“مصدر دبلوماسي”
مقالات مختارة
مجلّة “الامن العام”
مارلين خليفة
شارك لبنان الرسمي للسنة السادسة على التوالي في “مؤتمر دعم سوريا والمنطقة” الذي ينعقد في بروكسيل برعاية اوروبية، وتشارك فيه دول العالم الى المنظمات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين. في هذه الدورة قدم لبنان للمرة الاولى طلبا للمجتمع الدولي وللمانحين بتعويضه مبلغ 30 مليار دولار اميركي هي كلفة استضافة النازحين السوريين منذ العام 2011 لغاية اليوم.
يمسك وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار دراسة حول الاستراتيجيا الوطنية للحماية الاجتماعية في لبنان اعدتها منظمات دولية، ويقول: “جل ما تريده الدول هو الادماج الاقتصادي والاجتماعي في بلدان الجوار حماية لمصالحها من دون النظر الى الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية لدى الدول المضيفة”.
منذ تسلمه وزارة الشؤون الاجتماعية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في ايلول 2021، وهكتور حجار الاتي من عالم التنشيط الاجتماعي الجامعي يثير القلق في نفوس زائريه من موفدين للمنظمات الدولية وللاتحاد الاوروبي. آخر وفد كان مؤلفا من 30 برلمانيا اوروبيا زاره قبل يوم من مغادرته الى بروكسيل للمشاركة في المؤتمر الذي انعقد ايار الفائت وترأس الوفد اللبناني وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبدالله بوحبيب. خرج النواب الاوروبيون غير مسرورين، ولحق بهم رئيس بعثة الاتحاد الاوروبي رالف طراف الذي يشدد في حواراته على ان المساعدات للبنان رهن وجود اللاجئين، ففوجئ بالوزير حجار يقول له: “لا نريد مساعدات نريد التخلص من هذا العبء بالطرق القانونية، نحن لا نقول ان ملف النازحين هو سبب لكل مشاكلنا، لكنه جزء كبير من مشاكلنا”.
اخبار مهولة يرويها حجار الذي جال على مخيمات البقاع والشمال مرارا في خطوة لم يسبقه اليها كثر من الوزراء. يلوح بيديه حاملا الدراسة ويقول: “هل تعلمين بأن مقابل كل ولد لبناني هنالك ولد سوري؟ اي ان مقابل كل لبناني يوجد مولود سوري؟”.
يصف حجار المجتمع المدني اللبناني وكذلك السوري الذي التقاه في بروكسيل كالاتي: “المجتمع المدني من لبنان وسوريا هو وليد المنظومة الدولية، انهم البوق للمؤسسات الدولية، وهم في الاصل سافروا على حساب هذه المؤسسات واقاموا في فنادق على حسابها ايضا ونطقوا باسمها. وعندما ترينهم تتفاجئين اذ يطبعون على “الدكتيلو” ذاته، وهم “حبايب”، وبطبيعة الحال هم مع ابقاء النازحين ودمجهم في المجتمعات المضيفة”.
الجديد الذي يكشف عنه حجار في حوار مع “الامن العام” هو ان الخطة اللبنانية التي اقرتها اللجنة الوزارية المختصة ستنتقل من النظرية الى التطبيق لأن مصلحة لبنان هي الاهم.
* لماذا توجهت الى بروكسيل بكلام عالي السقف في موضوع النازحين السوريين؟
– لم اتوجه الى بروكسيل بكلام عالي السقف، فمنذ تسلمي الوزارة كان كلامي عالي السقف. ليست الهواجس اللبنانية نتيجة تخيلات، بل نحن نراقب الوضع منذ اليوم الاول وانا من الوزراء القلة الذين زاروا مخيمات النازحين السوريين ميدانيا في البقاع، حيث زرت اكثر من 10 مخيمات والامر سيان في الشمال. اكتشفت انه لدينا كثافة حضور نازحين سوريين، لدينا اطفال وولادات، ولدينا خيم موقتة مستمرة منذ 11 عاما، وان نسبة عالية من الاولاد هم اميون، وبأن النسبة الاعلى من النازحين ليسوا مسجلين. اكتشفت في اجتماعاتي مع الاجهزة الامنية والمحافظين انهم يتخوفون بشكل كبير من كثرة السرقات من مجموعات منظمة للجريمة او للتهريب.
