“مصدر دبلوماسي”
لينا أيوب
تشغل فكرة دمج الذكاء الاصطناعي في العلاقات الدبلوماسية بين الدول صنّاع السياسات. وقد وضعت حكومات الدول في جدول أعمالها للأعوام القليلة الآتية المتقدمة العمل على تنفيذ حلول الذكاء الاصطناعي في السياسة الخارجية مع الدول الأخرى. ويدور اليوم النقاش بين الخبراء في السياسة مع العلماء حول رسم مستقبل العلاقات الدولية، ونقطة تحولها من منظومة تقليدية إلى منظومة يحكمها نظام رقمي متطور يقوم بأداء دوره التحليلي والتشغيلي والتنبؤي والاستباقي للتغيرات وهو نظام الذكاء الاصطناعي.
ما هو الذكاء الاصطناعي؟
وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الذكاء الاصطناعي ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، الذكاء الاصطناعي هو نظام قائم على الآلة، يمكنه اكتساب المعرفة وتطبيقها بسلوك يحاكي الذكاء البشري. ويتضمن هذا مجموعة من المهام المعرفية محددة الأهداف، مثل الاستشعار ومعالجة اللغة الشفوية والتحليل والتعلم والتنبؤ واتخاذ القرارات وإثبات القدرة على القيادة في المواقف. تجمع الأنظمة الذكية بين تحليل كميات هائلة من البيانات والحوسبة الرقمية والتواصل بين آلتين.
بناءً على تعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للذكاء الاصطناعي، ندرك أنّ الذكاء الاصطناعي يحاكي الدماغ البشري. وبهذا، يمكننا القول إنّه يسابق القدرات البشرية في معالجة الكم الهائل والمعقد من البيانات وتحليلها في قطاعات عدة، منها قطاع الرعاية الصحية والنقل والقانون والصناعة والتجارة وغيرها. حتى وجدنا الذكاء الاصطناعي في الإصلاحات الحكومية والسياسية الداخلية للدول.
ويتمتع الذكاء الاصطناعي بإمكانيات هائلة لزيادة الإنتاجية من خلال مساعدة الأفراد والمؤسسات على استخدام الموارد بشكل أعلى كفاءة والتنبؤ وإصدار التوصيات. ونذكر على سبيل المثال شركة أمازون التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي لتحسين شبكات التخزين والتوزيع. وهذا ما يجعل الدول تتنافس للسيطرة على صناعة الذكاء الاصطناعي أو لعب دور الريادة فيها.
وبذلك نرى أنّه يمكن للذكاء الاصطناعي إكمال القدرات البشرية، بل يتجاوزها في كثير من الأحيان. حيث هزم الذكاء الاصطناعي بطل العالم في الشطرنج، غاري كاسباروف، عام 1997. كما أثبت الذكاء الاصطناعي مهارته على البشر في ألعاب الطاولة والبوكر. ونرى أنه في الواقع بديلًا يفتح فرصًا جديدة للإبداع والابتكار في سبيل تحقيق مكاسب حقيقية في جميع المجالات وعلى مختلف الأصعدة.
الذكاء الاصطناعي: من الاستثمارات إلى الممارسات
بلغ حجم استثمارات الصين حوالي 2.6 مليار دول في شركات الذكاء الاصطناعي في العام 2016. كما أصدر مجلس الدولة الصيني اخيرا مجموعة توصيات تتعلق بتطوير الذكاء الاصطناعي، لتصبح الصين مركزًا عالميًا للابتكار في هذا المجال لحلول العام 2030. كما تم تأسيس التحالف الصيني للابتكار صناعة الذكاء الاصطناعي عام 2017.
أعلنت سنغافورة حديثًا عن وضع خطط لاستثمار أكثر من 100 بليون دولار في صناعة الذكاء الاصطناعي على مدى السنوات الخمس المقبلة. وفي الجمهورية الكورية، أعلنت شركة SK Telecom في العام 2017 عن استثمار 4.2 بليون دولار في صناعة الذكاء الاصطناعي.
