“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة
مرّت 5 أيام وأخبار الطبيب اللبناني ريشار خرّاط منقطعة في سجون الامارات العربية المتحدة، في حين أن لبنان الرسمي يتابع هذه القضية الجديدة لاعتقال لبناني في دولة خليجية بطريقة دبلوماسية تقليدية لا ترقى الى مستوى الحدث. وعلم موقع “مصدر دبلوماسي” بأن القضية وضعت في عهدة مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم الذي يتابعها منذ اليوم الاول. وبحسب المعطيات التي حصل عليها موقعنا أن “لا جواب من السلطات الاماراتية لغاية اليوم حول مصير ريشار خراط، بل صمت مطبق…للأسف” بحسب ما قال لنا مصدر لبناني مسؤول فضّل ابقاء هويته طي الكتمان.
يتصدّر وسم #ريشار_خراط “تويتر” في لبنان منذ 3 آذار الجاري، وخراط هو طبيب نسائي لبناني من مدينة زحلة، قصد أبو ظبي في الامارات العربية المتحدة لتقديم امتحان طبي، وألقي القبض عليه من قبل الأمن الاماراتي بينما كان في الفندق ولا يزال مصيره مجهولا. وعلى عكس “التراند” على السوشال ميديا فإن معظم الاعلام اللبناني اختار التعتيم على القضية باستثناء نشر بيان لنقابة الاطباء، وبيان لمحامية الاعلامية في قناة أل بي سي نيكول الحجل التي اتهمت خراط منذ عام بـ“الاهمال” الذي أودى بجنينيها وكان حاملا في الشهر السادس. في الواقع أن الحجل مع الاعلامية ديما صادق تتصدران “تراند” “تويتر” لبنان ايضا، لكن من ضمن حملة مضادة لمناصري الطبيب خرّاط يتهمون بمعظمهم المذيعتين اللبنانيين بالتواطؤ مع الامن الاماراتي لالقاء القبض عليه. (القضية).
بحسب معلومات موقع “مصدر دبلوماسي” لا يوجد دليل ملموس يمكن الركون اليه لاتهام المذيعتين، لكنّ أداؤهما طيلة عام كامل من تاريخ خسارة الحجل لجنينيها سلّط عليهما الاضواء، ووضعهما في دائرة الشكوك، وخصوصا وأن صادق التي تقدم برنامجا نقديا على قناة “أم تي في”، اعترفت بأنها تقود حملة ضد الطبيب منذ عام نصرة “لصديقتها”. كما أن روّاد “تويتر” واصدقاء الطبيب رصدوا “ريتويت” لديما صادق لأحد المواطنين الاماراتيين يدعو فيه النائب العام المستشار حمد الشامسي لاعتقال خراط على خلفية تغريدة اعتبرت مسيئة لحكام الامارات، ورصدوا أيضا أن الحجل كانت تتابع حساب الشخص الاماراتي :” صقر”، وبعد اندلاع الحملة ألغت متابعتها له.
كل هذه المعطيات توجّه الشكوك الى “تواطؤ” أو “وشاية” حرّكت الامن الاماراتي على خلفية قضية الحجل التي استثمر المعنيون فيها في تغريدات لخرّاط فأطبق الأمن الامارتي عليه في الفندق.
تعاطي الاعلام اللبناني: الخوف من الخليج
وكما في كلّ قضية اعتقال في بلد خليجي، يختار الاعلام اللبناني التفرّج والاكتفاء بنقل البيانات الرسمية التي تصدر عن الاطراف. ولولا وسائل التواصل الاجتماعي والحملة المستمرة بقوة من لبنانيين يطالبون بالافراج عن خرّاط، بالاضافة الى ندوة استضافها تطبيق “كلوب هاوس” منذ يومين لبقيت القضية مكتومة ولما تحوّلت الى قضية رأي عام.
يخاف الاعلاميون اللبنانيون والصحافيون بشدة من سطوة الدول الخليجية في مجال الاعلام، وخصوصا المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، إذ تستحوذ هاتان الدولتان على ملكية معظم وسائل الاعلام، سواء وسائل اعلام محلية أو تلك الاجنبية بنسختها العربية، وبالتالي فإن أي اساءة لهذه الدول تسبب أضرارا للاعلاميين وتفقدهم القدرة على خرق اسواق العمل ليس في الدول الخليجية فحسب وإنما في لبنان أيضا. وقد حصلت أمثلة كثيرة من هذا النوع سواء مع الاعلامي جاد غصن أو سواه.
بكل الاحوال، فإن دور الاعلام الموضوعي والمتزن والذي يحمل رسالة انسانية هو تسليط الاضواء على القضايا ونقلها للناس، ومناصرة المظلومين كأفراد أو كجماعات. إن استسهال دول عدة اعتقال لبنانيين بدرجة عالية من الثقة بالنفس، أمر لا تجرؤ عليه مع جنسيات أخرى ليس فقط الأميركية او البريطانية ولكن من دول عربية ايضا لأنها تعرف بأن هنالك رأي عام ودول ستتابع القضية، أما في لبنان فإن السلطات المحلية قررت ومنذ زمن بعيد أن يبقى “حيطها واطيا” كما يقول المثل الشعبي اللبناني، لأن معظم الموجودين في هذه السلطات لديهم مصالحهم في تلك الدول ويفضلون الصمت على المطالبة بالافراج عن مواطنيهم.
بكل الأحوال، ريشار خراط هو حلقة جديدة من سلسلة اعتقالات تطاول اللبنانيين، والمزعج في هذه القضية هو وجود شكوك قوية بأن ثمة وشاية ضده من مواطنيه أدت الى تحرك السلطات الاماراتية واعتقاله.
في الختام، إن دولة كالامارات العربية المتحدة تمكنت من ارسال مسبار اماراتي للمرة الاولى الى كوكب المريخ ما استدعى تهنئة من وكالة الفضاء الاميركية “ناسا”، وتعدّ من اكثر دول المنطقة تقدما في التنمية والتكنولوجيا، وتسعى لتكون دولة اقليمية مسموعة الكلمة ومؤثرة في قضايا الشرق الاوسط، وحكامها نجحوا بأن يجعلوها محطّ اهتمام الدول الغربية وملتقى لكبرى المناسبات العالمية، لا يجب أن تتأثر بتغريدة لمواطن ما، حتى لو كانت مسيئة. المنطق يقول أن الطبيب خراط ليس شخصية مؤثرة الى هذا الحدّ، حتى أن الكثير في لبنان لم يسمعوا به الا بعد اعتقاله. فالقليل من اتساع الصدر لا يضرّ هذه الدول لأن تغاضيها عن “انزلاقات” بعض الناس يجعلها أهم ويسجّل لها مركزا متقدما في سجل الدول التي تحترم حرية التعبير، والأهم لأن هذه التغريدات وسواها لم تؤذها البتة ولن تؤثر عليها او على مركزها المرموق عالميا والمسؤولون فيها يدركون ذلك تماما.