مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
يعتبر قسم الشؤون المدنية في اليونيفيل مصدر التفاعل الرئيسي لحفظة السلام مع البيئة المحلية في جنوب لبنان من سكان او سلطات محلية وازنة وفي مقدمها البلديات والمخاتير، فضلا عن انه القسم الاساسي لتمويل انشطة تنموية وثقافية مهمة
تقدم وحدات اليونيفيل المساعدة في الخدمات الطبية وطب الاسنان والطب البيطري وغيرها من الخدمات المماثلة مجانا للسكان المحليين. بالاضافة الى ذلك، تقدم اليونيفيل برامج تدريبية مختلفة للسكان في مجالات مثل التعلم على اجهزة الكومبيوتر واتقان اللغات وصنع الخبز والحياكة واليوغا والتايكواندو.
يشرح رئيس هذا القسم الباقر ادم عمله في حوار مع “الامن العام”. الباقر ادم موظف مدني في الامم المتحدة خدم في بلده في السودان في وزارة الداخلية في القسم المتخصص بالشؤون الخارجية لعشرة اعوام، وكانت الوظيفة الاممية الاولى له في العام 1995 كالمندوب السامي للاجئين في المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين، وتنوعت مهامه ضمن اطار المفوضية في ليبيريا وفي ساحل العاج وانغولا، وانتقل الى المقر الرئيسي في جنيف ومنها الى البانيا وكوسوفو وصربيا ثم انغولا مجددا والتحق بعدها بمهمة حفظ السلام في كوسوفو “اليونيميك” حيث بقي 6 اعوام. عمل للمرة الثانية في شاطئ العاج ثم انتقل الى لبنان في نهاية العام 2008. اشتغل في جنوب لبنان مع اليونيفيل، ليتركها ويلتحق بمنظمة الاسكوا في بيروت حيث بقي 6 اعوام وكان امينا للسر للامينة التنفيذية. ثم طلبته اليونيفيل ليكون رئيسا لقسم ادارة الخدمات المدنية في العام 2013.
* كيف تعرّفون قسم ادارة الخدمات المدنية والمهام التي يضطلع بها؟
– تم استحداث قسم ادارة الخدمات المدنية في مهام حفظة السلام في العام 2000، وكان نائب الامين العام للامم المتحدة انذاك الاخضر الابراهيمي هو صاحب هذه الفكرة التي نفذها بادارة الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي انان، معتبرا ان الدول الاعضاء التي تضطلع بعمليات حفظ سلام بتفويض من مجلس الامن لا بد من ان ترصد ميزانية لمساعدة المجتمعات المحلية في القرى والبلدات، ولحثهم على تقبل وجود عسكريين غرباء على ارضهم ولو كانوا من حفظة السلام.
* هل انت الاول في هذا المنصب؟
– كلا، تسلم هذا المنصب قبلي مسؤول بولندي ثم عينت فيه في العام 2013، وبمرور الزمن ارتفعت الميزانية.
* كيف تدرج قسم الخدمات المدنية في الجنوب واي نطاق جغرافي تشمل خدماته وما هي تقديماته؟
– تأسس هذا القسم في لبنان في العام 2006 بعد حرب تموز، وهدف الى مساعدة المجتمع المحلي وخصوصا في فهم القرار 1701 على انه قرار مفيد للبنان ويوضح اكثر لم المجتمع الدولي موجود في هذه البقعة الجغرافية من العالم من الناحية العسكرية، وهو يقيم علاقات مع المجتمع المحلي سواء مسؤولي بلديات او مخاتير او حتى مؤسسات مدنية سواء من الشباب او من النساء. الاهم في الموضوع، هنالك استثمار من الامم المتحدة غير مرئي للكثير من الناس. توجد ميزانية قدرها 3 ملايين ونصف مليون دولار اميركي نخصصها سنويا لهذه المنطقة الصغيرة الممتدة من جنوب نهر الليطاني وصولا الى الخط الازرق. تقدم الامم المتحدة نصف مليون دولار، فيما تقدم الثلاثة ملايين الدول المانحة، وخصوصا ايطاليا واسبانيا وكوريا الجنوبية. توجد في هذه المنطقة 145 بلدية، ويبلغ تعدادها نصف مليون نسمة تقريبا. ينبغي التذكير بأنه لدينا في الجنوب 48 بلدة. من المهم ان يفهم الناس ان الجيش اللبناني هو شريك استراتيجي لنا، ومن المفترض ان يعاوننا في مهمتنا في جنوب الليطاني 15 الف عسكري لبناني، لكن ويا للاسف ليس معنا الا الفين. وبالتالي يجب ان تكون لنا يوما ما استرتيجيا انسحاب، وسيأتي يوم وتنتهي هذه المهمة ويعود عسكرنا كل الى بلده.
