“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
تمكنت فرنسا بإدارة الرئيس (المنتهية ولايته) إيمانويل ماكرون من اقناع المسؤولين في المملكة العربية السعودية وفي الامارات العربية المتحدة اللتان تربطهما علاقات متباعدة حاليا مع الولايات المتحدة الاميركية بعدم جواز اخلاء الساحات العربية سواء في سوريا والعراق وحثتهما على التحضير لنشاط متزايد في لبنان. تظهّر النجاح الفرنسي والكويتي بدرجة ثانية في لبنان، حيث عاد السفير السعودي وليد البخاري في بداية نيسان الجاري بنشاط سياسي واجتماعي يهدف الى اعادة الزخم الى الحضور السعودي عبر لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين وتنظيمه لحفلات الافطار في مقره في اليرزة والتي تجمع على موائدها مسؤولين سياسيين وامنيين وقادة رأي عام، مع العلم ان السفير البخاري يقلّ في التعبير عن مواقف المملكة حاليا مكتفيا بالخطوط العريضة للعلاقات العائدة بعد “غيمة صيف”. تجدر الاشارة الى أنه بالأمس عاد وسط صمت اعلامي لافت سفير لبنان لدى الرياض فوزي كبارة الى مقر عمله، إثر طرده منذ 5 اشهر على خلفية تصريحات وزير الاعلام المستقيل جورج قرداحي، بينما لم يتم بعد ابلاغ الممثلين الدبلوماسيين اللبنانيين في البحرين والكويت ميلاد نمور وهادي الهاشم أي أمر بعودتهما.
اعادة تموضع سعودية في وجه ايران
إن العودة السعودية والاماراتية الى المنطقة ولبنان تهدف الى اعادة التموضع في بلدان الشرق الاوسط حيث يتمركز النفوذ الايراني، ويرتبط الامر بحسب المراقبين العارفين بكواليس الامور بمرحلة ما بعد مفاوضات فيينا حول الاتفاق النووي مع ايران، وبغض النظر عن اتمامه ام لا، يعتبر الخليجيون أنهم جزء من صانعي القرار في الشرق الاوسط لا سيما في سوريا ولبنان والعراق، ويبدو بحسب المعلومات المتداولة من قبل ضالعين في السياسة الاقليمية بأن محيط ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان منقسم بين مؤيد لاعادة التموضع ومعارض له مع غلبة للرأي الاول بحسب مجريات الحوادث.
بحسب مصدر ضليع بالسياسة الاميركية في الشرق الاوسط “لم يتخذ هذا النشاط السعودي المستجد في سوريا والعراق بعدا عسكريا أو تسليح جماعات معينة كما درجت هذه الدول بين عامي 2012 و2013، بل من المتوقع أن يكون التركيز على ملفات سياسية واقتصادية”. يضيف المصدر:” هذا هو المنحى الرئيسي، لكن في السعودية وتحديدا في محيط ولي العهد السعودي الامير محمّد بن سلمان توجد بعض الشخصيات التي لديها تحفظات قوية على اعادة الانفتاح على لبنان تحديدا ويعتبرون أنها معركة خاسرة سلفا، وان حلفاءهم في لبنان شبه معدومين باستثناء رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذين يدركون مدى محدودية تأثيره في اللعبة السياسية”.
بحسب تقديرات العارفين فإن الانفتاح المحدود واعادة السفير الى بيروت ودعم مؤسسات غير حكومية عبر صندوق انساني فرنسي سعودي مشترك بمبلغ 36 مليون دولار لا يزال مضبوط ضمن سقف محدد، في انتظار أي رأي في السعودية سيسود على الآخر. ويشير المصدر المذكور:” حتى إذا كانت الغلبة لاعادة الانخراط فهو سيكون عبر القوة الناعمة فحسب، إذ لا شهية لأكثر من ذلك. ويحتاج الامر لمعرفة الاتجاه الصحيح: هل هو مجاملة للفرنسيين أم انها مبادرات سطحية لا تخوض بجوهر المواضيع؟ أم قرار باعادة التموضع مجددا في لبنان من خلال الملف السياسي والاقتصادي لتعزيز الدور السعودي”؟
وتلفت المعلومات التي يقدمها المصدر المقرب من الاميركيين وذو الصلات الاقليمية الى أنه:”في العراق توجد حركة سياسة مماثلة عبر السفير السعودي وهو يلتقي ايضا وجوها اجتماعية وليس سياسية فحسب، وخصوصا في المناطق السنية: صلاح الدين، الانبار وهنالك اهتمام بالموضوع الاقتصادي. ويشهد العراق ايضا تحركا اماراتيا ملحوظا. يشبه الامر ما يحاول السعوديون القيام به في لبنان: اعادة تموضع سياسي واستخدام الملف الاقتصادي في سبيل ذلك”.
