مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
تصوير عباس سلمان
توافق هذه السنة الذكرى 75 للعلاقات الثنائية بين لبنان واندونيسيا، وكذلك مرور 77 عاما على استقلال هذا البلد الشاسع الذي يضم 17805 جزر، والواقع في جنوب شرق آسيا في قارة اوقيانيا
يشترك لبنان الذي لا تتعدى مساحته 10452 كيلومترا مربعا واندونيسيا البالغة مساحتها مليوني كيلومتر مربع وعدد سكانها يفوق الـ270 مليون نسمة علاقات وطيدة تعود الى العام 1947، حين كان لبنان البلد الوحيد مع سوريا ومصر الذي اعترف باستقلال هذا الارخبيل عن الاستعمار الهولندي، في وقت اجلت فيه هولندا ودول العالم قاطبة اعترافها من العام 1945 ولغاية 1949. لذلك، يحمل الاندونيسيون، حكومة وشعبا، التقدير العميق للبنان لما قدمه من دعم لهم في حقبة صعبة من تاريخهم.
تتولى اندونيسيا رئاسة مجموعة العشرين لغاية انعقاد قمتها في بالي هذا الشهر، وهي اكبر بلد ذي غالبية سكانية مسلمة في العالم، وعضو اساسي في منظمة العمل الاسلامي. بين لبنان واندونيسيا زيجات مختلطة وسياحة وتعاون ثقافي من خلال العلاقات بين جامعات البلدين ومنتدى التعاون الاندونيسي اللبناني. الاهم، ان اندونيسيا تشارك باستمرار في قوات حفظ السلام “اليونيفيل”، وهي المساهم الاكبر بـ1316 فردا بمن فيهم حفظة سلام من الاناث، وقريبا ستنضم الباخرة الحربية الاندونيسية “فرانز كايسيبو” مجددا الى القوة البحرية الموجودة فيها اندونيسيا منذ العام 2006.
في هذه المقابلة مع “الامن العام”، يشرح السفير الاندونيسي في لبنان هاجريانتو طهاري الصلات السياسية والاقتصادية والتعاون الديبلوماسي الثنائي.
* هل تخبرنا عن مسارك المهني وكنت نائبا لمدة 20 عاما، كيف انتقلت الى لبنان وما هو تقييمك لعملك الديبلوماسي هنا؟
– كنت نائبا في البرلمان الاندونيسي ثم نائبا لرئيس مجلس النواب اربع مرات، وعملت في القسم الخارجي من البرلمان. كنا نتولى اجراء الاختبارات للمرشحين للقيام بالتمثيل الديبلوماسي لاندونيسيا في الخارج. في العام 2018، كلفني رئيس جمهورية اندونيسيا بتولي سفارة اندونيسيا في لبنان، وانا كرجل يحب وطنه قبلت ذلك، وقد توليت منصبي رسميا في العام 2019. قبل الرئيس الحالي لم يعين يوما نائب رئيس المجلس النيابي او نائب رئيس المجلس الاستشاري الاندونيسي يوما سفيرا في لبنان على خلاف هذه المرة، واعتقد ان الرئيس الاندونيسي ينظر الى لبنان كدولة ذات اهمية للشعب الاندونيسي.
* احتفلت اندونيسيا اخيرا بعيدها الوطني الـ77، وبمرور 75 عاما على اقامة العلاقات الديبلوماسية مع لبنان، ماذا تخبرنا عن المراحل الابرز في هذه العلاقة؟
– بدأت العلاقات الديبلوماسية بين جمهورية اندونيسيا ولبنان في العام 1947، وذلك بعد ان اعترف لبنان برئاسة بشارة الخوري انذاك باستقلال اندونيسيا، ويعتبر لبنان وسوريا ومصر الدول الثلاث الاولى التي اعترفت باستقلالنا، مما يمنح لبنان معنى كبيرا للشعب الاندونيسي. علما ان اندونيسيا كانت اعلنت استقلالها رسميا في العام 1945، ولعامين اثنين لم تجد اي دولة في العالم اعترفت باستقلالها باستثناء لبنان وسوريا ومصر.