* كيف يتم التنسيق بينكم وبين الجيش اللبناني؟
– نحن نتعاون بشكل وثيق مع الجيش اللبناني على مستويات عدة. ليس الامن حواجز تفتيش فحسب، بل هو يشمل في نظرنا الامن الغذائي والاجتماعي. فاذا كانت المدرسة متوقفة لا تستقبل تلامذة والعيادة غير صالحة لاستقبال الناس فان المشاكل الامنية ستتزايد حتما، ونحن لاحظنا ذلك مع تدهور الاوضاع الاقتصادية. فالامن هو امر مترابط بين معنويات الناس ونفسياتهم وبين الاقتصاد والخدمات التي تقدم لهم. نحن نعمل بشكل كبير في مجال الخدمات. سجل ارشيفنا الذي يعود الى حقبة سبعينات القرن الفائت انه كان يوجد 150 كيلومترا فحسب من الاسفلت في تلك البقعة بينما تصل نسبة الاسفلت اليوم الى 5 الاف كلم.
* طرح الاخضر الابراهيمي هذه الفكرة في العام 2000 فلم تأخر وصول هذا القسم الخدماتي الى لبنان الى ما بعد حرب تموز 2006؟
– يجب التذكير بأنه حين اقرت هذه الفكرة التي طرحها الاخضر الابراهيمي كان عدد عمليات حفظ السلام حول العالم يبلغ في تلك الحقبة 35 بعثة، وهي ليست مخصصة للبنان فحسب. وبالتالي، ونحن نجري هذا الحوار توجد 12 بعثة حفظة سلام في العالم فحسب والحمد لله، والبقية اغلقت مثلا في جورجيا وبلدان اخرى.
* هل يمكنك ان تقدم لنا جردة بالمساعدات والخدمات التي يتم تقديمها في جنوب لبنان من العام 2006 ولغاية اليوم، خصوصا وان عملكم تضاعف بعد العام 2006 ومنذ قرابة العامين طلبت قرارات مجلس الامن حول القرار 1701 من اليونيفيل مباشرة الاسهام في المساعدة الاجتماعية؟
– اود اولا تقديم بضع ارقام: منذ العام 2006 لغاية اليوم قدمت الامم المتحدة 7,2 ملايين دولار اميركي، اما المبلغ الذي قدمته الدول الاعضاء فبلغ منذ ذلك الحين 47 مليون دولار. ان معظم هذه الاموال تذهب للمتابعة الميدانية مع رؤساء البلديات ووزارات التربية والبيئة والزراعة وامر التنفيذ يصدر مباشرة من عندنا. لقد اسهمنا في تهيئة العديد من المدارس وخصوصا لفصل الشتاء، كذلك جهزنا مراكز صحية واجتماعية حيث يوجد اكثر من 220 مركزا اسهمنا في تأهيلها، وقمنا بالكثير من التدريبات لنهضة الجمعيات التعاونية ورفع وعي الشباب في مسائل مختلفة. هنالك الكثير من العمل ايضا. وقد اسسنا مع الجيش اللبناني وحدة التعاون العسكري والمدني “سيميك”، ولبنان هو البلد الوحيد في العالم تتواجد “السيميك” ضمن اراضيه. تساعد “السيميك” في تنفيذ مشاريع عدة في الشمال والبقاع والجنوب، وفي اعانة الاسر الفقيرة وتتدخل في حال حصول كوارث طبيعية.