في سوريا، “السعودية تقوم بخطوات خجولة وبقيت بمعظمها تحت الطاولة، الاماراتيون يحاولون ترتيب الامور مع النظام، لكن ثمة اعتقاد بأن السعودية ايضا بالجو نفسه وهي ليست معارضة. وحصل اخيرا لقاء بين مدير مكتب الامن الوطني السوري اللواء علي مملوك ومسؤول سعودي امني رفيع، وفي العراق يوجد الحوار بين السعوديين والايرانيين بتيسير من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وفريق عمله تحديدا”.
يبدو بأن الخليج بشكل عام يحضّر دوله لمرحلة ما بعد انتهاء مفاوضات فيينا بغض النظر عن النتيجة، “حيث يرتسم أمام قادة هذه الدول سيناريوهان اثنان، قاسمهما المشترك هو الرأي القائل بأن انشطة ايران في المنطقة لن تتضاءل، ولذا بدأت هذه الدول البحث عن طرق للحفاظ على وجودها في المرحلة المقبلة”. بحسب المصدر المذكور.
المناخ الاقليمي
في لبنان تحديدا، حيث تتشابك المصالح وتكثر التأويلات وتبث الروايات والشائعات يبدو بأن المملكة العربية السعودية بحسب المناخات التي تبث عازمة على نفخ روح العزيمة في حنايا الطائفة السنية التي تبدو “يتيمة” بلا زعيم منذ اعلان الرئيس سعد الحريري تعليق عمله السياسي ومغادرته لبنان الى الامارات العربية المتحدة. لفتت عودة السفير البخاري الى لبنان قبل فترة وجيزة من الانتخابات النيابية، وتشير المعلومات التي يتداولها مسؤولون لبنانيون على تماس مع مصادر اقليمية وازنة الى أن “الاستراتيجية السعودية المستجدة تشمل لبنان والمنطقة ككل، لأنه لا يمكن فصل لبنان عن الاقليم وهي تقضي بتسويات مع الدول لاحتواء المدّ الايراني”. وتشير المعلومات المتقاطعة بين مصادر مقربة من الاميركيين ومن دول اقليمية كسوريا والعراق الى أن السعودية” تدرك بأن الاتفاق النووي مع ايران سيتم، وأن فك ارتباط سوريا عن ايران غير ممكن، لذلك تعمد الى احتواء سوريا”.
ويقول أحد المسؤولين السياسيين المقربين من دمشق لموقع “مصدر دبلوماسي” بأن ” السعودية ستقوم قريبا بخطوة تجاه سوريا” لكن المصدر الذي رفض الافصاح عن هويته لم يقبل ايضا ان يبوح بالمزيد من المعلومات.
في الوقت عينه، ووسط استراتيجية المملكة بتقوية سوريا واعادة صياغة علاقاتها وتقويم ثلاثي الابعاد في العراق وسوريا ولبنان فإن السعودية تحافظ على الحوار مع ايران عبر بغداد، وبالرغم من الاجواء المتشائمة حول توقف هذا الحوار بعد اعدام الرياض لعدد من النشطاء الشيعة، يقول المصدر الآنف الذكر بأن:” المفاوضات بين السعودية وايران مستمرة وهي ستنعكس ايجابا على المنطقة وخصوصا على الملف اليمني”. وتطمح السعودية بحسب المسؤول عينه الى ” حلف سعودي سوري مصري بمباركة اميركية وروسية لجبه ايران في المنطقة وبالتالي فإن ادارة لبنان ستتم عبر الاتفاق مع سوريا كما حصل قبل العام 2005 من دون ان يعني ذلك اعادة الحكم السوري الى لبنان”.
