“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
نجح اتفاق الطائف قبل 33 عاما في اسكات البنادق ووقف الاقتتال اللبناني لكنّه بقي لديه قصور في تحصين السلم الاهلي، ربما لأنه لم يطبّق بحذافيره وروحيته بشهادة جميع السياسيين والفرقاء. هذا القصور يؤدي اليوم الى هواجس داخلية وخارجية من محاولات لنسف هذا الاتفاق واستبداله بآخر على مقاس الطوائف الذي تبدل بشكل كبير منذ العام 1989. تفسّر هذه الهواجس ردّة الفعل السعودية الحادّة المتمثلة بموقف سفيرها في لبنان وليد البخاري حيال أية محاولات يشتمّ منها تبديل اتفاق استحال دستور لبنان لما في ذلك من مخاطر جمّة على السلم الاهلي وعلى العيش المشترك، ولعدم القدرة على استبداله باتفاق مجهول سيأتي حتما على حطام الوطن. حظي المنتدى الشعبي والرسمي الذي دعا اليه السفير البخاري في قصر الاونيسكو السبت الفائت والذي تميّز بالحشود الشعبية والرسمية التي غصّت بها قاعات قصر الاونيسكو الوسيعة وساحاته الخارجية باهتمام خصوم المملكة العربية السعودية في الداخل والاقليم كونه يشكّل حركة سعودية دبلوماسية وسياسية ذي مغزى.
يمتلك ما يعرف بمحور الممانعة أي القوى المنضوية في لبنان تحت مظلّة إيران قراءة سياسية تحليلية للحركة التي يقوم بها سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد البخاري، وخصوصا تلك التي تلت الاعلان عن عشاء لفاعليات لبنانية في السفارة السويسرية في بيروت تمهيدا للقاء حواري كانت مزمع عقده في جنيف بين ممثلين عن الاحزاب اللبنانية من الصف الثاني حول مسائل اصلاحية مختلفة قد يكون الدستور اللبناني المنبثق عن الطائف جزءا منها، وهذا ما لا يزال الجانب السويسري ينفيه معتبرا أن اللقاء كان مجرّد حوار يشبه الحوارات التقليدية التي ترعاها سويسرا حول العالم من دون اية توصيات ملزمة لأحد. وعلى غرار الجانب السويسري، يظهّر مناخ محور الممانعة في لبنان مواقف يصحّ القول فيها انها أشدّ تمسّكا باتفاق الطائف من موقف السفير السعودي نفسه! وليست المواقف التي أدلى بها أخيرا مسؤولون كبار في “حزب الله” ابرزهم الشيخ نعيم قاسم سوى عينة عما يدور في كواليس نخب هذا المحور من احاديث.
مشكلة السعودية مع الغرب بحسب محور الممانعة
يرى هذا المحور بأن المملكة العربية السعودية توجه رسالة رئيسية الى الغرب تبرز لها تأثيرها على شرائح واسعة ومتنوعة من المجتمع اللبناني، وحضورها الاساسي والنافذ في النظام اللبناني وهي تصر على بقائه من خلال اتفاق الطائف الذي يعتبر بوابة الدور السعودي في لبنان، وسقوطه يعني ضربا لهذا النفوذ. ويرى فريق محور الممانعة من خلال آراء نخب منه، بأن الرسائل السعودية الى الغرب تنشط في الآونة الاخيرة نتيجة هواجس من أن يتجه الغرب الى تحالفات مع ايران مخالفة للمصلحة السعودية وذلك بملفات عدة.
