“مصدر دبلوماسي”
مقالات مختارة
مجلة الامن العام
تصوير عباس سلمان
تعتبر كندا المقصد لأول هجرة لبنانية في العام 1882 حين كان لبنان جزءا من الامبراطورية العثمانية، وهي لا تزال لغاية اليوم مقصدا للبنانيين في هجرتهم الثالثة بعد الحرب الاهلية وفي زمن الانهيارات المتتالية
لم يكن عبثا عندما غنت فيروز يوما “بيت زغير بكندا”. ففي هذه الدولة من اميركا الشمالية الممتدة مساحتها بين محيطي الاطلسي والهادئ وصولا الى المحيط المتجمد الشمالي، يعيش بين 200 و400 الف لبناني بحسب ارقام موقع السفارة الكندية في بيروت، انضم اليهم اخيرا بين عامي 2019 و2021 قرابة 4395 لبنانيا من المهاجرين الجدد، بحسب الارقام الحديثة التي زودتنا سفيرة كندا في لبنان شانتال تشاستيناي في حوار مع “الامن العام”.
وتشير تشاستيناي الى ان كندا التي تصدر القمح والبقول والزيوت الى لبنان، تعاني من مشكلة الجفاف الذي ضربها الصيف الماضي، مما جعل مخزونها قليلا جدا من هذه المواد وخصوصا القمح وسط الازمة الغذائية المستعرة بسبب الحرب بين روسيا واوكرانيا. تقول: “على الرغم من تجدد المخزون مع موسم العام 2022، فان مستويات مخزون الحبوب الحالية في كندا منخفضة للغاية بسبب الجفاف الشديد الذي حل في الصيف الماضي. ان مخزونات القمح وزيت الكانولا على سبيل المثال، هي في ادنى مستوياتها منذ عقد. المنتج الزراعي الوحيد الذي بقي له مخزون كبير هو الذرة من شرق كندا. تم استنفاد فائض البطاطا في اراضي جزيرة الامير ادوارد، لكن الزراعة والصناعات الزراعية في كندا تقيم حاليا قدراتها الكامنة”.
في ما يأتي نص الحوار:
* سعادة السفيرة انت موجودة في لبنان منذ العام 2020 ورافقت البلد في اصعب مراحله وخصوصا بعد انفجار مرفأ بيروت في آب 2020 والانهيار الاقتصادي المتعمق، كيف تصفين مهمتك في بيروت؟ وكيف تشخصين الازمة اللبنانية؟
– تميزت مهمتي في بيروت لغاية اليوم بكونها مكثفة وغنية بالمشاعر والتحديات وتتخللها لقاءات وتجارب لا تنسى. لقد اتيت الى لبنان اثر انفجار مرفأ بيروت مباشرة كجزء من الوفد المرافق لوزير الخارجية الكندي فرانسوا فيليب شامباين. لقد كان وصولا مؤثرا بشكل خاص. شعرت ان الدمار لم يؤثر على المباني فحسب، بل على المواطنين ايضا. كانت المعنويات منخفضة، تحطمت الاجواء الايجابية المفعمة بالامل التي سادت بعد انتفاضة تشرين الاول 2019. توقفت جميع محاولات التغيير والاصلاح. هذا بالاضافة الى تحديات كوفيد-19 وصعوبة مقابلة الناس شخصيا، مما جعل الاشهر القليلة الاولى لي في البلاد صعبة للغاية. بعد ذلك شاهدت عزيمة اللبنانيين الذين راحوا يلملمون شظايا الزجاج والحطام وبدأوا اعادة البناء المادي والبشري، عوض الخوض في الازمات المتشابكة التي يمر فيها لبنان، افضل ابراز شجاعة اللبنانيين رجالا ونساء وتمسكهم بوطنهم على الرغم من كل الصعاب وكفاحهم الدؤوب للوصول الى بلد احلامهم. بلد ينعم بالسلام وذي سيادة ومستقل. بلد حيث الشمولية والشفافية والعدالة هي كلمات السر. على المستوى الشخصي، يجب ان اعترف بأن كرم ودفء الناس فضلا عن العلاقات اللبنانية الكندية العميقة الجذور، هي التي ساعدتني في التغلب على الاجواء الكئيبة في كثير من الاحيان والايمان بايام افضل، ولكن ايضا جمال الطبيعة والجبال حيث اذهب لاعادة تجديد طاقاتي. آمل في ان يرى المستقبل لبنان يستعيد موطئ قدمه، ويكون لديه نظام حكم يسهل تطوير امكاناته الكاملة ويسمح لشبابه بأن يحققوا طموحاتهم في مستقبل واعد.
