“مصدر دبلوماسي”-مارلين خليفة:
بادر وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في زيارته الى لبنان الاسبوع الفائت الى تقديم عروض مساعدة جديدة للبنان من بينها ما يتعلق بأمنه الغذائي وتزويده بالقمح وباستعداد بلاده لمدّ لبنان بالغاز والكهرباء في حال تعذّر مشروع استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الاردن، ووضع عبد اللهيان المسؤولين اللبنانيين في تطورات محادثات فيينا والمفاوضات الايرانية مع المملكة العربية السعودية التي تمّ تجميدها والتي كادت ان تؤدي الى تغيير المشهد الكامل في المنطقة. تقرير خاص يلقي الضوء:
جاءت زيارة وزير خارجية ايران حسين أمير عبد اللهيان الى بيروت بعد دمشق الاسبوع الفائت بموازاة حركة عربية خليجية تظهّر سباق نفوذ مستعر في الشرق الاوسط السائد القابع على رمال متحركة. ترجمت دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لزيارة الامارات العربية المتحدة كسرا خليجي للعزلة التي تلفّ دمشق منذ بدء الحرب في العام 2011 ما يقرأ فيه الدبلوماسيون تمهيدا لعودة سوريا الى مقعدها في جامعة الدول العربية، ثم اجتماع ثلاثي في “شرم الشيخ” ضمّ الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان ورئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت. في هذا السياق الاقليمي جاءت زيارة عبد اللهيان لتتزامن مع اجتماع خماسي يوم الجمعة الفائت في النقب جمع وزراء خارجية اسرائيل يائير لبيد والولايات المتحدة الاميركية انطوني بلينكن والامارات عبد الله بن زايد والبحرين عبد اللطيف بن راشد الزياني والمغرب ناصر بوريطة ومصر سامح شكري. إن هذين الملتقيين الاقليميين يتزامنان ايضا مع محادثات فيينا بين ايران والولايات المتحدة الاميركية حول اتفاق نووي جديد، على وقع استهداف حركة “أنصار الله” الحوثية في اليمن لمنشآت شركة أرامكو في جدّة، ومنشآت حيوية في العاصمة السعودية الرياض وذلك بدفعة من الصواريخ المجنّحة والطائرات المسيّرة في ما يسمى “عملية كسر الحصار الثالثة”. اعقب ذلك اعلان حركة “انصار الله” وقفا لاطلاق النيران لأيام معدودة تعبيرا عن حسن النوايا، ولاقتها السعودية ايضا بقرار وقف لاطلاق النيران علما بأن الرياض تستضيف ما دشنه مجلس التعاون الخليجي تحت عنوان مؤتمر الرياض للمشاورات اليمنية اليمنية بمقاطعة من اليمنيين الحوثيين.
لا يربط الايرانيون بحسب مصادر موثوقة على اطلاع ناجز على مناخ طهران زيارة عبد اللهيان بأي حدث اقليمي. بالتركيز على الزيارة الى لبنان فإن رسالتين أراد الوزير عبد اللهيان نقلهما للمسؤولين اللبنانيين: تتعلق الاولى بآخر تطورات محادثات فيينا والثانية بالمشارورات بين ايران والمملكة العربية السعودية في العاصمة العراقية بغداد وبرعاية وثيقة من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي.
تأتي زيارة رأس الدبلوماسية الايرانية انطلاقا من حرص ايران على التشاور مع اصدقائها من دول المنطقة، وتقديم اقتراحات حول آلية تجاوز العقوبات الاميركية في حال عدم التوصل الى اتفاق في فيينا حول آلية العمل المشتركة، لأن فرص ابرام اتفاق وعدمها يبدو بأنها متساوية، ما يحتّم التفكير في كيفية تجاوز العقوبات الاميركية وخصوصا للبنان وسط ازمته الخانقة. في هذا السياق علم موقع “مصدر دبلوماسي” من مسؤول رفيع واكب زيارة عبد اللهيان بأن الأخير نقل استعداد ايران لتزويد لبنان بالكهرباء والغاز في حال حصل أي تأخير في استجرار الطاقة من الاردن والغاز من مصر وخصوصا وان المحطات الايرانية قائمة في العراق. إلا أن عبد اللهيان وبحسب المسؤول ذاته، لم يتطرق الى هذا الموضوع في تصريحاته العلنية منعا لإحراج الدولة اللبنانية، مكتفيا بالكلام عن استعداد طهران بتزويد بالقمح وببناء معملين للكهرباء، وتطوير العلاقات الثنائية وتعزيز مجال المساعدات للبنان وقد أضيف الى الحديث عنها مواضيع الطاقة والامن الغذائي .
وبالتالي فإن عبد اللهيان كان واضحا في احاديثه مع المسؤولين اللبنانيين أنه في حال فشل ابرام اتفاق نووي في فيينا فإن العمل سينصبّ على اخذ استثناءات للبنان من الاميركيين كما جرى في العراق الذي استثني من العقوبات الاميركية في مجال الغاز والكهرباء. ويبقى أن الخيار متروك للبنانيين “اذا ارادوا الشغل مع ايران ام لا” بحسب تعبير المصدر المسؤول.