* ماذا كانت المشكلة لكي تمتنع الدول عن الاعتراف باستقلال اندونيسيا في تلك الحقبة؟
– كان ذلك بسبب رفض هولندا مع شركائها الغربيين المستعمرين، الاعتراف باستقلال اندونيسيا لغاية العام 1945، علما ان اندونيسيا نالت استقلالها ليس عبر التفاوض مع هولندا، وانما بالمواجهة المسلحة معها.
* مع مَن كانت علاقات الصداقة مع لبنان لكي يقوم بالاعتراف باستقلال اندونيسيا؟
– في 17 آب من العام 1947، قصد رجال الاستقلال الكبار في اندونيسيا الدول العربية والتقوا كبار العروبيين في مصر وسوريا ولبنان والعراق وايضا في فلسطين، حيث اجتمعوا بمفتي فلسطين امين الحسيني وبرئيس جمهورية لبنان بشارة الخوري، وبعد هذه اللقاءات اعترفت الدول العربية بالدولة الاندونيسية. ثمة اوجه تشابه بين اندونيسيا والدول العربية، لانها تعرضت ايضا للاستعمار مما يفسر علاقات الود المتبادلة.
* كانت هنالك قنصلية لاندونيسا في طرابلس الى جانب السفارة في بيروت، ونعلم انها اغلقت، ما السبب؟ ولمَ تم تأسيسها بالاصل وهل ستعيدون فتحها مجددا؟
– افتتح لبنان سفارته في جاكرتا في العام 1995 والامر سيان بالنسبة الى اندونيسيا التي افتتحت الى جانب السفارة في بيروت قنصلية في طرابلس. لكن، بعد العام 2006، تحولت كل التعاملات الديبلوماسية في لبنان الى السفارة في بيروت واقفلت القنصلية في ذلك العام. مجددا، ونظرا الى التعاون اللبناني الاندونيسي الوثيق، سوف اقترح على وزارة الخارجية الاندونيسية في جاكرتا اعادة فتح قنصلية في طرابلس.
* تسلمت مهامك الديبلوماسية في العام 2019، في حقبة صعبة جدا من تاريخ لبنان، هلا اخبرتنا على تجربتك في بلدنا الصغير قياسا باندونيسيا التي تبلغ مساحتها قرابة المليوني كيلومتر مربع وعدد سكانها قرابة الـ270 مليون نسمة؟
– تنظر اندونيسيا الى الدول الصديقة بطريقة اخوية وليس من خلال المساحة او عدد السكان، حتى لو لم يتعد تعداد سكان لبنان 5,5 ملايين نسمة، يبقى دولة مهمة جدا بالنسبة الى اندونيسيا واحدى الدول الثلاث الاولى التي اعترفت باستقلالها، وهذا الدعم الكبير هو تاريخي للبنان ولبلدنا. لا تنحصر اهمية لبنان بنظرة دولتنا اليه بل بنظرة الشعب الاندونيسي ايضا، حيث تحتل الحوادث التي تحصل في لبنان حيزا رئيسيا في وسائل الاعلام الاندونيسية. ان اسماء المسؤولين اللبنانيين تتردد دوما في وسائل اعلامنا، حتى ان الكتب المطبوعة من دور نشر في لبنان تجد قراء لها في بلدنا. ارى ان 75 في المئة من الكتب التي قرأها الشعب الاندونيسي قد طبعت كلها في لبنان. كما ان المطربة فيروز هي بالنسبة الى الشعب الاندونيسي مثل ام كلثوم في مصر، وكثر من الاندونيسيين حفظوا اغنياتها عن ظهر قلب.