* انت جزء من سفراء “مجموعة الدول الـ7” التي تضم سفراء الاتحاد الاوروبي والمانيا وكندا وفرنسا وايطاليا واليابان والمملكة المتحدة، وقد بادرتم لمناقشة تداعيات الحرب في اوكرانيا مع المسؤولين اللبنانيين بغية توفير نماذج صحية وغذائية متاحة للجميع في ضوء الازمة الاقتصادية، ماذا كانت نتيجة خطوتكم؟
ـ تشعر كندا بقلق بالغ بازاء الوضع في اوكرانيا وتداعياته على العديد من السياقات الهشة اساسا. وبينما تستمر التداعيات على النظم الغذائية العالمية والتي تستشعر بها الفئات الاكثر ضعفا، بما في ذلك اولئك الذين يواجهون بالفعل ازمات انسانية، تواصل كندا دعم شركائها في المجال الانساني مثل برنامج الاغذية العالمي للمساعدة في تلبية الاحتياجات الغذائية الطارئة لمجموعة متنامية من الاشخاص الذين يعانون من انعدام الامن الغذائي الحاد في انحاء العالم. في لبنان، تساهم المساعدات الانسانية الكندية المستمرة في دعم المساعدات الغذائية والبرامج النقدية المتعددة الغرض لبرنامج الاغذية العالمي ومفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين والاونروا، التي توفر الخدمات الاساسية للاجئين وعائلات المجتمعات المضيفة الاكثر ضعفا. تسمح التحويلات النقدية الشهرية للاسر بشراء الطعام ودفع تكاليف الضروريات الاساسية. على سبيل المثال، ان مساهمة كندا البالغة 10.5 ملايين دولار تساهم في المساعدة الانمائية لبرنامج الاغذية العالمي وفي دعم البرنامج الوطني لاستهداف الفقر PNCPالذي يسمح لـ4،700 عائلة لبنانية في حالة انعدام الامن الغذائي بالحصول على بدل شهري نقدي لشراء المواد الغذائية المحلية. ثمة خمسة ملايين اضافية من المساعدات الانمائية المقدمة الى منظمة الاغذية والزراعة في للحفاظ على قدرة الانتاج الغذائي المحلي لاكثر من 4500 اسرة من اصحاب الاستثمارات الصغيرة، من خلال تقديم قسائم للمدخلات الزراعية (مثل البذور والاسمدة) والاصول الزراعية (كالابقار والالبان)، فضلا عن الانتاج المحلي من السماد العضوي واعلاف بديلة للاسمدة المستوردة. بالاضافة الى ذلك، يشارك ممثلو السفارة الكندية في مجموعة العمل الوطنية حول الامن الغذائي والزراعة، بالتعاون مع السلطات الوطنية والمجتمع الدولي ويواصلون مراقبة الوضع عن كثب.
* تشمل صادرات البضائع الرئيسية من كندا الى لبنان قطع غيار السيارات والاغذية الزراعية (خصوصا القمح والبقول)، كيف ستدعم كندا لبنان بالقمح الذي يتضاءل مخزونه بسبب الازمة الاوكرانية الروسية؟
– تعد كندا مصدرا صافيا للسلع الاساسية مثل القمح والبذور الزيتية. الا ان طلب السوق والمخزون الحالي سيؤثران على مدى توفر المحاصيل الكندية وقدرتها على تلبية احتياجات هذه المناطق. ستواصل كندا مراقبة تداعيات الغزو الذي شنه القادة الروس على سلاسل الامداد الغذائي العالمي، وستعمل مع شركائها لمكافحة الاثار السلبية على الكنديين وعلى البلدان الاكثر ضعفا واعتمادا على الواردات. تجدر الاشارة الى انه على الرغم من تجدد المخزون مع موسم العام 2022، فان مستويات مخزون الحبوب الحالية في كندا منخفضة للغاية بسبب الجفاف الشديد الذي حل في الصيف الماضي. ان مخزونات القمح وزيت الكانولا على سبيل المثال، هي في ادنى مستوياتها منذ عقد. المنتج الزراعي الوحيد الذي بقي له مخزون كبير هو الذرة من شرق كندا. تم استنفاد فائض البطاطا في اراضي جزيرة الامير ادوارد، لكن الزراعة والصناعات الزراعية في كندا تقيم حاليا قدراتها الكامنة.