وقد كان العام 2022 نقطة انطلاق بارزة في صناعة الذكاء الاصطناعي، مع تطورات واسعة عززت أسس هذه الصناعة في صناعات أخرى عدة. بينما لا يزال البعض يرون أن الذكاء الاصطناعي مجرد خيال علمي، نجده يفرض نفسه في الواقع لينضم إلى سلسلة منتجات سوق التكنولوجيا.
وقد تم إطلاق مبادرة الشراكة العالمية في الذكاء الاصطناعي GPAI في العام 2020 بهدف سد الفجوة بين النظريات والتطبيق في صناعة الذكاء الاصطناعي. وذلك من خلال دعم البحوث المتطورة والممارسات التطبيقية لحلول الذكاء الاصطناعي. تجمع اليوم هذه المبادرة 29 دولة، ومنها الأرجنتين وأستراليا وكوريا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. تعمل هذه المبادرة، وفق توصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول الذكاء الاصطناعي، على توفير آلية لمشاركة البحوث وتحديد القضايا الرئيسة المتعلقة بتطبيق الذكاء الاصطناعي بغية تسهيل التعاون الدولي.
تعرّف الى توصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي في السياسة الخارجية للدول الكبرى
تشمل مجموعة أدوات الذكاء الاصطناعي صنع السياسات والعلاقات الدبلوماسية الثنائية ومتعددة الأطراف وجمع البيانات وتحليلها. فدخل نظام الذكاء الاصطناعي مجال صنع السياسة الخارجية للدول كأداة رئيسة في العلاقات الدولية والمفاوضات الدبلوماسية. وذلك في مجالات الأمن الدولي واستخدام الأسلحة المؤتمنة الذاتية ومراقبة الاتفاقيات والتعهدات المبرمة والأمن السيبراني ومراقبة التهديدات والحرب والتنبؤ بها.
ولقد سجل الذكاء الاصطناعي دخوله إلى وزارات الخارجية في العديد من الدول الكبرى مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وغيرها. وقد أفادت الحكومة الروسية أن الذكاء الاصطناعي سيحدد “حكم العالم” في المستقبل. كما وقّع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على أمر تنفيذي لتأسيس “مبادرة الذكاء الاصطناعي الأمريكية”.
تتكيّف الوزارات في الصين بسرعة ونشاط مع اتجاه دمج الذكاء الاصطناعي في صنع القرارات اليومية وتقديم المداخلات والاقتراحات والتوصيات. وذلك وفقًا لمجموعة من الشبكات العصبية المحاكية للشبكات العصبية في دماغ البشر والمؤهلة والمدرية في سبيل تقييم المخاطر والتنبؤ بالأحداث الكبرى مثل الهجمات الإرهابية والاضطرابات السياسية، مع اقتراح الحلول.
يسجل الذكاء الاصطناعي أعلى درجاته في العالم في أميركا الشمالية التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. مع احتلال أمريكا المرتبة الأولى عالميًا.
في الولايات المتحدة الأمريكية التي تعد الرائدة الدولية الأولى في عصر الذكاء الاصطناعي، يستخدم الدبلوماسيون الأمريكيون تقنيات الذكاء الاصطناعي. وذلك من أجل إجراء تغييرات وتعديلات في السياسة وتعزيز الشفافية والوعي. ووفقًا لتقرير مركز الأمن الأمريكي، هناك إمكانات كبيرة للذكاء الاصطناعي في الأمن القومي والسياسة الخارجية والعلاقات الدولية. كما أشار التقرير إلى مساعدة الذكاء الاصطناعي في سد الفجوة بين الدول عند المفاوضات وذلك بحل مسألة اختلاف اللغات. بالإضافة إلى قدرته في العمليات الدولية الإنسانية مثل مراقبة الانتخابات وتعزيز أمن البعثات الدبلوماسية حول العالم.
كما في كندا، دخلت الحكومة الكندية ميدان المنافسة في مجال صناعة الذكاء الاصطناعي. حيث استثمرت كندا 125 مليون دولار كندي عام 2019 لإنشاء مجمع بحثي في مونتريال وتورونتو وإدمنتون. وأعلنت كندا دخولها البوابة الأوسع للمشاركة في هذه الصناعة وتطبيق تقنياتها في السياسة والجغرافيا السياسية والاستثمار والتجارة.