* لماذا اسست في داخل لبنان؟
– لاننا لاحظنا حاجة الى ذلك. لدينا عدد كبير من البلدان صاحبة الخبرة وخصوصا بلدان “الناتو”، اردنا ان ننقل هذه الخبرة الى الجيش اللبناني، ونجحنا بالفعل وتم تأسيس ثلاثة مراكز في الشمال والبقاع وفي مرجعيون. هنالك الكثير من المساعدات في ما يتعلق بتأهيل الطرق، وتم تزفيت الكثير من الطرق، بالاضافة الى مشاريع مختلفة في القرى والبلدات. فمنطقة عمليات اليونيفيل مقسمة الى قطاعين: شرقي وغربي، وان معظم الامور المتعلقة بالري جرى التعاون فيها مع ادارة المياه الموجودة في صيدا، لاننا لا نقوم بأي مشروع لوحدنا بل نشرك المؤسسات الحكومية اللبنانية لاننا في النهاية نحتاج الى مشاريع مستدامة وان تكون بحسب المواصفات والمعايير اللبنانية، فلا جدوى من القيام بأي مشروع لا تتمكن البلدية من متابعته. كذلك، بذلنا جهدا ملموسا في ما يخص موضوع النفايات. ان معظم البلديات تقوم بالفرز، وتوجد مجمعات عدة ولدى زيارة القرى والبلدات نعرف انه لا توجد اي مشكلة بسبب مشاريع كثيرة تتعلق باعادة التدوير، وقد انجزنا هذه المشاريع بالتعاون مع منظمات الامم المتحدة منها صندوق الامم المتحدة الانمائي وبالتعاون مع البلديات.
* ماذا عن تدريب النساء؟
– هنالك شرط اساسي يضعه المقر الرئيسي في نيويورك يتمثل بضرورة تخصيص 15 في المئة من ميزانيتنا للمشاريع المتعلقة بالنساء، وهذا امر مهم وتتم مراجعته سنويا. في الواقع، تخطينا نسبة الـ30 في المئة في هذا المجال. لدينا لجان نسائية في بنت جبيل ومرجعيون وصور، ونقوم بتدريبات تساعد النساء على اكتساب مهارات التسويق والطهي وتسويق منتجات الاعمال اليدوية، فضلا عن تعليم اللغات الانكليزية والفرنسية والاسبانية والايطالية، ويوجد تدريب مثلا على المطبخ الايطالي. يقوم الكوريون والهنود ايضا بتدريبات، واقمنا صالتي سينما في صور. التدريب الاخير كان لمساعدة الصيادين في مواضيع الامن حين يغطسون في المياه.
* ماذا عن التعاون مع الامن العام اللبناني؟
– يعتبر الامن العام اللبناني بالنسبة الينا مثل الجيش اللبناني، نعمل معهم كثيرا في ما يتعلق بالعبور عبر الحدود، وقمنا معهم بتدريبات على اعمال تقوم بها الشرطة مع ايطاليين واسبان وفرنسيين وهي تشمل ايضا قوى الامن الداخلي. وقد قدمنا هبة للامن العام تتضمن معدات تكنولوجية وسيارات وحواسيب. لكن ينبغي الاشارة الى ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم يساعدنا في مسائل كثيرا، وخصوصا حين تحدث مشاكل بين عسكرنا وبين بعض السكان في ما يتعلق بالدوريات، وهو يساعدنا ايضا في ايجاد الحلول بسبب علاقاته الواسعة مع الجيش اللبناني ومع رؤساء البلديات، وطالما آزرنا في حلحلة مشاكل كثيرة.
