“مصدر دبلوماسي”
مقالات مختارة
مجلة الامن العام
مارلين خليفة
تصوير عبّاس سلمان
نظرت روسيا بشكل ايجابي جدا الى الانتخابات البرلمانية، وقد تم جزء منها في موسكو للمغتربين اللبنانيين، كذلك كان ثمة مراقبون روس يمثلون الغرفة الاجتماعية لروسيا في انتخابات لبنان، لكن هذه الانتخابات ليست سوى باب للحلول اما يفتحه اللبنانيون على مصراعيه او يقفلونه.
لا يرى الروس بشخص سفيرهم في لبنان الكسندر روداكوف بأن الانتخابات تعني حلا تلقائيا للازمة الاقتصادية. وفي رأيهم ان عملية الحفاظ على التوازن بين مصالح المجتمع اللبناني ومطالب الهيئات الدولية له اهمية قصوى. يقول السفير روداكوف في حوار مع “الامن العام” تطرق فيه الى موقف لبنان من ازمة اوكرانيا وتداعيات هذه الازمة عالميا، ان برنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي “لا يضمن التنمية المستدامة على المدى الطويل. فمن الضروري ايضا تطوير امكانات النمو الاقتصادي المحلي وزيادة التعاون الشامل مع البلدان الاخرى، بما في ذلك روسيا ونحن على اتم استعداد”.
يقول السفير روداكوف ان روسيا لا تتدخل في شكل الحكومة المقبلة، ومهما كان شكلها وتشكيلتها ورئيسها فهي مقبولة روسيا. وقد حددت روسيا عناوين لتعاونها مع لبنان، هي تشجيع العلاقات الثنائية في المجالات كلها ومنها بعض الاتفاقيات المشتركة وهي قرابة العشر التي تحتاج الى ابرام نهائي.
* تستمر العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا منذ 24 شباط الفائت ولا تزال روسيا ترفض تسميتها بالحرب، ما الذي حققته وهل ستستمر طويلا وسط تدفق الاسلحة على اوكرانيا؟
– تتطور العملية العسكرية الخاصة في اوكرانيا كما اعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرارا وفق الجدول الزمني المخطط له، وستتحقق اهدافها حين يتم نزع السلاح من اوكرانيا واجتثاث النازية وتحولها الى دولة محايدة، والاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين، فضلا عن تكريس شبه جزيرة القرم كجزء لا يتجزأ من الاتحاد الروسي. ما يثير القلق هو حقيقة تطوير وانتاج انواع محظورة من الاسلحة البكتريولوجية على اراضي اوكرانيا من قبل وبالتعاون مع عدد من الدول الغربية. وهذا ما تؤكده الوثائق الرسمية التي صارت في حوزة وتصرف الجيش الروسي. يتم كذلك، ومنذ سنوات عدة تزويد اوكرانيا مختلف انواع الاسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية. يمكننا اليوم ان نؤكد ان العملية الخاصة التي قامت بها روسيا عملت على احباط المخطط له من اعمال عدوانية واسعة النطاق ضد جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين. يستمر مع ذلك، الدعم العسكري والمالي والسياسي للنظام الدمية في كييف، واصبح من الواضح ان الغرب الجماعي يعتزم الاستمرار في صب الزيت على نار النزاع المسلح ودعم العمليات العسكرية ضد روسيا حتى اخر اوكراني.
* تطاول هذه الازمة العالم بأسره وخصوصا اسعار النفط والغاز وموادا غذائية اولية، ما هي ابرز المواد التي تنتجها روسيا والتي بات العالم يعاني من نقص منها؟
– لا شك في ان للعقوبات الغربية ضد روسيا تأثيرا سلبيا بما في ذلك على اقتصاديات تلك البلدان التي تحاول تطبيق القيود الاقتصادية، بالاضافة الى انها تؤدي بشكل او بآخر الى نشوء ازمة عالمية. كان هناك في الاونة الاخيرة، في عواصم اوروبية عدة دعوات موتورة وحازمة لوقف فوري وكامل لامدادات الطاقة من روسيا. لكن الكثير من ممثلي وقياديي الشركات الاوروبية الكبيرة مقتنعون بالعكس، ان قرارا مماثلا يمكن ان يؤدي الى عواقب وخيمة للغاية على اقتصاد العديد من دول الاتحاد الاوروبي وعلى وضع مواطنيها ومصيرهم. لم يبخل الموردون الروس لموارد الطاقة والمحاصيل الزراعية والحبوب يوما بالتزاماتهم التعاقدية، وهم يواصلون اليوم بالايفاء بموجباتهم. الشيء الوحيد الذي اضطررنا الى القيام به هو مطالبة بعض شركائنا الاوروبيين بالدفع بالروبل في مقابل امدادات الغاز. بالتالي، يقع ضرر العقوبات ضد روسيا على العالم اجمع، ونذكر التهديد المحتمل للامن الغذائي في مناطق مختلفة من الكوكب، تقع مسؤولية ذلك على عاتق الدول الغربية المستعدة للتضحية ببقية العالم من اجل الحفاظ على هيمنتها العالمية.
