مقالات مختارة
مجلة “الامن العام”
مارلين خليفة
يتلقف مدير المراسم في وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان، كما في العالم، المبعوثين الدببلوماسيين من سفراء وقناصل فور وصولهم الى ارض المطار، ومعه تبدأ رحلة التعريف بالقواعد البروتوكولية التي تحكم المعاملات المتبادلة بين الدول في المناسبات الرسمية.
تقع على عاتق مدير المراسم في وزارة الخارجية والمغتربين فور وصول السفراء وممثلي المنظمات الدولية تعريفهم بالدولة المضيفة وبوزارة الخارجية والمغتربين. ويعتبر مدير المراسم اول مسؤول رسمي يلتقي به السفراء ومسؤولو المنظمات الدولية، وتعد مديرية المراسم صلة الوصل بين السفارات والمنظمات الدولية الخاضعة لاتفاقية المقار وبين الادارات الرسمية اللبنانية كافة التي تنسق معها ومع كل الاجهزة الامنية وخصوصا الامن العام اللبناني، حيث ان التعاون يومي ووثيق، يشمل تأشيرات واقامات الطاقم الاداري والفني في السفارات وكذلك التعاون عند قدوم الوفود.
ليس عمل “البروتوكول”، وهي الكلمة المرادفة للمراسم سهلا في لبنان وخصوصا في ظروفه الحالية. فالارتقاء بمستوى التعامل الدبلوماسي بات مهمة شاقة لكنها ليست مستحيلة، بحسب ما اثبتت تجربة مديرة المراسم في وزارة الخارجية والمغتربين عبير علي التي تسلمت مهامها في اذار 2020 قبل 4 اشهر من وقوع انفجار مرفأ بيروت الذي دمر “قصر بسترس” المقر التاريخي للدبلوماسية اللبنانية في الاشرفية. هكذا وجدت الدبلوماسية التي خدمت 22 عاما في سفارات لبنان في واشنطن والبحرين وهولندا وروما نفسها مع طاقمها الاداري الضئيل يجلسون للعمل ولاعداد زيارات وزراء الخارجية في العالم تحت شجرة باسقة في حديقة القصر المتزعزع على صوت “مولد” الكهرباء.
لم يثن هذا الواقع المزري عبير علي وفريقها الدبلوماسي والاداري عن العمل في ظل هذه الظروف القاهرة، وتوجد صورة تعتبر تاريخية تخلد هذه اللحظات القاتمة في تاريخ وزارة الخارجية وتعود الى 18 آب 2020، حيث تظهر علي مع الاداريين في المديرية يعملون تحت الشجرة الباسقة التي ظللتهم في عملهم الشاق لاكثر من اسبوعين، قبل انتقالهم الى مكاتب في احد مباني الوزارة، ثم الى المبنى المعتمد حاليا لوزارة الخارجية والمغتربين في جوار السرايا الحكومية: “تجسد هذه الصورة اخلاص الموظفين في وزارة الخارجية والمغتربين وتفانيهم واهتمامهم لتلبية العمل اليومي على الرغم من تهجيرنا بوزارتنا”، تشير علي لـ”الامن العام” وتضيف: “بقينا عاما كاملا نفتقر الى ادنى مقومات العمل من حواسيب وانترنت، ولغاية اليوم لا توجد خطوط هاتفية لجميع الموظفين الاداريين الذين يستخدمون هواتفهم الخاصة في العمل، لكن الوضع الراهن اصبح افضل بكثير مما كان عليه حين انتقلنا الى المقر الجديد”.
تقول:” تسنى لي العمل في “قصر بسترس” من اذار الى غاية الانفجار في آب 2020 وكنت لا ازال حديثة العهد في المديرية، وبعد ان بدأت الانخراط في العمل وقع الانفجار، دمرت مكاتب المديرية واحترقت الحواسيب ومعها ارشيف هائل من التبادل الدبلوماسي مع السفارات والمنظمات الدولية العاملة في لبنان ما يثير متاعب في الاونة الاخيرة”.
اول زيارة نظمتها عبير علي كانت لوزير الخارجية الفرنسي السابق جان – ايف لودريان، وبعده كرت سبحة زيارات وزارء الخارجية الذين زاروا لبنان لاحقا بعد انفجار مرفأ بيروت، وذلك في احلك الظروف ونالوا مراسم ممتازة قياسا بالوضع المأسوي.