وتأتي أوروبا الغربية لتسجل ثاني أعلى درجة في العالم في مجال تبني صناعة الذكاء الاصطناعي، وخصوصا في المملكة المتحدة وفنلندا وفرنسا. حيث شهدت السياسات الخارجية تحولات كبرى، مع تحول سياسات الدول إلى الخوارزميات لتحليل البيانات والتنبؤ بالأحداث. مما له تأثير كبير على عالم الأعمال والجغرافيا والسياسة والاقتصاد والعلاقات بين الدول. فمثلًا، عند اجتماع عدد من القادة، يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي تحليل لغة الجسد وتعابير الوجه وتغيرات نبرة الصوت والعبارات المستخدمة، وبالتالي التنبؤ بالتوترات التي قد تنشأ في الفترة المقبلة.
الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENA
أشار تقرير أوكسفورد إنسايت 2022 أنّ 5 دول فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد أعلنت تبنيها لاستراتيجيات الذكاء الاصطناعي بحلول العام 2020، وكان معظمها من الخليج. ونذكر على وجه الخصوص أن قطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية كانوا من أوائل الداعمي لتطوير صناعة الذكاء الاصطناعي. علمًا انّ هذه الدول تطمح لتكون رائدة في هذا المجال.
وفي العام 2022، انضمت لقائمة الدول 4 دول أخرى أهمها سلطنة عمان والمملكة الأردنية، وقد شهدت المنطقة نوعًا من التحول في رؤية الحكومات بشأن الذكاء الاصطناعي. إذ توسع فهم هذه الحكومات لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، وخصوصا في قضايا التنمية والتطوير مما يجعلها تطمح إلى منح الأولوية للذكاء الاصطناعي كقطاع بحد ذات، يسهم في تسريع التطوير والابتكار في القطاعات الاخرى.
على الرغم من تباين مستوى تعهد الحكومات في المنطقة في صناعة الذكاء الاصطناعي، نجد ان العديد منها تتطلع إلى دمجها في القطاعات الاقتصادية الرئيسة مثل الصناعة والتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية. على سبيل المثال، نذكر مشروع معالجة نقص المياه في القطاع الزراعي في مصر، حيث قام تنفيذ المشروع على استخدام مجموعة من تقنيات الذكاء الاصطناعي لوضع خريطة وراعية في البلاد. يقضي هذه المخطط إلى تقدير كميات المياه المطلوبة لري الأراضي وتقديم مساعدين افتراضيين جوالين للمزارعين.
ومع إطلاق المملكة الأردنية القانون الوطني للذكاء الاصطناعي، وتطوير مصر لميثاق الذكاء الاصطناعي، ونشر المملكة العربية السعودية لمسودة توصيات عن مبادئ وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، تبقى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تسجل أدنى مستوى في هذا المجال. لذلك، وبعيدًا عن أي خلافات داخلية، لا بدّ من التنسيق السياسي التعاوني بين هذه الدول في سبيل إنشاء مبادرات شراكة في المنطقة حول إدماج الذكاء الاصطناعي، على نسق GPAI.
تسهم هذه المبادرات التشاركية في بناء علاقات دبلوماسية فيما بين دول المنطقة، مما يمنحها القوة في المفاوضات الدبلوماسية. بالإضافة إلى منحها الاستقلالية والحماية من أي خرق للبيانات الخاصة في المستقبل. كما أنه من الحاجة الملحة اليوم لدول المنطقة تسريع عملية إدماج حلول الذكاء الاصطناعي، والاستثمار في الشركات المحلية المتخصصة.