* بالنسبة الى لبنان، كان هناك عتب روسي واضح على موقف لبنان الاولي في الجمعية العامة للامم المتحدة، هل تمت معالجة هذا الموضوع وكيف؟ وهل عدل موقف لبنان في مجلس حقوق الانسان من الموقف الروسي تجاه لبنان؟
– بالفعل، ان التصريحات التي ادلى بها الجانب اللبناني في شباط الماضي في شأن العملية العسكرية الخاصة في اوكرانيا التي اضطرت روسيا مكرهة للقيام بها، جاءت مثابة مفاجأة غير سارة لنا. كنا ننتظر من القيادة اللبنانية تقييما اكثر توازنا وتحليلا اكثر تعمقا لتطور مسار الحوادث الجارية على الساحة الاوكرانية. اود في الوقت ذاته التأكيد على التاريخ الطويل من العلاقات الودية والصداقة التي طالما طبعت العلاقة بين الشعبين الروسي واللبناني، والاهمية الكبيرة التي تعلقها موسكو على عملية تطويرها وتعزيزها. نشعر بشكل عام، بالارتياح لمستوى تطور الحوار السياسي بين بلدينا. ونقدر القرار الذي اتخذه لبنان في نهاية العام الماضي بأن يصبح احد المشاركين في صياغة مشروع القرار الروسي الصادر عن الدورة 76 للجمعية العامة للامم المتحدة في شأن مكافحة تمجيد النازية. الجدير بالذكر، ان الولايات المتحدة واوكرانيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تصوتان بانتظام ضد هذه الوثيقة التي تدين، من بين امور اخرى جميع الممارسات التي تسهم في تصعيد الاشكال الحديثة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الاجانب وما يتصل بذلك من تعصب. يعرب لنا ممثلو القوى السياسية اللبنانية الرئيسية والجمعيات الاهلية عن التضامن والدعم في ما يتعلق بالخطوات التي اتخذتها روسيا على المسار الاوكراني. لذلك، لا اعتقد ان ما جرى والتصريحات المذكورة اعلاه، يمكن ان يكون لها اي اسقاط سلبي على التطور المتدرج للعلاقات الروسية اللبنانية ككل.
* هل ستضع روسيا عقوبات على الدول التي لم تساندها في العملية العسكرية في اوكرانيا ومنها لبنان؟
– بالكاد يمكنكم تذكر مثال واحد بادرت فيه روسيا الى اتخاذ تدابير عقابية، او وضعت قيودا على اية دولة اجنبية وعلى مواطنيها. ليست لغة العقوبات طريقتنا. نحن نؤيد دوما التعاون المتكافئ والمفيد للطرفين من جانب جميع اعضاء المجتمع الدولي. القيود الاحادية او الجماعية هي اجراء يأتي بنتائج عكسية للغاية وخصوصا عندما يستهدف روسيا. لقد بدأت البلدان التي طبقتها بالفعل بادراك الخطأ الذي ارتكبته، ولا يمكننا في مطلق الاحوال تجاهل وعدم الرد على القيود والعقوبات المفروضة على روسيا. سيتم الرد على كل واحد منها بشكل مناسب. اما بالنسبة الى الجمهورية اللبنانية، فلا يمكننا ان نتخيل وضعا يمكن فيه لاصدقائنا اللبنانيين ان يتصرفوا ضد روسيا الاتحادية، حتى ولو وجدت بعض القراءات والرؤى المختلفة، فاننا نقوم بتسويتها بطريقة عائلية من دون نشر اي غسيل وسخ، ولطالما نشعر هنا بالدعم والتفهم.
