“مقالات مختارة”
مجلّة الامن العام
مارلين خليفة
بلغ عدد الولادات للنازحين السوريين في لبنان منذ بداية الحرب السورية 190 الف مولود سوري بحسب ارقام وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، فيما تشير المستشفيات الى ان نسبة ولادات السوريين تتفوق باشواط على نسب ولادات اللبنانيين.
يترتب على هذا الواقع وجود كتلة بشرية من الاطفال السوريين الموجودين في لبنان غير مزودين هوية سورية بسبب عدم تسجيلهم بحسب الاصول في وزارة الداخلية اللبنانية، وتحديدا في دائرة الاجانب المنوط بها نقل ملفاتهم الى وزارة الخارجية والمغتربين التي تقوم بدورها لاحقا مع الدولة السورية. الا ان عملا دؤوبا تقوم به وزارة الشؤون الاجتماعية بالتعاون مع وزارة الداخلية والوزارات المختصة وعدد من الوكالات الدولية يهدف الى تغيير هذا الواقع منعا لوجود خلل ديموغرافي مستقبلي في بلد التوازنات الدقيقة.
تبلغ نسبة السوريين المسجلين حاليا في سجل الاجانب 31 في المئة، بعد ان كان 17 في المئة قبل ان تتخذ وزارة الشؤون الاجتماعية هذه المبادرة منذ قرابة العام. لكن الرقم ليس كافيا وثمة الكثير من العمل الذي ينتظر الجهات المعنية.
تشغل الدكتورة علا بطرس منصب المشرفة العامة على خطة لبنان للاستجابة لملف النازحين السوريين ومستشارة وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، وقد تناولت بطرس في حديث الى “الامن العام” تفاصيل هذا الملف الشائك.
لدى خطة لبنان للاستجابة فريق عمل منتشر في المحافظات اللبنانية كلها، وثمة قسم متخصص في عملية تسجيل ولادات النازحين السوريين الموجودين في مكاتب المفوضية لاضافة المواليد الجدد الى ملفات اهلهم، وما يحصل هو ان التسجيل الانساني يتم، حيث ان 89 في المئة من النازحين السوريين يلتزمونه، لكن من دون استكماله بالمسار القانوني لكي يتم تسجيل اولئك الاشخاص في سجل الاجانب.
تشير الدكتورة علا بطرس: “ادى ذلك الى فجوة تظهر الى انه يوجد 190 الف مولود سوري، 31 في المئة منهم فقط مسجلون، مما يعني ان اولئك الاولاد السوريين مجردون من اية هويات سوريا، او اية وثيقة تعرّف بهم، والفجوة ليست في تسجيل الولادات فحسب بل في تسجيل الزواج”.
بحسب الالية الطبيعية، من المفترض ان تتم متابعة هذا الامر في دوائر النفوس، ثم ترسل الوثائق الى سجل الاجانب الذي يسلمها بدوره الى وزارة الخارجية اللبنانية وهي تتابعها بالاليات الديبلوماسية مع السلطات السورية: “ما يهمنا هو ان يصل ملف هذا الشخص الى سجل الاجانب حتى نطمئن بانه شخص من التابعية السورية وليس مكتوم القيد، لأن هذا الامر يشكل خطرا على الاستقرار الاجتماعي في لبنان، وفي النهاية فإن مسألة مكتومي القيد خطرة لانها لا تجعل الدولة الاصلية للشخص تعترف به، اذ لا اوراق لديه، ولا توفر له في مرحلة لاحقة عودة الى دولته الاصلية اي سوريا”.
تضيف: “ما قامت به وزارة الشؤون الاجتماعية هو التنسيق مع وزارة الصحة وسجل الاجانب، وهي اعدت نماذج موحدة للمستشفيات والقابلات القانونيات في لبنان كله، لأن النماذج السابقة لم تكن موحدة بل كان كل مستشفى يعطي نموذجا خاصا، كما يتطلب توحيد النماذج وقتا وجهدا. بالتوازي، تعاونا مع المحكمة الشرعية السنية في بيروت واصدرنا تعاميم منها ما يتعلق بمسألة تسجيل الزواج، لأن الزواج غالبا ما يكون شرعيا لكنه غير قانوني، اي ان الشيخ يعقد الزواج لكن الناس لا تكمل تسجيله في المحكمة مما ينسحب عدم تسجيل للولادات. وقد تعاونت معنا المحكمة الشرعية السنية واصدرت هذا التعميم، ورفعت الاعباء المالية عن اثبات الزواج وهذا امر مهم وايجابي، انتقلنا بعدها الى مرحلة تسجيل الولادات وتعاونا مع وزارة التربية الوطنية، لأن ثمة برنامجا يتعلق بالتعليم المبكر، وتعاونا مع منظمة اليونيسيف والمجلس النروجي للاجئين ووزارة التربية، فليس مقبولا ان يذهب الولد للتعلم بلا اوراق ثبوتية مما يعرضه لاحقا الى مخاطر فلا يحصل على شهادة مدرسية او جامعية. كما تعاونا معهم من اجل القيام باستشارات قانونية لتقديم النصح لكل عائلة بالتعاون مع المجلس النروجي للاجئين وحصل اجتماع مع مانحه وهو البنك الالماني للتنمية اكدنا فيه على اهمية هذا الموضوع، لأنه في مسألة الحماية لا يمكننا ان نؤمّن فقط حماية انسانية اذا لم يكن لدى هذا الشخص الحق الاول وهو الجنسية. وهي التي توفر له كل الحقوق الدائمة، علما انه تم التعاون ايضا في هذا الملف مع الاتحاد الاوروبي.