إدماج الذكاء الاصطناعي في العلاقات الدبلوماسية بين الدول
الدبلوماسية هي مفهوم يقوم على تطبيق السياسة الخارجية، وهي مختلفة عن صنع السياسة. ومع أنّ الدبلوماسيين بإمكانهم التأثير في السياسة، إلا أن مهمتهم الأساسية هي التفاوض مع ممثلي الدول الأخرى. وهم الأدوات التي تحافظ بها الدول على الاتصال المباشر فيما بينها، فيكونون عيون حكومتهم وآذانها. للدبلوماسية 3 وظائف رئيسة وهي جمع المعلومات حول القيادة السياسية المحلية وحالة الاقتصاد المحلي وتقديم صورة ايجابية وتجنب الدعاية السلبية، وتطبيق السياسة عبر إدارة برامج الدولة في الخارج.
تدخل الدول مفاوضات دبلوماسية فيما بينها لاهداف متعددة. وتعتمد نتيجة المفاوضات على مدى تقارب هدف كل طرف مع اهداف الاطراف الأخرى المعنية بالمفاوضات.
مع مرور الزمن وتطور الاتصالات، تراجعت أهمية السفراء والدبلوماسيين الرسميين. واليوم، مع تطبيق حلول الذكاء الاصطناعي وتقنياته، نرى أن منظومة العلاقات بين الدول التقليدية والقائمة على التواصل المباشر عبر الهاتف والإنترنت والرسائل اليومية تتطور. وقد تنبأ الكثيرون بأنّ الذكاء الاصطناعي بأبعاده المتعددة سوف يحدث مزيدًا من التطور مما سوف يؤثر على الطريقة التي تدار بها العلاقات الدولية والمفاوضات الدبلوماسية.
الدبلوماسية في عصر الذكاء الاصطناعي
يشق الذكاء الاصطناعي طريقه في مختلف جوانب السياسة الخارجية للدول التي أصبحت قائمة على الخوارزميات التي تعنى في تحليل البيانات وتنبؤ الأحداث والتشاور مع الحكومات. من أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في السياسات الخارجية هي القدرة على إدارة توقعات الشعب في بلد آخر، وصنع القرارات بناءً على معطيات واضحة. بالإضافة إلى تحليل الخطابات والمواقف الرسمية والعلامات الواردة فيها.
وقد طرحت الصين نظاما للذكاء الاصطناعي حول السياسة الخارجية للصين يدعى “محاكاة البيئة الجيوسياسية ومنصات التنبؤ”. ويقوم هذا النظام بتزويد الدبلوماسيين ببعض التوصيات والإنذارات المتعلقة بالسياسة الخارجية للبلاد، بعيد تحليل كميات هائلة من البيانات. ويذلك، يساعد الذكاء الاصطناعي وتقنياته صناع السياسة على اتخاذ القرار المناسب بنسبة 80 في المئة، وتبقى النسبة المتبقية وهي 20 في المئة للذكاء البشري.
الذكاء الاصطناعي أداة للمفاوضات والتقارير الدبلوماسية
مصدر قوة:
وفقًا للفهم الكلاسيكي للسياسات الخارجية بين الدول، يتم تحديد مدى قوة الأطراف حسب المؤشرات الكمية التي يمكن تحليلها، سواء على المستوى العسكري أو الاقتصادي أو غيره.
ويسهم نظام الذكاء الاصطناعي في تحليل العديد من المؤشرات بشكل أسرع وأشمل. بالإضافة إلى قدرة تقنيات الذكاء الاصطناعي على التنبؤ بقوة الأطراف الأخرى الحالية والمستقبلية. ويمكن لهذا التحليل الآلي توليد قواعد تحليلية لوضع استراتيجي معين. ويمكن استخدام أنظمة إنذار الذكاء الاصطناعي المبكر كنقطة انطلاق في المفاوضات بين الدول.
فعلى سبيل المثال، تتبع الشركات عبر الوطنية التحليل الآلي للأخبار للحصول على المعلومات في أسرع وقت ممكن عند اندلاع الصراعات في مناطق يمكن أن تؤثر على نشاطها. وتساعد هذه التحليلات في تحديد اتجاهات الصراعات العامة والتنبؤ بتطورات هذه الصراعات أيضًا. وهنا نجد كيف يمكن الاستفادة من التحليل الآلي للأخبار في وضع استراتيجي معين.