* ما هي تأثيرات هذه الازمة على النفوذ الروسي في الشرق الاوسط وخصوصا في سوريا؟ وهل صحيح ان موسكو سحبت جزءا من قواتها من سوريا الى اوكرانيا؟
– اعتقد انه من السابق لاوانه اعطاء اية تقديرات.، ولا اعتقد ان السفير الروسي في لبنان هو الجهة الصالحة للبحث في امور مماثلة. لكن من الواضح لنا ان منطقة الشرق الاوسط ككل لديها فهم جيد لاسباب وجوهر ما يحدث في اوكرانيا. لذلك، لم تنضم الدول العربية الى المعسكر المناهض لروسيا بقيادة الولايات المتحدة ونأت بنفسها عن دعم القرارات ذات الدوافع السياسية الموجهة ضد بلدنا على مختلف المنصات الدولية. كما نرى ان دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا لا تواصل التعاون المتبادل المنفعة معنا فحسب، بل تهتم ايضا بزيادة هذا التعاون. اذا كان هذا يشير الى نوع من تأثير روسيا فليكن. اما بالنسبة الى نقل القوات من سوريا الى اوكرانيا، فقد ذكرت وزارة الدفاع الروسية مرارا بأن جيشنا يواصل تنفيذ مهمته في هذا البلد العربي بدعوة من دمشق. لا توجد تغييرات جوهرية في هذا الاتجاه. اما اذا كان هناك بعض التشكيلات، فهذا امر شائع وتدابير عادية وروتينية في مثل هذه الحالات.
* هنالك طلاب لبنانيون تخرجوا من جامعات روسيا يتم تهديدهم بعدم الاعتراف بشهاداتهم في اوروبا، هل حصل هذا الامر؟
– لست ناطقا باسم الدول الاوروبية، لكنني ارى انه يمكن توقع اي شيء منهم نظرا الى ارتفاع منسوب العداء لروسيا وجنون الروسوفوبيا التي نلاحظها في الدوائر الغربية الحاكمة. انا متأكد من امر واحد: درس اللبنانيون بنجاح في بلدنا ولعقود عدة في الحقبة السوفياتية وفي روسيا الحديثة وهم يشغلون الان مناصب قيادية في المجتمع اللبناني. هؤلاء هم الاطباء والمهندسون ورجال الاعمال، وليس لدي اي شك في ان الخريجين الحاليين وفي اي سيناريو جيوسياسي كان، سيفلحون ويلعبون الدور المطلوب في مساعدة لبنان على الخروج من الوضع الصعب الذي يعيشه. اعتقد انه سيكون من الافضل لبلدكم، ان يعود جيل الشباب الى الوطن وللعمل لصالحه عوض السفر الى بلدان اخرى.
* كيف تنظرون الى الانتخابات النيابية التي حصلت والتي يتردد بانها لن تشكل نهاية للازمة الاقتصادية في لبنان؟ وهل ترون ان برنامج صندوق النقد الدولي هو الحل؟
– نحن نقيّم بشكل ايجابي اجراء الانتخابات البرلمانية في وموعدها المحدد. هذا يدل على الحفاظ على الطابع الديموقراطي للمجتمع اللبناني، حتى على الرغم من الفترة الصعبة التي يمر فيها البلد. واود ان الفت انتباهكم الى انه ضمن المراقبين الاجانب في الانتخابات كان الممثلون عن الغرفة الاجتماعية لروسيا الاتحادية الذين لم يسجلوا اية انتهاكات خطيرة اثناء التصويت. ليس هناك شك في ان الانتخابات نفسها لا تعني حلا تلقائيا للازمة الاقتصادية، وتقع على عاتق النواب مهمة صعبة في العمل على تطوير واعتماد عدد من مشاريع القوانين اللازمة لحل المشاكل المتراكمة، بما في ذلك امكان الحصول على المساعدة المالية الدولية. هنا ترتدي عملية الحفاظ على التوازن بين مصالح المجتمع اللبناني ومطالب الهيئات الدولية اهمية قصوى. لا يضمن برنامج التعاون مع صندوق النقد الدولي التنمية المستدامة على المدى الطويل. فمن الضروري ايضا تطوير امكانات النمو الاقتصادي المحلي وزيادة التعاون الشامل مع البلدان الاخرى، بما في ذلك روسيا، ونحن على اتم استعداد.
