهيم دور محوري في إتمام ترسيم الحدود بين البلدين. فقد تسلّم ملف ترسيم الحدود البرية مع «إسرائيل»، بحيث كانت ثمة 13 نقطة حدودية مُتحفّظ عليها، فتمّ حلّ 7 نقاط. قصد مساعد وزير الخارجية الأميركية ديفيد ساترفيلد، اللواء إبراهيم في العام 2018 وهنّأه على حل مشاكل 7 نقاط خلافية، قائلاً بأنه يجب الاستكمال وحلّ قضية نقطة الـ»بي وان» الحدودية البرية.
التقى بعدها اللواء إبراهيم ساترفيلد في الناقورة في شباط 2021، وذلك في مقر قائد القوّات الدولية، وكان وقتها الجنرال مايكل بيري. وكانا وحدهما. قال اللواء إبراهيم بأنّه لا يمكن حل قضية الـ»بي وان»، إلى حين ترسيم الحدود البحرية، وأبلغ ساترفليد بأنّه لم تعد لديه النية بالاستمرار في المفاوضات البرية لأن الإسرائيلي سيُدير ظهره ويُغادر بعد الانتهاء من ترسيم الحدود البرية.
طالب اللواء إبراهيم بورقة ضغط، وهي الحدود البرية مع الإسرائيلي إلى حين الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية. وحصلت عمليات إقناع ماراثونية للانتهاء من ترسيم الحدود البرية كلياً لأن ذلك أفضل للبنان بحسب الأميركيين. فكان جواب اللواء إبراهيم سلبياً مفاده: «نحن أيضاً نعرف ما هو الأفضل للبنان».
لم يمشِ الحال. في هذا السياق التفاوضي العاصف، تعرّض اللواء إبراهيم إلى ضغوط سياسية داخلية كبرى لحثّه على الانتهاء من ترسيم الحدود البرية، فرفض. إلى حين، قصده مسؤول رسمي رفيع المستوى أفصح له بأن لبنان موعود بمُساعدات قيمتها 6 مليارات دولار في حال أنهى ترسيم النقاط المُتبقية. «أرفض ذلك» قال اللواء إبراهيم مردفاً: «جيبوا حدن غيري يخلّصهم».
في اليوم التالي، دعاه المسؤول الرسمي إياه إلى «كزدورة» في الحديقة وأبلغه: وعدني جاريد كوشنير – صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب – بـ6 مليارات دولار، وطلب منّي أنْ أحثّك على إنهاء موضوع النقاط الحدودية البرية المُتبقية. كان جواب اللواء إبراهيم قاطعاً: لا أعرف كم يحوي البحر من مليارات لكنّني لن أبيعها بـ6 مليارات دولار. بعدها قصد رئيس المجلس النيابي نبيه بري وأبلغه و»حزب الله» مُحصّناً نفسه من الناحية السياسية.
«صديق» آموس وبداية التفاوض الجدّي
تجمّدت المفاوضات. وبعد فترة تسلّم مسؤول ملف الطاقة آموس هوكستين الملف كوسيط أميركي بين لبنان و«إسرائيل»، وأرسل إلى اللواء إبراهيم «صديقاً» له. كان اللواء إبراهيم يعمل في حين اتصل به شخص لبناني، وطلب زيارته، وقال له بأنّه صديق لآموس هوكستين والأخير لا معرفة شخصية بينه وبين اللواء إبراهيم. التقى الرجل باللواء وسأله إنْ كان ثمة مانع لديه باللقاء مع هوكستين؟، قال إبراهيم: «لا، لكن لِمَا أراه؟» أجاب الرجل: «لأنّني كُنتُ أحكي معه، وقلت له بأنّه إذا أراد التوصّل إلى نتيجة في ملف ترسيم الحدود البحرية عليه ألا يضيّع الوقت فليس له إلا اللواء إبراهيم». لم يُمانع اللواء إبراهيم. وكان هوكستين قد عيّن مسؤولاً لملف النفط في إدارة بايدن.
