مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
يدخل مصطلح “النساء الوسيطات” الى معجم الوساطات الديبلوماسية العالية المستوى والى التيسير في النزاعات المحلية الى الشرق الاوسط من باب ضيق، فقرار مجلس الامن رقم 1325 حول المرأة والامن والسلام الصادر في العام 2000، بدأ تطبيقه عبر مبادرات المنظمات الدولية والافراد انما بشكل خجول
اعترف هذا القرار للمرة الاولى بدورالمرأة الفعال كمفاوضة ووسيطة وميسرة متساوية مع الرجل. وتشير دراسات عدة صدرت عن منظمات دولية منها هيئة الامم المتحدة للمرأة الى وجود “ادلة قوية تشير الى ان مشاركة المرأة النشطة في مفاوضات السلام لها تأثير ايجابي على استدامة السلام وجودته، وتساهم في احتمالية التوصل الى اتفاقية سلام وتنفيذها بنجاح”. ويشير تقرير “مشاركة المرأة في جهود الوساطة المحلية: دروس من العراق وليبيا وسوريا واليمن”، الى انه “لطالما اضطلعت المرأة بدور رئيسي في الوساطة لحل النزاعات داخل العائلات والقبائل والمجتمعات المحلية، كما تواصل القيام بذلك الدور اثناء النزاع وبعده. فقد شاركت النساء اليمنيات، على سبيل المثال، في المفاوضات في شأن تأمين ممرات على خطوط المواجهة على الصعيد المحلي والتي اسفرت عن عقد اتفاقات لوقف اطلاق النار وادارة الموارد. كما تفاوضت النساء السوريات مع العناصر المسلحة من اجل اطلاق الاسرى، فيما دفعت النساء الليبيات قضية النزوح الى صدارة مفاوضات السلام. وتوسطت النساء في العراق في قضايا مهمة بعد الصراع والمصالحة”.
على الرغم من هذا السجل الحافل لا تحظى مساهمات المرأة بالاعتراف والتقدير سواء من الجهات الفاعلة او من الجمهور، ويبقى دورها مخفيا يتم طمسه عمدا في كثير من الاحيان، فقط لانها امرأة.
تعتبر كارما اكمكجي في لبنان احدى الوسيطات في حل النزاعات، فهي التي رسمت خطا لها في المجال الديبلوماسي من خارج الاطار التقليدي، معروفة في لبنان كالمستشارة السابقة في الديبلوماسية والعلاقات الدولية لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري، وهي اليوم مستشارة في هيئة الامم المتحدة للمرأة ومحاضرة في شؤون الديبلوماسية والوساطة، وهي ايضا صاحبة مبادرة فريدة تحمل عنوان “ديبلو وومن”، اي المرأة الديبلوماسية وهي اطلقتها في العام 2017 عبر وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لخلق مجتمع لمن يخوضون الشأن الديبلوماسي من خارج الاطار المؤسساتي التقليدي سواء في الوساطات المحلية او الاعلام او الاكاديميا وسواها، وهي عضو في شبكة النساء الوسيطات في المتوسط.
في حديث الى “الامن العام” تشير اكمكجي الى وجود “نقص في لبنان والمنطقة في عدد النساء اللواتي يخضن الشأن العام والديبلوماسية والوساطة وحل النزاع”. وتشرح: “في العمل الديبلوماسي التقليدي هنالك مبعوث خاص يعينه رئيس جمهورية او رئيس حكومة لتحقيق مصالح بلد محدد عند بلد ثان، وايجاد حلول مشتركة، او سفير يعمل في وزارة الخارجية”.
المفهوم الجديد الذي تحاول كارما اكمكجي ايصاله، هو انه توجد مساحة تتسع لجميع من لديهم مهارات وخبرة وادوات تمكنهم لعب دور في الديبلوماسية. حتى الصحافة يمكن ان تلعب دورا في الديبلوماسية، وفي رأي اكمكجي ان الكثير من النزاعات التي نعيشها في المنطقة والمشاكل تتأتى من وراء بعض معالجات البيئة الاعلامية.
بالنسبة الى عملها كوسيطة، تنطلق اكمكجي من المفهوم التقليدي اي الوساطة “كفكرة لحل النزاع بين طرفين يتعذر التفاوض بينهما فتتم الاستعانة بطرف ثالث يكون وسيطا غير منحاز يدخل الى الوساطة بطلب من الطرفين، ويكون مزودا الخبرة الكافية ليقرب وجهات النظر. هذا المفهوم المعروف، نراه دوما في مشاكل عدة منها اخيرا ترسيم الحدود البحرية. تاريخيا، ان عدد النساء اللواتي قمن بالوساطة ضئيل ان لم يكن معدوما، فمعظم الوسطاء هم من الرجال ونحن نعمل قدر الامكان من اجل زيادة عدد النساء بالوساطة في عالمنا العربي”.
يرتكز عمل اكمكجي على كيفية استخدام الوساطة من اجل حل المشاكل الصغرى التي نواجهها اليوم في لبنان وفي عالمنا العربي.
تشير الى “ان الوسيط الاهم في لبنان حاليا هو المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وفي رأيي فان بروفيل الوسيط الناجح هو ان يتميز بالتكتم، وان يحظى بثقة الاطراف، بالمرونة، وبعدم الانحياز وعدم اقحام رأيه في القضية”.