في ملف ترسيم الحدود البحرية مثلا بين لبنان واسرائيل، يعتبر السعوديون [بحسب قراءة نخب محور الممانعة]، أن اتفاق ترسيم الحدود البحرية جاء نتيجة توافق أميركي ايراني على المستوى الاعلى وقد جرى تعميمه على حلفاء الطرفين، وان هذا الاتفاق يثبّت بأن الاميركي ميال ليقيم تفاهمات ميدانية بمعزل عن مصالح الاطراف الحليفة انطلاقا من نظرية دعم الاقوى، هذه الاشارة التي اتت من لبنان، تلاقيها اشارة ثانية من العراق، حيث اتفق حلفاء ايران واميركا من الكتل الشيعية والاكراد وانتخبوا رئيسا للجمهورية وعينوا رئيسا للحكومة. لدى السعوديين هواجسهم من ان هذه التفافات تأتي بتنسيق أميركي ايراني مستبعدا مصالح الدول الخليجية. وقد تصل هذه الاتفاقات الى الساحة اللبنانية وبوابتها تغيير اتفاق الطائف واجراء تعديلات في النظام اللبناني. بمعنى أن الملف اللبناني بالنسبة للاميركيين ليس مفصليا وهو مستعد لأن يسلّف ايران في لبنان في مقابل ملفات اخرى، ما سيكون على حساب النفوذ السعودي وبوابته الطائف، من هنا عمدت السعودية عبر سفيرها الى اغلاق الباب على اية دولة غربية باعادة البحث باتفاق الطائف. وتشير اوساط الممانعة الى ضرورة التذكير بأن ما تسرّب قبل اعوام عن عروض فرنسية لحزب الله كشف عنها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله من ان الفرنسيين عرضوا على الحزب فكرة المثالثة وتغيير المناصفة في مقابل التخلي عن السلاح، هي عروض غربية تهدد اتفاق الطائف، من هنا جاءت الهواجس السعودية المتأكدة من ان لدى حزب الله مصلحة في المثالثة والدخول الى السلطة التنفيذية.
إلا أن اوساط الممانعة تنفي كليا وجود أي اساس لهذه الهواجس السعودية، “ما حصل في العراق لا يعدو كونه تقاطعات محلية وربط نزاعات بين أطراف محلية اي بين الكتلة الشيعية الاكبر والاكراد. في لبنان حصل ربط نزاع بين لبنان واسرائيل عبر الاميركي يحول دون تفاقم الازمة بعدم ممانعة اميركية، فللأميركيين مصلحة بالغاز الاسرائيلي للاوروبيين. وبالتالي هي تقاطعات محلية نالت عدم ممانعة من الخارج”.
بالنسبة الى وجود مصلحة بتغيير الدستور تشير اوساط محور الممانعة الى أن “حزب الله” لم يدخل الى السلطة السياسية والحكومات إلا بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بعد العام 2005، وكان عنوان هذا الانخراط “حماية المقاومة”، فلو لم يستشعر الحزب خطرا على المقاومة ومحاولة الغرب محاربتها من خلال المؤسسات الرسمية لما دخل الى الحكم، لذا دخل الحكم لحماية المقاومة وهو لم يطرح يوما المثاثلة ورفضها حين عرضت عليه وينظر الى اتفاق الطائف على علاته انه الاتفاق الوحيد الممكن تنفيذه، لأـن الحزب يخشى أن يتم اي اتفاق جديد على الدماء وعلى انقاض حرب اهلية مدمرة، وبرأي حزب الله [بحسب الاوساط المنتمية الى محور الممانعة]، أن اتفاق جديد بهذا الوضع الطائفي المتشنّج لن يحصل إلا على الدم وبالتالي لا مصلحة به”.
وعما اذا كان حزب الله يستخدم تكتيكات ذكية لتمرير تعديلات دستورية؟ تقول الاوساط المنتمية الى محور الممانعة: “طالما يضمن اتفاق الطائف لحزب الله كما لكل ممثلي الطوائف قدرة تعطيل أي قرار فلا توجد اية مشكلة. أما المثاثلة فهي مشروع حرب اهلية وهو امر لن يسير به حزب الله”.
ولكن لا يمكن للسعوديين عبر سفيرهم في بيروت ألا يكونوا يمتلكون معطيات حقيقية اثارت حفيظتهم؟ تشير الاوساط المنتمية الى محور الممانعة الى أن “الهاجس السعودي الرئيسي هو من الاوروبيين، فقد سبق للفرنسيين وطرحوا فكرة المثالثة من دون ابلاغ السعودية، وهم أي الفرنسيين مع الاميركيين مستعدون لابرام حلف اقوياء مع ايران وحلفائها في مقابل مكاسب في ملفات اخرى”.