* وصلت التجارة البينية بين لبنان واندونيسيا الى اعلى مستوى في عامي 2017 و2019 وقلتم في تصريح ان اندونيسيا من الممكن ان تزيد من حجم التجارة مع لبنان، هل من جديد في هذا الخصوص؟
– من المستغرب بل المدهش لنا، كم اثرت جائحة كورونا في العام 2019 سلبا على العلاقات الاقتصادية بين اندونيسيا ودول اخرى. لم يكن هذا التأثير كبيرا في ما يخص اندونيسيا ولبنان، وهذا امر يدهشنا ايضا. لذا يمكننا ان نعزز هذه العلاقات التجارية مستقبلا، ونتمنى ان يتم حل مسألة المصارف في لبنان لكي تكون العلاقات الاقتصادية طبيعية من حيث التبادل التجاري والتحويلات المالية عبر المصارف. في الشهر الفائت، قصد 9 رجال اعمال لبنانيون اندونيسيا وشاركوا في المعرض الجاري السنوي العالمي في جاكرتا، بغية تعزيز العلاقة التجارية ورافقهما موظفان من سفارتنا لمساعدتهما في اجتماعاتهما في اندونيسيا لتوطيد العلاقات التجارية. من الجانب الاندونيسي قصد كثر من رجال الاعمال الاندونيسيين لبنان هذا العام لتوطيد التعاون التجاري بين لبنان واندونيسيا وحضروا معارض تجارية عدة.
* هل من تعاون دبيلوماسي بين اندونيسيا ولبنان في قضايا دولية؟
– بالنسبة الى ديبلوماسية الخارجية لبلدنا، يدعم اندونيسيا ولبنان بعضهما البعض في المنظمات الدولية، وتدعم اندونيسيا لبنان دوما في منظمة الامم المتحدة والامر سيان بالنسبة الى لبنان. اما الامر الثاني، تدعم اندونيسيا لبنان ليكون دولة قوية بغية تخطي ازماته الاقتصادية الراهنة، ثم ان اندونيسيا تبعث بعثتها لحفظ السلام الى لبنان كما الى دول اخرى، وفي هذا العام وصل عدد الجنود الاندونيسيين من حفظة السلام في العالم الى 2300 جندي بينهم 1316 في لبنان ليس في الجنوب فحسب، بل ثمة سفينة حربية اندونيسية مزودة مروحية حربية. تقوم هذه السفينة ضمن القوات البحرية لـ”اليونيفيل” مع اليونان وبنغلادش وتركيا والمانيا بدوريات في البحر.
* هل ترون ان ترسيم الحدود البحرية يهدئ الجبهة الجنوبية؟ وما تقييمكم للتنافس الجاري عالميا وفي حوض المتوسط حول الغاز؟
– اولا، ان اتفاق ترسيم البحرية يهدئ الحدود الجنوبية من جهة، كما ان القوة البحرية التابعة لليونيفيل تلعب دورا في تهدئة الاوضاع في البحر. ان اندونيسيا لن توقف دور سفينتها الحربية هذه السنة، لتبقى من ضمن قوة “اليونيفيل” البحرية رغم اننا نعتبر ان هذا الدور كبير بالنسبة الينا، ولكننا سنرسل سفينتنا الحربية مرة جديدة لتكون من ضمن قوات “اليونيفيل” البحرية هذا العام.
* منذ كم سنة وهذه السفينة في لبنان؟
– بات لدينا سفينة حربية في لبنان منذ العام 2006.
* ما هو تقييمكم للتنافس على الغاز في حوض البحر الابيض المتوسط؟
– في المبدأ، ليس لاندونيسيا مهمة مباشرة للغاز في المتوسط انما ينحصر دور الكتيبة الاندونيسية في قوات “اليونيفيل”. تنطلق مشاركة اندونيسيا في عملية حفظ السلام من الاهداف التي وضعتها منذ استقلالها وابرزها ما ورد في البند الرابع من الدستور الاندونيسي والذي ينص على ضرورة مشاركة اندونيسيا في السلام العالمي المستدام.
* هل من سياسية خارجية محددة لاندونيسيا في ما يخص الشرق الاوسط وقضاياه؟
– تنضوي اندونيسيا في مجموعة دول “عدم الانحياز”، وفي “منظمة التعاون الاسلامي”، واذكر بأن الرئيس سوكارنو كان في العام 1957 قد دعا دول الشرق الاوسط الى حضور مؤتمر اسيا وافريقيا في باندونغ في جافا الغربية، وبحث هذا المؤتمر مواضيع عدة منها دعم استقلال دول العالم الثالث، ولغاية الان توجد دولة فلسطين التي لم يتم الاعتراف باستقلالها، وهذا المؤتمر يدعم دوما استقلال فلسطين. وقد اسس سوكارنو وجمال عبد الناصر وتيتو ونهرو مؤتمر عدم الانحياز واجتمعوا في باندونغ.
