“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
وثّق “حزب الله” الملفات الكاملة للفساد في الادارات اللبنانية وإدارة السلطة القضائية لها طيلة 4 اعوام وتحديدا بين عامي 2018 و2022 وذلك في كتاب توثيقي خاص صدر اخيرا حمل عنوان: “الفساد والقضاء الملفات الكاملة”.
يعتبر هذا الكتاب ترجمة عملانية لقرار اتخذه “الحزب” وأعلن عنه أمينه العام السيد حسن نصر الله في خطاب ألقاه في 31 آذار من العام 2018، تحت عنوان “مشروع مكافحة الهدر والفساد” أشار فيه الى أن:” قضية مكافحة الهدر والفساد اولوية وطنية مطلقة، ونحن سنلتزم ونعمل على اساس هذه الاولوية في المرحلة المقبلة، وصار لزاما على الجميع ان يتعاطوا مع قضية الهدر والفساد في جميع ادارات ومؤسسات الدولة لما يرتبط بالمال العام، باعتبارها احد أهم الاسباب التي ستدفع البلد الى الكارثة”. واسبغ السيد نصر الله على مهمة مكافحة الفساد صفة “المهمة الجهادية والوطنية” وقال أنها:” لا تقلّ قداسة عن مقاومة الاحتلال والمشروع الصهيوني بالمنطقة(…)”.
إن تقديم مكافحة الفساد الى درجة “الجهاد” ليس تفصيلا لدى حزب يرفع شعار الاسلام والمقاومة والجهاد، حتى أن شورى “حزب الله” اصدرت قرارا رسميا حول الاهداف والسياسات العامة في ملف مكافحة الفساد في الدولة اللبنانية تناول الاهداف العامة والمرشدات والضوابط التي تحكم هذا الملف موثقة كلها في الكتاب. صحيح أن النائب حسن فضل الله الذي تسلم هذا الملف قال في مؤتمر صحافي في العام 2020 بأن مكافحة الفساد “ستكون بالقانون”، إلا أنه عاد وقال في المؤتمر الصحافي ذاته في 8 أيار 2020 بأنه “انطلقنا في خطواتنا العملية من مجموعة ضوابط ومعايير دينية واخلاقية وقانونية سبق لأمين عام “حزب الله” سماحة السيد حسن نصر الله ام شرحها في مناسبات عديدة”.(…). وحملت كلمة فضل الله اتهاما بالعرقلة للقضاء اللبناني إذ قال:” إن واحدة من العقبات التي واجهناها هي تذرع بعض القضاة بنصوص قانونية كالحصانات، وغيرها الكثير، وهي نصوص نعمل على تطويرها لتتلاءم مع اولوية مكافحة الفساد، مع العلم أن بعض القضاة يماطل او يخفي ملفات في الادراج او يتواطأ مع الفاسدين، ومسؤولية التحقيق معهم ومحاسبتهم تقع على هيئة التفتيش القضائية (…)”.
يمهّد رسم تفصيلي يشرح توزّع الاموال العامة للدخول الى ما يصح تسميته “صندوق باندورا” للفساد في لبنان بأقسام ثلاثة: الملفات المالية وتندرج تحت هذا العنوان 4 عناوين: الحسابات المالية للدولة، ملف الغاء قرض بقيمة 400 مليون دولار، ملف تخفيض واصلاح الموازنات وملف التلاعب بالعملة الوطنية.
القسم الثاني يتعلق بالملفات الانمائية وتندرج تحتها عناوين: الصرف الصحي، قطاع الاتصالات، مشروع النقل الحضري، رسم المشتقات النفطية وسدّ بريصا. القسم الثالث يتعلق بالاخبارات والشكاوى والرابع بالتشريعات.
كيف يبدأ الفساد بمالية الدولة؟
إن فهم كيفية هدر اموال الدولة خارج دائرة القانون او عبر الاحتيال عليه، والعمل على عدم مسك الحسابات المالية للدولة اللبنانية وفق الاصول وعدم اقرار قطوعات الحساب للموازنة السنوية وفق ما ينص عليه الدستور يمكننا من فهم الفوضى العارمة في مالية الدولة والذي ادى الى خسارتها مليارات الدولارت.
