مقالات مختارة
مرلين وهبة
صحيفة “الجمهورية”
يتفق العقلاء في لبنان على انّ من اختار من شباب لبنان البقاء في ارض الوطن بكامل ارادته قد اتخذ خياراً انتحارياً، ويعلم جميع هؤلاء بمَن فيهم «الانتحاريون» أن قرارهم البقاء ليس بالضرورة خياراً يملكونه بل فُرض عليهم نتيجة الامر الواقع وبسبب عدم قدرتهم على الهجرة لأسباب كثيرة معروفة وهي تتزايد، أبرزها: صعوبة الاستحصال على تأشيرات اجنبية تخوّلهم مغادرة لبنان، والمواعيد المؤجلة في السفارات الاجنبية لسنوات لإجراء المقابلات للمواطنين الشباب، وعدم تَمكّن المواطنين من سحب اموالهم العالقة في المصارف للمغادرة، وتضاؤل نسب فرص العمل للبنانيين في الخارج وتحديداً في البلدان العربية، والاجور المتدنية نسبياً والتي لم تعد تكفي لإيفاء الإيجارات المرتفعة للشقق المفروشة في الخارج. امّا العامل الجديد الذي يعوق اليوم «هروب الشباب» الذين قاوموا سابقاً واختاروا البقاء فهو أزمة الجوازات التي كانت تنقصهم ليصابوا باليأس والخيبة من نعمة وطن لطالما تغنّى بفضائله وميزاته الطبيعية وعافيته المصرفية والامنية.
امام كل تلك الصعوبات والتحديات كيف تسير الايام مع شبّان لبنان على ارض الواقع؟
يحاول هؤلاء التأقلم والمغامرة فيختارون الإنفصام عن الواقع للتمويه حباً بالبقاء فيلجأون الى السهر. صحيح انّ الميسورين منهم لا مشكلة لديهم في السهر يومياً، لكن البعض الآخر يُجاهد للسهر بما تيَسّر لديه او لذويه من اموال FRESH محاولين هم ايضاً الاستفادة من حملة «أهلا بهالطلة»، إلا ان «الارهاب الاستباقي» وليس «الامن الاستباقي» يكون لهؤلاء بالمرصاد ويلاقيهم على طريقته بـ»اهلا بهالطلة» فتتم مطاردتهم وسلبهم سياراتهم ومقتنياتهم وتركهم عُزّلاً في وضح النهار ومنتصف الليالي على طرق لبنان. وحتى المَحظيين من هؤلاء الشبان، وتحديدا الذين تمكنوا من الهرب، لم تسلم سياراتهم من وابل الرصاص المنطلِق من الاسلحة الحربية المجهولة المصدر، والتي يستعملها المعتدون لسلب شبّاننا وسرقة سياراتهم، والمؤسف حين يكون هؤلاء الشبان «وحيدين « لدى عائلاتهم ولطالما قاوموا المغادرة واختاروا البقاء في لبنان.
تعرّضا للاعتداء والسلب
«الجمهورية» اختارت سرد وقائع حادثتين وقعتا مع شابّين من العائلات النبيلة في لبنان، علماً ان هناك كثيراً من الحوادث والروايات المتشابهة لسرقة السيارات او سلبها بالقوة. ومع علمنا أنّ سرد الروايتين سيُرعب الامهات اللواتي ينتظرن فلذات اكبادهنّ يومياً ولا ينمن قبل الاطمئنان الى أن أبناءهنّ عادوا بعد السهر الى منازلهم في سلام، الا ان الخطر الذي يحوط بتلك الحوادث يدفعنا الى ضرورة نقل الوقائع وسردها بكل شفافية لاتخاذ الحيطة والحذر ولكي يَتّعظ الشبان ويتنبه الاهالي ويأخذون العبَر.
شابان لبنانيان، الاول يدعى ج. ف. محامٍ من بلدة زغرتا. اما الثاني، فهو مارك ق. من سكان ادما وهو ايضا كان عائداً من سهرة ليلية عند الرابعة فجراً الى ساحل علما في اتجاه طلعة علمايا، وهي طريق عام مأهولة بالابنية.