وماذا عن الموقف الايراني؟
تعيد الاوساط التذكير بأن ايران لا تتدخل البتة في التفاصيل الداخلية اللبنانية، وتعطي مثالا حيا عن انتخابات رئاسة الجمهورية اللبنانية، قائلة:” ليست ايران معنية بهوية رئيس الجمهورية المقبل، كل ما يهمها هو ألا يكون هذا الرئيس معاديا لها أم يحمل افكارا وتوجهات معادية لتعزيز العلاقات اللبنانية الايرانية، وألا يصبح لبنان مكانا لكيانات معادية تضر بمقاومة اسرائيل”.
تشير الاوساط المنتمية الى محور الممانعة الى وجود ” سعي سعودي حثيث وواضح على الساحة اللبنانية لاشهار اوراق القوة كرسائل للغرب. وما زاد في تعثر الامور هو توقف الحوار السعودي الايراني بسبب موقف السعودية من التظاهرات الاخيرة في ايران. بالأصل كانت ايران قد طلبت اعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ويطرح السعوديون دوما وقف الحرب اليمنية. في ما يصر الايرانيون دوما على أن هذا الملف يخص اليمنيين انفسهم، ولا يمكن ان تنوب ايران في اي تفاوض عن انصار الله”.
في الحوارات السابقة، اشترطت السعودية [بحسب ما اوساط محور الممانعة] امتناع ايران عن تقديم الدعم او التواصل او بناء علاقات مع اية دولة عربية، إلا من خلال البوابة السعودية، بما يشمل وقف دعم المقاومة في لبنان. وتعتبر الاوساط المذكورة ان الاهتمام الوحيد للسعوديين بالملف اللبناني هو للضغط على الجانب الايراني، لأن السعودي يدرك تماما حساسية وجود المقاومة ومدى قوة الوجود الايراني وما تعلقه ايران على لبنان من اهمية كأحد دول الطوق مع سوريا وكونه بلد مواجهة ما اسرائيل، فلبنان هو ورقة للتفاوض ليس اكثر بغية تخفيف الضغوط الايرانية في اليمن”.
لكن هل من مصلحة ايرانية بزعزعة الاستقرار الدستوري في لبنان؟
تجيب الاوساط المنتمية الى محور الممانعة بأن “للبنان اهمية كبرى لدى الايرانيين وايران متشبثة بمسألة استقراره وألا يتم تقسيمه الى كيانات اشبه بـ”داعش” تنمو بداخله. وغالبا ما يطرح الايرانيون في جلسات الحوار الاتفاق بغية تسهيل الامور من دون صدام، وان لا مصلحة للايراني بالصدام السني الشيعي في المنطقة. للإيرانيين مصلحة بالاتفاق لكن خطاب السعودية يحتاج الى المزيد من العقلنة وإلا لا أمل بتوافق”. كل ما يهم السعوديين من لبنان بحسب مناخ فريق محور الممانعة “هو تحويله الى ساحة ضغط على ايران”، ويضع هذا المحور “مؤتمر احياء مرور 33 عاما على ابرام وثيقة الوفاق الوطني في إطار تهيئة الساحة اللبنانية وتسخينها وعرض اوراق القوة امام الغرب تمهيدا لمقايضة مستقبلية”.
موقف ايراني قريبا بالنسبة الى الحدود البحرية
في سياق آخر، علم موقع “مصدر دبلوماسي” من خلال الاوساط المنتمية الى محور الممانعة أن موقفا ايرانيا سيصدر قريبا في ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل عبر الوسيط الاميركي يتم التحضير له وهو سيوائم بين التأكيد على حق لبنان في الافادة من ثرواته وتثبيتها، معيدا التأكيد أن ايران لا تعترف اصلا بحدود اسرائيلية، فهي أولا واخيرا حدود فلسطين المحتلة، لكن هذا الاتفاق يثبّت قوة لبنان من دون الاعتراف باسرائيل ولا بوجودها.