في خضم هذا الحراك، فإن الحركة الفرنسية والوساطة الكويتية نجحتا في تصوير مخاطر سقوط لبنان وانهياره الكلي امام المسؤولين في الرياض ففوضى السقوط اللبناني ستكون تكلفتها اخطر بكثير من سيطرة “حزب الله” على قرار لبنان. لذا، وفي الوقت الراهن تعمل السعودية على التعاون عبر صندوق التعاون الانساني مع فرنسا، حيث توجد 36 مليون دولار ستصرف على الجهات غير الرسمية من المؤسسات الفاعلة، ولا تريد المملكة تكرار تجربة “رش” المال يمنة ويسرة على لبنانيين لا يدينون لها بولاء ولا حتى بتقدير ويبذرون اموالها بلا مسؤولية وبلا اي مردود ايجابي.
باستثناء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وهو “بيت المال السعودي في لبنان منذ العام 2015، اثر نجاحه الباهر في ادارة تمويل جماعات تعادي نظام الاسد على عكس الحريري، فهو المعتمد سعوديا سواء بوجود السفير السعودي او بغيابه “كما يقول المسؤول اللبناني الرفيع ذي العلاقات الاقليمية الوطيدة، فإن اموال السعودية “لن تصرف إلا بعد الانتخابات النيابية المقبلة وحيث يجب أن تصرف، أما قبل الانتخابات فسيحصل التركيز على الشارع السني الذي يبدو بأنه لا يزال مواليا لسعد الحريري، والذي قرر بمعظمه الاعتكاف عن الاقتراع ما يحمل مخاطر جمّة من حيث التمثيل السني، لذا سيكون تركيز المملكة على احتواء جمهور الحريري في الفترة القصيرة الفاصلة عن الانتخابات النيابية”.
وحول بعض الكلام السعودي عن أن الشعب اللبناني يمر بمرحلة اختبار ضمير حول مدى حرصه على علاقاته بدول الخليج واختيار من سيربح الانتخابات وما قاله على سبيل المثال السفير السعودي السابق في لبنان علي عسيري في ندوة عبر “تويتر” من أن ” اختيار اللبنانيين للسلة القديمة يعني “الله يرحم لبنان” أما اذا اختار الشعب اللبناني الشرفاء بسياسة متوازنة يتم انقاذ لبنان وإلا ستكون المعاناة اللبنانية كبيرة”، يعلق المسؤول المذكور بأن:” لبنان لا احد ينهيه، وليس قرار تمويله هو بيد السعودية بل بيد الاميركيين وعلى عكس ما يشاع فإن الولايات المتحدة الاميركية هي الاكثر حضورا في المنطقة وفي لبنان على وجه التحديد. إن مساندة لبنان هو قرار دولي وبتفويض اميركي فقط”.
لكن، يقول السعوديون انهم لم يعودوا مهتمين للبنان الذي خذلهم وهو في قبضة حزب الله؟ يجيب المسؤول المذكور:” يقول السعوديون ذلك لأن اتفاقهم الاساسي في المنطقة سيكون مع سوريا، لكن لبنان يهمهم كثيرا لأنه خاصرة سوريا الضعيفة، ولا يمكن ان تمشي مصالحهم في سوريا إن كان ثمة من يعرقلها في لبنان، والتوازن مع ايران مطلوب في لبنان وسوريا والعراق وكل المنطقة، فلا يمكن فصل البلدان عن بعضها البعض كما يحلو لبعض موارنة جبل لبنان أن يفعلوا”. ويخلص المسؤول الى القول بأن “السعودية ستبقى معنية في لبنان حتى لو ربح خصومها اكثرية المجلس النيابي وجلّ ما يمكن فعله هو رعاية سعودية فرنسية لاعادة النظر بتعديلات معينة في الطائف أو اعادة قراءة له لأنه من الافضل الحفاظ على هذه الصيغة”.