* ماذا اكتشفت في عمل المنظمات الدولية التي تدير هذا الملف؟
– يقال ان المنظمات الدولية تساعد النازحين، هذا صحيح، لكن يلاحظ ان الاوضاع الانسانية لهؤلاء مهترئة، فهم يعيشون في الخيم بتعاسة. الرجال يعملون بلا اذن عمل، والاطفال لا يتعلمون. اكتشفت في تجوالي على قرى ثلث سكانها لبنانيون والثلثان الباقيان سوريون، تابعت المشاكل الميدانية والصراع ما بين المجتمع المضيف والمجتمع النازح. من يعرف اين تقع “شهابية الفاعور”؟ من يعرف اين هي “الجرمشية”؟ انا زرتهم ميدانيا، في شهابية الفاعور في البقاع، لدينا سكان نصفهم لبنانيون ونصفهم الاخر سوريون. لا تمتلك بلدية شهابية الفاعور اموالا لرفع النفايات، لذا ترمى نفايات المجارير الصحية وسواها في نهر الليطاني وبما ان نهر الليطاني يصب في آخره في الاولي والجزء الاخر في مكان ثان، فانه يصب في البحر الابيض المتوسط.
* ما هي الخلاصة التي استنتجتها؟
– الاستنتاج الذي توصلت اليه والذي استند الى دراسة يظهر انه لدينا مليون ونصف مليون نازح سوري يتوزعون على 3 فئات: فئة تذهب وتجيء الى سوريا وتقوم بالـ”بزنس” وهي تعيش في المخيمات وتقوم بتنقلاتها اما عبر المعابر الشرعية او غير الشرعية، وفي القانون الدولي مَن يزر بلده وهو نازح تسقط عنه صفة النزوح، بينما لا افهم لماذا تريد المفوضية السامية للاجئين تسجيل كل سوري في لبنان على انه نازح؟ لا افهم لِمَ هذه المحبة الفائضة. نحن كدولة طلبنا ايقاف التسجيل لمن لديهم رغبة. لدينا فئة ثانية تعمل وجمعت عائلاتها ونساءها في لبنان وصارت فئة مستثمرة. انا زرت بعض القرى التي لن اذكر اسماءها وهي كانت مجتمعات حاضنة ايجابية، وتكاثرت فيها حركة النزوح، اليوم ينادي سكانها اللبنانيون بأنه لم يعد يوجد في قريتهم لحام او دكان صاحبه لبناني، جميع الاعمال والحرف يديرها سوريون. بالتالي، هم ينافسون ليس في الاعمال فحسب بل في الاستثمار. اما الفئة الثالثة، فلديها مشاكل مع النظام.
* ما هو الاثر الاقتصادي لتواجد هذه الفئات الثلاث من النازحين السوريين في لبنان؟
– تتعدد الاثار: الاقتصادية، البيئية، الاجتماعية، الديموغرافية، السياحية في الهوية… اكتشفنا عقب دراسة قمنا بها باننا دفعنا للخبز فقط 3 مليارات دولار في خلال 11 عاما، امنيا، لا يمكننا حصر الرقم الامني، نحن مضطرون يوميا الى تحريك اجهزتنا الامنية في المناطق لكي تتابع الحضور السوري وتمنعه من التسبب بمشاكل وهذا يكلفنا المليارات. لدينا اثر دعم الكهرباء والمياه والفيول، مليار دولار سنويا. ان نسبة الفقراء اللبنانيين بحسب التقارير تبلغ اقله 80 في المئة من الشعب اللبناني، ونحن نقوم بتفاوض مهم مع صندوق النقد الدولي لجلب 3 مليارات دولار، بينما الخسارة التي نتوقعها في الـ11 عاما من الحرب السورية تبلغ في نسبتها المنخفضة 30 مليار دولار اميركي، لذا طالبنا المجتمع الدولي في بروكسيل التعويض على لبنان بهذا المبلغ على مدى 11 سنة، وهي المرة الاولى التي يطالب فيها لبنان بهذا الامر. بعد كل هذه الدراسات، تواصلنا بطبيعة الحال مع فخامة الرئيس العماد ميشال عون ومع رئيس مجلس الوزراء والجميع مضطرب لما يحدث. الى حين وصلنا الى حادثة غرق زورق مهاجرين في مدينة طرابلس، حيث كانت توجد على متنه 3 جنسيات، سورية ولبنانية وفلسطينية، وقد اثير هذا الموضوع في جلسة مجلس الوزراء وتقرر على اثر ذلك ان تجتمع لجنة النازحين وتطلعنا على المقررات. قررنا في هذا اللقاء موضوع العودة الفورية، وايقاف العمالة السورية وتطبيق القانون، وقررنا ايجاد حلول للسجون التي تحتوي على 40 في المئة من المساجين السوريين حيث لا يمكننا توفير الغذاء لهم. لدينا موضوع ضبط الذهاب والاياب من والى سوريا، وفي موضوع التعويضات. بعدها تم تعيين وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين لمتابعة هذا الموضوع مع الجانب السوري، وعينت شخصيا لمتابعة المواضيع مع المؤسسات الدولية، وتعين الوفد الى مؤتمر بروكسيل السادس الذي ترأسه وزير الخارجية والمغتربين الدكتور عبدالله بوحبيب.