لدى مديرية المراسم في وزارة الخارجية والمغتربين مهام عدة، وتعتبر الحصانات والامتيازات المنبثقة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية للعام 1961 في صلب مهام مديرية المراسم. ولا بد من لفت النظر الى انه توجد 72 سفارة مقيمة في لبنان و3 قنصليات عامة، تندرج ضمن صلاحياتها المنظمات الدولية العاملة في لبنان التي تنطبق عليها ما يسمى “اتفاقية المقار” ويبلغ عددها 55 منظمة اقليمية ومكاتب تمثيلية لمنظمات دولية. وبالتالي، يمكن تلخيص مسؤوليات مديرية المراسم كالاتي:
اولا، ضمان التطبيق السليم لامتيازات وحصانات الموظفين الدبلوماسيين والموظفين القنصليين المعتمدين في لبنان على النحو المنصوص عليه في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية (1963) لضمان التطبيق السليم لامتيازات وحصانات الموظفين الدوليين على النحو المنصوص عليه في اتفاقية مقر المنظمة او الوكالة ذات الصلة.
تقول علي: “ليست الحصانات للشخص كفرد بل لتمكينه كمبعوث لدولته من حسن تمثيل بلده وحماية مصالحها. بالنسبة الى الامتيازات التي يتسلم بموجبها المبعوث الدبلوماسي البطاقة الدبلوماسية من مديرية المراسم في وزارة الخارجية فانها تمنحه الحصانات والامتيازات المنصوص عنها في اتفاقية فيينا، منها على سبيل المثال لا الحصر الحصانة القضائية والامتيازات والاعفاءات الجمركية والضريبية”.
ثانيا، تنظيم زيارات وزراء الخارجية وغيرهم من كبار الشخصيات الى لبنان والتنسيق مع الوفد القادم وكذلك مع السلطات المحلية ذات العلاقة للحصول على التفاصيل اللوجستية والاحتفالية.
وتشير علي الى ان “لا مركزية المراسم في لبنان بين وزارة الخارجية والمغتربين ورئاستي الجمهورية ومجلس الوزراء كان عاملا مساعدا في الازمة الراهنة التي يعيشها البلد وهنالك تكامل وتعاون بين الجهات الثلاث علما ان مهام مراسم وزارة الخارجية والمغتربين تنحصر في تنظيم زيارات وزير الخارجية والمغتربين للخارج وزيارة نظرائه الى لبنان”.
ثالثا، تنظيم حفل تسليم خطابات اعتماد السفراء الاجانب الى رئيس الجمهورية.
تقول علي: “ان هذه المراسم في لبنان جميلة جدا، ومهمتي هي لقاء السفراء ومرافقة السفير المعين لتقديم نسخة من اوراق اعتماده عند وزير الخارجية والمغتربين. اوراق الاعتماد التي تقدم لرئاسة الجمهورية هي كناية عن كتاب موقع من رئيس الدولة الموفدة ووزير خارجيته، ولها نموذج محدد بنص انيق وبروتوكولي يكلف بموجبه الشخص المعني بتمثيل دولته. قبل موعد تقديم اوراق الاعتماد لدى رئيس الجمهورية، تجتمع مديرة المراسم مع السفراء وتشرح لهم خطوة خطوة المراسم الاحتفالية المعتمدة. في هذا الحفل الذي يستمر قرابة العشرين دقيقة، يتم عزف نشيدي البلد الموفد والنشيد الوطني اللبناني. ثم يستعرض السفير حرس الشرف، ومع مدير عام مراسم رئاسة الجمهورية تتم مرافقة السفير عند الرئيس حيث يقدم نفسه ويصافحه، ويقول ان له الشرف بتقديم كتاب الاعتماد الذي يعتمده سفيرا مطلق الصلاحية من رئيسه، وطبعا تجري هذه المراسم في حضور وزير الخارجية والمغتربين وامين عام وزارة الخارجية، ثم يجلس السفير الى يمين الرئيس ويقيم محادثة بروتوكولية قصيرة ثم يستأذنه بالمغادرة”.
رابعا، من صلاحيات مديرية المراسم تنظيم الاحتفالات العامة وضمان احترام ترتيب الاسبقية: “عندما يأتي السفراء والمبعوثون الخارجيون الى لبنان فان الاتصال الاول لهم يكون مع مدير المراسم في وزارة الخارجية والمغتربين المنوط به مسؤولية استقبالهم وتعريفهم على لبنان وعمل الوزارة والعلاقات الثنائية” تقول علي.
