“مصدر دبلوماسي”- مارلين خليفة:
لم يطرأ أي تحسّن ملموس على العلاقات اللبنانية السعودية بالرغم من جرعات تفاؤل مبالغ فيها يشيعها البعض في لبنان: فلا المنتجات اللبنانية مسموح دخولها بعد الى اراضي المملكة، ولا حتّى أي بريد قادم من لبنان حتى ولو عبر الـ”دي أتش أل”، ولا أي حركة ترانزيت لطائرة لبنانية، ولا يزال اللبنانيون الذين لم يتلقوا جرعة لقاح ضد كورونا في المملكة ينتظرون 14 يوما في خارج الأراضي السعودية قبل السماح لهم بالدخول اليها. كل ما حدث في اليومين الماضيين هو أن جهود السفير السعودي في لبنان وليد البخاري أثمرت لجهة عودته الى لبنان لمتابعة ودعم حلفاء المملكة العربية السعودية في الانتخابات النيابية القادمة وسط تخبّط في التحالفات المناطقية بسبب الارباك السني في الترشح ونسج التحالفات النيابية، وقد سهّل اخراج هذه العودة المحتملة خلال أيام وكذلك قرار بإعادة سفراء لبنان الى مراكزهم في اكثر من دولة خليجية مناشدات للبطريرك الماروني وقيادات حزبية وبيان لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ورغبة لدى المملكة “بعدم ترك حلفائها مستفردين تعبيرا عن وفائها لهم”، بحسب اوساط دبلوماسية واسعة الاطلاع على الموقف السعودي، كل ذلك مقرون برغبة فرنسية بعدم ترك الساحة فارغة أمام ايران و”حزب الله” وهو ما تتلاقى به مع القيادة السعودية وقد أدار هذه العملية كلها رئيس جهاز الأمن الخارجي السفير الفرنسي السابق في لبنان برنار إيمييه.
في الوقائع
بعد تراجع الملف اللبناني بشكل ملحوظ في الاروقة الفرنسية بسبب الازمة الاوكرانية، بدا جليا أن المملكة العربية السعودية اعادت احياء المسار الفرنسي الذي كان شاقا معها وذلك عبر سلسلة لقاءات دبلوماسية خلف الاضواء طوقت الازمة الدبلوماسية الطويلة بين البلدين والتي توجت بطرد سفراء لبنان من السعودية والكويت والبحرين والامارات في مقابل سحب سفراء هذه الدول من بيروت. وبعد التصريح الذي أدلى به رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أول من أمس معربا عن استعداد لبنان لاعادة العلاقات الطبيعية مع دول الخليج ومتحدثا عن عناوين تهم هذه الدول، كان لافتا تأكيد ميقاتي “إلتزام لبنان باتفاقية الرياض للتَّعاون القضائي وتسليم المطلوبين إلى المملكة العربية السعودية”، مشدداً على “أن الحكومة اللبنانية ستعمل على منع استخدام القنوات المالية والمصرفية اللبنانية لإجراء أي تعاملات مالية قد يترتب عليها إضرارًا بأمن المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي”، وفي هذا البند بالذات من تصريح ميقاتي علم موقع “مصدر دبلوماسي” من اوساط دبلوماسية واسعة الاطلاع ان المقصود هو طمأنة المملكة العربية السعودية الى عدم رغبة لبنان بتبييض اموال الكبتاغون وعدم تسهيله لتهريب أموال موقوفي الريتز المتهمين بتبذير أموال السعودية والاطباق عليها”.
كما شدّد بيان ميقاتي على “الإلتزام بما تضمنته بنود المبادرة الكويتية”.
وشدّد ميقاتي على “ضرورة وقف كل الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية التي تمس سيادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وأمنها واستقرارها والتي تنطلق من لبنان وعن مكافحة أكبر لتهريب المخدرات، لاقت الخارجية السعودية كلام ميقاتي ببيان مقتضب لا يتعدى الاسطر الستة على عكس بيان ميقاتي. قال البيان:”نرحب بما تضمنه بيان رئيس الوزراء اللبناني من نقاط إيجابية، ونأمل بأن يُسهم ذلك في استعادة لبنان لدوره ومكانته عربيا ودوليا”، مؤكدا “تطلع المملكة إلى أن يعم لبنان الأمن والسلام، وأن يحظى الشعب اللبناني الشقيق بالاستقرار والأمان في وطنه والنماء والازدهار”.