* في اذار الماضي قام مدير عام مكتب وزارة الخارجية الكندية جيس داتون بزيارة لبنان، ما هو الهدف من هذه الزيارة ونتائجها؟
– قام جيس داتون بزيارة لبنان في اطار جولة اقليمية، مما اتاح له الفرصة لمناقشة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في البلاد مع مختلف المسؤولين اللبنانيين. كما تطرق الى الوضع الموقت للاجئين واللبنانيين من الفئات الضعيفة، فضلا عن دعم كندا للجيش اللبناني. استفاد السيد داتون من اجتماعاته ليكرر دعم كندا للسلام والاستقرار في لبنان وللتأكيد على اهمية الانتخابات التشريعية كمرحلة اولى من الاصلاحات الاساسية. كما دعا الى العدالة والمساءلة من خلال تحقيق شفاف ومستقل في انفجار مرفأ بيروت.
* تعتبر كندا وجهة محببة للبنانيين وبعد الانهيار الاقتصادي منذ العام 2019 حصلت موجة ثالثة من الهجرة اللبنانية، ما هي الارقام الفعلية للهجرة الى كندا؟
– ترحب كندا سنويا بالقادمين الجدد الاتين من مختلف انحاء العالم، الذين يساهمون في اثراء التنوع. ان نظام الهجرة مفتوح وغير تمييزي ويرتكز الى معايير موضوعية. هنالك طرق متعددة للهجرة الى كندا ويمكن لمواطني لبنان الهجرة الى كندا من خلال السبل الاقتصادية او من خلال فرص لمّ شمل الاسرة. لدى كندا ايضا مسار انساني لاعادة توطين اللاجئين من لبنان كجزء من التزامنا التضامن الدولي وتقاسم المسؤولية مع دول مثل لبنان تستضيف اعدادا كبيرة من اللاجئين. على مدى ثلاث سنوات من عام 2019 الى عام 2021، استقبلت كندا 2285 مقيما دائما جديدا من لبنان ضمن الفئة الاقتصادية و 2110 من فئة الاسر. كذلك اعادت كندا توطين 7231 لاجئا من لبنان خلال الفترة ذاتها.
* رعت سفارة كندا احتفالا في مناسبة اليوم العالمي للمرأة يتعلق بقوانين الاحوال الشخصية، هل من مقاربات محددة تعملون عليها في هذا الصدد؟
– نظمنا هذه الطاولة المستديرة بالتعاون مع هيئة الامم المتحدة للمرأة وفريق مسرحية “مفروكة” للاحتفال باليوم العالمي للمرأة الموافق في 8 اذار من كل عام. كان الهدف هو اعادة تأكيد التزام كندا المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات وانفاذ حقوق الانسان الخاصة بهن في اطار خطة التنمية المستدامة العالمية لعام 2030. نحن نؤمن ايمانا راسخا بأن المشاركة الكاملة والمتساوية للنساء والفتيات في جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والقضاء على جميع اشكال العنف ضد النساء والفتيات ضرورية لعالم مستقر وديموقراطي ومزدهر اقتصاديا. بالاضافة الى ذلك، وخلال فترة الانتخابات، كان من المهم التأكيد على ان كندا تدعم التمكين السياسي الكامل للمرأة على المستويات كافة. هذا يشمل تعزيز وحماية حقوق الانسان لجميع النساء في التصويت بأمان في الانتخابات والاستفتاءات العامة والتأهل للانتخاب في الهيئات السياسية والمناصب العامة والتعبير عن انفسهن والتنظيم بحرية والتجمع السلمي. في الواقع، عندما يكون للنساء والفتيات صوت في صنع القرار السياسي يمكن تصميم السياسات والبرامج بشكل افضل لتلبية احتياجات الجميع.
