“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
يفرض الاستحقاق الرئاسي ذاته طبقا ساخنا على اجندة الاطراف المحليين والخارجيين على حدّ سواء، وهو وإن بدا ثانويا في ترتيب القضايا الدولية إلا أنه حاضر أقله اقليميا واوروبيا لكونه ركن أساسي للاستقرار اللبناني الذي إن تزعزع فعليا سيؤثر حتما على أمن المنطقة برمتها بدءا من اسرائيل.
كان كلام أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصر الله واضحا في هذا الصدد، حين تحدث خلالَ مهرجان “شهادة وانتصار” بمناسبة الذكرى السنوية للقادة الشهداء في 16 الجاري قائلا:” إذا دفعتم لبنان إلى الفوضى ستخسرون في لبنان وعليكم أن تنتظروا الفوضى في كل المنطقة. عندما تمتد مؤامراتكم إلى اليد التي تؤلمنا وهي ناسنا، سنمدّ أيدينا وسلاحنا إلى اليد التي تؤلمكم وهي ربيبتكم إسرائيل. من يتصوّر أننا سنجلس ونتفرج على انهيار وعلى فوضى وعلى منع من الحلول دون أن نحرك ساكنًا هو واهم. انظروا، نحن في موضوع الحدود البحرية والنفط والغاز كنا جاهزين جدّيًّا والعدو أدرك هذا بجدّيّة أننا نذهب إلى خيار الحرب”.
إلا أن خيار الحرب مع اسرائيل غير مطروح لغاية الآن بحسب أوساط على اطلاع واف على مناخات “الحزب”، لكن “التحذير واجب. في الملف الرئاسي، لا يبدو أن الحزب يسعى ايضا الى التسخين، يدرك أن حليفه الميؤوس من اقناعه بمرشح رئاسي أي النائب جبران باسيل لا قدرة له على التفاهم معه حول الوزير السابق سليمان فرنجية، وهو ايضا غير قادر على نسج تحالفات مع أي فريق لبناني آخر، وبالتالي ينتظر الحزب توافقا ما، سيكون حتما داخليا من دون أن يفرض مرشحه الضمني الذي صار معروفا للجميع اي سليمان فرنجية عنوة. في هذا السياق، كان كلام السيد نصر الله واضحا ايضا إذ قال :” لا جديد في الملف الرئاسي، الكل انتظر اللقاء الخماسي في باريس، كلكم عشتم صورة النتائج، وأنهم لم يُصدروا بياناً لأن نقاشاتهم ما زالت مفتوحة، وجاؤوا وحمّلوا اللبنانيين المسؤولية، وهذا صحيح، لأن اللبنانيين هم الذين يتحملون المسؤولية، ومن أول يوم وإلى اليوم سنبقى ننادي أن هذا استحقاق داخلي والدنيا لا تستطيع أن تفرض رئيسا على الشعب اللبناني ولا على القوى السياسية اللبنانية. الخيار الحقيقي هو التفاهم الداخلي واستمرار الجهد، يعني مرة نقول أنّ الأفق مسدود والأمور صعبة ولا أحد لديه 65 وكل شخص يذهب إلى بيته، هذا خطأ، يجب أن يستمر الجهد والبحث عن حلول وعن آفاق وعن تفاهم واتفاق، ويجب أن يستمر الجهد ليكون للبنان رئيساً للجمهورية في أسرع وقت ممكن”.
في هذا السياق يمكن الاستخلاص بأن حزب الله لن يقبل رئيسا مفروضا بأجندة خارجية، وأنه وخلافا لبعض التحليلات لا يمكن أن يقبل بقائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون رئيسا نظرا لقربه الكبير من الاميركيين. لا يمكن أن تأخذ تصريحا صافيا بهذا المعنى من أي شخصية تدور في فلك الحزب، لكن السياقات الداخلية والحملات الاعلامية واضحة، وآخرها ما نشر في صحيفة الاخبار من تقرير ينتقد السياسات المتبعة في اليرزة، سعى الحزب فورا الى نفي أي علاقة له فيه. في السياق عينه، تقول الاوساط ذات الاطلاع الكافي على مناخات حزب الله بأن الاجتماع الخماسي في باريس هو الذي خذل خيار العماد جوزيف عون وليس حزب الله او صحيفة الاخبار التي لا تمثل رأي “الحزب” بحسب الاوساط.