إثر تدخّل هذا الصديق، اتُّفِقَ على أنْ يتم اللقاء بين اللواء إبراهيم وآموس هوكستين في باريس. في هذا الوقت تمَ تنظيم البطولة العربية في الدوحة، ودُعِيَ الرئيس ميشال عون للحضور ومعه اللواء إبراهيم. في الدوحة، فوجئ اللواء إبراهيم بتحديد موعد له مع هوكستين وكان يهمّ بالمغادرة مع الوفد اللبناني، استأذن الرئيس عون ليبقى في الدوحة. دعا هوكستين اللواء إبراهيم على الفطور الصباحي في الفندق وأراه خريطة طالباً رأيه بها، رفضها اللواء إبراهيم فوراً، كونها خريطة مُتعرّجة، فسأله هوكستين عما يريده لبنان؟ فقال اللواء إبراهيم: «إنّ أقلّ ما يمكن أنْ نقبل به هو الخط 23، بالحد الأدنى، فيما ترفضون قطعاً مطالبة الجيش اللبناني بالخط 29». لم يقتنع هوكستين لكنه استمهل اللواء إبراهيم عائداً إلى واشنطن، وواعداً إيّاه بزيارته مُجدّداً في بيروت ومعه خريطة معدّلة.
وهذا ما حصل. رفض اللواء إبراهيم الخريطة المُعدّلة مجدّداً التي عرضها عليه الموفد الأميركي فور وصوله إلى مكتبه في المُديرية العامة للأمن العام على المتحف، وقد درج هوكستين على بدء جولاته ما أنْ يخرج من مطار رفيق الحريري الدولي بزيارة اللواء إبراهيم. سأله هوكستين عمّا يقوله بقية السياسيين؟ فأجابه: اسألهم، بالنسبة إليَّ فإنّ هذه الخريطة مرفوضة. كان اللواء إبراهيم قد أجرى اتصالاته بالرؤساء الثلاثة، وتمّ توحيد الموقف اللبناني للمرّة الأولى. سقطت خريطة هوكستين المُرتكزة إلى الخطوط المُتعرّجة. لم يمشي الحال، فدخلت لاحقاً على خط التفاوض مُسيّرات «حزب الله» وسخنت المفاوضات. في هذا السياق، يروي العارفون أنّه «حدث أمر ما» لم يُكشَف عنه لغاية اليوم، حدا بآموس هوكستين إلى القبول بإعطاء لبنان الخط 23 كاملاً، وأقنع الإسرائيليين بذلك.
ضغوط جنونية على اللواء
تعرّض اللواء إبراهيم لضغوط كبيرة جدّاً أثناء مراحل تصلّبه في التفاوض سواء على الحدود البرية أو البحرية، وخصوصاً مُنذ العام 2019 حين طاولته حملات شعواء على مُختلف الصعد الشخصية والعملية، وفي المُديرية العامة للأمن العام، وهي لا تزال مُستمرّة بوتيرة متفاوتة صعوداً وهبوطاً، وخصوصاً عبر منصّات التواصل الاجتماعي.
تمّت مُحاصرة اللواء إبراهيم بالأسلاك الشائكة في الحرب كما في السلم. كل خطوة كان اللواء إبراهيم يقوم بها، كانت تقابلها ردود فعل من باب الضغط: مُحاولات لتشويه سمعته وإقحام اسمه في ملف انفجار المرفأ وإلصاق التهم والتجنّي. كان مَنْ يُحبّون اللواء إبراهيم يشعرون بالاستفزاز، أما هو فكان يصمت لا ينفي ولا يدحض، مُدركاً ما يدور في الخفاء، فواجه الحملات ببرودة، وحين يأتيه صاحبها كان يتعاطى معه وكأنَّ شيئاً لم يحصل، يباغت عدوّه بالحكمة والحوار والكياسة السياسية
.