إن ما يطرحه هذا الكتاب يشمل “الالاعيب ” التي طاولت الهبات والقروض وسلفات الخزينة والتلاعب بمستندات وزارة المال.
لنأخذ مثلا يتعلق بالهبات حيث تلقى لبنان هبات من جهات عدة قبلت وأنفقت من دون احترام الاصول القانونية ولم تفتح لها اعتمادات في الموازنة ما أدى الى شبهات كبيرة حول اختلاسات وهدر وانفاق غير قانوني. اولى الاصول القانونية لمسار الهبات هو صدور مرسوم عن مجلس الوزراء بقبول الهبة، وتسجيل قيودها في الواردات، وايداعها في الحساب المفتوح لدى مصرف لبنان باسم الخزينة العامة ويحظر فتح حساب خاص لها وتخضع الهبة لرقابة ديوان المحاسبة الادارية المسبقة. لكن كثيرة هي الهبات التي لم تقبل بحسب الاصول أي بموجب مرسوم ما نتج عنه ان قطوعات الحسابات لم ولن تلحظ قيمة الهبة الفعلية ولا كيفية التصرف بها! وتبين وثائق وجداول نشرها الكتاب أن هنالك هبات دخلت حسابات الخزينة في مصرف لبنان غير انه جرى تسجيلها في الحسابات المؤقتة (حسابات الفئة 4) وذلك بسبب عدم صدور مراسيم قبولها في مجلس الوزراء، كما أن 8 في المئة فقط من مراسيم قبول الهبات الصادرة منذ العام 1997 حتى العام 2010 تم قيدها، بينما 91 في المئة لم يتمّ قيدها وهي تشمل كل الوزارات والهيئات والمجالس. ومن النماذج الفاقعة” هبات دخلت الى لبنان بين اعوام 2005 و2006 و2007 بقيمة 3 مليارات دولار من ضمنها مساعدات حرب تموز 2006 إلا انها لم تدخل الى حساب الخزينة، كذلك الهبة الاوروبية لدعم الاصلاح المالي وقيمتها 20 مليون يورو والتي لم تقيّد في الواردات بل جرى قيدها في حساب مؤقت ثم نقلت الى حساب الامانات وحولت مبالغ منها للهيئة العليا للاغاثة ولصندوق الخزينة المخصص لمشروع برنامج الامم المتحدة للتنمية في وزارة المال دون ان تكون هناك اشارة في قرار مجلس الوزراء تجيز مثل هذا الامر.
هبات ذهبت رواتب مستشارين
ويلفت الكتاب الى أن ثمة هبات كثيرة صرفت مبالغها على استشاريين وموظفين من خارج الادارة، دون أية معايير واضحة او دراسة جدوى، رغم وجود موظفين اكفاء في الادارة، ويقع جزء من تلك الاعمال في صلب وظائفهم.
القروض
تبيّن المستندات المقدمة الى القضاء حجم التلاعب بحسابات القروض والفوضى في القيود، ما يخفي هدرا كبيرا، وقد شابت عملية الاقتراض مشاكل عدة منها “عدم مسك الحسابات بصورة صحيحة ما ادى الى فروقات وخصوصا ان من كان يدير عمليات الدين الخارجي هو فريق برنامج الامم المتحدة للتنمية، وقد تركت دائرة الدين العام دون قدرات تمكّنها من القيام بواجبها، ولأن الفريق الذي أوكبت اليه المهمة هو استشاري من خارج الادارة، فإنه لم يوفّر المعلومات الكاملة عن حجم القروض المعقودة بالعملة الاجنبية”. وقد بلغ الفارق في حساب القروض 6 مليار دولار، في نهاية فترة معينة. تنسحب الفوضى على سلفات الخزينة والتلاعب بمستندات وزارة المال حد التلاعب بقيود الحوالات ورصيد الحسابات. ويكشف احد المستندات المنشور بتفاصيله عن امور مالية خطرة، من بينها تحوّل رصيد بعض الحسابات من دائن الى مدين ما يخفي تلاعبا كبيرا دفعت المعنيين الى طرح سؤال في هذا المستند عن مصير هذه العمليات وتأثيرها على رصيد الحسابات؟ ويتضمن الكتاب التفاصيل والوثائق الكاملة لملف الغاء قرض بقيمة 400 مليون دولار اميركي في العام 2019 بعد اثارة الموضوع في الهيئة العامة لمجلس النواب حيث تم كشف حجم الهدر ما أدى الى الغاء القرض الذي كان معدّا للانفاق على مشاريع لا جدوى منها ومنها نفقات مستشارين!