وتجدر الاشارة الى ان الاعتداء على الشابين تمّ على يد مجموعة ملثّمة مسلحة وجاء بفارق اسبوع بين الحادثتين، ولكل من هذين الشابين قصة أثناء عودتهما من السهر. فالمحامي ج. ف. كان متجهاً نزولاً عن طريق تولا في اتجاه البترون وهو طريق آمن عموماً ولم يشهد اعتداءات طوال الاحداث التي مرت على لبنان. كذلك الاعتداء على مارك ق. كان على طريق ادما وهو ايضا طريق عام آمن لم يشهد على مر الاحداث اعتداءات من اي جهة غريبة.
في التفاصيل وقائع الحادثتين:
أثناء عودة الشاب ج. ف. من بلدة تولا نزولاً في اتجاه البترون محل اقامته، يتفاجأ بأربعة ملثّمين على الطريق العام مدججين بأسلحة حربية يقطعون عليه طريقه ويعترضون سيارته وهي من نوع «جيب شيروكي» OVERLAND 2011 وصوّبوا أسلحتهم عليه طالبين منه الترجل ارضاً وترك السيارة مكانها. تجاوبَ الشاب معهم خوفاً على سلامته، الا ان المعتدين لم يكتفوا بسلبه سيارته بل سلبوه ايضا محفظته واموالاً داخل السيارة وساعة يده وهاتفه الجوّال واوراقاً ثبوتية، وانطلقوا مسرعين بالجيب تاركين الشاب في حالة صدمة ورعب.
تعيش عائلة الشاب، المحامي حالياً، حالة يأس ورعب من المستقبل. من جهتها، تشكر والدته الله على عودة ابنها سالماً، الا انها في المقابل تأسف لأنها لم تشجعه على السفر، وتؤكد أنها بعد التعرّض له ستُعيد النظر في قرار سفره. وتأسف على وضع الاجهزة الامنية التي لم تتمكن حتى الساعة من معرفة الفاعلين والقبض عليهم، خصوصاً ان الحادثة حصلت منذ نحو اسبوعين، حيث لم يتم التقاط اي خيوط ترشد الى المعتدين، علماً أن هاتف ج. ف. استولى عليه المعتدون، الأمر الذي يدعو الى الاستغراب، اذ كيف لم تتمكن الاجهزة الامنية من استخدام تحديثات الهواتف الذكية مثلاً كما تفعل عادة للوصول الى المعتدي او السارق او لكشف بعض خيوط تدل على هوية المعتدين؟!
لم تعد أدما آمنة!
الحادثة الثانية وقعت مع الشاب مارك ق. في طريق العودة مع صديقه من سهرتهما حوالى الرابعة فجراً، وكان متوجهاً الى ادما صعوداً على طريق علمايا لإيصال صديقه الى منزله. وعند وصوله ركنَ سيارته وهي من نوع مرسيدس على جانب الطريق العام لعلمايا، المنطقة المعروفة بالأمن والمأهولة بالابنية الحديثة، إلا أنه لم يطفىء محركها استعداداً لإكمال طريقه الى منزله، ولحسن حظه ان صديقه كان على وشك فتح باب السيارة للترجّل منها إلا أنه لم يفعل بسبب اقتراب جيب شيروكي داكِن اللون وزجاجه «مفيّم» ولا يحمل لوحة نمرة، كان مَركوناً الى جانب الطريق بطريقة معاكسة، فتقدّم بعكس سيارة مارك ليصبح زجاج سائق الجيب ملاصقاً لسائق السيارة اي ملاصقاً لمارك… وبحركة عفوية أنزَلَ مارك زجاج سيارته ليتأكد من هوية سائق الجيب الذي اعتقد بحسب قوله أنه من الشرطة او من الاجهزة الامنية، إذ لم يخطر ابداً في باله ان يكون هؤلاء غريبين عن المنطقة او سارقين او معتدين «لأنّ مناطقنا لطالما كانت آمنة»، بحسب تعبيره.