في المعلومات المتداولة أنه حين جال وفد سفراء الدول الخمسة التي اجتمع ممثلوها في باريس مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي أبلغوهما بأنهم لم يتفقوا كدو على إسم محدّد لرئيس للجمهورية، وتمنى السفراء الممثلون لدولهم على الرئيس برّي أن ينقل للمعنيين تمنياتهم بالاتفاق الداخلي على رئيس. وبحسب قراءة الاوساط المذكورة، لو كان من اتفاق على اسم قائد الجيش جوزيف عون لكانوا ابلغوا المسؤولين اللبنانيين بهذا الامر، لكن كلامهم أمام الرئيس بري يعني أن ليس من مرشح لديهم.
في هذا الاجتماع طرحت قطر اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون، فرنسا لم تمانع لكنها اشترطت موافقة حزب الله، في حين تبنّت الولايات المتحدة الاميركية خيار قطر، أما المملكة العربية السعودية فكررت بأنها لن تدفع اموالا في لبنان إذا تمّ انتخاب رئيس جمهورية موال لحزب الله، وبانها غير مبالية لكنها لا تمانع من انتخاب عون. في هذا السياق لعب الحضور المصري دورا ايجابيا إذ بدد اقتراح العقوبات على السياسيين والنواب اللبنانيين الممتنعين عن التصويت، ورفض الجانب المصري وضع لبنان تحت الوصاية الدولية. بسبب الآراء المتفاوتة فشل الاجتماع.
في باريس طرحت الدول الخمسة الاسم فكان السؤال الفرنسي لممثلي اميركا وقطر ومصر والسعودية: هل بالامكان أن تنالوا موافقة حزب الله كان الجواب سلبيا، وتدارس ممثلو هذه الدول إن كان بإمكان عون أن يحظى بتصويت 86 من نواب البرلمان فجاء الجواب سلبيا ايضا. إن تبليغ الرئيس بري أنه لم يتم الاتفاق بين هذه الدول على إسم فإن ذلك يعني اسم قائد الجيش، وطلبت الدول أن “يدبّر” لبنان رئيسا. وبالتالي فإن ترشح قائد الجيش انتهى في باريس وليس من خلال الداخل اللبناني بحسب بالاوساط المذكورة. وتشير الاوساط لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن” حزب الله لن يقول لا لجوزيف عون، لكن لديه مرشح ضمني معروف الاسم والمواصفات والعنوان”.
يعترف المعنيون بأن انتخاب رئيس في ظل الظروف الراهنة أمر متعثر، لكن كوّة الامل التي تحدث عنها السيد نصر الله موجودة: في المنطقة إيذان بإعادة الحياة للمفاوضات السعودية الايرانية، والايرانية الاميركية، وعودة خليجية الى دمشق. من شأن هذه المناخات الاقليمية ان تنعكس ايجابا على لبنان، وبرأي محور الممانعة ومؤيدين له “فإن رئاسة سليمان فرنجية بدأت تقترب، الصعوبة قائمة حاليا، لكن بانتظار كوّة الامل الاقليمية”.
لا يهدف حزب الله الى فرض رئيس بالقوة على الداخل بل يعترف بالحاجة الى توافق، لسان حاله بأن رئيس الجمهورية ينبغي ان يصل الى قصر بعبدا بالتوافق بين اللبنانيين وليس بأيو ارادة خارجية. لا يزال التوافق بين اللبنانيين صعبا لأن نتائج الانتخابات النيابية أوصلت لبنان الى مشهد معقّد داخليا، ولكن هذا لا يمنع التوافق.
ويرفض حزب الله بحسب بالاوساط المطلعة على مناخه أن يأتي رئيس بعد خضّة أمنية، وبرأي الحزب أن الوضع الامني مستقر وينبغي أن تحصل انتخابات رئاسة الجمهورية بأسرع وقت ممكن والتوقف عن التهديد بخضات.