صحيح بأن الاتصالات الدبلوماسية الفرنسية والكويتية وعبر جامعة الدول العربية ومصر افضت الى تليين في موقف السعودية عبرت عنه عن استعدادها في الاسهام بمبلغ مالي قدره 36 مليون دولار في صندوق مشترك مع فرنسا هدفه انساني وسيمول منظمات انسانية ومن المجتمع المدني وليس الحكومة اللبنانية، لكن عقارب الساعة لم تعد الى ما قبل اندلاع الازمات الدبلوماسية المتتالية مع السعودية المتشبثة بعروبة لبنان وباتفاق الطائف وباحتضان الطائفة السنية، وبالتالي فإن جرعات التفاؤل هي في غير محلها وسط عدم تغير ظاهر في الخطاب الرسمي اللبناني وآخر فصوله حديث رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لصحيفة “لاريبوبليكا” الايطالية، إذ جدد التأكيد “على ان ليس لحزب الله من تأثير باي طريقة على الواقع الامني للبنانيين في الداخل، مشددا على ان الحزب الذي قام بتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي مكون من لبنانيين عانوا من الاحتلال و”مقاومة الاحتلال ليست إرهابا” .
وردا على سؤال أشار عون الى ان لبنان ليس دولة تحب الحروب بل “ان هناك اجزاء من اراضي لبنان وسوريا لا تزال محتلة. وعندما نتوصل الى تحريرها، لن تبقى هناك من مشاكل في ما يتعلق بنزاع عسكري، ويمكن الانطلاق بمسيرة مفاوضات سلام مع اسرائيل، لحفظ الحقوق والسيادة الوطنية وتحرير الارض والمياه”.
عودة البخاري بأجندة انتخابية فقط
وبالتالي في هذا السياق المتناقض بين نهج سعودي متشدد وكلام لبناني طالما اعتبره المسؤولون السعوديون “مكررا وغير مقترن بالأفعال”، فإن عودة السفير وليد البخاري العتيدة بحسب التسريبات الصحافية تبدو موضع ارتياب ولا يمكن فصلها البتة عن اقتراب الاستحقاق النيابي في 15 أيار المقبل، ولكن أيضا عن الارادة السعودية بالامساك المباشر بالملف السني بعد أن دفعت بكل السبل الى ابعاد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن القيادة السنية، في محاولة سعودية لأن تدير هذا الملف بنفسها أو بيديها كما يقول عارفون بالشأن السعودي بعد أن سئمت السعودية من الاعيب السياسيين اللبنانيين وتبديدهم لكل المساعدات التي قدمتها لهم طيلة اعوام.
وبالتالي، ليس ازمة اوكرانيا ومترتباتها هي السياق الذي تتم عبره قراءة الموقف السعودي، واذا كان من سياق اقليمي فيمكن الحديث عن ان المواجهة الاقليمية عادت مجددا مع ايران، بالرغم من كلام ولي العهد الامير محمد بن سلمان الى صحيفة “الاتلانتيك” عن “ايران الجارة”، فقد عادت العلاقات بين طهران والرياض الى توترها بعد تجميد الجولة الجديدة من المحادثات السعودية الايرانية في بغداد بناء على طلب ايراني إثر اعدام السعودية لـ81 ناشطا سعوديا من المعارضين.
ولعل المواجهة الاقليمية المحتدمة مع ايران والتي تظهرت في قمة شرم الشيخ أمس بين رئيس الحكومة الاسرائيلي نفتالي بينيت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان هي إحدى المؤشرات عن اقتناع المملكة العربية السعودية بأنه عليها أن تدير اللعبة الاقليمية بنفسها بالتعاون مع حلفائها في المنطقة في تنافس محموم بين محور السعودية الامارات مصر اسرائيل وبين محور ايران وتركيا وسيكون لبنان ساحة جديدة لهذا العراك الذي يحتّم حكما عودة التمثيل الدبلوماسي السعودي الى أرض لبنان الذي سيكون ساحة حامية جديدة على ابواب استحقاق انتخاب مجلس نيابي سيكون ناخبا لرئيس الجمهورية المقبل.
ليس في هذا التبدل في اللهجة السعودية أية انعطافة جذرية تجاه لبنان، ولا يمكن تفسيره سوى ابقاء عين سعودية جاحظة على الانتخابات النيابية لناحية الارادة السعودية بتقليم أظافر “حزب الله” وخصوصا عبر تقزيم حلفائه لصالح الجهات المعارضة له، كذلك ادارة وضع الطائفة السنية كي لا تقع بدورها في القبضة الايرانية.
صواريخ باتريوت اميركية للسعودية
لا يزال التوتر السعودي الايراني في أوجه، وخصوصا على خلفية الملف اليمني. وأمس نشرت صحيفة “الوول ستريت جورنال” تقريرا كشفت فيه بأن الولايات المتحدة ارسلت صواريخ باتريوت إلى السعودية تلبية لطلب عاجل. وقالت الصحيفة بأنه تم نقل الأسلحة في الشهر الماضي بعد أن سعى الجيش السعودي إلى إمدادات جديدة لصد الهجمات الصاروخية بطائرات مسيرة من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
وبالتالي لا يزال لبنان في عين العاصفة الاقليمية وليست الانعطافة السعودية سوى تكتيكية تمهيدا لمعركة جديدة قادمة مع ايران التي يزور وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان لبنان بعد دمشق.