على المستوى الاستراتيجي:
يتميز الذكاء الاصطناعي بقدرته على تحليل البيانات بشكل أسرع وأكثر موثوقية، مهما ازداد حجمها ومهما كان مصدرها. سواء كان مصدرها وسائل التواصل الاجتماعي أو أجهزة الاستخبارات أو البعثات الدبلوماسية حول العالم، يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي القيام بتحليل هذه البيانات آليًا.
وبذلك كلما زادت كمية البيانات المراد تحليلها، تزداد القيمة المضافة للتحليلات.
مما سيسهم في الكشف عن استراتيجيات الأطراف المشاركة في المفاوضات الدبلوماسية، وخاصّة تلك المتعددة الأطراف والمعقدة. كما يمكن لتقنيات الذكاء في هذا السياق تقييم وربط عدد أكبر من الإشارات المتعلقة باستراتيجيات الدول المعنية. مما يساعد المعنيين على التحقق من افتراضاتهم المسبقة وكشف نقاط الضعف والقوة عند الأطراف الأخرى.
كما أشارت الدراسات إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على التقاط إشارات تتعلق بالمشاعر، سواء كانت إيجابية أم سلبية. ونذكر على سبيل المثال، وزارة الشؤون الخارجية والتجارة الأوسترالية التي استفادت من تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في وحداتها. وتمكن الذكاء الاصطناعي من جمع البيانات من نصوص المحادثات عبر الإنترنت والأفراد والمجموعات المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي، والتقاط الإشارات فيها تحليلها وبالتالي الكشف عن مشاعر المستخدمين تجاه السياسة الأوسترالية الداخلية والخارجية. وهذا ما يقوم به فعلًا عدد من وزارات الخارجية في بعض البلدان مثل الدنمارك وألمانيا وفرنسا والولايات المتّحدة الأمريكية وغيرها.
على مستوى الشخصيات:
تتشكل ديناميات المفاوضات إلى حدٍّ ما من خلال التفاعلات الشخصية للمشاركين. ويسهم الذكاء الاصطناعي هنا في قدرته على إنشاء ملفات تعريفية للأشخاص بسرعة كبيرة مقارنةً بقدرة الأجهزة الاستخباراتية. وهذه الملفات التعريفية سوف تكون قائمة على الإشارات والبيانات المجموعة وعلى تحليلها لتقدم تصنيفات ذات قيمة وفائدة للشخصيات. وتجمع المعلومات والبيانات قبل تحليلها من النصوص والصور ومقاطع الفيديو والخطابات والتسجيلات الصوتية.
وبعد العمل على المستويات الثلاث، مصدر القوة والمستوى الاستراتيجي والشخصيات، نجد أنّ تقنيات الذكاء الاصطناعي تضع خرائط استراتيجية لانطباعات الدول المشاركة في المفاوضات، وأفكارها وآرائها، وتكشف عن نقاط ضعفها وقوتها. كما تتنبّأ بمسار المفاوضات واتجاهاتها. ويسهم هذا الاستدلال في صنع القرار وفي الكشف المبكر عن الأزمات الممكنة بين الدول.
الذكاء الاصطناعي في العلاقات الدبلوماسية: منافسة بين البشر والروبوت
مما لا شك فيه أن الذكاء الاصطناعي يظهر على جداول الأعمال الدولية. وعلى الرغم من القدرات الهائلة للذكاء الاصطناعي ومهاراته في إيجاد الحلول والتنبؤ بالأزمات، إلا أنه من الخطأ تفويض أحكام القيم السياسية إلى نظام آلي. ومع مختبرات الدمج الرقمي في الوحدات الحكومية، المفوّض الوحيد في تحديد أهداف أي مفاوضات دبلوماسية وطريقة التحضير لها وسيرها وإجرائها وإصدار التقارير الدبلوماسية هو الشخص الذي يتمتع بالشرعية للقيام بذلك.
