مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
يقف لبنان على مشارف تحديث ما يزيد عن 210 اتفاقات ثنائية مع بلدان مختلفة، فضلا عن اعادة النظر في عشرات الاتفاقات مع منظمات دولية واتحادات اقتصادية، ناهيك بعشرات الاتفاقات التجارية التي يتهيأ للانضمام اليها، مما يجعل الحاجة الى كوادر متخصصة امرا طارئا
يعيش لبنان اسوأ انهيار اقتصادي على مستوى العالم، لكن “ما اضيق العيش لولا فسحة الامل”. صحيح بأن القعر الذي يتخبط فيه اللبنانيون دولة وشعبا ومؤسسات عميق، لكن النظر الى الاعلى امر لا بد منه، ولا بد من ان يأتي يوم وتقر خطة النهوض الاقتصادي والاصلاحات المنشودة ويأتي التمويل الموعود من صندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية. الا ان مواكبة اية خطة نهوض تحتاج الى اعداد كوادر تتسلح بمهارات تخصصية، لاسيما في مجال التفاوض الاقتصادي والتجاري مع الدول والهيئات الحكومية وغير الحكومية.
لا يغيب هذا الهم عن وزارة الخارجية والمغتربين الحريصة على اتمام ادوارها المختلفة ولو في ظل الشح المادي والتفكك البنيوي للمؤسسات والتردي الاقتصادي المستحكم. في هذا الاطار، يمكن ادراج ورشة عمل “الديبلوماسية الاقتصادية” التي نظمتها الوزارة بتوجيهات من وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبد الله بوحبيب وبمبادرة من مديرية الشؤون الاقتصادية وعلى رأسها السفير بلال قبلان، بالتعاون مع لجنة الامم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا “اسكوا” ومعهد الامم المتحدة للتدريب والبحث “يونيتار”، ضمن بناء قدرات الديبلوماسيين اللبنانيين تمهيدا للمرحلة القادمة التي ستشهد اقرار خطة النهوض الموعودة.
عقدت ورشة العمل في 6 و7 حزيران الفائت، وتناول البرنامج مواضيع شتى منها كيفية التحضير للمفاوضات حول الاتفاقيات التجارية بين الدول. يقول السفير قبلان لـ”الامن العام”: “هذا امر اساسي لان ثمة معايير معينة للتفاوض وخصوصا بعد نشوء اطر منظمة التجارة العالمية، مما يرتب على الدول اتباع الاسس التي انضمت على اساسها لهذه المنظمة علما بأن لبنان ليس عضوا فيها بعد”.
تندرج هذه الورشة وما سيليها ضمن خطة العمل التي وضعتها مديرية الشؤون الاقتصادية في الوزارة منذ العام 2018، والتي دربت بموجبها الملحقين الاقتصاديين المنتشرين اليوم في بلدان عدة، وقد انخفض عددهم من 19 الى 17 بعد استقالة اثنين منهم لاسباب مختلفة، علما بانه تم التجديد للباقين سنة واحدة “اذ ثمة حاجة ماسة اليهم” بحسب ما يقول قبلان.
شارك في الورشة 8 ديبلوماسيين موجودين في الادارة المركزية حاليا بالاضافة الى ممثلين عن بقية الوزارات، وشارك فيها ممثلون من دول عربية “بغية بناء شبكة علاقات مفيدة للمراجعات او لتعزيز العلاقات الاقتصادية” كما يقول قبلان.
من جهتها، تشير الديبلوماسية سوزان موزي وهي من ضمن فريق عمل مديرية الشؤون الاقتصادية، الى ان “اهمية الدورة تتأتى من التغير الحاصل في العلاقات الدولية وانعكاسه الحتمي على قضايا التجارة والاستثمار والتنمية والسياسة، مما يحتم تطوير بيئة العمل الديبلوماسي لمواكبة هذه التطورات، فيكتسب الديبلوماسيون معارف ومهارات تمكنهم من حماية مصالح بلدهم الاقتصادية سواء على مستوى العلاقات الثنائية مع الدول الاخرى او بشكل متعدد الطرف في المحافل الدولية ذات الصلة”.
تميزت ورشة العمل بمحتوى غني، اذ عالجت موضوعات معاصرة مثل الامن الغذائي وسياسات التعافي بعد جائحة كوفيد-19، وتطرقت الى موضوع المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية لناحية آلية عملها والمفاوضات في اطارها. وكانت نماذج تمارين منها محاكاة مؤتمر دول مانحة حول كيفية اعداد المفاوضات والاتفاقيات العادلة وتسوية الخلافات حول الحقوق التجارية امام منظمة التجارة العالمية او المؤسسات ذات الصلة والدور الذي يلعبه الديبلوماسي في هذا الاطار.
ان ابرز القدرات التي كان مرسوما ان يكتسبها الديبلوماسي تتمثل بحسب موزي “في مهارات التفاوض حول الاتفاقات التجارية لادارة مفاوضات ناجحة، وابرزها المرونة في ادارة التفاوض واستثمار العلاقات الشخصية والتقيد بالقواعد التجارية”. كذلك تطرقت الورشة الى موضوع الامن الغذائي والمجالات المتاحة امام الدول للتعاون في مواجهة هذه الازمة العالمية.