* تدعم كندا من خلال برامج المساعدة لبناء القدرات في مجال مكافحة الارهاب المبادرات المتعددة الطرف التي تهدف الى مكافحة التطرف العنيف ومنع تسلل المقاتلين الاجانب وتأمين حدود لبنان، هل من تفاصيل عن هذا التعاون لاسيما مع الامن العام اللبناني؟
- انفق برنامج بناء القدرات في مجال مكافحة الارهاب CTCBP منذ العام 2014 ما يفوق 32.8 مليون دولار كندي لدعم المبادرات في لبنان. في حوزة هذا البرنامج حاليا خمسة مشاريع في لبنان تبلغ قيمتها الاجمالية 10.4 ملايين دولار كندي. فيما يلي بعض النماذج:
- دعم جهود مكافحة التطرف العنيف في مراكز الاحتجاز وزيادة قدرة النظام القضائي اللبناني على التحقيق والملاحقة وادارة واعادة تأهيل السجناء من ذوي المخاطر العالية بمن فيهم المتهمون بالارهاب والتطرف العنيف.
- دعم القوات الخاصة للجيش اللبناني من خلال تدريب الاستطلاع الوثيق المتكامل بين الجنسين.
- اقتراح الانشطة المجتمعية والاتصالات للتاكيد على المسارات البديلة وبناء القدرة على الصمود ضد الجماعات المتطرفة العنيفة.
- وافق برنامج بناء القدرات في مجال مكافحة الارهاب اخيرا على منحة قدرها 2.5 مليون دولار كندي لصالح مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمةUNODC من اجل تنفيذ برنامج AIRCOP الاقليمي في لبنان والاردن والعراق. في لبنان يعمل البرنامج في مطار بيروت الدولي لتعزيز القدرات والتنسيق بين الامن العام اللبناني وقوى الامن الداخلي ومديرية الجمارك، ولكل منها صلاحيات مختلفة تتعلق بمكافحة الجريمة المنظمة والارهاب.
* يشمل دعم كندا لامن لبنان واستقراره الاجتماعي مشاريع تهدف الى خفض التوترات بين النازحين والمجتمعات المضيفة التي تتلقى الضغوط، فضلا عن مشاريع الامن المجتمعي التي تبني قدرات الشرطة المحلية والقوات المسلحة اللبنانية لمنع النزاعات واعمال العنف والاستجابة لها، هل من تفاصيل عن هذا التعاون؟
– منذ آب من العام 2017 ساهمنا في مبلغ 7.8 ملايين دولار لبرنامج الامم المتحدة الانمائي الذي ينفذ مشروعا لنا لمساعدة السلطات اللبنانية على توفير خدمات الامن والعدالة الاساسية في المجتمعات المضيفة. البلديات اللبنانية هي الخط الرئيسي للاستجابة لازمة اللاجئين السوريين على الرغم من افتقارها الى الموارد اللازمة لتقديم الخدمات التي يجب ان تقدمها. في المجتمعات المضيفة، يعتمد الكثير من الناس على اليات غير رسمية لحل النزاعات وغالبا ما يتخلى اولئك الذين لديهم القليل من رأس المال الاجتماعي مثل النساء والشباب واللاجئين، عن المطالبة بحقوقهم تاركين شكاواهم من دون حلول. تشمل انشطة المشروع ما يلي:
1) تعزيز قدرات الشرطة البلدية.
2) انشاء آلية للانذار المبكر والاستجابة لرصد ومعالجة التوترات في المجتمعات المضيفة.
3) المساعدة القانونية للفئات الضعيفة وخصوصا النساء.
كما يعزز المشروع التدابير الرامية الى زيادة عدد النساء في قوات الشرطة البلدية وتوعية الشرطة القضائية والبلدية على قضايا العنف ضد المرأة.