مارلين خليفة
@marlenekhalife
تجتمع 5 دول افتراضيا في باريس غدا الاثنين لمناقشة الملف اللبناني وقد نال “اجتماع باريس” الكثير من التحليلات السياسية لأبعاده وتداعياته على الملف اللبناني، لا سيما وأن الدول المؤثرة في هذا الملف موجودة وخصوصا المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الاميركية وفرنسا ثم بدرجة ثانية قطر ومصر.
إن الثابت في أي اجتماع حول أي ملف دولي هو مدى تأثير هذا الملف على مصالح الدول المجتمعة، وكيفية تعزيز نفوذها في هذا البلد تحقيقا لمصالحها الاستراتيجية. وبالتالي، ليس التداول بالقضية اللبنانية، عمل برّ واحسان، بل لتأثيره على مصالح ونفوذ هذه الدول او حلفائها. فرنسا، التي تعاني انحدارا مذهلا في نفوذها في الشرق الاوسط من العراق الى سوريا ولبنان والآن علاقاتها المتدهورة مع ايران تريد أن تحافظ على موطئ قدم لها في هذا الشرق، لا يهمّ من هو الحليف إيران أو السعودية، المهم من يحمي هذا النفوذ الفرنسي. قطر من جهتها، هي سيدة الدبلوماسية الناعمة، تحاصر كما شقيقاتها الخليجيات بلدا كلبنان، مبعدة عنه أي مساعدات حيوية (إلا بطلب أميركي مباشر كما حصل في مساعداتها الغذائية للجيش اللبناني) وتبقى بعيدة من الدخول في أية مشاريع جانبية مع مؤسسات أو منظمات مدنية، تريد الدوحة شراكة استراتيجية مع الدولة اللبنانية واستثمارات وعقود طويلة الأجل في مرافق حيوية، لعل الاستثمار في الغاز والنفط أولاها، وقد تمكنت من العثور على شراكة استراتيجية مع توتال الفرنسية وإيني الايطالية بعد أن اطمأنت الى المباركة الاميركية الاسرائيلية إثر التوصل الى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، لكنّ الامارة الصغيرة لن تتوغل أكثر في الملف اللبناني، ولن تبذل تضحيات كما في زمن اتفاق الدوحة، فهي قلّبت الملف اللبناني وتعرف الوجوه الحقيقية للمسؤولين اللبنانيين، كل ما يهمها الاستثمار والمصالح الاقتصادية والمالية والحضور في شرق البحر الابيض المتوسط. أما الولايات المتحدة الاميركية، فلها اهتمام وحيد يتمثل بالحفاظ على مصالح اسرائيل، والتعاون مع اي شريك استراتيجي في لبنان يحمي هذه المصالح، وتبدأ المروحة من الحلفاء التقليديين ولا تستثني حزب الله مع حفاظها بطبيعة الحال على حال العداء ولوائح العقوبات ضده، وهي عدّة الشغل المطلوبة، فلا ضير من تحقيق المصالح والعقاب ما دام لا أحد قادر على محاسبتها.
نصل الى مصر، فالدبلوماسية المصرية العريقة تميل أكثر اليوم الى المواقف وليس الافعال، تصطف في الدار الخليجي، من غير قدرة على فرض أي رأي خاص بها، صحيح أن مصر ساعدت لبنان كثيرا وخصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت، لكن للدولة العربية العريقة حدود في إمكانية التدخل في ملف شائك كلبنان.
السعودية هي العمق العربي اليوم وتسعى الى مأسسة العلاقة مع لبنان
ربما تكون المملكة العربية السعودية هي الوحيدة التي باتت تتعامل مع لبنان بمزيج من مصالح استراتيجية وحرص على إعادة تكوين هذا البلد بما يتماشى مع العمق العربي الذي نصّت عليه رؤية أميرها المحدّث رئيس مجلس الوزراء وولي العهد محمد بن سلمان بن عبد العزيز.
ثمة معايير تعيد المملكة العربية السعودية الى دعم لبنان، تسعى السعودية الى تحقيقها منذ العام 2016، وهي لم تتنازل عنها ولن تفعل مهما عصفت الازمات بلبنان، إن لم تتحقق فهي مستمرة ببعض الدعم الانساني ومنها عبر مؤسسات انسانية كمؤسسة الملك سلمان بن عبد العزيز أو عبر صندوق التعاضد مع فرنسا، لكن الاستثمار في لبنان يحتاج الى المزيد.