في اللحظة نفسها، فُتِحَت نوافذ الجيب الداكن وأطلّت منها 4 رؤوس ملثّمة بالسواد ورشاشات حربية وجّهت أفواهها صوب رأس مارك وسيارته، ليطلب منه السائق بلهجة الأمر النزول فوراً، فقال: «انزال من السيارة وتروك السيارة بالارض».. تلك كانت العبارة الوحيدة التي قالها السائق الملثّم لمارك. في اللحظة ذاتها ترجّل الملثّمان الجالسان في الخلف للانقضاض على مارك ووجّها السلاح في اتجاهه، الا ان الاخير استغلّ لحظة ترجّلهما، وأسعَفت سرعة البديهة حياته، إذ بحركة سريعة داسَ على مضخّة الوقود بقوة مُنطلقاً بعكس اتجاه الجيب الذي كان في الاساس مَركوناً واتجاهه نزولاً، فانطلق مُسرعاً بسيارته ليتفاجأ الملثّمون بجرأة مارك وهروبه ويُسارعوا الى إطلاق الأعيرة النارية في اتجاه سيارته التي «تَخردَقت» بكاملها بالرصاص ما أدى الى اصابته في كتفه، لكنه لم يتراجع وظل منطلقاً في اتجاه المستشفى الأقرب إليه.
«يا ريتني سَفّرتك»
يقول مارك لـ»الجمهورية» انّ العناية الالهية أنقذته وهي التي أسعَفته فجراً وأعطته القوة للقيادة على رغم من تفجير كتفه، وهو اليوم عاد الى عائلته سليماً مُعافى. وحين يُطرح السؤال على والده المصدوم يقول: «لا نصدّق انّ مناطقنا، التي لطالما كانت تتغنّى بالنعمة الامنية، يحصل فيها هذا الفلتان»، مُطالباً الاجهزة الامنية بتشديد الرقابة ليلاً على المناطق التي غاب عنها ضوء النهار وضوء الأمن. لكنه في المقابل يشكر الرب على عودة ابنه سالماً وعلى سرعة بديهته التي جعلته ينطلق بعيداً. بدوره، ناشَد مارك جميع امهات لبنان، هو الذي فقد والدته باكراً، بالطلب من اولادهنّ أخذ الحيطة والحذر أثناء عودتهم من السهر.
كذلك شكرَ الله انّ صديقه لم يصب بأذى. ومن منزله الكائن في البناء نفسه الذي يقيم فيه مع والده يترحّم على والدته المتوفّاة ويقول «العناية الالهية هي التي أنقذتني».
وحين سألته «الجمهورية» اذا كان يفكر بالهرب والسفر بعد الحادثة؟ قال مارك: «لا أنا باقٍ. اخترتُ البقاء في لبنان، وسنقاوم ولن أغيّر رأيي». بعكس والده الذي استقبل مارك بعد وصوله من المستشفى الى البيت بعبارة «يا ريتني سَفّرتك».
في المقابل يشعر مارك بالأسى ويقول لـ»الجمهورية»: أخشى على رفاقي وعلى المناطق الآمنة التي ترعرعنا فيها ونحبّها. وأستغربُ كيف سمحنا بوصول التفلّت الامني اليها، هي التي لم يستطع احد ولوجها في عزّ الحرب. والدليل انّ اهلنا لم ينبّهونا في السابق من اي خطورة امنية في شوارعها، والذي يحصل اليوم غريب علينا ومريب وأتمنى من كل الاصحاب والشباب اخذ الحيطة والحذر خصوصاً أثناء عودتهم من السهر ليلاً».
الاجهزة الامنية تُحذر
كشفت الاجهزة الامنية لـ»الجمهورية»، من خلال التواصل معها، أسباب حوادث سرقة السيارات ونوعها وطرق سلبها ومعدلها بين العام 2021 وبين السنة الجارية، وتحديداً في الاشهر السبعة الاولى منها مُقارنة مع العام الماضي.