* هل ان وجودكم وعملكم في جنوب لبنان خفف من حدة المشاكل بين المجتمعات المحلية من جهة واليونيفيل من جهة ثانية؟
– في الاساس، لم تكن توجد حدة على مستوى كبير، الا ان الاعلام يقوم بتكبير كل الامور. هنالك مشاكل بطبيعة الحال، اذ لا يجب ان ننسى انه لدينا يوميا 450 نشاطا وهو عمل مكثف ضمن هذه البقعة الصغيرة، وبالتالي من الطبيعي ان يعبر البعض عن انزعاجهم. لكن، والحمد لله انه يتم احتواء كل الامور. بطبيعة الحال اننا نلعب دورا في التهدئة، اذ بمجرد وقوع مشكلة يتحرك القسم المدني المنوط به الاتصال برئيس البلدية ولجنة الامن في الضيعة والمختار لمعرفة حيثيات ما حصل. نحن نقوم بهذه الوساطة لكي نفهم ماهية المشكلة وننقل المعطيات للقيادة العسكرية. اعطي مثلا: كانت بعض الدوريات تتم ليلا في الساعة الثامنة او العاشرة ليلا، فعبّر اناس عن انزعاجهم فتم توقيفها في هذا التوقيت لأنهم يكونون نياما، وتم تغيير مسارها الى طريق عامة وعدم الدخول في الزواريب.
* هل يتدخل القسم المدني في القضايا التي يحصل فيها عنف جسدي؟
– ينحصر دورنا في تلطيف الجو. اعطي مثالا، توجد مشاكل عادة ولتجنبها نعمل على معرفة سبب المشكلة، ولماذا حصلت. نعمل في مجال التوعية ولدينا متخصصون في التواصل، ونرسل رسالة موحدة الى جنودنا بتجنب اي مواقف تسبب حساسيات، وان يقوموا مسبقا باخطار رئيس البلدية كي لا يتم اعاقة حركتهم او التوجس منها.
* كيف تقارن علاقة اليونيفيل بالسكان المحليين منذ 12 عاما ولغاية اليوم هل تحسنت ام تراجعت بعد العام 2006؟
– بصراحة ان العلاقة تحسنت لاننا اجتهدنا كثيرا بتوفير دروس للعسكر تتعلق بالتوعية، نشرح لهم عادات اللبنانيين الجنوبيين خصوصا وتقاليدهم، فنخبرهم مثلا انه لا يمكن عقد اجتماع يوم الجمعة والناس تقصد الصلاة، او يوم الاحد. كذلك لا تجوز مصافحة السيدات الشيعيات. كما نجمع المخاتير ورؤساء البلديات ونخبرهم عن ماليزيا وعاداتها وقوانينها وما هي الامور المشتركة، او كوريا الجنوبية او النيبال للتعرف الى عاداتهم. هذه ساعدت كثيرا. بصراحة نحن نستثمر الكثير من المال، 3 ملايين ونصف مليون في هذه البقعة الصغيرة ليس بالمبلغ القليل. في الناقورة لم تكن توجد صيدلية حين جئت الى لبنان، ولا سوبرماركت بل تقصد الناس مدينة صور، بينما اليوم تحفل المنطقة بالصيدليات والمتاجر في كل الضيع. سكان المنطقة قاموا بهذه الاستثمارات لأن وجود اليونيفيل ثبت الامن، وصارت توجد ثقة من المغتربين باستثمار الاموال للبناء في القرى والبلدان، لاننا نجحنا في ايجاد بيئة جيدة وملائمة لذلك.
* في زمن الانهيار الاقتصادي كيف تغيرت طبيعة عملكم؟
– تغير عملنا لانها المرة الاولى صرت اقابل اناسا يطلبون موادا غذائية وادوية، وبدأت ارصد هذه الظاهرة منذ العام 2020، لكنني اريد ان اغتنم هذه الفرصة لتوجيه تحية للبنانيين في الخارج لانهم ساعدوا كثيرا ووقفوا الى جانب ذويهم. لكن الوضع اليوم افضل بكثير من العام 2020، واللبنانيون يتأقلمون بسرعة ويجدون حلولا.
* كيف تقيّم الوضع الامني في جنوب لبنان؟
– الوضع في جنوب لبنان آمن. وجنوب لبنان هو مركز الجاذبية للشرق الاوسط، لانه بالنسبة الى المجتمع الدولي فان اي مشاكل تقع في الجنوب لا تؤثر على لبنان فحسب بل على دول الشرق الاوسط برمتها.