يعمل الذكاء الاصطناعي بناءً على معطيات ومعلومات يزوده بها البشر. وبهذا المعنى، لا يكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي أن نحل محل الدبلوماسيين، بل تدعمهم وتسرع وتيرة عملهم في المستقبل. ويبقى الذكاء الاصطناعي في العلاقات الدبلوماسية أداة وعنصر تشكيل بيئة ملائمة، ولكن ليس الفاعل والقائد للمفاوضات والعلاقات الدولية. إذ لا يمكن أتمتة جميع الوظائف الدبلوماسية الأساسية، ولا يمكن برمجة المفاوضات، وإن كان بالإمكان تحويل بعض المعطيات إلى صيغ رقمية.
وبذلك، يكون الاتجاه اليوم واضح وجلي نحو تحضير الدبلوماسيين للتعامل مع تقينات الذكاء الاصطناعي وحلوله كأداة لتيسير العمل عبر أتمتة بعض الوظائف الدبلوماسية من جمع للبيانات وتشكيلها وتحليلها، مهما كانت صيغتها. إلا أنّه يجب الإضاءة على أنّ المفاوضات الدبلوماسية أوجدت لأهداف إنسانية، ولتشاور الدول فيما بينها. والكل يتفق على أنّ الذكاء الاصطناعي قد يحاكي الدماغ البشري في عمليته التشغيلية، إلا أنه لا يمكنه محاكاة التعاطف البشري وإن تحلى بمهارات التقاط علاماته وتحليلها.
في حال أثبت الذكاء الاصطناعي قدرته على تقديم الدعم الموثوق في المفاوضات الدولية وإدارة الأزمات والدبلوماسية العامة وغيرها، فإنّ مستقبل الذكاء الاصطناعي في العلاقات الدبلوماسية والدولية يبدو مشرقًا. وتصبح البيانات هي ذهب العصر، ويكون الذكاء الاصطناعي هو بطل المرحلة. والمستقبل سيكون لامعًا بشرط الأخذ بعين الاعتبار المبادئ القانونية والأخلاقية الدولية في استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي. وإلا ستكون سلسلة غير منتهية من الأزمات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية والسياسية بين الدول. ولا سيما الدول العظمى التي نراها اليوم في مباريات تنافسية في سبيل الحصول على الريادة في صناعة الذكاء الاصطناعي.
المصادر:
- Information Economy Report 2017.UNCTAD. Retrieved from: https://unctad.org/system/files/official-document/ier2017_en.pdf
- Growing the artificial intelligence industry in the UK. 2017.10.14.GOV.UK. Retreived from: https://www.gov.uk/government/publications/growing-the-artificial-intelligence-industry-in-the-uk
- Global Partnership on Artificial Intelligence.GPAI. Retrieved from: https://gpai.ai/
4.Artificial Intelligence & Responsible Business Conduct 2019. OECD. Retrieved from: https://mneguidelines.oecd.org/RBC-and-artificial-intelligence.pdf
- Artificial Intelligence in Asia and the Pacific. 13.11.2017. UNESCAP. Retreived from: https://www.unescap.org/sites/default/files/ESCAP_Artificial_Intelligence.pdf
6.Government AI Readiness Index 2022. Oxford Insights. Retrieved from: https://www.mintic.gov.co/portal/715/articles-273724_recurso_1.pdf
- The Role of Game Theory and Artificial Intelligence in International Relations.Amir Hooshang Mirkooshesh Zahra Sharifzadeh.2022.11.5.Journal of Positive School Psychology 2717-7564. Retrieved from: https://journalppw.com/index.php/jpsp/article/view/13732
- Diplomacy and Artificial Intelligence.Stiftung Wissenschaft und Politik (SWP). Retrieved from: https://www.swp-berlin.org/en/publication/diplomacy-and-artificial-intelligence
- Artificial Intelligence: A New driving horse in International Relations and Diplomac.13 May, 2020. Diplomatist. Retrieved from: https://diplomatist.com/2020/05/13/artificial-intelligence-a-new-driving-horse-in-international-relations-and-diplomacy/
- Digital Media Strategy 2016-2018. Department of Foreign Affairs and Trade. Australia.
- غريقيش, م., & أوكالهان, ت. المفاهيم الاساسية في العلاقات الدولية (ص. 203-205، ط. 1). مركز الخليج للأبحاث. 2008.