في ما يخص المفاوضات مع المملكة العربية السعودية، فإن وضع ايران المسؤولين اللبنانيين في اجوائها يصب ايضا في اطار طمأنة لبنان كما دول المنطقة ووضعهم بصورة التطورات في “العراق وسوريا ودول الخليج الفارسي” بحسب تعبير المصدر المسؤول ذو الاطلاع الناجز على المناخ الايراني الذي رفض الكشف عن هويته. فجولة المحادثات الجديدة في بغداد الغيت بسبب ما يسميه الايرانيون “المجزرة التي ارتبكها ولي العهد السعودي بحق 81 شخصا منهم 50 من شيعة القطيف بلا أي وازع”. ويقول المصدر الآنف الذكر:” لولا هذه المجزرة لاختلف المشهد في المنطقة”. يكشف:” كنّا نشهد تقدّما جيّدا في المفاوضات مع السعودية وبينها ملفات حيوية للسعودية في المنطقة حيث كان يمكن مشاهدة تقدم ملحوظ فيها، لكن هذه المجزرة عرقلت الامور، في انتظار ان تعاود السعودية وولي عهدها مقاربة الامور بعقلانية”. ويلفت المصدر:” إن اعلان وقف اطلاق النيران في اليمن هو مثلا دليل عقلانية نتمنى أن تنتقل بصماتها الى الداخل السعودي، وأن يترافق ذلك ايضا مع وقف حصار اليمن وادخال المساعدات الانسانية”. ويبدو ان معادلة الامن والرخاء للجميع او الحرب للجميع هي السائدة في التوصيف الايراني لمشهد الحوادث المتتالية اخيرا من دون ان يعني ذلك تهديدا بحسب العارفين.
عودة سفير المملكة الى لبنان “لا تقدم ولا تؤخر”
لا يعلّق المسؤولون الايرانيون أية اهمية على قرار السعودية ودول الخليج إعادة الأمور الى مجاريها مع لبنان وتشريع خطوط التواصل مع الأسد في سوريا. “طالما شجعت ايران كل الاطراف للعودة الى سوريا وتحدثت عن عدم جواز مقاطعتها دبلوماسيا، فالحلول لا تأتي بالانقطاع بل بالحوار”. الأمر سيّان بالنسبة الى لبنان حيث لم تنظر ايران بعين الرضى الى المقاطعة الدبلوماسية التي وقعت فجأة في حدث يعتبره الايرانيون خارج سياق الاعراف بين الدول وخارج سياق الاحداث ودليل على “عدم استنداد السياسة التي ينتهجها ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان على أية قواعد علمية أو عقلانية بل على مزاجية مفرطة في ردود الفعل”، بحسب تعبير المسؤول المذكور.
يرى الايرانيون بأن عودة سفير المملكة العربية السعودية الى لبنان وليد البخاري “لا تقدّم ولا تؤخر” وهي “طبيعية” فلبنان “بلد عربي وموجود في الساحة العربية ويحتوي الكثير من التنوع لذا تتفهم ايران هذا الامر بالعمق وهذا سرّ نجاحها في لبنان”.
بالعودة الى إعادة الوصل الدبلوماسي بين دول الخليج ولبنان يعلّقٌ المصدر الموثوق:” السعودية ودول الخليج لم تترك لبنان بالسياسة، ولم يكن سحب السفراء سوى مناورة غير محسوبة”، ويسأل:” هل تزيد عودة سفير ما من نفوذ الدولة أم لا؟ هل تحسّن عودة السفير البخاري مثلا من الوضع السعودي أم لا؟ وقبل التسرّع وقول البعض أن العودة الخليجية تأتي على حساب ايران يجب التمعّن بدراسة الواقع السياسي فنفوذ الدول لا يرتكز على حوادث يومية أو موسمية”.
اولويات مختلفة للمجتمعين في شرم الشيخ والنقب
إذا كان لبنان وعودة الدول الخليجية اليه لا يؤثر على نفوذ ايران فماذا عن الاجتماعين الاقليميين في شرم الشيخ والنقب؟ وهل يعرقلان اقرار الاتفاق النووي؟
يعتبر الايرانيون أن المجتمعين لديهم اولويات مختلفة تماما،” فالصهيوني يهتم لمواجهة ايران، بينما لا توجد هذه النية عند المصري الذي يهتم أكثر للاستثمارات الاقتصادية، أما الامارات العربية المتحدة فمتعددة المصالح من دون اغفال علاقات جيدة تربطها مع ايران في نواح عدّة، وهذه الاجتماعات لا تؤثر البتة على مفاوضات فيينا لأن تفاصيل الاتفاق النووي مختلفة تماما”.
مستوى تخصيب اليورانيوم قد يصل الى 90 في المئة
أبرز العوائق الحقيقية التي تعرقل اقرار الاتفاق النووي تتعلق بآلية رفع العقوبات وموضوع الغاء الولايات المتحدة الاميركية لادراج الحرس الثوري على لائحة الارهاب وعدم وجود ضمانات اميركية بعدم التراجع عن التعهدات. يختصر المسؤول المذكور الوضع بقوله: “إن 95 في المئة من الموضوعات تمّ حلّها وتبقى 5 في المئة”. مشيرا الى “أن العالم تغير منذ اقرار الاتفاق النووي في العام 2015 والعودة الى الاتفاق تحتاج الى مزيد من الدراسة، كان مستوى التخصيب في العام 2015 هو 3،76 وبات 60 في المئة في العام 2022 مع زيادة كبرى في اجهزة التخصيب التي لم تعد محددة، وثمة قدرات في العلم النووي الايراني تطورت وهي قادرة على أن توصل مستوى التخصيب الى 90 في المئة إلا أن ما يوقف الامر هو الارادة السياسية. وبالتالي إن الغاء الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب للاتفاق النووي الاصلي في العام 2018 شكل حماقة موصوفة”.