* انعقد اخيرا في بروكسل مؤتمر دعم سوريا والمنطقة كيف واكبته روسيا؟ وخصوصا في ملف عودة النازحين؟
– لطالما كانت لدينا ملاحظات على اطار مؤتمرات بروكسل. فعوض مناقشة الخطوات الملموسة لتهيئة الظروف لاعادة السوريين الى اوطانهم، جرى حصر النقاش مرارا وتكرارا في موضوع تخصيص الاموال لاعالتهم في البلدان المضيفة. جرى تحوير واستغلال هذه الفعاليات لتعزيز المواقف الغربية السياسية الاهداف والمعادية للرئيس بشار الاسد، وتدفيع الثمن للدول المضيفة للاجئين ومنها لبنان. نعتبر عدم مشاركة ممثلي الحكومة الشرعية السورية خللا ونقصا رئيسيا لاطار بروكسل. هنا اود ان اطرح سؤالا: كيف يمكننا مناقشة مصير الملايين من المواطنين السوريين من دون سلطات هذا البلد؟ من الواضح ان السؤال بات شكليا، لأن الزملاء من الاتحاد الاوروبي لا يهتمون بذلك. كما ان اعضاء الاتحاد الاوروبي استبعدوا في هذه السنة الوفد الروسي، ولم يوجهوا اليه الدعوة للمشاركة في مؤتمر بروكسل بحجة وعلى خلفية الاحداث الاوكرانية. لا نفهم ماذا تتوقع العواصم الغربية من التسوية للنزاع في سوريا من دون دمشق وموسكو؟ لكن الواضح انها تراهن وتخطط لاستخدام اللاجئين في اللعبة السياسية ككتلة ناخبة ضد بشار الاسد. ولا يبدو ان احدا في الغرب يهمه ارادة ورغبات السوريين انفسهم والاجواء المحيطة بهم في البلدان المضيفة لهم. ولبنان مثال نموذجي لذلك. اما الموقف الواضح الذي صاغته قيادة البلاد لصالح تقديم المساعدة للاجئين في سوريا نفسها فيتم تجاهله كليا من الغربيين.
* هل من مؤتمر جديد تعده روسيا حول النزوح السوري في لبنان والمنطقة؟
– كما تذكرون، عقدت روسيا بالتعاون مع السلطات السورية مؤتمرا حول عودة اللاجئين في دمشق في تشرين الثاني من العام 2020. لقد كانت تجربة جيدة بالرغم من عدم مشاركة الدول الغربية المؤسف في هذا الحدث لاسباب سياسية، كذلك اتسم موقف زملائنا من الامم المتحدة بالضبابية وكان خجولا للغاية بشكل لم نجد له تفسيرا. طالما كررنا استعدادنا لعقد مؤتمر آخر ودعمه. كان من الممكن ان ينعقد في بيروت، خصوصا وان السلطات اللبنانية كانت اعربت عن دعمها لمثل هذه المبادرة. اصبح هذا الاطار حاليا اكثر اهمية في ضوء الموقف الواضح والجلي هنا في لبنان في شأن الحاجة الملحة لتسريع عودة اللاجئين السوريين الى بلادهم من خلال مساعدة دولية. انا واثق من اننا سنواصل المشاورات مع شركائنا اللبنانيين حالما تصفو الاجواء في لبنان بعد ان انتهت الانتخابات البرلمانية وبعد ان تؤلف حكومة جديدة لديها الصلاحيات.
* كيف تقيّمون علاقتكم مع الولايات المتحدة الاميركية في الشرق الاوسط؟
– تتأثر طبيعة التعاون الروسي – الاميركي في منطقة الشرق الاوسط بشكل رئيسي، في وضع العلاقات بين موسكو وواشنطن بشكل عام، وهي اليوم ليست في احسن احوالها وتمر باوقات عصيبة. من المؤكد ان التعاون الفعال المبني على المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة لاكبر اللاعبين الدوليين وخصوصا روسيا والولايات المتحدة مهم للغاية لبلدان الشرق الاوسط وشمال افريقيا، من اجل ضمان السلام والاستقرار لدول المنطقة وخصوصا في ظل وجود بؤر للتوتر الدائم في سوريا وليبيا واليمن، والحاجة الى حل مجموعة معقدة من القضايا في اطار التسوية الفلسطينية – الاسرائيلية والازمة الاجتماعية والاقتصادية العميقة في لبنان، والحاجة الماسة لاستئناف عمل خطة العمل الشاملة المشتركة في شأن ايران… الخ. ولا يمكن في الوقت نفسه انكار ان آليات التعاون الروسي – الاميركي في منطقة الشرق الاوسط، مثل تنسيق الاعمال العسكرية للبلدين في سوريا تحمل افاقا جيدة. لكننا غير متفائلين، في ضوء محاولات واشنطن طرد روسيا من هذا الجزء من العالم، ومحاولة تحجيم علاقاتنا مع الدول الصديقة خلافا لأي منطق سليم، وعدم وجود رغبة واضحة حقيقية وثابتة في حوار متكافىء ومحترم من اجل التغلب على التحديات المزمنة والمستمرة في المنطقة. نأمل في ان تدرك القيادة الاميركية في نهاية المطاف الحاجة الى العودة الى الاطر الصحيحة للتعاون على الساحة الدولية، اي الحوار القائم على التعاون والاحترام المتبادل والذي تتناساه وتتجاهله واشنطن.