* ماذا طلب لبنان في بروكسيل؟
– طلبنا التعويضات، 30 مليار دولار يجب ان تقبضها الدولة اللبنانية لأن كل المساعدات التي تأتي الى لبنان عكس ما يقولون تأتي للسوريين مباشرة، في بعض مشاريع التنمية يستفيد عدد ضئيل من العائلات اللبنانية لا يتعدى عددها 30 الف عائلة، وطالبنا بالعودة المباشرة الامنة وطالبنا بدفع ما يدفعونه في لبنان في الداخل السوري، وللاشخاص الذين لديهم مشاكل مع نظام بلدهم فلتعمل السلطات الاوروبية على ايجاد بلدان رديفة تستضيفهم.
* ماذا كانت ردود الفعل؟
– الجو العام في البرلمان الاوروبي هو مناهض كليا لهذا التفكير.
* ما هي الرسالة الى دول الجوار السوري التي اراد مؤتمر بروكسيل السادس ان يصدرها في شأن النازحين السوريين؟
– ان الفكرة الرئيسية التي ركزوا عليها منذ اليوم الاول ان الوضع الانساني للنازحين السوريين يتراجع، مع تمنيات ان يوفر المجتمع الدولي وعلى الرغم من مشكلة اوكرانيا الدفع لاستمرار الحد الادنى من الحياة اللائقة للنازحين السوريين في كل دولة من الدول المضيفة. اما مقاربتنا في كلمتنا او في لقاءاتنا مع المسؤولين انه لا يمكن فصل الوضع الانساني للسوريين عن الوضع الانساني للدول المضيفة وقدراتها، وهذا امر لا يأخذونه في الحسبان.
* ماذا كان رد الفعل على خطابكم؟
– الرفض الكلي، شعرنا بذلك من الكلام وتبادل النظرات غير المريحة والتعابير، لكن شرحنا انه اذا لم تؤخذ وجهة نظرنا في الاعتبار فسنصل الى كوارث.
* لكن هذا الكلام يردده لبنان منذ 11 عاما بلا اي نتيجة؟
– نعم، لكننا نردده الان بطريقة واضحة، وقلنا لهذا المجتمع الدولي اذا كنتم خائفون من مليون ونصف مليون سوري يرحلون عن لبنان فسيذهب معهم 6 ملايين لبناني.
* تم اقرار تعهدات بـ6,6 مليارات دولار اميركي لبلدان النزوح، ما هي حصة لبنان؟
– هذه الارقام تتغير. هي التزامات لجميع النازحين في المنطقة كلها، وهي ستخضع بطبيعة الحال الى مد وجذر، وحصة لبنان سنرى عمليا كم ستكون وسيتم اطلاق اعلان لكل المؤسسات الدولية في هذا الخصوص.
* كم دفعوا في الاعوام الماضية؟
– في العام الماضي تم دفع 1,56 مليار دولار كانت تدفعها الدول المانحة للمفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون اللاجئين وليس للدولة اللبنانية، الدولة اللبنانية لم تقبض ليرة واحدة. المفوضية كانت تحول لدعم صحة السوريين، ولدعم الغذاء والمساعدات الانسانية وسواها وقدمت دعما بنسبة صغيرة جدا للتنمية في لبنان في بعض القرى… (رصيف، او قناة صغيرة…) وليست مشاريع كبرى. كذلك قاموا بتأمين عائلات لبنانية بدعم شهري كانوا يدفعونه بالليرة اللبنانية فطالبنا بتحويله الى الدولار بعد ان تسلمنا هذه الوزارة.
* اذن المفوضية هي التي تستلم المال؟
– نعم، هي التي تستلم المال وهي التي توزعه.
* هل طالبتم في بروكسيل بآلية دعم مختلفة تستفيد منها الدولة اللبنانية؟
– طالبنا بأن يحصل تعويض للدولة اللبنانية لأنها تكبدت عجزا كبيرا جدا، واعتقد ان الحوار سيبدأ حاليا عبر وزارة الخارجية والمغتربين ووزارة الشؤون الاجتماعية مع الوفود، والمؤسسات الدولية والسفراء وقد تكثفت الاتصالات لكي يلمسوا مدى جديتنا، ونحن ذاهبون الى خطة تنفيذ. اي اننا طالبنا انه في المرحلة المقبلة سنطبق ما قررناه في اللجنة الوزارية بحسب القانون اللبناني.
* كيف يتم التعاون بين وزارة الشؤون الاجتماعية من جهة والمديرية العامة للامن العام اللبناني من جهة ثانية؟
– اجتمعت مرارا مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وتمحور الحديث عن هذا الملف بالذات. وقد طلبت من مجلس الوزراء اكمال كل التدابير بمشاركة مباشرة للمدير العام للامن العام اللبناني الذي سبق وتابع هذا الملف، وقد كان للامن العام اللبناني الدور الاساسي في انجاز مرحلة ناجحة ومهمة جدا في اعادة النازحين السوريين وهو المخول الوحيد والجهة القادرة على القيام بهذا العمل بطريقة آمنة ومنظمة بالتعاون مع الحكومة اللبنانية.