خامسا، اعداد (مع الادارة القانونية) كتب التفويض ونصوص المعاهدات والاتفاقيات ومراسم التوقيع على المعاهدات والاتفاقيات: “كما سبق وذكرنا، تعتبر دائرة المراسم في وزارة الخارجية صلة الوصل الالزامية بين البعثات الديبلوماسية والادارات اللبنانية وهي ترسل لهم تعاميم دورية بغية احترام هذا الامر وضرورة التقيد به، وكل معاملات هذه السفارات مع الادارات كافة تمر عبر وزارة الخارجية والمغتربين وذلك استنادا الى المادة 41 من الفقرة 2 من اتفاقية فيينا للعام 1961 التي تنص على الاتي: يجب في التعامل مع الدولة المعتمد لديها في شأن الاعمال الرسمية التي تسندها الدولة المعتمدة الى البعثة ان يجري مع وزارة الخارجية الدولة المعتمد لديها او عن طريقها، او اية وزارة اخرى قد يتفق عليها”.
تحرص مديرية المراسم ضمن عملها على تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل، وهو مبدأ مهم في الدبلوماسية وخصوصا في البروتوكول بين الدول بحيث يتم القبول ببعض المعاملات ولو لم يكن يوجد نص بحسب مبدأ المجاملة.
تواجه المديرية تحديات جمة في الظروف الراهنة: “لدينا نقص كبير في الكادر الاداري مما يؤدي الى عمل مضن ولدوام طويل للموظفين الموجودين حاليا. هم يقومون بمجهود جبار، على الرغم من ذلك يتمتعون بسرعة كبرى في تلبية الطلبات التي تنهال على المديرية من جميع السفارات والمنظمات ليلا ونهارا”.
وسط الاضرابات والشح المادي، نظمت هذه المديرية في تموز الفائت المؤتمر التشاوري لوزراء الخارجية العرب، وتمكنت من تخطي النقص الموجود وانعدام ابسط مقومات “البروتوكول” ومنها ان يكون لدى الوزارة اعلام للدول المشاركة اذ احترق مخزون الاعلام في “قصر بسترس” ولم يتم تزويد الوزارة الى الان اعلاما جديدة.
تقول علي: “يحتاج البروتوكول الى اموال ومقومات، منها على سبيل المثال لا الحصر سيارات رسمية خاصة توضع في خدمة الوفود الزائرة، وهي غير متوافرة بحسب حاجتنا. ما نقوم به هو تنسيق زيارة اي وزير خارجية خطوة خطوة مع السفارة المعنية، فتكون الزيارة مدروسة بدقة متناهية تمكننا من تجاوز الظروف الصعبة”.
تضيف: “كان الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب تحديا كبيرا لي شخصيا اذ كانت المرة الاولى التي انظم فيها اجتماعا على هذا المستوى منذ تسلمي لمهامي، وكانت تجربة جيدة جدا وتم تخصيص ميزانية خاصة منفصلة من المعنيين وقد سمعت الثناء من جميع رؤساء الوفود على حسن التنظيم والاستقبال والضيافة، وقد وصلني شكر رسمي في هذا الخصوص وانا فخورة بذلك”.
تقيم مديرية المراسم تعاونا وثيقا مع المديرية العام للامن العام. تقول عبير علي: “تشكل مديرية مراسم صلة الوصل بين السفارات والمنظمات والادارات اللبنانية، كما نتعاون مع الاجهزة الامنية كافة ومنها المديرية العامة للامن العام التي تلعب دورا رئيسيا في تسهيل عملنا. احدى مهامنا هي تسهيل عمل الدبلوماسيين في مسألة التأشيرات. وهنا ننال موافقة الامن العام اللبناني وفي اقامات الاداريين والتقنيين والخدم، وعند زيارة الوفود نتعاون بشكل وثيق مع الامن العام في مسألة التأشيرات للوفود، كما ان بعض الوفود لديها اسلحة او اجهزة اتصال معينة لذا نطلب اذونات مسبقة من الامن العام اللبناني لادخالها الى لبنان. ونحن نتعاون مع مكتب الاتصال الخاص بالامن العام اللبناني الموجود في وزارة الخارجية والمغتربين وهو تعاون شبه يومي لأن طلبات السفارات كبيرة جدا، والتنسيق والتعاون لا تشوبه شائبة واغتنم هذه الفرصة لتوجيه تحية شكر الى الامن العام اللبناني”.