هل من اتفاقات معينة سيعيد لبنان النظر فيها او يحدثها مما سيعطي دورا رائدا لهؤلاء الديبلوماسيين في المستقبل؟ يعدد السفير قبلان اتفاقات عدة ابرزها: اتفاقية التجارة العربية التي انضم اليها لبنان في بداية تسعينات القرن الماضي، اتفاقية الشراكة الاوروبية، الى اتفاقات انضم اليها لبنان في الاعوام الثلاثة الاخيرة ابرزها “اغادير” وهي اتفاقية جغرافية محدودة مع دول المغرب العربي تسمح ببعض التعديلات في شهادات المنشأ لادخال بضاعة عبر حدودها الى اوروبا تكون معفية من الرسوم الجمركية، اتفاقية European Economic Zone وهي اتفاقية محدودة مع الدول الاوروبية الشرقية الـ14 التي انضوت في الاعوام الاخيرة في الاتحاد الاوروبي وتتيح تصدير الاسماك وبعض المواد الزراعية عبرها. ولا يزال لبنان في طور المفاوضات حول اتفاقية “مركوسور” وهي اتفاقية “السوق المشتركة الجنوبية” لدول اميركا اللاتينية، وعادة ما تكون مدة التفاوض في شأنها طويلة الامد اذ دامت قرابة الـ19 عاما مع الاتحاد الاوروبي، وقد بدأ لبنان المفاوضات حولها في تشرين الاول من العام 2018 تلتها جولة ثانية في نهاية العام 2020، وتوجد جولات عدة بعد.
بالاضافة الى ذلك، ثمة ما يزيد عن الـ210 اتفاقات ثنائية مع دول، وهي ذات انواع عدة. يقول قبلان ان لبنان “مهتم بالانضمام الى اتفاقات مع الاتحاد الافريقي وخصوصا في غرب افريقيا، وتحديدا “الايكواس” اي “المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا”، وتتم دراسة الانضمام الى اتفاقات لوائح تفضيلية على منتجات محددة ولفترات زمنية محدودة، وذلك مع الصين ودول جنوب شرق اسيا”.
ستضطلع وزارة الخارجية والمغتربين لاحقا بدور في متابعة اعمال الشركات المنقبة عن الغاز والنفط. وكانت الوزارة قد وقعت مع وزارة الطاقة ورقة تفاهم في نهاية العام 2018 تضمنت 6 نقاط اساسية منوطة بوزارة الخارجية يعددها قبلان كالاتي:
- جمع المعلومات المتعلقة بقطاع الغاز والنفط في العالم.
- الاستعلام عن قضايا واتفاقات تقوم بها اسرائيل تتعلق بالنفط وسبق ان قامت سفاراتنا بادوار لجمع المعلومات لوزارة الطاقة.
- ابلاغ وزارة الطاقة عن المؤتمرات العالمية حول قطاع النفط والغاز.
- تزويد وزارة الطاقة كل ما يتعلق بمنشورات تصدر في بلدان الاعتماد حول قطاع الغاز والنفط وثمة تنسيق مع هيئة قطاع النفط.
- المشاركة في اجتماعات تتعلق باتفاقات ترسيم الحدود البحرية مع قبرص.
- ايضا الاتفاقات المتعلقة بما تحت المياه، ومشروع اتفاقية للحفاظ على البيئة، وهي في موازاة اتفاقات النفط وستناقش كلها في وقتها.
- التجديد سنة اضافية لـ17 ملحقا اقتصاديا في الاغتراب
كذلك توجد دورات تدريبية مستقبلية يفصلها كالاتي: “يتم العمل على المسألة المتعلقة بكيفية عقد المفاوضات التجارية، كتابة التقارير الاقتصادية، وبعد خطة النهوض الاقتصادية يتم الاعداد لتدريب يتعلق بموضوع التصدير”.
يحرص على التنويه بـ”الانجاز الذي قام به المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم اذ انشأ دائرة الشؤون الاقتصادية في الامن العام اللبناني، وهي تعنى بالتحليل الاقتصادي، ونحن كوزارة وكمديرية للشؤون الاقتصادية على تعاون دائم معها في ما يخص تقييم الامن الاقتصادي للبلد”.
يضيف السفير قبلان: “اتمنى ان تنشأ وحدة مشتركة عبر وزارات مختلفة على المستوى الوطني تعنى بالاستطلاع الاقتصادي وهو امر شائع لاسيما في البلدان التي تمر بعثرات كما هي حالة لبنان، تقوم هذه الوحدة بتقييم المخاطر الاقتصادية على البلد بعملية وقائية، وخصوصا انه لدينا مصالح اقتصادية للمغتربين في افريقيا ونحن نتعرض اخيرا لضغوط يقف خلفها العدو الاسرائيلي للتأثير على جالياتنا وهذه مسألة تعني وزارة الخارجية والامن العام سويا”.