* ماذا عن الجالية الاندونيسية في لبنان وكيف هو تعاونكم مع الامن العام اللبناني؟
– تتعاون السفارة الاندونيسية بشكل كبير مع الامن العام اللبناني الذي يساعدنا كثيرا في قضايا الجالية الاندونيسية الموجودة في لبنان، كذلك يتعاون معنا الامن العام بشكل فعال في اعادة افراد كثر من الجالية الاندونيسية الذين دخلوا الى سوريا بطريقة غير شرعية عبر مطار بيروت قبل اعادتهم الى اندونيسيا. ان سفارتنا في دمشق لا يمكنها ان تعيد هؤلاء مباشرة الى جاكرتا الا عبر لبنان، ولم يكن هذا الامر متاحا الا بدعم من الامن العام اللبناني. وقد تعرفت الى اللواء عباس ابراهيم، ونزمع دعوة وفد من الامن العام اللبناني الى اندونيسيا في العام المقبل، كما دعونا وفدا من قوى الامن الداخلي الى بالي.
* ما هو عدد الجالية الاندونيسية في لبنان؟
– يبلغ عدد الجالية الاندونيسية حاليا في لبنان قرابة 1550 وغالبيتهم هم العسكريون المنضوون في الكتيبة الاندونيسية في قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان “اليونيفيل”، ثم الطلاب الاندونيسيون الذين يدرسون في الجامعات في لبنان وقد تناقص عددهم تدريجا منذ جائحة كورونا، اذ انخفض عددهم من 100 الى 40 طالبا. اما الاخرون فهم الاندونيسيون الذين يعملون في مجالات مختلفة مثل الاتصالات وفي المقار الصحية في لبنان، واخرون يرتبطون بزيجات مختلطة مع لبنانيين.
* تضررت اندونيسيا بشكل كبير اثر تفجيرات بالي في العام 2002، كيف تكافحون افة الارهاب الذي عانيتم منه وهل من تعاون مع لبنان في هذا الشأن؟
– لدى اندونيسيا اهتمام كبير بمكافحة الارهاب لانها من ضمن الدول التي اصيبت بالعملية الارهابية التي حصلت في بالي ومناطق اخرى، لذا لدى اندونيسيا اهتمام كبير بمكافحة الارهاب وتلعب دورا في هذا المجال ضمن المنظمات المختصة. تتبع اندونيسيا دوما القوانين الدولية لمكافحة الارهاب وتطبقها وتهتم بشدة بممولي اي عملية ارهابية، ولدينا الان في اندونيسيا الهيئة الوطنية لمكافحة الارهاب، والكتيبة المتخصصة لمكافحة الارهاب التابعة للامن الاندونيسي وهي مستقلة عن بقية الاجهزة الامنية، لكنها بأمرة مباشرة من الرئيس الاندونيسي.
* تترأس اندونيسيا في تشرين الثاني المقبل قمة مجموعة العشرين، ما هي ابرز المواضيع المطروحة في هذه القمة؟
– ستترأس اندونيسيا قمة مجموعة العشرين التي ستنعقد في بالي بين 15 و16 تشرين الثاني الجاري، والتي تحمل شعار “الازدهار معا يجعلنا اقوى” وهو شعار برز بعد جائحة كورونا، ومن ابرز المواضيع التي ستناقش التعاون الدولي لتوفير مستقبل افضل للعالم. نريد في هذه القمة ان نعمل سويا مع مجموعة الدول العشرين لاحداث توازن وعدالة عالمية بين الدول فيتساوى الشمال والجنوب، وكذلك بين الدول المتقدمة وسواها. لذلك تحتاج اندونيسيا الى دعم كبير من الدول كلها لكي نكون معا من اجل انجاح هذه القمة.