من جهة ثانية، قام المدير العام للاحوال الشخصية العميد الياس خوري في سجل وقوعات الاجانب بالغاء مهلة السنة كشرط لتسجيل ولادات النازحين السوريين كنوع من التسهيل لسد الفجوة، وهذه المهلة هي ابتداء من العام 2011 اي في بداية الازمة السورية ولغاية شباط 2022، مما يعني ان كل ولادات النازحين السوريين ضمن هذه المهلة تسجّل من دون التقيد بمهلة سنة، وهذا لا ينطبق على اللبنانيين الملزمين اجراء فحص اختبار الحمض النووي وتقديمه للمحكمة لاصدار البنوة. وهذا كله يندرج في خانة التيسير، لذا ارتفعت نسبة المسجلين من الـ17 في المئة بين عامي 2017 و2018 الى 31 في المئة، وهذا الرقم غير كاف”.
وقالت: “وقعت وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية في العام 2015 اتفاقا مع مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين تمّ على اثره تسليم او مشاركة “داتا” النازحين السوريين مع وزارة الشؤون الاجتماعية، اذ يبلغ عدد النازحين السوريين المسجلين مع المفوضية هو 836 الف نازح، وبالتالي فان هذه “الداتا” موجودة. لكن الرقم التقريبي لعدد النازحين السوريين في لبنان او لكل السوريين هو مليون ونصف مليون، لكن هذا العدد تقريبي ولا احصاء دقيقا للعدد الحقيقي وكل ما نعرفه هو عدد المسجلين فحسب”.
كيف يتم تحفيز السوريين على التسجيل؟
يسجل فريق خطة الاستجابة الموجود في مكاتب المفوضية النازحين بشكل انساني ويطلب منهم استكمال الاجراءات، ويكون هذا الفريق جاهزا لمواكبتهم في عملية التسجيل. تقول بطرس: “يقصد فريقنا المخيمات للقيام بعمليات توعية للتسجيل. قمنا بتجربة في عرسال، حيث قصد موظفون من سجل الاجانب المخيمات للقيام بهذا الامر ونجحوا، فطلبنا منهم تعميم هذا الامر، اي ان الموظفين يملأون الاستمارات المطلوبة والطلبات ويستقدمون منهم الوثائق ويتابعونها. وحددت وزارة الداخلية والمفوضية 3 اماكن في الشمال، وادي خالد والمحمرة وسهل عكار، حتى ينشئوا هذه المراكز للنازحين ويستقبلوا تسجيل الولادات، ونحن ننتظر ان يتم هذا الموضوع”.
تمّ تشكيل لجنة متابعة لهذا الملف بالتعاون بين وزارة الشؤون الاجتماعية والصحة والتربية والداخلية، وهي تتشاور منذ قرابة العام ونصف عام لتذليل العقبات: “حين تجتمع هذه اللجنة نكون قد اتفقنا واصدرنا توصيات، بعدها نتجه الى ورشة عمل مع وكالات الامم المتحدة المعنية: مفوضية شؤون اللاجئين “اليونيسيف” وسواها من الشركاء بالتعاون مع المجتمع المدني المعني في قضية المسائل القانونية مثل المجلس النروجي وسواه، وهكذا نكون وضعنا تسجيل الولادات من ضمن الشراكة مع المجتمع الدولي ووكالات الامم المتحدة المعنية”، تقول بطرس.
هل من توقع لنسبة تسجيل محددة وفي اية فترة زمنية؟
تؤكد بطرس “نحن بصراحة نعمل على هذا الملف منذ قرابة العام ونصف عام، ونقوم بتذليل العقبات لاكتشاف الفجوات التي تؤدي الى ان 92 في المئة من النازحين مسجلين لدى مفوضية اللاجئين التابعة للامم المتحدة، بينما لدينا نسبة 31 في المئة فحسب مسجلين في سجل الاجانب مع كل الجهود والتعاميم التي اصدرتها هذه الدائرة في وزارة الداخلية. نبدأ حاليا عملية حث كل الاطراف بأن يقوم كل طرف بالمهام الموكلة اليه، فاذا قامت وزارة الداخلية بالتسجيل بشكل مباشر في شمال لبنان والمخيمات والمآوي الجماعية، حينها ترتفع هذه النسبة. نحن لا يمكننا ان نعطي رقما في هذا الموضوع قبل ان نرى طريقة تنفيذه على الارض، حينها نرى اذا كانت توجد فجوة واين يمكننا ان نحسن وان نطور، لأن وزارة الشؤون الاجتماعية هدفها اليوم التأسيس لتسجيل ولادات النازحين السوريين وهذا ما يسهل العودة لاحقا”.