لكن هذه المواصفات تنطبق ايضا على الديبلوماسيين او المبعوثين الديبلوماسيين التقليديين الذين يعملون من ضمن وزارات الخارجية في العالم، فلم البحث عن بدائل لهم؟
تجيب اكمكجي: “يوجد الكثير من العمل حول العالم، والديبلوماسية التقليدية لا تتمكن لوحدها من حل القضايا كلها. توجد في الوساطة مسارات متعددة: يبدأ المسار الاول حين يطلب طرفا النزاع رسميا احدا من الدولة للقيام بالوساطة فيقصدون الديبلوماسيين التقليديين، لكن حين يقومون بمسار ثان غير رسمي، من دون اعلام ولا يريدان الظهور كدولتين تتحاوران بشكل رسمي، عندها تلجأ الدولتان الى وسطاء او وسيطات مستقلين، وهذا ما يحصل الان على سبيل المثال لا الحصر في المفاوضات بين المملكة العربية السعودية وايران، حيث لم تبدأ المحادثات على مستوى الديبلوماسية بل على مستويات اخرى وهي تتدرج الى المستوى الديبلوماسي. يهيء هؤلاء الوسطاء الارضية وهم يكونون دوما الطرف الثالث”.
من بين اهم النساء الناجحات في هذا الاطار، تذكر اكمكجي السفيرة كارولين زيادة وهي مبعوثة الامين العام للامم المتحدة في كوسوفو، والديبلوماسية الاميركية ستيفاني ويليامز التي عملت في ليبيا. تقول اكمكجي: “هنالك نساء يعملن في الوساطة في مناطقهن على نطاق البلديات والقرى والجمعيات. تعمل تلك النساء في حل النزاعات وتنتمين الى مختلف القطاعات، فمنهن طبيبات او معلمات مدرسة او نساء متقدمات في السن يعرفن مختلف الاطراف ويساهمن في بناء السلام في نطاقهن الجغرافي”.
وسط الانهيار كم يلاقي هذا المفهوم قبولا لدى الجمهور؟ تقول اكمكجي: “ان هذا المفهوم لا يلاقي جمهورا وقبولا الا في ظل الانهيار والنزاعات والمشاكل والتوترات لأن الناس تسعى الى ايجاد حلول للمشاكل، وبالتالي علينا ان نكون خلاقين في كيفية حل مشاكلنا، لذلك علينا اعطاء فرص للمرأة الوسيطة”.
لا تعمل اكمكجي في مجال الوساطة في هيئة الامم المتحدة بشكل تقليدي، وتلتزم الكتمان في ما يخص تفاصيل عملها، وهي خاصية رئيسية مطلوبة ممن يخوضون هذا المجال. لكنها تسعى الى مبادرات تدفع بهذا المفهوم الديبلوماسي الصعب قدما بوسائل تخاطب فيها الجمهور وخصوصا الشرائح العمرية بين 18 و35 عاما.
فكرة “الدبلو وومن” هي مبادرة خاصة اطلقتها اكمكجي في العام 2017 من اجل رفع الوعي لاهمية دور النساء في مجال الديبلوماسية في المفهوم الواسع: “لا تحتاج هذه المبادرة لتأسيس جمعية مع علم وخبر بل تكتفي بتشبيك هؤلاء الناس مع بعضهم البعض، وخلق فرص لهم وتمكينهم من الوصول الى مصادر الارشاد والتوجيه”، تقول اكمكجي، مضيفة “الديبلو وومن هي خلق مجتمع يؤمن بدور المرأة بالامن والسلام والديبلوماسية وبحل النزاعات والوساطة لتقريب وجهات النظر”.
ان التجسير بين هؤلاء الاشخاص ورفع نسبة الوعي لا ينحصران بلبنان: “لقد توسع هذا المجتمع، وبات لديه برنامج اذاعي “ديبلوومن بودكاست” بتمويل من هيئة الامم المتحدة للمرأة، وبدعم من معهد عصام فارس في الجامعة الاميركية في بيروت. وقد استضاف هذه البودكاست نساء رائدات في هذا المجال، ربى محيسن التي تم ترشيحها لجائزة نوبل 2022، وهي سورية لبنانية تعمل في مجال النزوح السوري، الشيخة انتصار الصباح وهي تعمل مع نساء في العالم العربي يعانين من تجارب مؤلمة، وناشرة الفايننشال تايمز رلى خلف، ورندة سليم وهي خبيرة لبنانية ولها خبرة عالمية في الوساطة، لينا ابي رافع وهي رائدة في العالم في ما يخص حقوق النساء. هذا المجتمع يتطور تلقائيا وبشكل طبيعي، وكثر من الشبان والشابات اختاروا هذا المجال”.
تنشر اكمكجي هذا المفهوم الجديد للعمل الديبلوماسي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالتعاون مع مصممي ازياء ومجوهرات ومحال شوكولا “لانها قطاعات منتشرة في قطاع الشباب”. هذه التوأمة، تفيد في الانتشار للجمهور العريض. طالما كانت اجندة المرأة والسلام والامن نخبوية وبعيدة من النطاق العام والشعبي، تقول اكمكجي: “انا اسست هذه المبادرة من اجل السعي الى نشر هذا المفهوم بمعناه الجماهيري العريض، والشخص العادي لن يفهمها بين ليلة وضحاها، بل ستتطلب ذلك وقتا. هنالك رابط طبيعي مع القرار 1325 الصادر عن مجلس الامن الدولي من دون الضرورة بالتحدث عن دقائق هذا القرار”.
تضيف: “اسعى لأن يدخل الجيل الجديد في هذا المجال. العمل هو خارج اطار العمل المؤسساتي التقليدي وعبر التجسير بين هؤلاء الاشخاص لدمجهم في مجتمع خارج اطار مفهوم الديبلوماسية التقليدية من دون تخطي هذه الديبلوماسية بطبيعة الحال”.