من أين أتى هذا الجانب الجليدي من شخصيته؟
من الأخضر الإبراهيمي (مبعوث الجامعة العربية إلى لبنان (1989-1992) بحسب ما أخبر يوماً، ولكن أبعد من ذلك. تعرّض اللواء إبراهيم في مسيرته العسكرية للكثير من المواقف التي جعلت بينه وبين الموت ثانية، فلم يعد يباغته شيء. أُصيب اللواء إبراهيم 5 مرّات في حياته العسكرية، فهو جاء إلى الأمن العام من الميدان العسكري أوّلاً. كان مُقاتلاً في الجيش اللبناني في حرب الجبل، في حرب بيروت، قاتل «إسرائيل» ولم يُصَبْ. أُصيب في حرب الضاحية حيثُ كانت توجد مجموعة للأميركيين مُحاصرة في حي السلّم، ودخل مع 10 عسكريين لفك الحصار عنهم في سنة 1983، دخل مع جنوده في المجارير وأُصيبوا بالجرب أياماً بعد تحريرهم للأسرى.
مُنذ صغره لا يقوم بردود فعل غير مدروسة. يُعيد هذه الأعصاب الجليدية إلى ما قاساه في الحرب اللبنانية، وخصوصاً رؤيته أُناساً يموتون يمنة ويُسرة، فلم يعد يكترث لأمور شتى ومنها الحملات المُغرضة التي يعرف جيداً أصحابها ومَنْ يديرونها ويتجاهلهم.
حالياً، يرى كل الأمور سهلة، ويتعاطى مع القضايا التي تواجهه ببرودة تقضّ مضاجع خصومه.
من الروايات، أنّه حين وقع اشتباك على كورنيش المزرعة بين حركة «أمل» والمُرابطون، طلبت منه قيادة الجيش الفصل بين الطرفين وإدخال الملالات في الوسط لإيقاف إطلاق النيران، فجهّز العسكر وصعد إلى الملالة وجلس على سطحها ليُعطي ثقة للعسكر. ومشوا، فتمَّ ضربهم بقذيفة «أر بي جيه» فأُصيب بيده، أنزل اللواء إبراهيم العسكر إلى مركز صيدلية «عيتاني» وقف مع مُرافقه على الزاوية، الكتف على الكتف تطلّع إليه فرآه مُردياً برصاصة في رأسه، هكذا استشهد الرقيب أوّل حسن صبرا.
أثناء قتاله في عرمون مع رئيسه الضابط شفيق شربل، قُتِلَ الأخير أمامه، وبقي مُحاصراً مع جثته أياماً إلى حين وصل الجيش إليه، وكان لا يزال لديه 5 طلقات، وذلك في العام 1983.
ثُمَ، بعد أنْ تسلّم الأخضر الإبراهيمي مهمته في لبنان في العام 1989، كان اللواء إبراهيم في المنزل، آتياً من أميركا بعد انتهائه من دورة رفض بعدها الالتحاق بجيش مُنقسم بين شرقية بقيادة العماد ميشال عون وغربية بقيادة سامي الخطيب.
وافق أنْ يكون جزءاً من فريق حماية الأخضر الإبراهيمي، مفصولاً من الجيش اللبناني، بعد أنْ وافقت القيادتان على مهمته. اقتبس اللواء إبراهيم من الأخضر الإبراهيمي البرودة والصبر والهدوء، ويصفه في أحاديثه بأنّه شخصية هادئة ويتحمّل التعب دول كلل ولا تأفّف.
ارتبط اللواء إبراهيم بعلاقات وطيدة مع القادة العرب والأجانب والمرجعيات الروحية الإسلامية والمسيحية، وفي طليعتها قداسة البابا فرنسيس، الذي استقبل اللواء إبراهيم مرات عدة في حاضرة الفاتيكان، كانت أولها في تشرين الأول 2015، حيث أكد لقداسته على «أهمية تثبيت وجود المسيحيين في الشرق تعزيزاً لمنطق حوار الحضارات الذي يُنادي به الفاتيكان».
فيما عبر قداسته عن شكر اللواء إبراهيم على «الجهود التي أثمرت تحرير راهبات معلولا».
*تنشر هذه الثلاثية بالتزامن مع صحيفة اللواء اللبنانية بنسختيها الورقية والالكترونية.