ملف التلاعب بالعملة الوطنية
قدّم حزب الله عبر نوابه اخبارا في العام 2020 الى المدعي العام المالي حول تحويل ملايين الدولارات من قبل المصرف المركزي واصحاب مصارف وصرافون واودع الملف لدى الهيئة الاتهامية في بيروت.
الملفات الانمائية:
في الانماء تم تقديم ملفات عدة للقضاء منها في العام 2020 اخبار الى القضاء المختص وتسليم مالمستندات عن هدر بقيمة تصل الى مليار دولار بحسب الادعاء القضائي أما الجهة المسؤولة فتتمثل بمجلس الانماء والاعمار وشركات متعهدة والملف هو عند قاضي التحقيق الاول في بيروت وقائع هذا الملف منشورة كاملة في الكتاب مع الوثائق وكذلك في ملفات الاتصالات (الانترنت غير الشرعي، التخابر الدولي غير الشرعي، الهدر في مشروع الفايبر اوبتيك، الهدر في تلزيم شركة ليبان بوست لخدمات البريد)، وفي مشروع النقل الحضري، وايضا في موضوع استيفاء الرسم الجمركي على المشتقات النفطية، وسدّ بريصا من حيث الاعتراض على القرض الاضافي في الهيئة العامة لمجلس النواب وطلب اجراء تحقيق ويبلغ حجم الهدر بحسب الوثائق والمستندات 8 مليون دولار.
التشريعات
يورد الكتاب بأن احد المسارب الاساسية للفساد والهدر في الدولة اللبنانية هو عدم تطبيق القوانين، فضلا عن وجود فراغ تشريعي احيانا او قوانين بحاجة الى تعديل، وهو ما كان محل التزام من كتلة الوفاء للمقاومة في برنامجها الانتخابي”. ويشير الكتاب الى أن “حزب الله” اعتمد مبدأ اساسيا هو تحقيق الهدف سواء عبر تقديم كتلته لاقتراحات القوانين او السير بالاقتراحات المقدّمة من نواب آخرين، ولذلك لم يتقدّم باقتراحات انجزها، لأنها كانت مسجّلة في قلم المجلس وأبرزها رفع السرية المصرفية وقانون الشراء العام”. بناء عليه تقدمت “كتلة الوفاء للمقاومة” بعدة قوانين لمكافحة الفساد منها: رفع الحصانات عن الرؤساء والوزراء لتتم محاسبتهم امام القضاء العدلي، لأن اغلب الفساد هو بسبب سلطة هؤلاء على المال العام. وكذلك تعديل قانون الموظفين للحدّ من الحصانة الممنوحة لهم. كما تقدّمت بقانون كسر الاحتكارات المعروف بقانون المنافسة، وكذلك قانون تعديل صلاحية هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان المعنية بتعقب الاموال المتأتية من الفساد. وتم اقرار اغلب القوانين التي شاركت الكتلة في تعديلها وكذلك اقرار اقتراحاتها ومنها: قانون المنافسة وتعديل قانون الموظفين، بينما بقيت الاقتراحات الاخرى في اللجان، وأهمها رفع الحصانات، لأنه لم يمرّ في الهيئة العامة خلال التصويت عليه.
الملفات التي تم التوصل فيها الى نتائج نهائية:
صدور تقارير عن ديوان المحاسبة: التدقيق في سلفات الخزينة لغاية العام 2018، التدقيق في قطوعات الحساب لعامي 1997 و2018، مشروع النقل الحضري، المخالفات في عقد الليبان بوست.
*الغاء قرض من دون جدوى بقيمة 400 مليون دولار.
*تخفيض في الموازنات العامة بحدود 150 مليون دولار.
*تخفيض الانفاق في شركتي الخليوي بحدود 100 مليون دولار سنويا.
*اصدار حكم مبرم ضد صاحب شركة في التخابر الدولي غير الشرعي.
*اعادة النظر بعقد مع شركة “ليبان بوست”.