وتلفت الاجهزة الامنية وتحذّر من انّ هناك نوعين من السيارات المرغوبة للسرقة في لبنان، وهي السيارات القديمة، تلك التي يتم «فَرطها» في لبنان مثل سيارات الهوندا CIVIC و ACCORD والمرسيدس «اللفّ»، وهي السيارات القديمة اي التي ليس فيها اجهزة حماية او اقفال للحماية، وهي سهلة السرقة. أما السيارات الحديثة المرغوب سرقتها والمفضّلة للسارقين، فهي كورية الصنع، اي التي هي من نوع kia و HUNDAY، لأنّ هذه الماركات لا تتمتع بمعدات او بقطع للحماية من السرقة. ولذلك يقول السارق لنفسه لماذا نستمر بسرقة السيارات القديمة طالما ان السيارات الحديثة ليس لديها ايضاً معدات حماية ويمكن الاستفادة منها اكثر من السيارات القديمة وذلك عبر تهريبها الى سوريا؟ اذ ان هذه السيارات خالية من IMMOBILIZER من مصنعها، وهي القطعة التي تمنع السيارة من الدوران الا بمفتاحها الخاص، فيما السيارات الحديثة والتي هي من اصناف وماركات اجنبية مختلفة، تتمتع بميزة الـ immobilizer. ولذلك، اذا اراد السارق سلبها يلجأ الى اتّباع اسلوب الحيلة والسلب بالقوة او عن طريق الاستئجار من معارض السيارات بواسطة الاحتيال، لأنه عاجز عن تحريك تلك الانواع من السيارات التي تتمتع بمعدات إحكام مقفلة للاقفال. لهذه الاسباب ولغيرها تنصح الاجهزة الامنية المواطنين الذين يملكون سيارات كورية بتركيب أقفال حديثة شبيهة بالـimmobilizer او بزرّ خفي داخل السيارة لا يتم تشغيله الّا عند دورانها، او بقفل للمقود، لافتة الى انّ ظاهرة سرقة السيارات مرتفعة اكثر من ظاهرة سلبها.
السيارات المسروقة
وتكشف الاجهزة الامنية لـ»الجمهورية» ان نسبة السيارات المسروقة انخفضت في الاشهر السبعة الاولى من العام الحالي مقارنة بالعام 2021 بمعدل 6,33 %، اي بنسبة بسيطة لتصبح:
691 سيارة مسروقة عام 2021
647 سيارة مسروقة عام 2022
أي بفارق 44 سيارة (إنخفاض)!
ولكن تجدر الاشارة الى انّ 5 اشهر ما زالت متبقية من عام 2022، وانّ الفارق المنخفض حتى اليوم قد تطيح به وتتفوق عليه السرقات الممكنة والمفترضة والمحتملة في خلال هذه الاشهر الخمسة.
السيارات المسلوبة
عام 2021 سيارة مسلوبة عدد 35
عام 2022 سيارة مسلوبة عدد 36
اي بزيادة سيارة واحدة حتى الشهر 7 من العام 2022 اي انها ارتفعت بنسبة 2,85 %.
لكن الخطورة تكمن ايضا في احتمال ازدياد ارتفاع نسبة سلب السيارات قبل نهاية السنة اذا استمر الوضع الامني بالتدهور، خاصة انّ الـ5 اشهر المتبقية ايضا لنهاية عام 2022 تعتبر فترة زمنية طويلة وكافية لتخطيط المُعتدين خصوصاً اذا ما قورِنت بنسبة سلب السيارات في الاشهر السبعة التي مَضت من العام 2022، واذا ما استمر التفلّت الامني وبقيَ تقاعس الاجهزة الامنية على حاله. والدليل انه واثناء كتابتنا لهذا التحقيق وردتنا معلومات عن حادثة سلب جديدة لسيارة الشاب ب.م. من نوع نيو رانج على اوتوستراد انفة -شكا عندما تم اعتراض سيارته من قبل مسلحين ملثمين وانزلوه منها بواسطة التهديد وفروا بها الى جهة مجهولة.