طوت المملكة نهائيا مع الامير محمد بن سلمان سياسة الماضي التي تعاملت مع اللبنانيين على اساس العواطف “فأخذتها العواصف” كما يقول المثل اللبناني، لذلك يريد المسؤولون فيها مأسسة العلاقة مع لبنان كدولة ومؤسسات. سئمت السعودية من تحذير اللبنانيين من مخاطر اهمالهم لبناء مؤسسات قوية، وهي سعت منذ كانون الاول ديسمبر 2021 الى تصحيح العلاقة الثنائية بشكل مستدام عبر انشاء لجنة عليا مشتركة سعودية لبنانية تسعى لتوقيع اضخم مشاريع مشتركة في تاريخ العلاقات الثنائية الممتدة منذ اعوام. وكانت المملكة أوفدت بعثة من أهل الاختصاص إلى لبنان تحضيراً لاجتماع اللجنة اللبنانية – السعودية المشتركة في الرياض وعلى جدول أعمالها التوقيع على 22 اتفاقية لوضع لبنان على سكة الدول المتطوّرة وكان ذلك عام 2016، لكن المماطلة والتسويف حالا دون التحضير كما يجب لهذه الاتفاقيات للتوقيع عليها بين البلدين لتصبح نافذة.
في وقت سابق، عملت السفارة السعودية في لبنان بقيادة السفير وليد البخاري على مدى عام وثمانية اشهر على مواضيع حيوية تبدأ بدعم لبنان بالاستثمار والتجارة والاقتصاد والنفط والامن والطبابة والسياحة والتعليم والنقل البري والبحري والجوي، وقدم وفد من مجلس الشورى السعودي لزيارة لبنان وذلك في حزيران 2019، والتقى بالرؤساء الثلاثة وشرح كل المخاطر والتهديدات للمساعدة في تحقيق التزامات المملكة ورؤيتها للبنان دولة متطورة وعصرية، كل ذلك بقي بلا اي صدى. بات المسؤولون في المملكة العربية السعودية على قناعة راسخة بأن أي حلّ في لبنان لا يكون بمعالجة التفاصيل أو الاستحقاقات الآنية، بل في عملية جراحية جذرية يقوم بها أطباء لبنانيون. إن أيقن المسؤولون في لبنان أن عمقهم عربي تحلّ نصف المشكلة أو اكثر، هذا العمق العربي هو أساسي في رؤية المملكة الحديثة ونصت عليه رؤية 2030.
الحل ليس بمعالجة التفاصيل، لا يتحمل لبنان معالجة التفاصيل وفق رؤية المملكة.
في هذا السياق طالما دعا المسؤولون في المملكة العربية السعودية وعبر سفارتهم في لبنان الى عدم المراهنة على الوقت لتغيير الموقف السعودي لأن ذلك لن يحصل، وطلب المسؤولون في المملكة من هؤلاء الجلوس وتحديد خياراتهم بمعزل عن أية اجندة خارجية، وتحملهم نتائج هذه الخيارات مهما كانت. تريد الممكلة العربية السعودية أن يكون لبنان ضمن شركائها الاسترتيجيين وفق رؤية 2030 لكن من الامور التي تصر عليها هي عدم رغبتها بالتعاون مع فاسدين، فالمملكة العربية السعودية لن تشارك في دعم قيادات انخرطت في فساد سياسي او مالي وقد ابلغت هذا الامر للإيليزيه وللاميركيين وللمعنيين. يتوافق موقفها في السياسة الخارحية مع رؤيتها الداخلية التي نصت على انتهاج الشفافية وجاء في النص:” لم نتهاون أو نتسامح مطلقا مع الفساد بكل مستوياته سواء أكان ماليا ام اداريا”. فإذا كان هذا شرط لنهوض المملكة فلن يكون استثناء للبنان او لسواه.
لا هوية سعودية لرئيس لبناني!
أما الاهم وسط الانسداد في الاستحقاق الرئاسي فهو هوية رئيس الجمهورية المقبل الذي تريده السعودية للبنان، ومن المخيب للآمال كثر معرفة أن المملكة العربية السعودية لي لديها هوية لشخص محدد وأنه لا يهمها الاشخاص بل النهج الذي سيمارسونه. ما تقوم به المملكة عبر دبلوماسيتها النشطة من لبنان الى باريس الى نيويورك هو توصيف سياسات محددة تبدأ بسياسات النأي بالنفس، مرورا بالاستراتيجية الدفاعية وصولا الى تطبيق قرارات مجلس الامن الدولي، وبالتالي فإن كل الاسماء مطروحة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار. الامر سيان بالنسة الى هوية رئيس الحكومة المقبل، فمن غير المقبول رئيس حكومة عليه شبهات فساد أو منخرط في نهج بعيد من العمق العربي للبنان. ومن يريد التعمق اكثر في معايير المملكة عليه العودة الى وثائق منشورة: مخرجات اعلان جدّة، البيان الثلاثي في الجمعية العامة للامم المتحدة مع فرنسا والولايات المتحدة الاميركية في ايلول 2022 ونص المبادرة الخليجية المعروفة بالورقة الكويتية.
هذه الرؤية السعودية هي التي حددت اجتماع باريس الافتراضي الاثنين في 6 شباط الجاري، إذا طبقت يخرج لبنان من عنق الزجاجة وإلا فليبحث المسؤولون فيه عن عمق آخر غير العمق العربي يجدون فيه الحضن المريح والسند المضمون.